المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: التمذهب بمذهب الصحابي(1)، والتابعي - التمذهب – دراسة نظرية نقدية - جـ ٢

[خالد الرويتع]

فهرس الكتاب

- ‌الفرع الرابع عشر: الضعيف

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للضعيف:

- ‌الفرع الخامس عشر: المنكر

- ‌الفرع السادس عشر: الشاذ

- ‌الفرع السابع عشر: الطرق

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للطرق:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للطرق:

- ‌الفرع الثامن عشر: الإجراء

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للإجراء:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للإجراء:

- ‌الفرع التاسع عشر: التوجيه

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للتوجيه:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتوجيه:

- ‌المسألة السادسة: تفضيل مذهب من المذاهب

- ‌المبحث الرابع: أقسام التمذهب

- ‌الفصل الثاني: نشأة التمذهب، وتاريخه

- ‌المبحث الأول: نشأة التمذهب

- ‌المطلب الأول: حالة الناس قبل نشوء المذاهب

- ‌المطلب الثاني: نشأة المذاهب الفقهية

- ‌المطلب الثالث: أسباب نشوء المذاهب الفقهية

- ‌المطلب الرابع: أسباب بقاء المذاهب الفقهية الأربعة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ التمذهب

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التمذهب من نشأته إلى نهاية القرن الثالث الهجري

- ‌المطلب الثاني: التمذهب من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري

- ‌المطلب الثالث: التمذهب من القرن الثامن الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المطلب الرابع: التمذهب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى العصر الحاضر

- ‌الفصل الثالث: حكم التمذهب

- ‌تمهيد: في تقليد الميت

- ‌المبحث الأول: التمذهب بمذهب الصحابي(1)، والتابعي

- ‌المبحث الثاني: التمذهب بأحد المذاهب الأربعة الفقهية المشهورة

- ‌المبحث الثالث: التمذهب بغير المذاهب الأربعة

- ‌الفصل الرابع الأحكام المترتبة على التمذهب

- ‌المبحث الأول: طبقات المتمذهبين

- ‌المطلب الأول أبرز مناهج المتقدمين في تقسيم طبقات المتمذهبين

- ‌تمهيد

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تقسيم ابن الصلاح

- ‌المسألة الثانية: تقسيم ابن حمدان

- ‌المسألة الثالثة: تقسيم ابن القيم

- ‌المسألة الرابعة: تقسيم ابنه كمال باشا

- ‌المطلب الثاني: أبرز مناهج المتأخرين في تقسيم طبقات المتمذهبين

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تقسيم شاه ولي الله الدهلوي

- ‌المسألة الثانية: تقسيم محمد أبو زهرة

- ‌المسألة الثالثة: تقديم الدكتور محمد الفرفور

- ‌القسم الأول: المجتهدون اجتهادًا مطلقًا في الشرع

- ‌القسم الثاني: المجتهدون المقيَّدون بالمذهبِ

- ‌المطلب الثالث: الموازنة بين التقسيمات

- ‌المبحث الثاني: الانتقال عن المذهب

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: الانتقال عن المذهب إلى الاجتهاد

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المستقل

- ‌المسألة الثانية: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المنتسب

- ‌المطلب الثاني: الانتقال عن التمذهب بمذهب معين إلى التمذهب بمذهب آخر

- ‌المطلب الثالث: الخروج عن المذهب في بعض المسائل

- ‌المبحث الثالث: تتبع الرخص

- ‌توطئة

- ‌المطلب الأول: تعريف التتبع

- ‌المطلب الثاني: تعريف الرخصة في: اللغة، والاصطلاح

- ‌أولًا: تعريف الرخصة في اللغة:

- ‌ثانيًا: تعريف الرخصة في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: تعريف تتبع الرخص

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرخصة من العالم، وزلة العالم

- ‌المطلب الخامس: حكم تتبع الرخص

- ‌المبحث الرابع: التلفيق بين المذاهب

- ‌المطلب الأول: تعريف التلفيق في اللغة، والاصطلاح

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تعريف التلفيق في اللغة

- ‌المسألة الثانية: تعريف التلفيق في الاصطلاح

- ‌المطلب الثاني: صور التلفيق

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: التلفيق بين قولين في مسألة وفروعها

- ‌المسألة الثانية: التلفيق بين أثر القول وقول آخر في مسألة وفروعها

- ‌المطلب الثالث: أقسام التلفيق، وحكم كل قسم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: التلفيق في الاجتهاد

- ‌المسألة الثانية: التلفيق في التقليد

- ‌المسألة الثالثة: التلفيق في التقنين

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين التلفيق وتتبع الرخص

- ‌الفصل الخامس: أحكام المتمذهب

- ‌المبحث الأول: عمل المتمذهب إذا خالف مذهبه الدليل

الفصل: ‌المبحث الأول: التمذهب بمذهب الصحابي(1)، والتابعي

‌المبحث الأول: التمذهب بمذهب الصحابي

(1)

، والتابعي

(2)

لا شكَّ في مكانةِ الصحابةِ رضي الله عنهم في الإِسلامِ، وفي سبقِهم في نشرِه ونقلِه، واهتمامِهم بالتفقهِ في دينِ الله.

وقد كانَ مِنْ الصحابةِ رضي الله عنهم مَنْ بَلَغَ رتبةَ الاجتهادِ، فأفتوا الناسَ وأرشدوهم وعلَّموهم، وكان منهم: المقلُّ، والمكثرُ

(3)

.

(1)

تعددت تعريفات العلماء للصحابي، وأشهرها تعريفان:

التعريف الأول: أنَّ الصحابي هو: مَنْ رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإِيمان، وإنْ لم يختص به اختصاص المصحوب، ولم يروِ عنه الحديث. ذهب إِلى هذا الإِمامُ أحمد، كما نقله عنه أبو يعلى في: العدة (3/ 987)، وأبو الخطاب في: التمهيد في أصول الفقه (3/ 172)، ونسبه الآمدي في: الإِحكام في أصول الأحكام (2/ 92) إِلى أكثر الشافعية، ونسبه أبو المظفر السمعاني في: قواطع الأدلة (2/ 488) إِلى أصحاب الحديث، ونسبه السخاوي في: فتح المغيث (4/ 8) إِلى جمهور المحدِّثين.

التعريف الثاني: أنَّ الصحابي هو: مَنْ صحب النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإِيمان، واختص به اختصاص المصحوب، وطالت صحبته، وإنْ لم يروِ عنه. جزم بهذا التعريف: ابنُ الصباغ، كما نقله عنه السخاوي في: فتح المغيث (4/ 19)، واختاره: الصيمريُّ في: مسائل الخلاف في أصول الفقه (ص/ 301)، وجعله أبو المظفر السمعاني في: قواطع الأدلة (2/ 487) طريق الأصوليين. وذكر التعريفَ الثاني الآمديُّ في: الإِحكام في أصول الأحكام (2/ 92) ولم ينسبه إِلى أحد.

(2)

تعددت تعريفات العلماء للتابعي، وأشهرها تعريفان:

التعريس الأول: أنَّ التابعي هو: مَنْ لقي أحدًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء أسمع منه، أم لا. وهذا التعريف يسير ضمن وجهة أصحاب التعريف الأول للصحابي. انظر: البحر المحيط (4/ 307)، وفتح المغيث للسخاوي (4/ 94).

التعريف الثاني: أنَّ التابعي هو: مَنْ لقي أحدًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختص به. وهذا التعريف يسير ضمن وجهة أصحاب التعريف الثاني للصحابي. انظر: المصدرين السابقين.

(3)

انظر: الإِحكام في أصول الأحكام لابن حزم (5/ 92 وما بعدها)، وجامع بيان العلم وفضله =

ص: 740

وللصحابةِ رضي الله عنهم مكانةٌ رفيعةٌ عند المسلمين، ويتحدّثُ ابنُ القيّمِ عن مكانتهم، فيقول: "لمَّا كان التلقي عنه صلى الله عليه وسلم على نوعين: نوع بواسطة، ونوع بغيرِ واسطةِ، و

(1)

كان التلقي بلا واسطةٍ حظَّ أصحابِه الذين حازوا قصباتِ السِّباقِ، واستولوا على الأَمَد، فلا مَطْمَعَ لأحدٍ مِن الأُمّةِ بعدَهم في اللحاقِ

فأيّ خصلةِ خيرٍ لم يسبقوا إِليها؛ ! وأيّ خطةِ رُشْدٍ لم يستولوا عليها؟ ! الله لقد وَرَدُوا رأسَ الماءِ مِنْ عينِ الحياةِ عذبًا صافيًا زلالًا"

(2)

.

ويقول - أيضًا -: "ثمَّ قامَ بالفتوى بعده - أيْ: بعد النبي صلى الله عليه وسلم بَرْكُ

(3)

الإِسلامِ، وعصابةُ الإِيمانِ، وعسكرُ القرآنِ، وجندُ الرَّحمنِ، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم، أبر الأمةِ قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إِيمانًا

"

(4)

.

ويُبَيِّن أبو إِسحاقَ الشاطبيُّ احتفاءَ السلفِ وأربابِ المذاهب حين توافق أقوالُهم أقوال الصحابة رضي الله عنهم، فيقول: "إِنَّ السلفَ والخلفَ - مِنْ التابعين ومَنْ بعدهم - يهابون مخالفةَ الصحابةِ، ويتكثّرون بموافقتِهم، وأكثر ما تجدُ هذا المعنى في علومِ الخلافِ الدائرِ بين الأئمةِ المعتبرين، فتجدهم إِذا عيَّنوا مذاهبَهم قووها بذكرِ مَنْ ذَهَبَ إِليها مِن الصحابةِ، وما ذاك إِلَّا لما اعتقدوا في أنفسِهم وفي مخالفيهم مِنْ تعظيمهم، وقوّةِ مآخذهم دونَ غيرِهم، وكبر شأنِهم في الشريعةِ

"

(5)

.

وقد نَقَلَ الصحابةُ رضي الله عنهم علمَهم إِلى التابعين - كما سَبَقَ بيانُه في الفصلِ الثاني - فكانوا أقربَ الناسِ بعد الصحابةِ إِلى مشكاةِ النبوةِ.

= لابن عبد البر (2/ 858 وما بعدها)، وإِعلام الموقعين (2/ 18 وما بعدها).

(1)

هكذا في: إِعلام الموقعين (2/ 8) بإثبات الواو، ولعل الأقرب حذفها؛ لتتم جملة الشرط.

(2)

المصدر السابق. وانظر: هداية الحيارى لابن القيم (ص/ 275 وما بعدها).

(3)

للبَرْك عدة معان، أنسبها للسياق معنى: الصدر. انظر: مقاييس اللغة، مادة:(برك)، (1/ 288)، والقاموس المحيط، مادة:(برك)، (ص / 1204).

(4)

إِعلام الموقعين (2/ 17 - 18).

(5)

الموافقات (4/ 457).

ص: 741

ولقد أَسْهَبَ الأصوليون في الحديث عن مسألةِ: (حجية قولِ الصحابي)، وحديثي هنا عن مسألةِ:(التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي)، وبين المسألتين فرقٌ؛ فإِن مَنْ يَعُدُّ قول الصحابي حجةً لا يعتبرُ أخذَ قولِه تقليدًا ولا تمذهبًا، بلْ هو أخذٌ بالدليلِ والحجةِ، أمَّا عند القائل: إِنَّ قولَ الصحابي ليس بحجةٍ، فإِنَّ مسألةَ:(التمذهب بمذهبِ الصحابي) تَرِد عنده.

• صورة المسألة:

هلْ لأحدٍ أنْ يتمذهبَ بمذهب واحدٍ مِن الصحابةِ أو مِن التابعين، بحيثُ يلتزمُ مذهبَه في جميعِ أحوالِه، أو أكثرِها؟

• تحرير محل النزاع:

يمكنُ تحريرُ محلِّ النزاعِ في المسألةِ في ضوء الآتي:

أولًا: اتفقَ العلماءُ على عدمِ وجوبِ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي والتابعي.

هذا ما ظَهَرَ لي أَثْنَاءَ بحثِ المسألةِ، ويؤكدُه أمرانِ:

الأمر الأول: عدمُ وقوفي على قولٍ يُوجبُ التمذهبَ بمذهبِ الصحابي، والتابعي.

الأمر الثاني: ليس في سياقِ المسألةِ وأدلتِها ما يدلُّ على الوجوبِ، وإِنَّما الحديثُ هنا عن امتناعِ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي والتابعي، أو تجويزِه

(1)

.

ثانيًا: محل الخلافِ في الصحابي والتابعي البالغِ رتبة الاجتهادِ، أمَّا مَنْ لم يبلغْ هذه الرتبة منهم، فلا خلافَ حينئذٍ في عدم جوازِ أخذِ أقوالِه، إِنْ كان له أقوالٌ

(2)

.

(1)

انظر: الفصول في الأصول للجصاص (3/ 364)، والتقرير والتحبير (3/ 354)، وتيسير التحرير (4/ 256).

(2)

انظر: منع الموانع لابن السبكي (ص/ 451).

ص: 742

وإِضافةُ: "مذهب" إِلى الصحابي والتابعي مشعرةٌ ببلوغِهما درجة الاجتهادِ؛ لأنَّ غيرَ المجتهدِ لا مذهبَ له

(1)

.

ثالثًا: مَنْ قالَ: قولُ الصحابي ليس بحجةٍ، وقولُ التابعي ليس بحجةٍ، فإِنَّ مسألةَ التمذهبِ بمذاهبِهم تَرِدُ عنده.

أمَّا مَنْ قال: قولُ الصحابي حجةٌ، فلا يُوجدُ عنده تمذهبٌ؛ لأنَّ أخذَ قولِ الصحابي حينئذٍ أخذٌ بالدليلِ، وقد سبقت الإِشارةُ إِلى هذا قبلَ قليلٍ.

رابعًا: الحديثُ هنا عن تمذهب مَنْ لم يبلغْ درجةَ الاجتهادِ المطلقِ مِنْ غير العامةِ، أمَّا تمذهبُ المجتهدِ بمذهب الصحابي أو التابعي، فقد تقدمَ الحديث عن:(تمذهب المجتهدِ) في مسألةٍ مستقلةٍ.

خامسًا: محلُّ الخلافِ هو في التزام غيرِ العامي الَّذي لم يبلغْ درجةَ الاجتهادِ مذهب واحدٍ بعينه مِن الصحابة، أَو التابعين.

سادسًا: نفى الآمديُّ الخلافَ في جوازِ تقليدِ العامي للصحابي

(2)

، ومراده بالعامي: مَنْ عدا المجتهد.

وما ذكره مشكلٌ؛ ولا سيما أنَّ إِمامَ الحرمين الجويني حَكَى الإِجماعَ على خلافِ ما ذكره الآمديُّ - كما سيأتي بعد قليلِ - ويمكنُ حملُ كلامِ الآمدي على عوامّ الصحابةِ والتابعين.

ويؤكّدُ هذا: ما ذكره الآمديُّ نفسُه بعد نفيه للخلافِ في شأنِ العامي؛ إِذْ ذَكَرَ حكمَ تقليدِ المجتهدِ من التابعين للصحابي

(3)

، فالظاهر أنَّه أرادَ بالعامي في كلامِه العامي في عصرِ الصحابة رضي الله عنهم.

• الأقوال في المسألة:

اختلفَ العلماءُ في مسألةِ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي والتابعي على قولين:

(1)

انظر: المصدر السابق.

(2)

انظر: الإِحكام في أصول الأحكام (4/ 156).

(3)

انظر: المصدر السابق.

ص: 743

القول الأول: المنع مِن التمذهبِ بمذهبِ الصحابي والتابعي.

ذَهَبَ إِلى هذا القولِ جمعٌ مِن العلماءِ، منهم: ابنُ حزمٍ

(1)

، وإمامٌ الحرمين الجويني

(2)

، وأبو حامدٍ الغزالي

(3)

، وابنُ بَرْهان - كما نقله عنه: شهابُ الدين القرافي

(4)

، وبدرُ الدين الزركشي

(5)

- وابنُ الصلاحِ

(6)

، ومحيي الدين النووي

(7)

، وابنُ حمدان

(8)

، وهو ظاهرُ اختيارِ تقي الدين بنِ تيمية - إِذ نَقَلَ كلامَ ابنِ الصلاح في المنعِ، ولم يتعقبه

(9)

- وهو أيضًا ظاهرُ اختيارِ جمالِ الدين الإِسنوي - إِذ نَقَلَ كلامَ إِمامِ الحرمين وابنِ الصلاح دونَ تعقبٍ

(10)

- واختاره: بدرُ الدين الزركشي

(11)

، وابن رجبٍ الحنبلي

(12)

، ومحمد بن الوزير

(13)

، وابنُ رسلان الرملي

(14)

، وابنُ الهمام الحنفي

(15)

، ومحمد التمرتاشي

(16)

، وعبدُ الله العلوي

(17)

، ومحمد الأمين

(1)

انظر: الإِحكام في أصول الأحكام (6/ 87 - 88، 133)، والنبذ في أصول الفقه (ص / 116).

(2)

انظر: البرهان (2/ 744)، والغياثي (ص/ 410 وما بعدها).

(3)

انظر: المنخول (ص/ 494).

(4)

انظر: نفائس الأصول (9/ 4149).

(5)

انظر: البحر المحيط (6/ 290).

(6)

انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 162).

(7)

انظر: المجموع شرح المهذب (1/ 55).

(8)

انظر: صفة الفتوى (ص/ 72 - 73).

(9)

انظر: المسودة (2/ 856).

(10)

انظر: نهاية السول (4/ 630 - 632).

(11)

انظر: البحر المحيط (6/ 71)، وسلاسل الذهب (ص/ 450).

(12)

انظر: الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (ص/ 34).

(13)

انظر: العواصم والقواصم (2/ 418).

(14)

انظر: لمع اللوامع، الفسم الثاني (2/ 671).

(15)

انظر: التحرير (3/ 354) مع شرحه التقرير والتحبير.

(16)

انظر: الوصول إِلى قواعد الأصول (ص/ 290). ومحمد التمرتاشي هو: محمد بن عبد الله بن أحمد الخطيب بن محمد الخطيب التمرتاشي الغزي، ولد في غزة سنة 939 هـ كان حنفي المذهب، ورأس الفقهاء في عصره، إِمامًا فاضلًا، وأصوليًا متكلمًا، حسن السمت، قوي الحافظة، كثير الاطلاع، وقد أخذ العلم عن عدد من علماء عصره، وتلقى عنه العلم عددٌ من الطلاب، وتولى منصب الإِفتاء بغزة هاشم، من مؤلفاته: الوصول إِلى قواعد الأصول، وتنوير الأبصار وجامع البحار، توفي بغزة بعد سنة 1004 هـ. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي (4/ 19)، والأعلام للزركلي (6/ 239)، ومعجم المؤلفين لكحالة (3/ 428)، ومقدمة محقق الوصول إِلى قواعد الأصول (ص/ 79).

(17)

انظر: نشر البنود (2/ 256، 352).

ص: 744

ابن أحمد الجكني

(1)

، ومحمد حسنين مخلوف

(2)

.

القول الثاني: جوازُ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي والتابعي.

نَسَبَ أبو الحسنِ الماورديُّ هذا القولَ إِلى بعضِ أصحابِ الحديث، وبعضِ الفقهاءِ

(3)

.

واختاره الشيخُ محمد ناصر الدين الألباني؛ إِذ علَّق على كلامِ ابن حمدان لمَّا مَنَعَ التمذهبَ بمذهب أحدٍ مِن الصحابةِ والتابعين، بقولِه:"فإِنَّ التمذهبَ بمذهب أحدٍ مِن الصحَابةِ - ولا سيما الخلفاء الراشدين منهم - بعدَ صحتِه أحقُّ مَا تمذهبَ به المسلمُ بعد كتابِ الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم"

(4)

.

ويظهرُ لي أنَّ مقصدَ الشيخِ الألباني هو الأخذُ بأقوالِ الصحابةِ وتقديمِها على غيرِها، دونَ حقيقةِ التمذهب الَّتي هي التزامُ أقوالِ عالمٍ بعينِه؛ لما عُرِفَ عن الشيخِ الألباني مِنْ شدّةِ مَحاربتِه للتمذهبِ بالمذاهبِ.

واختارَ القولَ الثاني: محمد المختار الشنقيطي

(5)

.

• أدلة القولين:

أدلةُ أصحابِ القولِ الأولِ: استدلَّ أصحابُ القولِ الأولِ بأدلةٍ، منها:

الدليل الأول: عن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه

(6)

، قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وفي

(1)

انظر: مراقي السعود (ص/ 402).

(2)

انظر: بلوغ السول (ص/ 50).

(3)

انظر: أدب القاضي (1/ 270).

(4)

انظر: تعليقه على صفة الفتوى (ص/73)، حاشية رقم (1).

(5)

انظر: تعليق المحقق: محمد الشنقيطي على سلاسل الذهب (ص/ 451)، حاشية رقم (1).

(6)

هو: عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس الطائي، أبو طريف، ولد الجواد المشهور، أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم عليه سنة سبع، فأكرمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم واحترمه، كان نصرانيًا وأسلم سنة تسع، وقيل: سنة عشر، كان سيدًا شَريفًا في قومه، خطيبًا حاضر الجواب، فاضلًا كريمًا، جاء عنه أنَّه قال:"ما دخل وقت صلاة قط إِلَّا وأنا أشتاق إِليها"، =

ص: 745

عنقي صليبٌ مِنْ ذهبٍ، فقالَ:(يا عدي، اطرح عنك هذا الوثنَ)، وسمعتُه يقرأُ في سورةِ براءة:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}

(1)

قال: قُلتُ: يا رسولَ الله، إِنَّا لسنا نعبدهم! فقال:(أليس يحرّمون ما أحلَّ اللهُ فتحرمونه، ويحلّون ما حرَّم اللهُ فتستحلونه؟ ). قُلتُ: بلى. قال: (فتلك عبادتهم)

(2)

.

= شهد فتح العراق، ونزل الكوفة، وسكنها، وشهد الجمل مع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وفُقئت عينه، وشهد مع عليّ أيضًا صفين والنهروان، توفي رضي الله عنه بالكوفة سنة 68 هـ وقيل: سنة 69 هـ، وهو ابن مائة وعشرين عامًا، وقيل: ابن مائة وثمانين عامًا. انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 22)، والتاريخ الكبير للبخاري (7/ 43)، وتاريخ مدينة السلام للخطيب (1/ 546)، والاستيعاب لابن عبد البر (ص/ 577)، وتهذيب الكمال للمزي (19/ 425)، وسير أعلام النُّبَلاء (3/ 163)، والإِصابة لابن حجر (4/ 469).

(1)

من الآية (31) من سورة (التوبة).

(2)

أخرج حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: البخاري في: التاريخ الكبير (7/ 106)؛ والترمذي في: جامعه، كتاب: تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ومن سورة التوبة (ص/ 694)، برقم (3095)، وقال:"هذا حديث غريب، لا نعرفه إِلَّا من حديث عبد السَّلام بن حرب، وغطيفُ بن أعين ليس بمعروف في الحديث". والطبري في: جامع البيان (11/ 417 - 418)؛ والطَّبراني في: المعجم الكبير (17/ 92)، بالرقمين (218 - 219)؛ والبيهقي في: السنن الكبرى، كتاب: آداب القاضي، باب: ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي (10/ 116)؛ وفي: المدخل إِلى السنن الكبرى، باب: ترك الحكم بتقليد أمثاله من أهل العلم (1/ 233 - 234)، برقم (261).

وعزاه السيوطي في: الدر المنثور (7/ 232) إِلى ابنِ سعد، وعبدِ بن حميد، وابنِ المنذر، وابنِ أبي الشَّيخ، وابنِ مردويه.

وحسَّن الحديثَ تقي الدين بن تيمية في: الإِيمان (ص/ 64)، والألباني في: صحيح الترمذي (ص/ 694).

وللحديث شواهد موقوفةٌ بمعنى حديث عدي رضي الله عنه: منها: أثر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وأخرجه: الطبري في: جامع البيان (11/ 418 - 419)؛ والبيهقي في: السنن الكبرى، كتاب: آداب القاضي، باب: ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي (10/ 116)؛ وابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (2/ 977)، برقم (1864)؛ وابن حزم في: الإِحكام في أصول الأحكام (6/ 179 - 180).

وعزاه السيوطي في: الدر المنثور (7/ 232) إِلى عبد الرزاق، والفريابي، وابن المنذر، وأبي حاتم، وأبي الشيخ.

ص: 746

وجه الدلالة من الحديث: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سمَّى اتِّباعَ مَنْ دونه في التحليلِ والتحريمِ عبادةً، وكلُّ مَنْ قلَّد عالمًا، وتمذهبَ بمذهبِه - والعالمُ يخطئُ ويصيبُ - فلا بُدَّ له ضرورةً أنْ يستحلَّ حرامًا، ويحرِّمَ حلالًا

(1)

، فيُنهى عنه، والتمذهبُ داخلٌ تحتَ الصورةِ المنهي عنها

(2)

.

يقولُ الشيخُ محمد صديق القنوجي: "إِنَّ طاعةَ المتمذهبِ لمنْ يقتدي بقولِه، ويستن بسنتِه مِنْ علماءِ هذه الأُمّةِ، مع مخالفتِه لما جاءَت به النصوصُ

هو كاتخاذِ اليهودِ والنصارى للأحبارِ والرهبانِ أربابًا مِنْ دون الله؛ للقطع بأنَّهم لم يعبدوهم، بلْ أطاعوهم، وحرّموا ما حرموا، وحللوا ما حللوا"

(3)

.

مناقشة الدليل الأول: يمكنُ أنْ يُناقش الاستدلالُ بالحديثِ: بأنَّ الصورةَ الَّتي يصدقُ عليها وصفُ العبادةِ هي: إِمَّا أَخْذُ قولِ عالمِ في تحليلِ ما حرَّمه اللهُ تعالى، والآخذُ يَعْلَمُ حرمتَه، أو أخذُ قولِ العالمِ في تحريمِ ما أحلَّه الله، والآخذُ يعلمُ حلَّه، وإِمَّا أخذُ قولِ عالمِ مع إِضمارِ الآخذِ في نفسِه عدم تركِ قولِ العالمِ، وإنْ ظَهَرَ الدليلُ على خلافِه.

لأنَّ في هاتين الصورتين تقديمًا لرأي العالم على حكمِ الله القاطعِ؛ كما لو قلَّدَ المجتهدُ شخصًا في حكمٍ يقطعُ المجتهدُ بخطئِه

(4)

.

أمَّا صورةُ أخذِ أقوالِ عالمٍ فيما لا يُعلمُ خطؤه ومخالفتُه لحكمِ الله تعالى، فلا يظهرُ دخولها تحتَ معنى العبادةِ.

(1)

انظر: الإِحكام في أصول الأحكام لابن حزم (6/ 133، 144، 148)، وإيقاظ أولي الأبصار لصالح الفلاني (ص/ 34)، والدين الخالص للقنوجي (4/ 112)، وعون الباري له (1/ 163).

(2)

ليس كل أرباب القول الأول يستدل بهذا الدليل، وإنما يستدل به من يرى المنع من التمذهب عمومًا.

(3)

الدين الخالص (4/ 112). وانظر: فتح القدير للشوكاني (2/ 353).

(4)

انظر: حجة الله البالغة للدهلوي (1/ 476).

ص: 747

ويدلُّ على ما سَبَقَ: أنَّا لو أخذنا بعمومِ الاستدلالِ لمنعنا تقليدَ العامي الصِرْفِ للمجتهدِ، وجماهيرُ العلماءِ على القولِ بجوازِه

(1)

، بلْ حَكَى بعضُهم الإِجماعَ عليه

(2)

.

والمتمذهبُ اتَّبعَ عالمًا يظنه أنَّه مصيبٌ في حكمِه، ولم يتَّبعه محادَّة لله تعالى ولرسولِه صلى الله عليه وسلم

(3)

.

الدليل الثاني: إِجماعُ المحققين على منعِ غيرِ المجتهدين مِنْ أخذِ أقوالِ الصحابةِ رضي الله عنهم، حكاه إِمامُ الحرمين الجويني، فقالَ: "أَجَمَعَ المحققونَ على أنَّ العوامَّ ليس لهم أنْ يتعلقوا بمذاهب أعيانِ الصحابةِ رضي الله عنهم، بلْ عليهم أن يتبعوا مذاهبَ الأئمةِ الذين سبروا

(4)

وَنظروا، وبوّبوا الأبوابَ، وذكروا أوضاعَ المسائلِ، وتعرضوا للكلامِ على مذاهبِ الأولين"

(5)

.

(1)

انظر مسألة: (تقليد العامي للمجتهد) في: شرح العمد (2/ 303)، والمعتمد (2/ 934)، والعدة (4/ 1225)، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 989)، وإِحكام الفصول (ص/ 729)، وشرح اللمع (2/ 1010)، وقواطع الأدلة (5/ 99)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 396)، والمحصول في أصول الفقه لابن العربي (ص / 154)، وميزان الأصول (2/ 950)، والمحصول في علم أصول الفقه للرازي (6/ 73)، وروضة الناظر (3/ 1018)، والإِحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 228)، ومنتهى الوصول لابن الحاجب (ص/ 225)، ومختصره (2/ 1252)، وشرح تنقيح الفصول (ص/ 444)، وتقريب الوصول لابن جزي (ص/ 445)، وأصول الفقه لابن مفلح (4/ 1539)، والإِبهاج في شرح المنهاج (7/ 2947)، ورفع الحاجب (4/ 592)، ونهاية السول (4/ 586)، والبحر المحيط (6/ 285)، وتشنيف المسامع (4/ 603)، وتيسير التحرير (4/ 246)، وفواتح الرحموت (2/ 402)، وأضواء البيان (7/ 519).

(2)

انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 989)، وقواطع الأدلة (5/ 162)، وروضة الناظر (3/ 1018)، والإِحكام في أصول الأحكام للآمدى (4/ 229)، وشرح مختصر الروضة (3/ 652)، والبحر المحيط (6/ 283)، وأضواء البيان (7/ 519).

(3)

انظر: حجة الله البالغة للدهلوي (1/ 477).

(4)

يقول أمير بادشاه في: تيسير التحرير (4/ 255) عن المقصود بكلمة: "سبروا" الواردة في كلام إِمام الحرمين: "السبر عند الأصوليين: حصرُ الأوصاف الصالحة للعليّة في عدد، ثم إِبطال بعضها

فإِنْ أراد هذا، كان إِشارةً إِلى كمالهم في باب القياس، والأظهر أنْ يراد ما هو أعم من ذلك من التعمق والتحقيق".

(5)

البرهان (2/ 744). وانظر: غياث الأمم (ص/ 410 - 411)، والمنخول (ص/ 495). =

ص: 748

ثمَّ ساقَ إِمامُ الحرمين الشواهدَ على ترجيحِ الأخذِ بمذهبِ الإِمامِ الشَّافعي

(1)

.

وقد نَقَلَ الإِجماعَ الَّذي حكاه إِمامُ الحرمين الجويني جمعٌ مِن العلماءِ، منهم: جمالُ الدين الإِسنويّ

(2)

، وبدرُ الدين الزركشيّ

(3)

، وابنُ الهمام الحنفي

(4)

، ومحمد التمرتاشيُّ

(5)

، وعبدُ الرؤوف المناوي

(6)

، وإبراهيمُ اللقانيُّ

(7)

.

وقد حَمَلَ أبو عبد الله المازريُّ

(8)

، وابنُ الوزير

(9)

الإِجماعَ الَّذي حكاه إِمامُ الحرمين على منعِ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي، لا مطلق تقليدِه.

(1)

انظر: البرهان (2/ 744). وقد قرر إِمام الحرمين ترجيح مذهب الإِمام الشَّافعي في كتابه: غياث الأمم (ص/ 410 - 411).

(2)

انظر: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (ص/ 527).

(3)

انظر: البحر المحيط (6/ 288)، وسلاسل الذهب (ص / 450).

(4)

انظر: التحرير (3/ 352) مع شرحه التقرير والتحبير.

(5)

انظر: الوصول إِلى قواعد الأصول (ص/ 290).

(6)

انظر: شرح عماد الرضا ببيان آداب القضا (1/ 293). وعبد الروؤف المناوي هو: عبد الرؤوف - وفي بعض المصادر: محمد عبد الرؤف - بن تاج الدين بن عليّ بن زين الدين المناوي القاهري، يلقب بزين الدين الحدادي، ولد سنة 952 هـ كان إِمامًا كبيرًا، حجةً ثبتًا، فقيهًا أصوليًا، فاضلًا زاهدًا عابدًا، من أعيان الشافعية في زمنه، ومن أعلم أهل عصره بالحديث، وصفه المحبي بـ "صاحب التصانيف السائرة، وأجل عصره من غير ارتياب"، وقد أخذ ببعض الطرق الصوفية، من مؤلفاته: فيض القدير شرح الجامع الصغير، والتيسير بشرح الجامع الصغير، والتوقيف على مهمات التعاريف، واليواقيت والدرر شرح نخبة الفكر، توفي بالقاهرة سنة 1031 هـ وقيل: 1029 هـ. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي (2/ 400)، والبدر الطالع للشوكاني (ص/ 365)، وفهرس الفهارس والأثبات للكتاني (2/ 560)، والأعلام للزركلي (6/ 204)، ومعجم المؤلفين لكحالة (2/ 143).

(7)

انظر: منار أصول الفتوى (ص/ 204).

(8)

نقل محمدُ بن الوزير قولَ المازري في: العواصم والقواصم (2/ 418). ولم أقف على تفسير المازري للإِجماع الَّذي حكاه إِمام الحرمين في كتابه: (إِيضاح المحصول من برهان الأصول)؛ إِذ أبواب الاجتهاد غير موجودة فيه.

(9)

انظر: العواصم والقواصم (2/ 418).

ص: 749

مناقشة الدليل الثاني، نوقش الدليل من أربعة أوجه:

الوجه الأول: ليس مرادُ إِمامِ الحرمين الجويني بالإِجماعِ الَّذي حكاه الإِجماعَ الَّذي هو حجةٌ، بلْ مرادُه ما يكون مختارًا عند أحدٍ مِن العلماءِ، وتكون الجماعة متفقة عليه، فيقالُ عنه: أَجَمعَ المحققونَ على كذا.

ويدلُّ على هذا: أنَّ هناك إِجماعًا على خلافِ ما ذكره إِمامُ الحرمين - كما سيأتي بعد قليل - فلئلا نَقَعَ في مخالفةِ إِجماعٍ سابقٍ، أَوَّلنا ما ذكره إِمامُ الحرمينِ الجويني

(1)

.

الوجه الثاني: لا يلزمُ مِنْ سَبْرِ الأئمةِ الأربعةِ مذاهبَهم وجوبُ أخذِها؛ لأنَّا لو قلنا بهذا، للزمَ الأخذُ بمذاهبِ مَنْ بعد الأئمةِ الأربعةِ؛ لأنَّه وُجدَ فيمَنْ بعدهم مَنْ جَمَعَ سَبْرًا أكثر منهم

(2)

.

الوجه الثالث: أنَّ التبويبَ وذكرَ أوضاعِ المسائلِ لا مدخلَ له في التقليدِ، فكيفَ نمنعُ تقليدَ الصحابةِ؛ لأنّضهم لم يُبَوَّبوا؟ !

(3)

.

ويمكن الجواب عن الوجه الثالث: بأن للتبويبِ وذكرِ أوضاعِ المسائلِ أثرًا في التمذهبِ بمذهب الصحابي والتابعي؛ إِذ إِنَّه يقرِّبُ التمذهبَ، ويُيسر الالتزامَ بالمذهبِ، ولعَلَّ ما ذكره إِمامُ الحرمين مِن الإِشارةِ إِلى التبويبِ وذكرِ المسائلِ قرينةٌ دالةٌ على إِرادتِه بالإِجماعِ الَّذي حكاه الإِجماع على منعِ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي، لا مطلق تقليدِه.

الوجه الرابع: يبطلُ الإِجماعُ المذكورُ في الدليل بإِجماعين سابقين، وهما:

الأول: إِجماعُ العلماءِ على أنَّ مَنْ أسلمَ، فله أنْ يقلِّد مَنْ شاءَ مِن العلماءِ.

(1)

انظر: فواتح الرحموت (2/ 407).

(2)

انظر: البحر المحيط (6/ 289)، والتقرير والتحبير (3/ 354).

(3)

انظر: فواتح الرحموت (2/ 407).

ص: 750

الثاني: إِجماعُ الصحابةِ رضي الله عنهم على أنَّ مَنْ استفتى أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، فله أنْ يستفتي غيرَهما

(1)

.

يقولُ عبدُ العلي الأنصاري: "فقد بَطَلَ بهذين الإِجماعين قولُ الإِمامِ"

(2)

.

ويمكن الجواب عن الوجه الرابع: بأنَّ مرادَ إِمامِ الحرمين الجويني منعُ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي بعدَ استقرارِ المذاهبِ، لا مطلق تقليدِه، وبهذا يَسلمُ الإِجماعُ مِنْ معارضةِ الإِجماعات الأخرى.

وقد علَّقَ شهابُ الدين القرافي على ما ذكره إِمامُ الحرمين بأنَّ كلامَه يخلو مِن الأدبِ مع الصحابةِ رضي الله عنهم

(3)

.

واشتدَّ غَضَبُ ابنِ القيّمِ على ما ذكره إِمامُ الحرمين الجويني، فقال متعقبًا له - دونَ أنْ يصرِّحَ ابنُ القيمِ باسمِ إِمام الحرمين -: "بلْ قد صرَّحَ بعضُ غلاتِهم في بعضِ كتبِه الأصوليةِ أنَّه لا يجوزُ تقليدُ أبي بكرٍ وعمر، ويجبُ تقليدُ الشَّافعي! فيا لله العجب الَّذي أَوْجَبَ تقليدَ الشَّافعي، وحرَّم عليكم تقليدَ أبي بكرٍ وعمر

ونحمدُ اللهَ على أنْ عافانا ممَّا ابتلى به مَنْ حرَّمَ تقليدَهما، وأوجبَ تقليدَ متبوعِه مِن الأئمةِ"

(4)

.

الدليل الثالث: أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم والتابعين - وإِنْ كانوا أعلم وأعلى درجة ممَّنْ بعدَهم - لم يتفرغوا لتدوينِ العلمِ، وضبطِ أصولِه وفروعِه، وليس لأحدٍ منهم مذهبٌ محرّرٌ مقرّرٌ مستوعبٌ للأصولِ والفروعِ، ولم يقرروا لأنفسِهم أصولًا تفي باحكامِ الحوادثِ، وإِنْ وُجِدَ لبعضِهم أصولٌ، فإِنَّها لا تفي بجميعِ الحوادثِ - بلْ إِنَّ بعضَها لم يثبتْ حق الثبوتِ - وإِنَّما قامَ بذلك مَنْ جاءَ بعدهم مِن الأئمةِ الناخلين لمذاهبِ الصحابةِ والتابعين، القائمين

(1)

انظر: شرح تنقيح الفصول (ص/ 432 - 433)، ونفائس الأصول (9/ 4147 - 4148)، وفواتح الرحموت (2/ 457).

(2)

فواتح الرحموت (2/ 407).

(3)

انظر: نفائس الأصول (9/ 4151).

(4)

إِعلام الموقعين (3/ 523).

ص: 751

بتمهيدِ أحكام الوقائعِ قبلَ وقوعِها، وظَهَرَ في مذاهبِهم تقييدُ مطلقِها، وتخصيصُ عامِّها، وشروطُ فروعِها، فما أطلقوا حكمَه في موضعٍ، وُجِد تكميلُه في موضع آخر، ولذا فليس لأحدٍ أنْ يتمذهبَ بمذهبِ أحدٍ من الصحابةِ والتابعين

(1)

.

وخلاصةُ هذا الدليل: أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم والتابعين لم يتفرغوا لضبطِ العلمِ - أصولًا وفروعًا - ولم يَأْتِ أحدٌ يقومُ على خدمةِ أقوالهم؛ لتظهرَ في منظومةٍ مذهبيةِ متكاملةٍ.

مناقشة الدليل الثالث: إِنَّ قولَكم: "ليس لأحد منهم مذهب محرر مستوعب للأصول والفروع"، مسلَّمٌ.

وأمَّا قولكم إِنَّه لم يُوْجَدْ مَنْ يعتني ويخدم أقوالَ الصحابةِ والتابعين، فيلزمُ منه تعذّر نقل أقوالِ الصحابةِ والتابعين في جميعِ المسائلِ، ويلزمُ منه أحدُ أمرين:

الأمر الأول: عدمُ جوازِ نقلِ أقوالِ الصحابةِ رضي الله عنهم والتابعين؛ لعدمِ انضباطِها.

الأمر الثاني: جوازُ نقلِ أقوالِ الصحابةِ رضي الله عنهم التابعين؛ لضبطِها، مع جوازِ أخذِها والعملِ بها.

أمَّا مَنْعُ العملِ بها؛ لتوهم عدمِ ضبطِ شروطِ تلك المسائلِ، فهذا يَمْنَعُ النقلَ عنهم

(2)

، وواقعُ الأمرِ أنَّ العلماءَ ينقلون أقوالَ الصحابةِ والتابعين، فَظَهَرَ بهذا ضعفُ دليلِكم.

(1)

انظر: المنخول (ص/ 495)، والوصول إِلى الأصول لابن برهان (2/ 367)، وأدب المفتي والمستفتي (ص/ 162 - 163)، والمجموع شرح المهذب للنووي (1/ 55)، ونفائس الأصول (9/ 4150)، وصفة الفتوى (ص/ 73)، والمسودة (2/ 856)، ومنع الموانع لابن السبكي (ص/ 440)، والبحر المحيط (6/ 71، 290)، ولمع اللوامع لابن رسلان، القسم الثاني (2/ 671)، والتقرير والتحبير (3/ 353)، وكشاف القناع للبهوتي (15/ 55 - 56)، ونشر البنود (2/ 352)، ومراقي السعود (ص / 402)، وسلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 631).

(2)

انظر: نفائس الأصول (9/ 4151).

ص: 752

الجواب عن المناقشة: أجابَ شهابُ الدّينِ القرافي عن المناقشةِ، فقالَ: "إِنَّ أمرَ النقلِ خفيفٌ بالنسبةِ إِلى العملِ؛ فإِنَّه قد يكونُ المقصودُ منه الاطلاعَ على وجوه الفقهِ، والتنبيه

(1)

اللمداركِ، وعدم الوفاقِ، فيوجب ذلك التوقّف عن أمورٍ، والحثّ على أمورٍ"

(2)

.

الدليل الرابع: أنَّ في التمذهبِ بمذهبِ الصحابي والتابعي وقوعًا في التلفيقِ بين المذاهب، والانتقال بين أكثر مِنْ مذهبٍ، وهو ممنوعٌ؛ ذلك أنَّ أقوالَ الصحابي والتابعي لم تستوعبْ جميعَ الفروعِ، فليس للواحدِ منهم مِن النصوصِ ما يكفي مَنْ يُرِيدُ التمذهبَ بمذهبِه، فلا يتأتَّى الاكتفاءُ به، الأمر الَّذي يؤدّي بالمتمذهب بمذهبِ الصحابي والتابعي إِلى انتقالِه في المسائلِ الَّتي لم يجدْ فيها قولًا عنهم - وهي كثيرةٌ - إِلى غيرِه مِن المذاهبِ، وهو أمرٌ ممنوعٌ

(3)

.

ويمكن أن يناقش الدليل الرابع: بعدمِ التسليمِ بالمنع مِن الانتقالِ مِن المذهب إِلى غيرِه؛ ولا سيما عند وجودِ ما يدعو إِليه، فالمسَألةُ محلُّ خلافٍ بين الأَصوليين.

الدليل الخامس: لو كُلِّفَ الناسُ بالتمذهب بمذهبِ الصحابي أوالتابعي لوقعتْ عليهم مشقةٌ عظيمةٌ؛ إِذ يترتبُ عليه تعطيل معاشِهم، لذا سَقَط عنهم الأخذُ بمذهبِ الصحابي والتابعي

(4)

.

ويمكن أن يناقش الدليل الخامس: بأنَّ المشقةَ إِنَّما تحصلُ فيما لو قِيلَ بوجوبِ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي والتابعي، ونحنُ لم نقلْ بالوجوبِ، ثمَّ كلامنا في غيرِ العامي الصِرْفِ.

(1)

في المصدر السابق: "والمبنية"، وهو تصحيف، ولعل المثبت هو الصواب.

(2)

المصدر السابق.

(3)

انظر: المصدر السابق، ونهاية السول (4/ 630)، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول للإِسنوي (ص/ 527)، والبحر المحيط (6/ 290)، والعواصم والقواصم لابن الوزير (2/ 418).

(4)

انظر: البحر المحيط (6/ 289)، والتقرير والتحبير (3/ 354).

ص: 753

الدليل السادس: يتطرقُ إِلى مذهبِ الصحابي والتابعي عدةُ احتمالاتٍ لا يتمكنُ معها العامي مِن الأخذِ به، فضلًا عن التزامِ جميعِ أقوالِه، منها: قوةُ عبارةِ الصحابي والتابعي، وصعوبتُها على فهمِ العامي، واحتمالُ رجوعِ الصحابي والتابعي عن قولِه، وأنْ يكون الإِجماعُ منعقدًا بعد قولِ الصحابي والتابعي على قولٍ آخر، وأنْ لا يثبتَ القولُ عن الصحابي أو التابعي. فلهذه الاحتمالاتِ مَنَعْنَا الأخذَ بقولِهما

(1)

.

مناقشة الدليل السادس: نوقش الدليل من وجهين:

الوجه الأول: إِنْ أردتم بالعامي في دليلِكم العامي الصِرْف، فليس كلامُنا فيه؛ لأنَّ العاميَّ لا مذهبَ

(2)

- كما تقدم تقريرُه مِنْ قبلُ - وإنْ أردتم بالعامي مَنْ عدا المجتهد، فقد يُسلَّمُ لكم بعضُ الاحتمالات المذكورةِ.

الوجه الثاني: ما ذكرتموه مِن الاحتمالات، هي احتمالاتٌ عقليةٌ لم يقمْ عليها دليلٌ، وكلُّها واردةٌ في التمذهبِ بالمذاهبِ الأربعةِ

(3)

.

أدلةُ أصحابِ القولِ الثاني: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:

الدليل الأول: ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي كالنجومِ بأيّهم اقتديتم اهتديتم)

(4)

.

(1)

انظر: المصدرين السابقين.

(2)

انظر: سلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 632).

(3)

انظر: المصدر السابق.

(4)

جاء الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وورد في معناه أحاديث عن بعض الصحابة رضي الله عنه، وسأورد أهمها:

أولًا: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وأخرجه: الدَّارقطني في: غرائب مالك بنحو اللفظ - كما في: تخريج أحاديث الزَّمخشري للزيلعي (2/ 230)، والتلخيص الحبير لابن حجر (6/ 3188) - وقال الدَّارقطني:"هذا لا يثبت عن مالك، ورواته عن مالك مجهولون"، وضعف ابنُ حجر في: التلخيص الحبير (6/ 3188) رواية الدَّارقطني؛ وفي: المؤتلف والمختلف (3/ 1778)، وقال ابنُ طاهر عن إِسناد الدَّارقطني - كما نقله عنه الزيلعي في: تخريج أحاديث =

ص: 754

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الزَّمخشري -: "هذه الرواية معلولة بسلام المدائني، وهو ضعيف". وابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (2/ 925)، برقم (1760)، وقال:"هذا إِسناد لا تقوم به حجة؛ لأنَّ الحارث بن غصين مجهول". وابن حزم في: الإِحكام في أصول الأحكام (6/ 82 - 83)، وقال عنه:"سلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة، وهذا منها بلا شك، فهذه رواية ساقطة من طريق ضعيفٍ إِسنادها".

وحكم الألبانيُّ في: سلسلة الأحاديث الضَّعيفة (1/ 144) على حديث جابر بالوضع.

ثانيًا: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولفظه:(إِنَّما مَثَلُ أصحابي مَثَل النجوم، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم)، وأخرجه: عبد بن حميد في: المنتخب (2/ 30)، برقم (781)؛ وابن عدي في: الكامل في الضعفاء (3/ 376 - 377)؛ والدارقطني في: فضائل الصحابة - كما في: تخريج أحاديث الزَّمخشري للزيلعي (2/ 231)، والبدر المنير لابن الملقن (9/ 585)؛ وابن بطة في: الإِبانة عن شريعة الفرقة الناجية (الكتاب الأول: الإِيمان/ 2/ 563)، برقم (701)؛ وابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (2/ 924)، برقم (1759) معلَّقًا، وقال:"هذا إِسناد لا يصح".

ويقول ابنُ طاهر عن أحدِ رجال سند الحديث - كما نقله عنه الزيلعيُّ في: تخريج أحاديث الزَّمخشري (2/ 231) -: "حمزة النصيبي كذاب".

وضعف حديثَ عبد الله بن عمر: ابنُ الملقن في: البدر المنير (9/ 585)، وابن حجر في: التلخيص الحبير (6/ 3188)، وفي: المطالب العالية (17/ 65) بحمزة النصيبي. وانظر: ميزان الاعتدال للذهبي (1/ 606).

وقال ابن حزم في: الصادع على من قال بالقياس (ص/563) عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "هو مما يقطع أنَّه كذب موضوع".

وحكم الألبانيُّ في: سلسلة الأحاديث الضَّعيفة (1/ 149) على حديث عبد الله بن عمر بالوضع.

ثالثًا: حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما ولفظه: (إِنَّ أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيها أخذتم به اهتديتم)، وأخرجه: البيهقي في: المدخل إِلى السنن (1/ 146)، برقم (152)؛ والخطيب البغدادي في: الكفاية في معرفة أصول الرواية (1/ 184)، برقم (101)؛ وابن عساكر في: تاريخ دمشق (22/ 359).

وقال الزركشي في: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج (ص/ 83) عن إِسناد الحديث: "هذا الإِسناد فيه ضعفاء".

وقال ابن الملقن في: البدر المنير (9/ 586) عن رجال الحديث: "جويبر متروك، والضحاك ضعيف، وهو مع ذلك منقطع".

وأخرج ابن بطة في: الإِبانة عن شريعة الفرقة الناجية (الكتاب الأول: الإِيمان/ 2/ 564)، برقم (702) حديثَ ابن عبَّاس من طريق آخر، وفي سنده: حمزة النصيبي، وهو متروك، كما =

ص: 755

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= تقدم في: تخريج حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وحكم الألباني في: سلسلة الأحاديث الضَّعيفة (1/ 147) على حديث عبد الله بن عبَّاس بالوضع.

رابعًا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه:(أصحابي كالنجوم، من اقتدى بشيء منها اهتدى)، وأخرجه: القضاعي في: المسند (2/ 275)، برقم (1346). وفي إِسناده: جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، يقول الزيلعي في: تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (2/ 231): (وهو معلول بجعفر بن عبد الواحد".

ويقول ابنُ الملقن في: البدر المنير (9/ 585) عن جعفر: "جعفر هذا واهٍ، قال أبو زرعة: حدَّث بأحاديث لا أصل لها".

ونقل الذَّهبيُّ في: ميزان الاعتدال (1/ 412) عن الدَّارقطني أنَّه قال فيه: "يضع الحديثَ".

وعدَّ الذهبيُّ في: المصدر السابق (1/ 413) حديثَ أبي هريرة رضي الله عنه من بلايا جعفر بن عبد الواحد.

وانظر: التلخيص الحبير لابن حجر (6/ 3188 - 3189).

وحكم الألبانيُّ في: سلسلة الأحاديث الضَّعيفة (1/ 631) على حديث أبي هريرة بالوضع.

خامسًا: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولفظه:(سألتُ ربي عز وجل فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى الي: يا محمد إِنَّ أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض، فمَنْ أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى)، وأخرجه: ابن عدي في: الكامل في الضعفاء (3/ 200)، وقال:"هذا الحديث منكر المتن". وابن بطة في: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (الكتاب الأول: الإِيمان/ 2/ 563)، برقم (700)؛ والبيهقي في: المدخل إِلى السنن (1/ 146)، برقم (151)؛ والخطيب البغدادي في: الكفاية في معرفة أصول الرواية (1/ 185)، برقم (102)؛ وفي: الفقيه والمتفقه (1/ 443)، برقم (466)؛ وابن عساكر في: تاريخ دمشق (19/ 383). وابن حجر في: موافقة الخبر الخبر (1/ 146 - 147)، وقال:"حديث غريب".

وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضعيفٌ، وممن ضعفه: ابنُ عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (2/ 924)، وابنُ الجوزي في: العلل المتناهية (1/ 284)، والزيلعيُّ في: تخريج أحاديث كتاب الكشاف للزمخشري (2/ 232)، وابنُ كثير في: مسند الفاروق (3/ 148)، والزركشيُّ في: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج (ص/ 80).

وللحديث علتان أوضحهما ابنُ الملقن في: البدر المنير (24/ 93 - 94) - ط: دار العاصمة - فقال: "هذا ضعيف، ومنقطع؛ فإنَّ سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر شيئًا، وعبد الرحيم - أي: عبد الرحيم بن زيد العمي - ووالده ضعيفان".

وحكم الألبانيُّ في: سلسلة الأحاديث الضَّعيفة (1/ 147) على حديث عمر بن الخطاب بالوضع. =

ص: 756

وجهُ الدلالةِ مِن الحديثِ: أنَّ الحديثَ ظاهرٌ في تجويزِ التمذهبِ بمذهبِ صحابي بعينِه دونَ غيرِه، وأنَّ الاقتداءَ به مِنْ سبيلِ الهدايةِ

(1)

.

مناقشة الدليل الأول: نوقش الدليل من وجهين:

= وممن ضعف الحديث: (أصحابي كالنجوم

) برواياته:

- الإِمامُ أحمد، وقال عنه - كما في: المنتخب من العلل لابن قدامة (ص/ 143) -: "لا يصح هذا الحديث".

- والبزارُ، وقال - كما نقل كلامه ابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (2/ 924)، وابنُ

الملقن في: البدر المنير (9/ 587)، وابنُ حجر في: التلخيص الحبير (6/ 3189) -: "هذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم

والكلام - أيضًا - منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- والبيهقيُّ في: المدخل إِلى السنن (1/ 149)، ويقول:"هذا حديث متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة، لم يثبت في هذا إِسناد".

- وابن القيم، وقال في: إِعلام الموقعين (3/ 543) عن طرق الحديث: "لا يثبت شيء منها".

- والعلائي في: إِجمال الإصابة (ص/ 157)، وقال عن الحديث:"رُوي من طرق في كلها مقال".

ويقول ابن الملقن في: البدر المنير (9/ 584) عن الحديث: "هذا الحديث غريب، لم يروه أحدٌ من أصحاب الكتب المعتمدة"، ويقول أيضًا في:(9/ 587): "فتلخص من هذا ضعف جميع هذه الطرق".

وعدَّ الألباني في: سسلة الأحاديث الضَّعيفة (1/ 144) الحديثَ حديثًا موضوعًا.

وقد قوَّى الزركشيُّ الحديثَ، فقال في: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج (ص/ 84): "لكن يتقوى طرقه بعضها ببعض، لاسيما وقد احتج به الإِمام أحمد، واعتمد عليه في فضائل الصحابة، كما رواه عنه الخلالُ في: كتاب السنة، قال القاضي أبو يعلى: واحتجاجه به يدلُّ على صحته عنده".

وقد رجعت إِلى كلام القاضي أبي يعلى في: العدة (4/ 1107 - 1108)، وفيه أن الإِمام أحمد ذكره بلفظه دون نسبته إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يترك كلامه الَّذي نفى فيه صحة الحديث، لهذا الكلام الصادر منه، إِذ قد يرى صحة معنى الحديث، دون صحة سنده، وعلى فرض أنَّه دال على تصحيحه، فلا يلغى ما ورد عنه في نفي الصحة عن الحديث، وينظر في كلامه في الموضعين أيهما المتأخر. انظر: تعليق محقق المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج للزركشي (ص/ 84)، حاشية (1).

ومن جهة أخرى: فإنَّ الطرقَ إِذا تعددت، وكان في سندها متروكٌ أو وضاع لا يقوي بعضها بعضًا؛ إِذ الضعف فيها ضعف شديد أوصل بعضها إِلى درجة الوضع.

(1)

انظر: الفصول في الأصول للجصاص (4/ 363)، ومسائل الخلاف في أصول الفقه للصيمري (ص/ 365).

ص: 757

الوجه الأول: أنَّ الحديثَ ضعيفٌ، فلا يقوى على إِثباتِ ما ادَّعيتموه

(1)

.

الوجه الثاني: على فرضِ التسليمِ بقبولِ الحديثِ، فإِنَّ المرادَ بالاقتداءِ بالصحابةِ في الحديثِ؛ إِمَّا الاقتداءُ بهم فيما نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدوا به عليه، فكلهم ثقةٌ مؤتمنٌ على ما جاءَ به

(2)

؛ وإِمَّا أنْ يكونَ المرادُ بالاقتداءِ بهم الجريَ على طريقتِهم في طلبِ الصوابِ في الأحكامِ، وقد كانتْ طريقتُهم العملَ بالاجتهادِ، ويؤكّد هذا: أنَّ الحديثَ شبَّه الصحابةَ رضي الله عنهم بالنجومِ، وإِنَّما يُهْتَدى بالنجمِ مِنْ حيثُ الاستدلالُ به على الطريقِ بما يدلّ عليه، لا أنَّ النجمَ نفسَه يُوجبُ ذلك

(3)

.

الدليل الثاني: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أثبتَ الخيّريةَ لقرنِه - وهم الصحابة - ثم للذين يلونهم - وهم التابعون - وإذا كانوا هم خير الأُمّةِ، جازَ التمذهبُ بمذاهبِهم؛ لثبوتِ الخيريةِ لهم

(5)

.

مناقشة الدليل الثاني: إِنَّ المرادَ بالخيريةِ في الحديثِ هي الخيريةُ

(1)

انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 898)، وإعلام الموقعين (3/ 543).

(2)

انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 923).

(3)

انظر: أصول السرخسي (2/ 107)، وإعلام الموقعين (3/ 554).

(4)

أخرج الحديثَ: مسلمٌ في: صحيحه، كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (2/ 1178)، برقم (2533).

وأخرج الحديث بلفظ: (خيركم قرني

) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: البخاري في: صحيحه، كتاب: الشهادات، باب: لا يشهد شهادة جور إِذا أُشْهد (ص/ 502)، برقم (2651)؛ ومسلم في: صحيحه، كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (2/ 1178)، برقم (2535).

(5)

انظر: المنخول (ص/ 474)، والصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله للدكتور عبد الرَّحمن الدرويش (ص/ 109 - 110).

ص: 758

في السيرةِ والفَضْلِ، وهذا لا يدلُّ على تفضيلِ تقليدِهم، أو التمذهب لهم

(1)

.

الدليل الثالث: إِذا جازَ التمذهبُ بمذهبِ أحدٍ مِنْ الأئمةِ الأربعةِ، فجوازه للصحابي والتابعي البالغِ رتبة الاجتهادِ مِنْ بابٍ أولى؛ لمزيتهم عن سائرِ المجتهدين

(2)

.

ويمكن أن يناقش الدليل الثالث: بأنَّ ما ذكرتموه مِنْ أنَّ مجتهدي الصحابةِ رضي الله عنهم والتابعين أولى مِن الأئمةِ الأربعةِ، أمرٌ مسلَّمٌ، فهم أعلى شأنًا ممَّنْ بعدهم، لكنَّنا نمنعُ التمذهبَ بمذاهبِهم؛ لأمرٍ خارجٍ، وهو عدمُ اكتمالِ المنظومةِ المذهبيةِ لهم، فليسَ لأحدِهم مذهبٌ محررٌ مكتملُ الأصولِ والفروعِ، ولم يأتِ لهم أتباعٌ يقومون بذلك.

* الموازنة والترجيح:

مِنْ خلالِ النظرِ في القولين، وما استدلوا به، يظهرُ لي أنَّ الراجحَ في مسألةِ:(التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي) هو جوازُ التمذهبِ بمذاهبِهم - وهذا على سبيل التنظير - لأنَّه إِذا جازَ التمذهبُ بمذهبْ أحدٍ مِن الأئمةِ الأربعةِ، فإِنَّه يجوزُ التمذهبُ بمذهبِ الصحابي والتابعي؛ لأنَّهم مجتهدون.

ويبقى النظرُ في إِمكانِ التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي، والذي يظهرُ لي عدم إِمكانِه إِلَّا بمشقةٍ بالغةٍ؛ ذلك أن التمذهبَ عبارةٌ عن منظومةٍ متكاملةٍ، ومدرسةٍ فقهيةٍ أصوليةٍ، تشملُ القواعدَ والأصولَ والفروعَ؛ ليتمكنَ المتمذهبُ مِن الالتزامِ بالمذهبِ، والسيرِ على أصولِه، وبيانِ حكم الحوادث في ضوءِ أصولِ مذهبِه وفروعِه، وهذه المنظومةُ المتكاملةُ مفقودةٌ

(1)

انظر: المصدرين السابقين.

(2)

انظر: منع الموانع لابن السبكي (ص / 450)، والبحر المحيط (6/ 288)، والفتاوى الكبرى الفقهية للهيتمي (4/ 307)، وتعليق محقق سلاسل الذهب (ص/ 451)، حاشية رقم (1).

ص: 759

في جانبِ الصحابةِ رضي الله عنهم والتابعين - وليس معنى هذا أنهم يفتون دونَ أصولٍ، كلا، بل المرادُ أنَّ أصولَهم غيرُ محررةٍ ولا مدونة لمنْ بعدهم - وإِيجادُها في مذهبِ الواحدِ منهم فيه مِن المشقةِ ما فيه.

ومن جهة أخرى: فإِنَّ الفائدةَ المرجوةَ مِنْ إِبرازِ أصولِ الواحدِ مِن الصحابة والتابعين وقواعده قد تكونُ قليلةً؛ لأنَّ الغالبَ موافقةُ المذاهبِ الأربعةِ لأصولِ الصحابةِ والتابعين، في الجملة؛ إِذ أصولُ المذاهبِ الأربعةِ مستقاةٌ مِن مدارس الصحابةِ وتلامذتِهم.

وما ذكرتُه آنفًا لا يُقللُ مِنْ شأنِ أقوالِ الصحابة رضي الله عنهم ولا مِنْ شأنِ أقوالِ التابعين، فإِنَّ أخذَ أقوالهم مسألةٌ أخرى تختلفُ عمَّا أتحدثُ عنه.

• سبب الخلاف:

بتأمَّلِ المسألةِ بأقوالها وأدلتِها، يظهرُ لي أنَّ للخلافِ فيها عدةَ أسباب:

السبب الأول: حكمُ التمذهبِ بمذهبِ عالمٍ على سبيلِ العمومِ؟

فمَنْ قال: إِنَّ التمذهبَ - بغضِّ النظرِ عن إِمامِ المذهب - ممنوعٌ منه، مَنَعَ التمذهبَ بمذهب الصحابي والتابعي، وهذا ما سارَ عليهَ بعضُ أصحاب القولِ الأولِ.

ومَنْ قال: إِنَّ التمذهبَ جائزٌ، اختلفوا في التمذهب بمذهب الصحابي والتابعي: فمنهم مَنْ أجازه، ومنهم مَنْ مَنَعَه؛ لعدمِ إِمكَانِ تطبيقَ التمذهب على الوجهِ الحقيقي.

السبب الثاني: هلْ يجوزُ الانتقالُ بين المذاهبِ؟

فمَنْ قال: لا يجوزُ الانتقالُ بين المذاهب، مَنَعَ التمذهبَ بمذهب الصحابي والتابعي، وهذا ما سارَ عليه أصحابُ القولِ الأولِ.

ص: 760

ومَنْ قال: يجوزُ الانتقالُ بين المذاهب، لم يمنعْ من التمذهبِ بمذهبِ الصحابي والتابعي، وهذا ما سارَ عليه أَصحابُ القولِ الثاني.

وقد ذَكَرَ هذا السببَ جمالُ الدّينِ الإِسنوي

(1)

.

يقولُ ابنُ بَرْهان: "تقليدُ الصحابةِ رضي الله عنهم يتخرَّجُ على جوازِ الانتقالِ في المذاهبِ:

فمَنْ مَنَعَه، قال: مذاهبُ الصحابةِ لم يكثرْ فروعها حتى لا يمكنُ الاكتفاءُ بها، فيؤديه ذلك إِلى الانتقالِ، وهو ممنوعٌ، ومذاهبُ المتأخرين تمهدتْ، فيكفي المذهبُ الواحدُ المكلَّفَ طولَ عمرِه"

(2)

.

وجعَلَ ابنُ بدران السببَ الثاني سببًا للخلافِ بالنسبةِ إِلى العامةِ فقط

(3)

.

ولم يرتضِ الشَّيخ محمدٌ المطيعي سببَ الخلافِ الَّذي ذكره ابنُ برهان

(4)

.

السبب الثالث: هلْ مذاهبُ الصحابةِ رضي الله عنهم والتابعين محرَّرةٌ؟

(5)

.

فمَنْ قالَ: إِنَّها غيرُ محرَّرةٍ على الوجهِ الأمثلِ، وفيها ما يشكُّ في

(1)

انظر: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (ص/ 527).

(2)

نقل كلامَ ابن برهان القرافيُّ في: نفائس الأصول (9/ 4151)، والزركشيُّ في: البحر المحيط (6/ 290)، وفي: سلاسل الذهب (ص/ 450)، وإِبراهيمُ اللقاني في: منار أصول الفتوى (ص / 205).

وأشار إِلى كلام ابن برهان: الإِسنويُّ في: نهاية السول (4/ 630)، وفي: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (ص/ 527)، وانظر: العقود الياقوتية لابن بدران (ص/ 126). وظاهرٌ أنّ مراد ابن برهان حين عبَّر بالتقليد، التمذهبُ؛ فتتمة الكلام تؤيد هذا.

(3)

انظر: العقود الياقوتية (ص/ 126).

(4)

انظر: سلم الوصول (4/ 630).

(5)

انظر: منع الموانع لابن السبكي (ص/ 451)، ونهاية السول (4/ 630)، والرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة لابن رجب (ص/ 34)، وسلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 630).

ص: 761

صحتِه، مَنَعَ التمذهبَ بمذاهبِهم، وهذا ما سار عليه أصحابُ القولِ الأولِ.

ومَنْ قالَ: إِنَّها محرَّرةٌ سوَّغ التمذهبَ بمذاهبِهم، وهذا ما سارَ عليه أصحابُ القولِ الثاني.

السبب الرابع: هل يتحققُ لأحدٍ مِن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين مذهبٌ مكتملٌ مدوَّنٌ مشتملٌ على الأصولِ والفروعِ، والقواعد والضوابطِ؟

(1)

.

فمَنْ رأى أنَّه لا يتحققُ لأحدِ مِن الصحابةِ والتابعين مذهبٌ مكتملٌ مِنْ جهة الأصولِ والفروعِ، مَنَعَ التمذهبَ بمذاهبِهم، وهذا ما سارَ عليه أصحابُ القولِ الأول.

ومَنْ رأى أنَّه قد يتحققُ لأحدِ مِن الصحابة والتابعين مذهبٌ مكتملٌ مِنْ جهة الأصولِ والفروعِ، سوَّغ التمذهب بمذاهبِهم، وهذا ما سار عليه أصحابُ القولِ الثاني.

بقي أنْ أقول: إِنَّ ابنَ بدران أشارَ إِلى سبب آخر للخلافِ، وهو أنَّ مرد الخلافِ في شأنِ تمذهب غير العامي بمذهبَ الصحابي والتابعي إِلى جوازِ خلوِّ العصرِ عن مجتهدٍ

(2)

، ولم يفضلْ في وجهِ كونه سببًا للخلافِ.

ولعل وجه تأثير مسألةِ: (جواز خلو العصر عن مجتهد) في مسألتنا: أنَّ مَنْ قالَ بعدمِ جوازِ خلوّ العصرِ عن مجتهدٍ، لم يجوّز أخذَ أقوالِ الصحابي أو التابعي؛ للاستغناءِ عن أقوالِهما بوجودِ المجتهدِ.

ومَنْ قالَ بجوازِ خلو العصرِ عن مجتهدٍ، جوَّزَ أخذ أقوالِ الصحابي أو التابعي في حال خلوِ العصرِ عن المجتهدِ؛ لأنَّهم أولى مِن أُخذتْ أقوالهم.

(1)

انظر: نهاية السول (4/ 630)، وسلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 630).

(2)

انظر: العقود الياقوتية (ص/ 126).

ص: 762