المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: التمذهب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى العصر الحاضر - التمذهب – دراسة نظرية نقدية - جـ ٢

[خالد الرويتع]

فهرس الكتاب

- ‌الفرع الرابع عشر: الضعيف

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للضعيف:

- ‌الفرع الخامس عشر: المنكر

- ‌الفرع السادس عشر: الشاذ

- ‌الفرع السابع عشر: الطرق

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للطرق:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للطرق:

- ‌الفرع الثامن عشر: الإجراء

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للإجراء:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للإجراء:

- ‌الفرع التاسع عشر: التوجيه

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للتوجيه:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتوجيه:

- ‌المسألة السادسة: تفضيل مذهب من المذاهب

- ‌المبحث الرابع: أقسام التمذهب

- ‌الفصل الثاني: نشأة التمذهب، وتاريخه

- ‌المبحث الأول: نشأة التمذهب

- ‌المطلب الأول: حالة الناس قبل نشوء المذاهب

- ‌المطلب الثاني: نشأة المذاهب الفقهية

- ‌المطلب الثالث: أسباب نشوء المذاهب الفقهية

- ‌المطلب الرابع: أسباب بقاء المذاهب الفقهية الأربعة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ التمذهب

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التمذهب من نشأته إلى نهاية القرن الثالث الهجري

- ‌المطلب الثاني: التمذهب من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري

- ‌المطلب الثالث: التمذهب من القرن الثامن الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المطلب الرابع: التمذهب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى العصر الحاضر

- ‌الفصل الثالث: حكم التمذهب

- ‌تمهيد: في تقليد الميت

- ‌المبحث الأول: التمذهب بمذهب الصحابي(1)، والتابعي

- ‌المبحث الثاني: التمذهب بأحد المذاهب الأربعة الفقهية المشهورة

- ‌المبحث الثالث: التمذهب بغير المذاهب الأربعة

- ‌الفصل الرابع الأحكام المترتبة على التمذهب

- ‌المبحث الأول: طبقات المتمذهبين

- ‌المطلب الأول أبرز مناهج المتقدمين في تقسيم طبقات المتمذهبين

- ‌تمهيد

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تقسيم ابن الصلاح

- ‌المسألة الثانية: تقسيم ابن حمدان

- ‌المسألة الثالثة: تقسيم ابن القيم

- ‌المسألة الرابعة: تقسيم ابنه كمال باشا

- ‌المطلب الثاني: أبرز مناهج المتأخرين في تقسيم طبقات المتمذهبين

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تقسيم شاه ولي الله الدهلوي

- ‌المسألة الثانية: تقسيم محمد أبو زهرة

- ‌المسألة الثالثة: تقديم الدكتور محمد الفرفور

- ‌القسم الأول: المجتهدون اجتهادًا مطلقًا في الشرع

- ‌القسم الثاني: المجتهدون المقيَّدون بالمذهبِ

- ‌المطلب الثالث: الموازنة بين التقسيمات

- ‌المبحث الثاني: الانتقال عن المذهب

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: الانتقال عن المذهب إلى الاجتهاد

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المستقل

- ‌المسألة الثانية: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المنتسب

- ‌المطلب الثاني: الانتقال عن التمذهب بمذهب معين إلى التمذهب بمذهب آخر

- ‌المطلب الثالث: الخروج عن المذهب في بعض المسائل

- ‌المبحث الثالث: تتبع الرخص

- ‌توطئة

- ‌المطلب الأول: تعريف التتبع

- ‌المطلب الثاني: تعريف الرخصة في: اللغة، والاصطلاح

- ‌أولًا: تعريف الرخصة في اللغة:

- ‌ثانيًا: تعريف الرخصة في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: تعريف تتبع الرخص

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرخصة من العالم، وزلة العالم

- ‌المطلب الخامس: حكم تتبع الرخص

- ‌المبحث الرابع: التلفيق بين المذاهب

- ‌المطلب الأول: تعريف التلفيق في اللغة، والاصطلاح

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تعريف التلفيق في اللغة

- ‌المسألة الثانية: تعريف التلفيق في الاصطلاح

- ‌المطلب الثاني: صور التلفيق

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: التلفيق بين قولين في مسألة وفروعها

- ‌المسألة الثانية: التلفيق بين أثر القول وقول آخر في مسألة وفروعها

- ‌المطلب الثالث: أقسام التلفيق، وحكم كل قسم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: التلفيق في الاجتهاد

- ‌المسألة الثانية: التلفيق في التقليد

- ‌المسألة الثالثة: التلفيق في التقنين

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين التلفيق وتتبع الرخص

- ‌الفصل الخامس: أحكام المتمذهب

- ‌المبحث الأول: عمل المتمذهب إذا خالف مذهبه الدليل

الفصل: ‌المطلب الرابع: التمذهب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى العصر الحاضر

‌المطلب الرابع: التمذهب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى العصر الحاضر

لم يختلفْ حالُ الناسِ مِنْ حيثُ التمسكُ بالمذاهب في منتصفِ القرنِ الرابع عشر الهجري عمَّا سبق، فالعكوفُ على المذاهبَ، واكتفاءُ أربابِها بمذهبِهم كانت الصورةَ المهيمنةَ على الحالةِ العلميةِ، وقدَ ظَهَرَ لي أنَّ اهتمامَ كثيرٍ مِنْ المتمذهبين منصّبٌ على الفروعِ وتقريرِها، وكان هذا الاهتمامُ على حسابِ اهتمامِهم بأصولِ الفقهِ.

إضافةً إلى استمرارِ التعصبِ المذهبي في صفوفِ كثيرين مِنْ أربابِ المذاهبِ، وقد بيَّن الشيخُ عليٌّ بن حسن القنوجي (توفي قريبًا من منتصف القرن الرابع عشر)

(1)

أنَّ حالَ الناسِ في غالبِ الأقاليمِ في زمنِه على الأخذِ بما قاله إمامُ المذهب، بل إنَّ بعضَهم يعدُّ مَنْ خالفه خارجًا عن الشريعة المطهرة!

(2)

.

وقد ذَكَرَ الشيخُ محمد الطاهر بن عاشور (ت: 1394 هـ) أنَّ أحدَ

(1)

هو: علي بن حسن بن علي الحسيني البخاري القنوجي، أبو النصر، ولد ببهوبال سنة 1283 هـ ونشأ في مسقط رأسه، وقرأ مختصرات في علوم الآلة، وأخذ عن جماعةٍ من أعيان بلده، كان مهتمًا بعلم الحديث، بارعًا في الشعر الفارسي والهندي، قال عنه والده الشيخ صديق:"هو أحبُّ أولادي إلي، وإنْ كان قليل الاعتناء بالعلم، وبما لديَّ، لكن أرجو ربي أنْ يجعله من أهل العلم"، من مؤلفاته: الإقليد في رد التقليد، وله حواشٍ على مؤلفات أبيه، لم أقف على تاريخ وفاته، والذي يظهر لي أنه توفي قريبًا من منتصف القرن الرابع عشر الهجري.

انظر ترجمته في: التاج المكلل لصديق القنوجي (ص/ 531)، وأبجد العلوم له (ص/ 731).

(2)

انظر: القول السديد في أدلة الاجتهاد والتقليد (ص/ 63).

ص: 709

المالكيةِ في زمنِه قَبَضَ يديه في الصلاةِ، فأفتى العلماءُ بتضليلِه! وطلبوا مِنْ أميرِ بلادِهم أنْ يسجنَه أو يقتلَه!

(1)

.

إلا أنَّ ما ذكرتُه آنفًا عن الحالةِ العلميةِ قد بَدَأَ بالاختلافِ مِنْ منتصفِ القرنِ الرابع عشر الهجري تقريبًا؛ إذ ظَهَرَتْ كتابات لا تنحصرُ في مذهبٍ فقهيّ معيّنٍ، بلْ تستفيدُ ممَّا عند المذاهبِ الأخرى، دون أنْ تدعو إلى محاربةِ المذاهبِ، أو إلى تركِها، فانقلبَ الأمرُ عمَّا كان عليه مِنْ قبل

(2)

.

وقد وُجِدَتْ في العصرِ الحاضرِ دعوات تُحذِّرُ مِن المذاهب، وأخرى تُحذِّرُ مِن التقليدِ المذهبي، ومِن الإعراضِ عن الأدلةِ.

وقد بَرَزَ في منتصفِ القرنِ الرابع عشر، والقرنِ الخامس عشر الهجريين عددٌ مِن المتمذهبين البارعين في مذاهبهم، منهم: الشيخ عبد الله العنقري (ت: 1373 هـ)

(3)

، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389 هـ)

(4)

،

(1)

انظر: أليس الصبح بقريب (ص/ 180).

(2)

انظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية لعلي الخفيف (ص/ 229) ضمن بحوث الاجتهاد في الشريعة، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 106).

(3)

هو: عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد العنقري التميمي النجدي، أبو عبد العزيز، ولد في ثرمداء سنة 1287 هـ وقيل: 1290 هـ كان عالمًا نجيبًا فاضلًا، فقيهًا حنبلبًا، محققًا مدققًا، من كبار علماء عصره، تميز بقوة الحافظة، ويقظة الذهن، والذكاء والصبر على التعلم، انتهى إليه التدريس في إقليم سدير، وتخرج به كثير من الطلبة، وتولى القضاء بأمر الملك عبد العزيز آل سعود، من مؤلفاته: حاشية الروض المربع، والتعليقات على النونية لابن القيم، وملخص الفواكه العديدة، توفي سنة 1373 هـ. انظر ترجمته في: تراجم لمتأخري الحنابلة لابن حمدان (ص/ 114)، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ (ص/ 381)، وعلماء نجد لابن بسام (4/ 265)، وتسهيل السابلة لابن عثيمين (3/ 1825).

(4)

هو: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، ولد في الرياض سنة 1311 هـ كان رئيس القضاة، ومفتي الديار السعودية، فقيهًا حنبليًا قويًا في الحق، له المكانة الكبيرة في نفوس الناس، تخرج به عدد كبير من العلماء والمفتين، له مشاركة في عدد من العلوم، وقد جمعت فتاوى الشيخ محمد ورسائله بعد وفاته، توفي بالرياض سنة 1389 هـ. انظر ترجمته في: مشاهير علماء نجد لآل الشيخ (ص / 169)، والأعلام للزركلي =

ص: 710

والشيخ عبد الرحمن السعدي (ت: 1376 هـ)

(1)

، والشيخ عيسى منون (ت: 1376 هـ)

(2)

، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور (ت: 1394 هـ).

وقد بَرَزَتْ في هذين القرنينِ أمورٌ، منها:

الأمر الأول: بدءُ انحسارِ الصبغةِ المذهبيةِ القاتمةِ التي كانت مهيمنةً على الحياةِ العلميةِ في القرونِ السابقةِ تدريجيًا بعدَ منتصفِ القرنِ الرابع عشر الهجري تقريبًا في كثيرٍ من الأقاليمِ والأقطارِ.

= (5/ 306)، وروضة الناظرين للقاضي (2/ 316)، وعلماء نجد لابن بسام (1/ 242)، ومقدمة فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم لابن قاسم (1/ 9)، وتحفة الإخوان للشيخ ابن باز (ص/ 49)، وتراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي لعبد الفتاح أبو غدة (ص/ 255).

(1)

هو: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ولد بعنيزة سنة 1307 هـ كان من كبار فقهاء الحنابلة في وقته، علامةً فقيهًا أصوليًا بارعًا، جليل القدر محققًا، كريم الخلق زاهدًا ورعًا، وقد صنف كتبًا في الفقه والأصول والقواعد والتفسير، وجلس للتدريس وعمره ثلاث وعشرون سنة، وكان يُعلم ويتعلم، وفي سنة 1350 هـ انتهت إليه رئاسة العلم في القصيم، واشتهر أمره، وارتفع قدره، من مؤلفاته: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ومنهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، ومنظومة في القواعد الفقهية، توفي سنة 1376 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (3/ 340). ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ (ص/ 392)، وعلماء نجد لابن بسام (3/ 218)، وروضة الناظرين للقاضي (1/ 220).

(2)

انظر: المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للدكتور أكرم القواسمي (ص/ 496). والشيخ عيسى منون هو: عيسى منون الشامي ثم المصري، ولد في بلدة عين كارم من ضواحي بيت المقدس سنة 1308 هـ وقيل: 1306 هـ تلقى مبادئ العلوم في بلده، وفي سنة 1322 هـ سافر إلى مصر، فدرس في الجامع الأزهر على أيدي كبار العلماء، كان شافعي المذهب، علامةً فقيهًا أصوليًا محققًا، له شهرة عالية في تمكنه في علم أصول الفقه، وقد تولى التدريس عدة سنوات، ونال عضوية هيئة كبار العلماء سنة 1939 م، وفي سنة 1944 م اختير عميدًا لكلية أصول الدين، وفي سنة 1946 م عُين شيخًا لكلية الشريعة، وقد عكف الشيخ في بيته بعد تقاعده على كتبه ومكتبة العامرة، من مؤلفاته: نبراس العقول في تحقيق القياس عند علماء الأصول - واستحق به عضوية كبار العلماء - ومحاضرات في التوحيد وأصول الفقه، ورسالة في مناسك الحج، توفي سنة 1376 هـ. انظر ترجمته في: الفتح المبين للمراغي (3/ 209)، وتراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي لعبد الفتاح أبو غدة (ص/ 217).

ص: 711

الأمر الثاني: استمرارُ التعصبِ المذهبي في بعضِ الأقطارِ والأقاليمِ إلى أواخرِ القرنِ الرابع عشر الهجري تقريبًا

(1)

.

ثمَّ بعد هذا أَسْفَرَ نورُ انقشاعِ التعصبِ المذهبي بين صفوفِ أرباب المذاهبِ في الجملةِ في أواخر القرنِ الرابع عشر الهجري تقريبًا إلى العصَرِ الحاضرِ

(2)

.

يقول الشيخُ محمدٌ أبو زهرة (ت: 1394 هـ) عن التعصبِ المذهبي: "لا زالَ إلى الآن أثارةٌ قليلةٌ مِن التعصب بين أهلِ المذاهب، نرجو أنْ تزيلَها سعةُ العقول والأفهامِ"

(3)

.

ويقول الشيخُ مصطفى الزرقا (ت: 1420 هـ) عن التعصبِ المذهبي: "فهو - بحمد الله - في هذا العصرِ آخذٌ في الاضمحلال؛ إذ أصبحَ الانفتاحُ على المذاهبِ جميعًا مِنْ سماتِ الفقيه المعاصر"

(4)

.

الأمر الثالث: ضعفُ الاهتمامِ بعلمِ أصول الفقهِ في غالب عقودِ القرنِ الرابع عشر الهجري، ثم بدء الاهتمامِ به في العصرِ الحاضرِ، وظهور كتاباتٍ أصوليةٍ متخصصةٍ.

الأمر الرابع: وجودُ المحافلِ العلميةِ، والمجامعِ الفقهيةِ التي يُعْنى

(1)

انظر: النوازل الجديدة الكبرى للوزاني (1/ 316 - 317، 324 وما بعدها)، والانحرافات العقدية والعلمية لعلي الزهراني (ص/ 700).

(2)

انظر: تاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 154)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 47)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الفتاح الشيخ (ص/ 238)، ومقدمة تحقيق إرشاد المقلدين للشنقيطي (ص/ 53)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 138)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 154)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 153)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 129).

(3)

تاريخ الجدل (ص/ 299). وقارن بالمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 252)، والمذاهب الاجتهادية لمحمود بزال (ص/ 54 - 61).

(4)

فتاوى مصطفى الزرقا (ص/ 370).

ص: 712

القائمون عليها بالنظرِ في النوازلِ التي تنزل بالمسلمين؛ لمعالجتِها في ضوءِ الأدلةِ الشرعيةِ، مع عدمِ إغفالِهم لما دوّنه فقهاءُ المذاهبِ الفقهيةِ

(1)

.

وقد بَرَزت في هذه المجامع ظاهرةُ الاجتهادِ الجماعي، فَفُتِحَ بذلك بابُ الاجتهادِ في الشريعة الإسلامية

(2)

.

وقد عدَّ الشيخُ مصطفى الزرقا التقاءَ العلماءِ في هذه المحافلِ لدراسةِ النوازلِ بعثًا للاجتهادِ مِنْ مرقدِه في صورةِ جماعيةٍ

(3)

.

وقد تحقّقَ في هذه المجامعِ توثيقُ الصلةِ بين أربابِ المذاهبِ،

(1)

انظر: المصدر السابق (ص/ 373)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 248)، والفقه الإسلامي ومدارسه له (ص/ 113 - 115)، والاجتهاد في الشريعة الإسلامية لعلي الخفيف (ص/ 231) ضمن بحوث الاجتهاد في الشريعة، والوجيز في أصول الفقه للدكتور محمد الزحيلي (ص/ 309)، وأمالي الدلالات لابن بيه (ص/ 316)، ومنهج الإفتاء عند ابن القيم لأسامة الأشقر (ص/ 91)، وبحوث مقارنة للدكتور فتحي الدريني (1/ 69)، والاجتهاد في الفقه الإسلامي لعبد السلام السليماني (ص/ 340)، والفتوى - نشأتها وتطورها للدكتور حسين الملاح (ص/ 392)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 48)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمناع القطان (ص/ 405)، والمدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للدكتور أكرم القواسمي (ص/ 480 وما بعدها)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الفتاح الشيخ (ص/ 242)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 139)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 181)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 305)، وتاريخ التشريع للدكتور أحمد العليان (ص/ 291)، والمدخل إلى الشريعة والفقه للدكتور عمر الأشقر (ص/ 364 وما بعدها)، والمدخل الفقهي للدكتور خليفة با بكر وزميليه (ص/358)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (2/ 116 وما بعدها)، ومسيرة الفقه الإسلامي المعاصر للدكتور شويش المحاميد (ص/ 340 وما بعدها)، والمدخل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة للدكتور أحمد حوى (ص/ 109)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (2/ 1285)، ومنهج البحث والفتوى لمصطفى الطرابلسي (ص/39).

(2)

انظر: الوجيز في أصول الفقه للدكتور محمد الزحيلي (ص/ 308)، والمدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للدكتور أكرم القواسمي (ص/ 479)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمناع القطان (ص/ 422)، والاجتهاد الفقهي الحديث للدكتور وهبة الزحيلي (4/ 80) ضمن موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر.

(3)

انظر: المدخل الفقهي العام (1/ 251).

ص: 713

واطلاعهم على ما لدى غيرِهم، والاهتمامُ بمذاهبِ المجتهدين ممَّنْ دُوّنتْ أقوالهم، واندرست مذاهبُهم

(1)

.

ويلتحقُ بالأمرِ الرابعِ: الندواتُ واللقاءاتُ العلميةُ التي تُنَاقشُ موضوعاتٍ فقهيةً وأصوليةً

(2)

.

الأمر الخامس: طُبِعَ في الوقتِ الحاضرِ كثيرٌ مِنْ كتب أصولِ الفقهِ والفقهِ والقواعدِ والضوابطِ الفقهية، وقد طُبعَ عددٌ منها على أُسسٍ ومناهج علميةٍ

(3)

.

فأصبح بذلك أمامَ الدارسِ للمذهب الواحدِ عددٌ مِنْ المؤلفاتِ المذهبيةِ المختلفةِ في مناهجِها

(4)

.

الأمر السادس: الغالبُ في الدراساتِ التي تُعْنى بالفقه وأصولِه عدمُ انطوائِها تحتَ مسمَّى مذهبٍ بعينِه

(5)

، وإنْ كانت تعتمدُ على الكتبِ المذهبيةِ المتنوعةِ.

(1)

انظر: المصدر السابق (1/ 252)، والفقه الإسلامي ومدارسه لمصطفى الزرقا (ص/ 120)، والوجيز في أصول الفقه للدكتور محمد الزحيلي (ص/ 308)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 114).

(2)

انظر: المدخل للفقه الإسلامي للدكتور حسن الشاذلي (ص/ 368)، والمدخل الفقهي للدكتور خليفة با بكر وزميليه (ص/ 362)، والمدخل إلى الشريعة والفقه للدكتور عمر الأشقر (ص/ 367)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 310)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (2/ 126).

(3)

انظر: المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للدكتور أكرم القواسمي (ص/ 486 - 488)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 310)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (2/ 105)، والمدخل إلى الشريعة والفقه للدكتور عمر الأشقر (ص/ 349)، ومسيرة الفقه الإسلامي المعاصر للدكتور شويش المحاميد (ص/ 163 وما بعدها).

(4)

انظر: تاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 509 - 510).

(5)

انظر: تاريخ التشريع للدكتور عبد الفتاح الشيخ (ص/ 239)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 155)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 310)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 131)، والمدخل الفقهي للدكتور خليفة با بكر وزميليه (ص/ 357).

ص: 714

فقد كَثُرَتْ في نهايةِ القرنِ الرابع عشر الهجري إلى وقتنِا الحاضر الدراساتُ العلميةُ المتخصصةُ التي لا تقتصرُ على مذهب فقهيٍّ واحدٍ، بلْ تستفيدُ مِنْ كافّةِ المذاهبِ المتبوعة

(1)

- سواء ما كان منهًا مقدمًا لنيلِ درجةٍ علميةٍ، أو ما كان منها منشورًا في مجلةٍ علميةٍ محكمةٍ

(2)

- وحصَلَ بسببِ هذا ازدهارٌ للدراساتِ الأصوليةِ والفقهيةِ.

وممَّا ظَهَرَ في العصرِ الحاضرِ: كتابةُ الفقهِ على طريقةِ النظرياتِ

(3)

، فقد عُني بعضُ المعاصرين بالكتابةِ في موضوعاتٍ فقهيةٍ محددةٍ، وعرضها بطريقةٍ مرتبةٍ، بحيثُ يكون للموضوعِ شروطٌ وأركانٌ وأحكامٌ عامة

(4)

، ويقرر المؤلِّفُ في النظريةِ ما يراه راجحًا، دون تقيّدٍ بمذهبِه

(5)

.

وقد اطَّرَحَتْ كثيرٌ مِن المؤلفاتِ الفقهيةِ والأصوليةِ المعاصرة التعقيداتِ اللفظيةَ، ووشاحَ التعصبِ المذهبي

(6)

، والاكتفاءَ بالمذهبِ، وبَرَزَ الاهتمامُ بالموازنةِ بين المذاهبِ الفقهية؛ بُغْيَةَ الترجيحِ بينها في ضوءِ

(1)

انظر: المدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 105)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 508)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور رمضان الشرنباصي (ص/ 102)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (2/ 106).

(2)

انظر: مسيرة الفقه الإسلامي المعاصر للدكتور شويش المحاميد (ص/ 214).

(3)

النظريات: هي المفاهيم الكبرى التي يُؤلف كلّ منها على حدة نظامًا حقوقيًا موضوعيًا، منبثًا في الفقه، ومتحكمًا في كل ما يتصل بموضوعه، كنظرية العقد والملكية. انظر: التنظير الفقهي للدكتور جمال عطية (ص/ 9)، والقواعد الفقهية للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 143 وما بعدها)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 187)، والمدخل إلى الشريعة والفقه للدكتور عمر الأشقر (ص/ 360)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (2/ 109).

(4)

انظر: المصادر السابقة، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 147)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور رمضان الشرنباصي (ص/ 104)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور ناصر الطريفي (ص/ 172).

(5)

انظر: تاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 114).

(6)

انظر: المدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 156)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 145)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور رمضان الشرنباصي (ص/ 102)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور حسن الشاذلي =

ص: 715

الأدلةِ

(1)

.

الأمر السابع: عملتْ بعضُ الهيئاتِ العلميةِ في العصرِ الحاضرِ على إصدارِ موسوعةٍ فقهيةٍ وأخرى أصولية مستمدةٍ من المذاهب الفقهيةِ، وقد تمّتْ بعضُ هذه الموسوعات

(2)

.

= (ص/ 363)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (2/ 106)، والتمذهب دراسة تأصيلية واقعية للدكتور عبد الرحمن الجبرين، مجلة البحوث الإسلامية، العدد: 86 (ص/ 165).

(1)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 252)، والفقه الإسلامي ومدارسه له (ص/ 120)، والوجيز في أصول الفقه للدكتور محمد الزحيلي (ص/ 308)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 106)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 103)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 203)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 138)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 155)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 153)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 142)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور رمضان الشرنباصي (ص/ 103)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 131)، والمدخل الفقهي للدكتور خليفة با بكر وزميليه (ص/ 357)، ومسيرة الفقه الإسلامي المعاصر للدكتور شويش المحاميد (ص/ 506).

(2)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 254 - 255)، والفقه الإسلامي ومدارسه له (ص/ 133 - 134)، وفتاوى مصطفى الزرقا (ص / 370)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الفتاح الشيخ (ص/ 242)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 479 وما بعدها)، وأمالي الدلالات لابن بيه (ص/ 316)، والفتوى - نشأتها وتطورها للدكتور حسين الملاح (ص/ 391)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمناع القطان (ص/ 406 وما بعدها)، والمدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للدكتور أكرم القواسمي (ص/ 488 - 490)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 140 - 142)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 182)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 307)، وتاريخ التشريع للدكتور أحمد العليان (ص/ 294)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور ناصر الطريفي (ص/ 174)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 161)، و (2/ 69)، والمدخل إلى الشريعة والفقه للدكتور عمر الأشقر (ص/ 357)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 147 وما بعدها)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور حسن الشاذلي (ص/ 365)، والمدخل الفقهي للدكتور خليفة با بكر وزميليه (ص/ 359 - 361)، ومسيرة الفقه الإسلامي المعاصر للدكتور شويش المحاميد (ص/ 591)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (2/ 1268)، ومنهج البحث والفتوى لمصطفى الطرابلسى (ص/ 38).

ص: 716

وكتابة الموسوعاتِ الفقهية والأصولية نمطٌ تجديدي في مجالِ الدراساتِ الفقهيةِ والأصوليةِ للمذاهب

(1)

.

الأمر الثامن: وُجِدَ في منتصفِ القرن الرابع عشر، والقرن الخامس عشر الهجريين عددٌ مِن العلماءِ الذين عُرفوا بالتحذير من التمذهب، ومن التقليدِ المذهبي الصِرفِ، والدعوةِ إلى النظرِ في الأدلةِ دونَ التقيّد بمذهبٍ بعينِه، منهم: الشيخ محمد سلطان المعصومي (ت: 1380 هـ)، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت: 1393 هـ)، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني (ت: 1420)

(2)

، والشيخ أحمد الوزير (كان حيًّا سنة 1417 هـ)

(3)

.

وهم متفاوتون في درجةِ التحذيرِ، فقد يُحَذِّرُ أحدُهم من التقليدِ المذهبي أو مِن الالتزامِ التامِّ بالمذهب مع الإعراض عن الأدلة، دونَ محاربةٍ للمذاهبِ والانتسابِ إليها، وقد يُعَمّمُ آخرون، فيحاربون المذاهبَ؛ بحجّةِ مخالفةِ عددٍ مِنْ أربابِها للأدلة وإعراضِهم عنها.

وقد وُجِدَت في عصرِنا الحاضر فئتان ممّن تناهض التمذهب:

الفئة الأولى: تُحَارِبُ التمذهبَ، وتنتصرُ للأخذِ بالحديثِ، ويجعلون المذهبَ الفقهيَّ مصادمًا لاتباعِ الدليلِ.

(1)

انظر: الاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 196).

(2)

انظر: السلفية لعمرو سليم (ص/ 93)، والتمذهب دراسة تأصيلية واقعية للدكتور عبد الرحمن الجبرين، مجلة البحوث الإسلامية، العدد: 86 (ص/ 166).

وسار جمعٌ من المعاصرين في التحذير من التمذهب - منهم: المعتدل، ومنهم: المبالغ - فمن هؤلاء: مقبل بن هادي الوادعي في: تحفة المجيب (ص/ 120)، والأستاذُ محمد عيد عباسي في: بدعة التعصب المذهبي (ص/ 88)، وسعيدُ معشاشة في: المقلدون والأئمة الأربعة (ص/ 14)، وغالبُ تلامذة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.

وبعض تلاميذ الشيخ الألباني، مع تحذيرهم من التمذهب، فإنهم ينتصرون لأقوال الشيخ الألباني، كما ينتصر المتمذهبون لأقوال إمامهم، ويعترضون على مخالفيه، فكانهم وقعوا فيما حذر الشيخُ الألباني منه.

(3)

انظر: المصفى في أصول الفقه (ص/ 44).

ص: 717

الفئة الثانية: تُحَارِبُ التمذهبَ والأخذَ مِن الكتبِ التراثيةِ عمومًا، وتدعو إلى الاجتهاد المطلق مِنْ كلِّ قيدٍ، مع ضعفٍ فيها في العلمِ الشرعي، وتمجيدٍ للعقلِ البشري

(1)

.

الأمر التاسع: مع كل ما سبق بيانُه عن العصر الحاضر، فإنَّ التمذهب بالمذاهب الفقهية ما زال باقيًا في الأقاليم الإسلامية

(2)

.

* * *

(1)

انظر: منهج المدرسة العقلية الحديثة للدكتور فهد الرومي (ص/ 257)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور ناصر الطريفي (ص/ 172)، والموقف المعاصر من المنهج السلفي للدكتور مفرح القوسي (ص/ 250)، والعصرانيون لمحمد الناصر (ص/ 257 وما بعدها)، والتحسين والتقبيح العقليان للدكتور عائض الشهراني (3/ 189 وما بعدها).

(2)

انظر: الفقه الإسلامي ومدارسه لمصطفى الزرقا (ص/ 97 - 99)، والفقه المالكي بين التدليل والتجريد لمحمود الغرياني (6/ 421 وما بعدها) ضمن بحوث الملتقى الأول للقاضي عبد الوهاب، والمدخل الفقهي للدكتور خليفة با بكر وزميليه (ص/ 354).

ص: 718