الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: التمذهب من القرن الثامن الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري
لقد ازدادَ تمسكُ العلماءِ بالمذاهب الفقهيةِ مع بدءِ القرنِ الثامنِ الهجري، فأضحى التمذهبُ بكافّة ألوانِه طاغيًا مِنْ حيثُ الجملةُ على الحياةِ العلميةِ في الفقهِ وأصولِه، بلْ مع كلِّ أسفٍ جَعَلَ كثيرٌ من المتمذهبين مِنْ تمذهبِهم سبيلًا إلى تقهقرِ الفقهِ، وجمودِ أصولِه؛ لتركِهم تطبيقَ القواعدِ الأصوليةِ على نصوصِ الكتابِ والسنةِ.
وأيضًا: فقد جَعَلَ المتمذهبون مذاهبَهم مهيمنةً عليهم، وازداد تبعًا لهذا الأمرِ الجمودُ على المذاهبِ
(1)
، والتمسكُ بها
(2)
.
ويتحسر شمسُ الدينِ الذهبي (ت: 748 هـ) على الحالةِ العلميةِ المنتشرةِ في عصرِه، فيقول: "صارَ علماءُ العصرِ في الغالبِ عاكفين على التقليدِ في الفروعِ مِنْ غيرِ تحريرٍ لها
…
واسْتَحْكَمَت الأهواءُ، ولاحتْ مبادئُ رفعِ العلمِ، وقبضِه مِن الناسِ
…
"
(3)
.
(1)
الجمود المذهبي: هو الوقوف عند حدِّ المنقولات عن الآخرين، وترديدها، دون استنادٍ في قول إلى دليل، بل مجرد محاكاة غيره. انظر: بحوث فقهية مقارنة للدكتور محمد الدريني (1/ 75).
(2)
انظر: العَلَم الشامخ لصالح المقبلي (ص/ 80)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 98)، والفتوى - نشأتها وتطورها للدكتور حسين الملاح (ص/ 329)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 118)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور ناصر الطريفي (ص/164).
(3)
تذكرة الحفاظ (2/ 530).
وقد انتشرَ تقيّدُ أربابِ المذاهب في هذه الحُقبِ الزمنيةِ بمذاهبِهم، فلا يحيدون عنها، وقد حكىَ شمسُ الدين الذهبي (ت: 748 هـ) أنَّ أكثرَ علماءِ زمانِه متقيدون بمذاهبِهم
(1)
.
وممَّا يُؤَكّدُ انتشار الصبغة المذهبية في هذه القرونِ أنَّ عددًا مِن المتمذهبين مَنَعُوا التلفيقَ بين المذاهبِ، وأَوْجَبَتْ طائفة منهم التمذهبَ بمذهبِ إمامِهم
(2)
.
وقد ازدادَ في هذه القرونِ التعصبُ للمذاهب الفقهيةِ بصورةٍ أشدّ مما كانت عليه مِنْ قبلُ
(3)
.
ويصف الحافظ ابنُ رجبٍ (ت: 795 هـ) حالَ أكثرِ الناسِ في زمنِه بأنَّهم لم يبلغوا الغايةَ في العلمِ، ولا ارتقوا إليها، وما زالوا في بدءِ أمرِهم، مع ادِّعاء كثيرٍ منهم الوصولَ إلى الغاياتِ، والانتهاءَ مِن النهاياتِ
(4)
.
وقد أوضحَ ابنُ خَلدون (ت: 808 هـ) أن حالَ محصِّلي الفقه في عصرِه أمسى في نقلِ المذاهبِ، والعملِ بمذهبِ إمامِهم
(5)
.
ويقولُ الشيخُ مصطفى الزرقا عن هذه القرونِ: "ففي هذا العصرِ سادَ الفكرُ التقليديُّ المغلقُ، وانصَرَفَت الأفكارُ عن تَلَمّسِ العللِ والمقاصدِ الشرعيةِ في فقهِ الأحكامِ إلى الحفظِ الجافِّ، والاكتفاءِ بتقبّلِ كلِّ ما في الكتبِ المذهبيةِ، دونَ مناقشةٍ"
(6)
.
(1)
انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 491).
(2)
انظر: مقدمة ابن خَلدون (3/ 1051)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/221).
(3)
انظر: إيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني (ص/ 193 وما بعدها) ط/ دار الفتح، والبدر الطالع للشوكاني (ص / 650)، وأدب الطلب له (ص/ 138)، وإمام الكلام للكنوي (ص/ 36)، والفوائد البهية له (ص/ 65 - 66).
(4)
انظر: الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (ص/ 39).
(5)
انظر: مقدمة ابن خَلدون (3/ 1051).
(6)
المدخل الفقهي العام (1/ 211).
وكان قدرٌ ليس بالقليل مِن النشاط التأليفي لأرباب المذاهب منصرفًا إلى الاختصارِ للمؤلفاتِ السابقة، فكانَ كثيرٌ منها إعَادةً لما قالَه السابقون، وقد اتسمتْ هذه المؤلفات بالطَابَعِ التقليدي في التأليفِ؛ إذ يمثّلُ أكثرُها الجمودَ المذهبي على ما كتبه السابقون
(1)
، إضافة إلى عدمِ اعتناءِ كثيرٍ مِن المؤلِّفين بذكرِ أدلةٍ لمذاهبهم، واكتفائهم بتقريرِ الحكمِ مجرّدًا عنها
(2)
.
وقد تفنّن العلماءُ في الإيجازِ، بحيثُ يَجْمَعون الفروعَ الكثيرةَ في الألفاظِ القليلةِ
(3)
، وأضحتْ هذه المختصرات بالألغازِ أشبه
(4)
، وأمسى الدارسُ لا يفهمُ هذه العباراتِ الموجزةَ إلا بمراجعةِ الشروحِ والحواشي؛
(1)
انظر: الفكر السامي لمحمد الحجوي (4/ 163)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 211)، وتاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص/ 100)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 97)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 184)، والفتوى - نشأتها وتطورها للدكتور حسين الملاح (ص/ 330)، والاجتهاد في الفقه الإسلامي لعبد السلام السليماني (ص/ 323)، ومعالم تجديد المنهج الفقهي لحليمة بوكروشة (ص/ 39)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 291)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 46)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 225)، وتأريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 351)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 119)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 124)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 123)، والمدخل الفقهي للدكتور خليفة با بكر وزميليه (ص/ 341)، والمنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة للدكتور عبد الملك بن دهيش (ص/ 24).
(2)
انظر: معالم تجديد المنهج الفقهي لحليمة بوكروشة (ص/ 38).
(3)
انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 369)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (4/ 163)، ومضات فكر لمحمد الفاضل بن عاشور (ص/ 145)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 184)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 225)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 118).
(4)
انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 369)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 97)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 84)، وتأريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 351)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 124).
ليتوصّلَ إلى مراداتِ مؤلفيها
(1)
.
يقول الإمامُ محمد الشوكاني (ت: 1250 هـ) عن علماء هذه القرونِ: "لا ريبَ أنَّ في سائرِ الديارِ المصريةِ والشاميةِ مِن العلماءِ الكبارِ مَنْ لا يبلغُ غالبُ أهلِ ديارِنا إلى رتبتِه، ولكنَّهم لا يفارقون التقليدَ الذي هو دَأَب مَنْ لا يعقلُ حججَ الله ورسولِه، ومَنْ لم يفارق التقليدَ، لم يكنْ لعلمِه كثيرُ فائدةٍ، وإنْ وُجِدَ مَنْ يعمل بالأدلة، ويَدَعُ التعويلَ على التقليدِ، فهو القليلُ النادرُ، كابنِ تيمية، وأمثالِه"
(2)
.
ولم يكتفِ بعضُ المتمذهبين بتركِ النظرِ في نصوصِ الكتابِ والسنةِ، بلْ تعدَّى الأمرُ إلى تَرْكِ النظرِ في كُتُب إمامِ المذهب ومتقدمي أصحابِه، والاكتفاءِ بما قرّره متأخرو علماءِ الَمذهب، بلْ بَلَغَ الأمرُ عند بعضِ المتمذهبين إلى أن الواحدَ منهم لو أراد النظَرَ في كتبِ إمامِه أو مؤلفاتِ أصحابِه المتقدمين، لسَخِرَ منه بعضُ أرباب مذهبه، وقالوا عنه: إنَّه يرى نفسَه أهلًا لمعرفةِ قولِ الإمام!
(3)
.
ويبيّنُ الشيخُ محمدُ بنُ عبد الوهاب (ت: 1206 هـ) حالَ بعضِ المتمذهبين في عصرِه، فيقول: "قالوا: القرآن لا يجوزُ العملُ به لنا ولأمثالنا
(4)
، ولا بكلامِ الرسولِ، ولا بكلامِ المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره
(1)
انظر: تاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص/ 100)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 97)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 184)، والفتوى - نشأتها وتطورها للدكتور حسين الملاح (ص/ 330)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمناع القطان (ص/ 397)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 291)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 177)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 225)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 119)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور حسين حسان (ص/ 117)، والمدخل الفقهي للدكتور خليفة با بكر وزميليه (ص/ 241).
(2)
البدر الطالع (ص/ 602).
(3)
انظر: العَلَم الشامخ لصالح المقبلي (ص/ 422)، ورسالة في: الاجتهاد والتقليد لحمد بن معمر (ص/ 93 - 95)، ومعالم تجديد المنهج الفقهي لحليمة بوكروشة (ص/ 39)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 177).
(4)
في المطبوع من الدرر السنية (1/ 73): "ولا مثالنا"، وهو تصحيف، ولعل المثبت هو الصواب.
المتأخرون"
(1)
.
ويقولُ الشيخُ محمدٌ الخضري: "قلَّما تَجِدُ عالمًا يُعْنى بدراستِها - أي: كتب متقدمي المذاهب - أو الاطلاعِ عليها، بلْ تجدُ كبارَ العلماءِ لا يَسْمَعُون بأسمائِها
…
"
(2)
.
ولتوضيحِ الحالةِ المذهبيةِ في تلك القرونِ في بعضِ الأقاليم أذكر ما نقله أحمدُ الونشريسي (ت: 914 هـ)
(3)
عن بعضِ فقهاءِ عصرِه في وصفِ الحالةِ العلميةِ والمذهبيةِ لبلادِ المغرب، فيقول: "إنَّ اتّباعَ أهلِها لمذهب مالكِ رضي الله عنهم، والتزامَهم الأخذَ بقولِه وقولِ أصحابِه، ومَنْعَ ملوكِها وأمرائَها الناسَ مِن الخروجِ عنه، أمرٌ هو مِن الشُّهرةِ بحيثُ لا يحتاجُ إلى استشهادٍ عليه، حتى إنَّه لم يُحْفَظْ عن أحدٍ مِن أهلِ العلم بالمغرب الخروجُ مِنْ مذهب مالكٍ! ولا الأخذُ بغيرِه مِن المذاهب، وكلُّ مَنْ رام شَيئًا مِن ذلك، أو جَنَحَ إليه، لقيَ مِن الإنكارِ لعلمِه، والتسفيهِ لحِلمِه ما لم يكن له به قِبَل
…
"
(4)
.
وقد بَرَزَ في هذه الحقبةِ الزمنيةِ عددٌ من محققي المذاهب، منهم من عُنِيَ بتحقيقِ مذهبِه، ومنهم مَنْ أضافَ إليه العنايةَ بالنظرِ في الأدلةِ، ومِن هؤلاءِ: تقيُّ الدّينِ السبكي الشافعي (ت: 756 هـ)، وجمالُ الدّينِ الزيلعي
(1)
نقل كلامَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب ابنُ قاسم في: المصدر السابق، وكلام الشيخ محمد وإن كان في أمور الاعتقاد، إلا أنَّ ما ذكره على لسان مخالفيه صالح للمقام الذي أتحدثُ عنه.
(2)
تاريخ التشريع الإسلامي (ص/ 368).
(3)
هو: أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد الونشريسي، أبو العباس، ولد بونشريس بالجزائر سنة 834 هـ من علماء المالكية المبرزين، كان فقيهًا أصوليًا علامةً محققًا ورعًا زاهدًا، فصيح اللسان والقلم، أحاط بمذهبه، وحمل لواءه، وقد أكب على تدريس المدونة، ومختصر ابن الحاجب الفروعي، من مؤلفاته: المعيار المعرب، وعدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق، وإيضاح المسالك إلى قواعد مذهب الإمام مالك، والفائق في أحكام الوثائق، توفي بفاس سنة 914 هـ. انظر ترجمته في: درة الحجال لابن القاضي (1/ 91)، ونيل الابتهاج للتنبكتي (ص/ 135)، وفهرس الفهارس والأثبات للكتاني (2/ 1122)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 274).
(4)
المعيار المعرب (2/ 169).
الحنفي (ت: 762 هـ)
(1)
، وشمسُ الدّينِ محمد بن مفلح (ت: 763 هـ)، وجمالُ الدّينِ الإسنوي (ت: 772 هـ)، وخليلٌ المالكي (ت: 776 هـ)، وسراجُ الدّينِ البلقيني (ت: 805 هـ)
(2)
، وابنُ الهمامِ الحنفي (ت: 861 هـ)، وأكملُ الدّينِ محمد البابرتي (ت: 786 هـ)، وعلاء الدين المرداوي الحنبلي (ت: 885 هـ).
وقد كَثُرَتْ في هذه القرونِ التطبيقاتُ الفقهيةُ المذهبيةُ، إذ سُجِّلتْ فتاوى عددٍ مِن المتمذهبين، وكُتِبَتْ في مُؤَلَّفاتٍ مرتبةٍ على أبوابِ الفقهِ، وقد جاءَ في تضاعيفِ بعضِ هذه المؤلفات مباحثُ أصوليةٌ، وقد عُرِفَ كثيرٌ منها باسم: الفتاوى
(3)
.
يقولُ الشيخُ مصطفى الزرقا: "أسلوبُ الفتاوى يجري غالبًا على طريقةِ
(1)
هو: عبد الله بن يوسف بن محمد بن أيوب بن موسى الزيلعي أبو محمد جمال الدين، كان فقيهًا حنفيًا بارعًا، ومحدثًا ناقدًا، لازم مطالعة كتب الحديث، حتى صار من أكابر المحدثين الحفاظ، أخذ عن فخر الدين الزيلعي، والعلاء بن التركماني، وقد كان الزيلعي وولي الدين العراقي يتعاونان في مطالعة الكتب وتخريج الأحاديث، من مؤلفاته: نصب الراية بتخريج أحاديث الهداية، وتخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف، توفي بالقاهرة سنة 762 هـ. انظر ترجمته في: الدرر الكامنة لابن حجر (2/ 310)، وحسن المحاضرة للسيوطي (1/ 332)، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (11/ 10)، والبدر الطالع للشوكاني (ص/ 407).
(2)
هو: عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني، أبو حفصٍ سراج الدين البلقيني، ولد ببلقين بمصر سنة 724 هـ كان بارعًا في التفسير والأصول والفقه والحديث والنحو والمنطق والجدل، وكان عالم المائة الثامنة، أعجوبة زمانه حفظًا واستحضارًا، وقد انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي، ورئاسة الإفتاء، وقد وصفه غير واحد ببلوغ رتبة الاجتهاد، تولى التدريس في عدة مدارس، من مؤلفاته: شرح صحيح البخاري، وشرح الترمذي، وحواشي الروضة، ومحاسن الاصطلاح، وحواشي الكشاف للزمخشري، توفي بالقاهرة سنة 805 هـ. انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 275)، وإنباء الغمر لابن حجر (5/ 107)، والدليل الشافي لابن تغري بردي (1/ 497)، والضوء اللامع للسخاوي (6/ 85)، وبهجة الناظرين للغزي (ص/ 29)، وحسن المحاضرة للسيوطي (1/ 304)، وشذرات الذهب لابن العماد (9/ 80).
(3)
انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 214)، والمدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 142)، وتاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص/ 102)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 97)، وتاريخ التشريع للدكتور =
ذكرِ السؤالِ، وإردافِه بالجواب مع النصوصِ المذهبيةِ التي يستندُ الجوابُ إليها، وقد يُقْتَصَرُ فيها على سرَدِ أحكامِ الوقائعِ، دونَ الأسئلةِ"
(1)
.
وهذا النوعُ مِن التأليف في تلك القرونِ مع ما وَصَلَت إليه الحالةُ المذهبيةُ مِن التقليدِ المذهبي الصِرْف، شاهدٌ ناطقٌ على أن المتمذهبين لم يقفوا أمامَ الحوادثِ دونَ بيانِ حكمِها، بلْ أوجدوا لها الحلولَ في ضوءِ فروعِ مذهبِهم، وأصولِه
(2)
.
وقد بدأت الصورةُ المذهبيةُ القاتمةُ مِن القرن العاشر الهجري تقريبًا
(3)
، واستمرتْ إلى منتصفِ القرن الرابع عشر الهجري تقريبًا، وقد وَصفَ الشيخُ مصطفى الزرقا (ت: 1420 هـ) فِكْرَ كثيرٍ مِن متمذهبي المذاهبِ الأربعةِ في القرونِ المتأخرةِ بأنَّه فكرٌ عاميٌّ! وليس بفكرٍ علمي
(4)
.
= عبد الفتاح الشيخ (ص/ 237)، والفتوى - نشأتها وتطورها للدكتور حسين الملاح (ص/ 331)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 292)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 179)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 152)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 130)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 354)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 124)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 46)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 127)، والمدخل للتشريع الإسلامي للدكتور محمد النبهان (ص/ 349 - 350)، والمنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة للدكتور عبد الملك بن دهيش (ص/ 25)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور ناصر الطريفي (ص/ 154).
(1)
المدخل الفقهي العام (1/ 214).
(2)
انظر: المدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 143 - 144)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 131)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الفتاح الشيخ (ص/ 237)، وتأريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 355)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور يوسف القرضاوي (ص/ 19)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 46).
(3)
انظر: تاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 290).
(4)
انظر: المدخل الفقهي العام (1/ 211). وانظر: العَلَم الشامخ لصالح المقبلي (ص/ 287 - 288)، وخطط الشام لمحمد كرد علي (4/ 54).
وقد بيَّن أحدُ علماءِ المذهب الشافعي في القرن الحادي عشر الهجري
(1)
أنَّ الغالبَ على الناسِ في إقليمه (الأحساء)، التزامُ ترجيح مذهبِ إمامٍ معيَّنٍ بدءًا مِنْ كتاب: الطهارةِ إلى نهايةِ أبوابِ الفقهِ، والباعثُ عليه هو التقليدُ المذهبي المحضُ
(2)
.
وقد غَلَبَ على كثيرٍ من المتمذهبين الاعتمادُ على الكتبِ المختصرةِ، والاكتفاءُ بها
(3)
.
وقد بَزَرَ في القرونِ المتأخرة عددٌ من محققي المذاهب، مثل: أبي الحاسن بن المبرد الحنبلي (ت: 909 هـ)، وابنِ نجيمٍ الحنفي (ت: 969 هـ)، وشمسِ الدّينِ الرملي الشافعي (ت: 1004 هـ)، ومنصور البهوتي الحنبلي (ت: 1051 هـ)، وأحمد الدردير المالكي (ت: 1201 هـ)، ومحمد بن عابدين الحنفي (ت: 1252 هـ)، والشيخِ عبد الحي اللكنوي (ت: 1304 هـ)
(4)
، والشيخِ خير الدين الألوسي (ت: 1317 هـ)
(5)
،
(1)
هو: الشيخ عمر بن عبد الرحيم الأحسائي (ت: 1037 هـ). انظر: فتاوى علماء الأحساء (1/ 107).
(2)
انظر: المصدر السابق (1/ 155).
(3)
انظر: تاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 227)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 119).
(4)
هو: محمد عبد الحي بن محمد عبد الحليم بن محمد أمين الله بن محمد أكبر اللكنوي الهندي، أبو الحسنات، ولد في باندا بالهند سنة 1264 هـ كان أحد علماء الحنفية المحققين، فقهًا أصوليًا، ذكيًا فطنًا حاد الذهن، متبحرًا في العلوم النقلية والعقلية، مطلعًا على دقائق الشرع وغوامضه، محررًا للمسائل، قويًا في المناظرة، عارفًا بالأنساب والأخبار، وقد انفرد في الهند بالفتوى، كان من المكثرين من التأليف، وقد عُني بالتقييد والجمع والمطالعة، من مؤلفاته: الإنصاف في حكم الاعتكاف، والسعاية شرح الوقاية، وشرح مختصر الجرجاني - في مصطلح الحديث - والفوائد البهية في تراجم الحنفية، وإمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام، توفي في لكهنو سنة 1304 هـ. انظر ترجمته في: التعليقات السنية للكنوي (ص/ 337)، ونزهة الخواطر لعبد الحي الحسني (8/ 1268)، وفهرس الفهارس والأثبات للكتاني (2/ 728)، والأعلام الشرقية لزكي مجاهد (1/ 387)، ومقدمة تحقيق الرفع والتكميل (ص/ 18)، ومقدمة تحقيق الأجوبة الفاضلة (ص/ 12).
(5)
هو: نعمان بن محمود بن عبد الله، أبو البركات خير الدين الألوسي، ولد ببغداد في شهر =
والشيخ أحمد الزرقا (ت: 1357)
(1)
.
وقد بَرَزَ في القرنِ الثامنِ الهجري إلى منتصفِ القرنِ الرابع عشر الهجري أمورٌ (وهي في مجملِها مثل ما في مميزاتِ القرونِ: الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري)، مِنْ أهمِّها:
الأمر الأول: تمكّنُ روحِ التقليد المذهبي الصِرْف في نفوسِ كثيرٍ مِن العلماءِ
(2)
، وغلبتْ هذه الروحُ ولا سيما في القرن العاشر الهجري وما بعده مِن القرونِ على ظاهرةِ الاجتهادِ المذهبي المقيَّد
(3)
.
= محرم سنة 1252 هـ كان فقيهًا واعظًا باحثًا سلفيًا، من أعلام الأسرة الألوسية في العراق، ولي القضاء في العراق، ثم تركه، وعكف بعده على التدريس والتصنيف إلى أن مات، كان عقله أكبر من علمه، وعلمه أبلغ من إنشائه، جوادًا وفيًا، من مؤلفاته: جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، وغالية المواعظ، والجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح، وشقائق النعمان في رد شقائق ابن سليمان، توفي سنة 1317 هـ. انظر ترجمته في: التاج المكلل للقنوجي (ص/ 509)، والمسك الأذفر لمحمود الآلوسي (ص/ 110)، وأعلام العراق لمحمد الأثري (ص/ 60)، والأعلام الشرقية لزكي مجاهد (1/ 419)، والأعلام للزركلي (8/ 42)، ومعجم المؤلفين لكحالة (4/ 34).
(1)
هو: أحمد بن محمد بن عثمان الزرقا، ولد في حلب حوالي سنة 1285 هـ نشأ في حجر والده - وكان والده أحد كبار علماء الحنفية - وتفقه عليه، وانتفع به، وتلقى تعليمه في المساجد والمدارس، وكان يتتبع الدروس بنهم شديد، وله ولع بتحقيق الأحكام والوصول فيها إلى الغاية تمحيصًا واستدلالًا وتعليلًا، مع حرصه على تلمس الفروق بين المسائل الفقيهة، وقد اتصف بالذكاء والفطنة، وفاق أقرانه بسرعة، وارتوى من العلوم الشرعية، وأصبح من كبار علماء المذهب الحنفي، ومن المبرزين فيه، تولّى التدريس بعد والده، وانتفع به الطلاب، من مؤلفاته: شرح القواعد الفقهية، توفي في حلب سنة 1357 هـ. انظر ترجمته في: مقدمة شرح القواعد الفقهية (ص/ 17)، وتراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي لعبد الفتاح أبو غدة (ص/ 83).
(2)
انظر: إعلام الموقعين (2/ 12)، والقول المفيد للشوكانى (ص/ 126 - 128)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 365)، وتاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص/ 99)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 211)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 176)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور حسين حسان (ص/ 117)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 348)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 120).
(3)
انظر: تاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 150)، وتأريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 351)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/124).
يقولُ الشيخُ محمدٌ الحجوي: "فغالبُ العلماءِ مِن المائة الثامنة إلى الآن، لم يُحْفَظْ لهم كبيرُ اجتهادٍ، ولا لهم أقوالٌ تعتبرُ في المذهبِ أو في المذاهبِ، وإنَّما هم نقَّالون اشتغلوا بفتحِ ما أغلقه ابنُ الحاجب، ثم خليلٌ، وابنُ عرفة، وأهلُ القرونِ الوسطى مِن المذاهبِ الفقهيةِ"
(1)
.
ويقولُ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة عن حالِ علماءِ بعضِ المذاهب بعدَ تقهقرِهم في الاجتهادِ المذهبي: "بعد أن انقضى دورُ التخريجِ جَمَدَ الَعلماءُ على المنقولِ، لا يتجاوزونه، وامتنعوا عن التصرّفِ، وصاروا يرجّحون ما ترجِّحُ الكتبُ، ويزَيّفون ما تُزيّف، وليس لهم فكرٌ إلا في استخراجِ العلمِ مِنْ بين دِفَّاتِها
…
"
(2)
.
وازداد الأمر سوءًا مِنْ أوائلِ القرنِ العاشرِ الهجري، فـ "الحالُ قد تبدلتْ، والمعالمُ قد تغيرتْ، وأُعْلِنَ أنَّه لا يجوز لفقيهٍ أن يختارَ ولا أن يرجّحَ، وأنَّ زَمَنَ ذلك قد فاتَ، وحِيلَ بين الناسِ، وبين كتب المتقدمين"
(3)
، وأُصيبَت العلومُ بالانحطاطِ
(4)
.
يقولُ الشيخُ صالحٌ الفلاني (ت: 1218 هـ): "لقد طُفتُ مِنْ أقصى المغرب، ومِنْ أقصى السودان إلى الحرمين الشريفين، فلم ألقَ أحدًا يُسأل عن نازَلةٍ، فيرجع إلى كتاب ربّ العالمين وسنةِ سيّدِ المرسلين وآثارِ الصحابةِ والتابعين، إلا ثلاثَةَ رجالٍ، وكلُّ واحدٍ منهم مقموعٌ محسودٌ، يبغضه جميعُ مَنْ في بلدِه مِن المتفقهين
…
وموجِبُ العداوةِ والحسدِ تمسّكهم بالكتابِ وسنةِ إمامِ المتقين
…
"
(5)
.
(1)
الفكر السامي (4/ 392). وانظر: تاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص / 104).
(2)
الشافعي - حياته وعصره (ص/ 331).
(3)
تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 366).
(4)
انظر: خطط الشام لمحمد كرد علي (4/ 51).
(5)
إيقاظ همم أولي الأبصار (ص/ 92) ط/ دار الفتح.
وكان غالبُ نشاطِ كثيرٍ من المتمذهبين منحصرٌ في العملِ على تحريرِ المذهبِ، والتمييزِ بين الأقوالِ الضعيفةِ والقويةِ فيه
(1)
.
الأمر الثاني: ازدادَ التعصبُ المذهبي بين صفوفِ كثيرٍ مِن المتمذهبين
(2)
.
يقول الشيخُ صديقٌ حسن خان (ت: 1307 هـ) عن ظاهرةِ التعصّبِ المذهبي في عصرِه: "فهذا النوعُ مِن الافتراقِ في هذا العصرِ موجودٌ ومشاهدٌ بكثرةٍ في بلادِ الهندِ، لعلك شاهدتَ أنَّ المقلِّدين للمذهبِ الحنفي لا يُصَلّون خلف مَن يجهر بـ: آمين، ويرفع اليدين في مسجدٍ واحدٍ، ويحسبون المتبعَ أسوأ مِنْ المقلِّد، حتى انفصلت المساجدُ، وتباينت المذاهبُ، وتوزَّع أهلُ المذاهب إلى طوائف
…
ووَصَلَ التفرقُ والخلافُ إلى حدِّ تجاوز التبديعَ إلى أن يُكفرَ بعضُهم بعضًا"
(3)
.
ويقولُ الشيخ محمد رشيد رضا (ت: 1354 هـ)
(4)
: "بَلَغَ مِنْ إيذاءِ بعضِ المتعصبين لبعضٍ في طرابلس الشام في آخر القرنِ الثالث عشر الهجري، أنْ ذَهَبَ بعضٌ شيوخِ الشافعيةِ إلى المفتي - وهو رئيس العلماء - وقالَ له: اقسم المساجدَ بيننا وبين الحنفيةِ؛ لأنَّ فلانًا من فقهائهم يعتبرنا كأهل
(1)
انظر: مناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 97).
(2)
انظر: القول المفيد للشوكاني (ص / 144)، وأدب الطلب ومنتهى الأرب له (ص/ 138، 248)، والمدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد (1/ 107).
(3)
دليل الطالب على أرجح المطالب (ص/ 194).
(4)
هو: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد بن محمد القلموني البغدادي الأصل الحسيني، ولد بقلمون في الشام سنة 1282 هـ ونشأ بها، كان مائلًا إلى التزهد والتصوف، ثم رحل إلى مصر سنة 1315 هـ ولزم الأستاذ محمد عبده وتتلمذ له، وقد أصدر مجلة المنار بمصر، كان مهتمًا بالتفسير والحديث والتاريخ والأدب، من مؤلفاته: تفسير المنار، والوحي المحمدي، توفي سنة 1354 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (6/ 126)، وإخاء أربعين سنة لشكيب أرسلان (ص/ 20)، والمعاصرون لمحمد كرد علي (ص/ 334)، ومشاهير علماء نجد للآل الشيخ (ص/ 486)، ومعجم المؤلفين لكحالة (3/ 293)، والموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير (3/ 2538).
الذِّمة
…
! "
(1)
.
الأمر الثالث: تشربتْ كثيرٌ مِن النفوسِ القول بإغلاقِ باب الاجتهادِ، وازْدَادَت الحيلولةُ عنه؛ بدليل: ندرة مَنْ دعا إليه مِنْ أربابِ المذَاهب
(2)
.
الأمر الرابع: الانغلاقُ والانحباسُ في المذهب، بحيثُ لا يكادُ يَعْرِفُ بعضُ المتمذهبين غيرَ مذهبِهم؛ لأنَّهم يرون أنَّ الَحقَّ منحصرٌ فيه
(3)
، وتَبعَ ذلك إعراضُ كثيرٍ مِنهم عن النظرِ في الأدلةِ.
وقد جعل الشيخُ عبدُ الحي اللكنوي (ت: 1304 هـ) هذا الأمرَ عامًّا عند أربابِ المذاهبِ من الحنفيةِ والشافعيةِ والمالكيةِ والحنبليةِ
(4)
.
يقول الشيخُ محمدٌ الخضري عن الحالةِ العلميةِ في القرونِ المتأخرةِ: "لا نسمعُ باسم عالمٍ كبيرٍ، أو فقيهٍ عظيمٍ، أو مؤلِّفٍ مجيدٍ، بلْ نَجِدُ قومًا غَلبتْ عليهم القناعةُ في الفقهِ، فقلَّما نَجِدُ مَنْ يشتغلُ بغيرِ مذهبِه، وإذا اشتغلَ بمذهبِه اقتصرَ على تلك الكتب التي اشتدَّ بها الاختصار، حتى كأنَّها ما ألفتْ لتُفْهَم! "
(5)
.
الأمر الخامس: شيوعُ تصنيفِ المختصراتِ الفقهية، وكُتُبِ الفتاوى، وانقطاعُ الصلةِ بكتبِ المتقدمين
(6)
، وقد سبقت الإشارةُ إلى هذا الأمرِ.
(1)
ما لا يجوز الخلاف فيه (ص/ 135)، بواسطة: المدخل إلى الشريعة والفقه للدكتور عمر الأشقر (ص/ 316).
وانظر: المقلِّدون والأئمة الأربعة لسعيد معشاشة (ص/ 82)، والمذاهب الإسلامية والتعصب لمحمد تاجا (ص / 165 - 166).
(2)
انظر: تاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 227)، وتاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص/ 104)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 176)، و (ص/ 179)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور حسين حسان (ص/ 115).
(3)
انظر: إمام الكلام للكنوي (ص/ 36 - 37).
(4)
انظر: المصدر السابق (ص/ 37).
(5)
تاريخ التشريع الإسلامي (ص/ 366).
(6)
انظر: المصدر السابق (ص/ 367)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الفتاح الشيخ (ص/ 236)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 185)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 126)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور رمضان الشرنباصي (ص/ 98).
الأمر السادس: وجودُ عددٍ مِن العلماءِ الذين بيّنوا خطرَ التقليدِ المذهبي
(1)
.
فقد وُجِدَ في هذه القرونِ عددٌ مِن العلماءِ الذين دَعَوْا إلى النظرِ في الأدلةِ، وترجيحِ ما يرجحه الدليلُ، دون التقيّدِ بما في المذهب، ودعوا أيضًا إلى عدمِ الجمودِ على المذاهبِ، فمِنْ هؤلاءِ: تقي الدين بن تيمية (ت: 728 هـ)، وشمسُ الدين الذهبي (ت: 748 هـ)، وشمسُ الدين بن القيم (ت: 751 هـ)، والشيخ محمد بن الوزير اليماني (ت: 840 هـ)
(2)
، والشيخ صالح المقبلي (ت: 1108 هـ)
(3)
، والشيخ محمد المعين السندي (ت: 1161 هـ)
(4)
،
(1)
انظر: تاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص/ 101)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 98)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 185)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 226)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 47)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور رمضان الشرنباصي (ص/ 95).
(2)
انظر: القول المفيد للشوكاني (ص/ 139)، وأدب الطلب ومنتهى الأرب له (ص/ 96)، والبدر الطالع له (ص/ 602)، والمصفى في أصول الفقه لأحمد الوزير (ص/ 812).
(3)
انظر: العَلَم الشامخ لصالح المقبلي (ص/ 446 - 450)، وأدب الطلب ومنتهى الأرب للشوكاني (ص/ 97)، والبدر الطالع له (ص/ 299)، والمصفى في أصول الفقه لأحمد الوزير (ص/ 812).
وصالح المقبلي هو: صالح بن مهدي بن علي بن عبد الله بن سليمان المَقبلي ثم الصنعاني ثم المكي، ولد بقرية مقبل سنة 1040 هـ وقيل: 1038، وقيل: 1047 هـ أخذ العلم عن جماعة من كبار علماء اليمن، نشأ زيدي المذهب، واتجه إلى الاجتهاد في الشريعة دون التقيد بمذهبه، جرت بينه وبين علماء قطره مناظرات، وأوذي، وسافر بسببه إلى مكة، واستقر بها إلى أن مات، كان بارعًا فيما يتصل بعلوم الكتاب والسنة، وحقق أصول الفقه والعربية والبلاغة، وكان إذا تمسك بالدليل، فإنه لا يبالي بمن يخالفه، من مؤلفاته: العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ، ونجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، والأبحاث المسددة في فنون متعددة، توفى بمكة سنة 1108 هـ. انظر ترجمته في: البدر الطالع للشوكاني (ص/ 299)، والتاج المكلل للقنوجي (ص/ 368)، والأعلام للزركلي (3/ 197)، والشيخ صالح المقبلي لأحمد المليكي (ص/ 60).
(4)
هو: محمد المعين بن محمد الأمين بن طالب الله التتوي السندي، ولد في السند، ونشأ في بيئة صالحة، وهو سليل علماء ومشايخ، دَرَسَ العلوم في بلدة تته، وأول العلماء الذين استفاد =
والأمير محمد الصنعاني (ت: 1182 هـ)
(1)
، والشيخ الحسين بن مهدي النُعْمي (ت: 1187 هـ)
(2)
، والشيخ صالح بن محمد الفُلاني (ت: 1218 هـ)
(3)
، والشيخ محمد الشوكاني (ت: 1250 هـ)
(4)
، والشيخ صديق حسن خان (ت: 1307 هـ) - وكان شديد التأثر بالشوكاني - والشيخ نور الحسن القنوجي (ت: 1336 هـ)
(5)
.
= منهم: والده محمد، الذي حرص على تهذيبه وتربيته وتعليمه، دَرَسَ علم الحديث عن محدث السند الحافظ محمد هاشم بن عبد الغفور السندي، وتتلمذ لشاه ولي الله الدهلوي، كان مفرط الذكاء، جيد القريحة، وقد جمع محمد المعين فنونًا عدةَ، وعرف عنه محاربته للتقليد المذهبي، وانتصاره للأخذ بالحديث، وكان متصوفًا، وفيه ميل للتشيع، ومن القائلين بإباحة السماع والغناء الصوفي، كان معاديًا لقي الدين بن تيمية، بل من القائلين بتكفيره! من مؤلفاته: تحفة الكرام، ومقالات الشعراء، ودراسات اللبيب في الأسوة بالحبيب، وطريقة العون في حقيقة الكون، توفي سنة 1161 هـ في حالة سماع وتواجد. انظر ترجمته في: نزهة الخواطر لعبد الحي الحسني (6/ 837)، وكلمة عن دراسات اللبيب لمحمد النعماني (ص/ 565).
(1)
انظر: أدب الطلب ومنتهى الأرب للشوكاني (ص/ 97)، والبدر الطالع له (ص/ 650)، والمصفى في أصول الفقه لأحمد الوزير (ص/ 812).
(2)
انظر: معارج الألباب (1/ 410)، و (2/ 511). والشيخ الحسين النعمي هو: الحسين بن مهدي بن عز الدين بن علي بن الحسن النُعْمي التهامي ثم اليمني، أبو محمد، ولد بصبيا سنة 1139 هـ ولما قارب سن التكليف رحل إلى صنعاء، وشغف بالعلم منذ صغره، فجد واجتهد، وأقبل عليه إقبالًا كبيرًا، ونال منه منالًا وافرًا جسيمًا، وقد برع في العلوم العقلية والنقلية، ورحل إليه الطلبة من أقاصي البلدان، وفاق أقرانه، وأضحى عظيم الشأن، كان سلفي المعتقد، ناصرًا للسنة، من مؤلفاته: مدارج العبور على مفاسد القبور، ومعارج الألباب في مناهج الحق والصواب، والنجم الزاهر في تحقيق الانتساب إلى طريق الآل الأطاهر، والجواب على الطليعة في فضل الشيعة، توفي سنة 1187 هـ. انظر ترجمته في: خلاصة العسجد للبهلكي (ص/ 282)، وهجر العلم ومعاقله في اليمن للأكوع (2/ 639)، ومقدمة معارج الألباب (ص/ 17) ط/ الفقي، ومقدمة تحقيق معارج الألباب (1/ 41).
(3)
انظر: إيقاظ همم أولي الأبصار (ص/ 107) ط/ دار الفتح.
(4)
انظر: البدر الطالع (ص / 603)، وأدب الطلب (ص/ 88 - 89)، والمصفى في أصول الفقه لأحمد الوزير (ص/ 812)، والإمام الشوكاني - حياته وفكره للدكتور عبد الغني الشرجي (ص/ 280)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 134).
(5)
هو: نور بن حسن بن علي الحسيني البخاري القنوجي، أبو الخير، ولد ببهوبال سنة 1278 هـ=
وهؤلاءِ متفاوتون في موقفِهم مِن المذاهبِ أو مِن التمذهبِ، فبعضُهم حاربَ التقليدَ المذهبي مِن القادرِ على الاستدلالِ، ومنهم مَن حاربَ التمذهبَ على سبيلِ العمومِ.
ويدلُّ على وجودِ ظاهرةِ منافرةِ التقليدِ للمذاهبِ: ما قاله الشيخُ عبدُ الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت: 1242 هـ): "بعضُ إخوانِنا في هذا الزمانِ، إذا خالفه بعضُ إخوانِه في مسألةٍ يسوغُ فيها الاجتهادُ، نَسَبَه إلى التقليدِ، أو ذَكَرَ له كلامَ بعضِ الفقهاء، تغيَّر وجهُه، وقال: هؤلاءِ المقلِّدة وأهل الرأي المتمذهبة"
(1)
.
الأمر السابع: ظهورُ عددٍ مِن الدعواتِ في العالم الإسلامي، ينادي كثيرٌ منها بالعودةِ إلى الكتاب والسنةِ
(2)
، ومِنْ أهمّها: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت: 1206 هـ)، وَأتباعُ هذه الدعوةِ متمذهبون بالمذهبِ الحنبلي، دونَ تعصبٍ له، فمتى لاح الدليلُ لقولٍ أخذوا به، مع تأثرهم باختياراتِ تقي الدين بن تيمية، وتلميذه ابنِ القيم
(3)
.
الأمر الثامن: صدورُ (مجلة الأحكام العدلية)، ذات الصفة القانونية
(4)
.
= كان عالمًا صالحًا ومحدثًا سنيًا، قرأ مختصراتٍ كثيرة في علوم الآلة، وله عناية تامة بالعمل بما في الأمهات الحديثية، مع اطراحه للتقليد، وكان من نوادر الرجال في الجود والكرم، ورقة الشعور، ودماثة الخلق، من مؤلفاته: الطريقة المثلى في ترك التقليد واتباع ما هو أولى، والنهج المقبول من شرائع الرسول، توفي بمدينة لكنهو سنة 1336 هـ. انظر ترجمته في: التاج المكلل للقنوجي (ص/ 529)، وأبجد العلوم له (ص/ 730)، ونزهة الخواطر لعبد الحي الحسني (8/ 1395).
(1)
نقل كلامَ الشيخ عبد الله بن محمد ابنُ قاسم في: الدرر السنية (4/ 390). وانظر: الاجتهاد في الفقه الإسلامي لعبد السلام السليماني (ص/ 324 - 325).
(2)
انظر: ومضات فكر لمحمد الفاضل بن عاشور (ص/ 152)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (2/ 1332).
(3)
انظر: التمذهب دراسة تأصيلية واقعية للدكتور عبد الرحمن الجبرين، مجلة البحوث الإسلامية، العدد: 86 (ص/ 164 - 165).
(4)
انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 225)، وومضات فكر لمحمد الفاضل =
صدر في أواخر القرن الثالث عشر الهجري عام (1268 هـ) مِنْ لجنةٍ علميةٍ مجلةٌ عُرِفَتْ باسم: (مجلة الأحكام العدلية)، منتقاة مِنْ قسمِ المعاملاتِ مِنْ فقهِ المذهب الحنفي
(1)
، ورُتبَت مباحثُها على الكتب والأبوابِ الفقهية المعهودةِ، لكنَها فصلت الأحكامَ بمواد متسلسلةٍ؛ ليسهلَ الرجوعُ إليها، وقد أخذ القائمون عليها ببعضِ الأقوالِ المرجوحةِ في المذهبِ الحنفي؛ لأمورٍ تقتضي العملَ بها، كالمصلحةِ ونحوِها
(2)
.
* * *
= ابن عاشور (ص/ 151)، وتاريخ الفقه الإسلامي لبدران أبو العينين (ص/ 104)، والشريعة الإسلامية - تاريخها له (ص/ 158)، والمدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 158)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 109)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 129)، والمدخل للتشريع الإسلامي للدكتور محمد النبهان (ص/ 350)، والاجتهاد في الفقه الإسلامي لعبد السلام السليماني (ص/ 330)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 147)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 157)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 301)، والمدخل إلى الشريحة والفقه للدكتور عمر الأشقر (ص/ 352)، وتاريخ التشريع للدكتور أحمد العليان (ص/ 288)، والمنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة للدكتور عبد الملك بن دهيش (ص/ 25)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (2/ 1260)، ومنهج البحث والفتوى لمصطفى الطرابلسي (ص/ 37).
وللتوسع في معرفة ما يتعلق بمجلة الأحكام العدلية، انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 238 وما بعدها)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص / 430)، ودراسة موجزة عن مجلة الأحكام العدلية للدكتور شامل شاهين (ص/ 11 - 87)، ومجلة الأحكام العدلية - مصادرها وأثرها للدكتور سامر القبَّج (ص/ 47 وما بعدها)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 135)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي لمحمد محجوبي (ص/ 251)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور حسن الشاذلي (ص/ 359)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (2/ 7 وما بعدها)، ومسيرة الفقه الإسلامي المعاصر للدكتور شويش المحاميد (ص/ 464 وما بعدها).
(1)
انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 226).
(2)
انظر: المصدر السابق.