الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلال بعض أدواتها الاتصالية كغرف المحادثة، والمنتديات، وغيرها (1).
وقد عُرِّفت التّفاعليّة بتعريفات عدّة؛ خلاصتها: أنها سمة لاتصال تبادلي ذي اتجاهين بين المرسِل والمستقبِل بشكل تزامني أو غير تزامني.
وعليه؛ فللتفاعليّة شكلان. شكلٌ تزامنيٌّ يكون الإرسال والاستقبال فيه في الوقت نفسه، كما في مواقع المحادثة، سواءً كانت كتابيّة أو صوتيّة أو مرئيّة. وشكل غير تزامنيٍّ يتأخر الإرسال فيه عن الاستقبال، كما في المنتديات الحواريّة.
وفي الاتصال غير التزامني يمكن للفرد أنْ يُعدِّل ويراجعَ الرسالةَ الاتصاليّة أكثر من مرة قبل إرسالها إلى الطرف الآخر، حتى تصل بالشكل والمعنى الذي يرغبه. وهذه الميزة لا توجد في الاتصال الشّخصي (2).
وبعد تعريف شِقَّي مصطلح "الخدمات التّفاعليّة" كلٌّ على حدة، يمكن أنْ تُعرَّف الخدمات التّفاعليّة للشبكة العالميّة بأنَّها: أدواتُ الشبكة العالميّة التي تتيح اتصالاً تبادليًّا، ذا اتجاهين بين المرسِل والمستقبِل، بشكل تزامنيٍّ أو غير تزامني.
المطلب الثاني: أسباب اهتمام المنصِّرين بالخدمات التّفاعليّة
سبق في المبحث الثالث من التمهيد الرئيسي للرسالة بيان أسباب اهتمام المنصِّرين بوسيلة الشبكة العالمية.
وما ذكر هناك من أسباب، هو داخل في هذا المطلب، لأنَّ الخدمات التّفاعليّة جزءٌ من أدوات الشبكة، غير أنّ هناك ما تختص به هذه الخدمات دون غيرها. ومن ذلك:
أولاً: أنَّ جُلَّ اهتمام غالبية مستخدمي الشبكة مُنْصَبٌّ على الخدمات التّفاعليّة.
يظهر ذلك باستعراض ترتيب المواقع التي يفوق الدخول إليها باقي المواقع. فباستعراض
(1) انظر: الإنترنت والشباب دراسة في آليات التفاعل الاجتماعي، علياء عبد الفتاح ص7، 49، 72. والإعلام التفاعلي، حسنين شفيق، ص29 - 30.
(2)
انظر: الإنترنت والشباب دراسة في آليات التفاعل الاجتماعي، علياء عبد الفتاح، ص53.
هذا الترتيب (1)، نجد نصف المراكز العشرة الأولى لمواقعَ خدمات تفاعليّة، والباقي لمحركات بحث.
فالمركزان الثاني، والعاشر، لموقعي فيسبوك ( FaceBook) وتويتر ( Twitter) ، وهما من مواقع الشبكات الاجتماعيّة. والمركز الثالث لموقع تشارك الملفات المرئيّة يوتيوب ( YouTube) . والمركزان السابع والثامن، لموقعي ويكيبيديا ( Wikipedia) وبلوقر ( Blogger) ، وهما من مواقع المدونات.
وهذا يعطينا إشارةً إلى الكم العددي للأشخاص الذين يستخدمون هذه الخدمات.
ويكفي في هذا أنْ نذكر أنّ عدد المسجلين في موقع الفيسبوك تجاوز النصف مليار منتصف العام 2010م، ولا زال العدد في تزايد مستمر، إلى الدرجة التي أصبح فيها الموقع يشكل ثالث بلد في العالم من حيث السكان بعد الصين والهند، وقد يتجاوزهما قريباً، وهو تعبير مجازي لكثرة عدد مستخدمي الموقع، الذي يخدم مائة لغة، ويُمضي المستخدمون للشبكة نصفَ أوقاتهم تقريباً بين صفحاته (2).
ثانياً: أنّ هناك قوةَ طرحٍ هائلة في هذه الخدمات، من حيث عدد التدوينات، والصور والملفات المرئية المتبادلة، وموضوعات النقاش والرد، وملفات التحادث النصي والصوتي والمرئي، وغيرها.
ويعطي الجدول التفاعلي في موقع " www.ecic.org" بيانات تُحَدَّثُ كلَّ ثانية ابتداءً من لحظة دخولك إلى الصفحة.
وهذه الإحصاءاتُ -وإن كان الجزم بدقتها فيه نظر- إلا أنها تعطي دلالات على ضخامة محتوى الطرح. فخلال 420 ثانية (7 دقائق)(3)، تشير الصفحة إلى أكثر من 4 آلاف مشترك جديد في الفيسبوك، وقرابة 400 ألف صورة جديدة فيه. وقرابة نصف
(1) حسب استعراض 24 ذي القعدة 1431هـ.
(2)
انظر الرّابط: www.internetevangelismday.com/facebook-evangelism.php
(3)
كان الدخول للصفحة في 25 ذي القعدة 1431هـ.
مليون إضافة في موقع تويتر، و 1450 مشترك جديد فيه. وحوالي 10 مليون ملف مرئي شوهد عبر اليوتيوب، ومليوني دقيقة اتصال عبر ( Skype) . وغير ذلك من الإحصاءات.
ومثله موقع الإحصاءات " www.worldometers.info/ar" الذي يبين عدد مستخدمي الشبكة في لحظة البحث، وعدد التدوينات ورسائل البريد الالكتروني وطلبات البحث في محرك البحث " google" في نفس اليوم.
وبصرف النظر عن مدى دقة هذه الإحصاءات -كما أسلفنا- فإنها تعطي بوضوح إشارةً على كم البيانات الهائل الذي يُدفع إلى الشبكة عبر هذه الأدوات.
ويزيد الأمر وضوحاً إدخالُ المفردات الشائعة الاستخدام عند النّصارى في مواقع الخدمات التّفاعليّة أو محركات البحث، والنظرُ إلى حجم النتائج (1).
فعلى سبيل المثال: لو بحثنا عن مفردة "يسوع"، وهو الاسم الذي يطلقه النّصارى على المسيح عليه السلام، فإنّنا سنجد أكثر من مليوني نتيجة في محرك البحث " google"، وأكثر من خمسة آلاف ملف مرئي في يوتيوب، ومئات المجموعات وآلاف المستخدمين في موقع فيسبوك.
ثالثاً: أنَّ الاتصالَ التفاعليَّ -الذي يَظهر في الشبكة بأقوى صُوَرِهِ- مكّن مستخدم الشبكة من الاتصال المباشر مع الأفراد والجماعات في مختلف أنحاء العالم (2).
ولهذا يقول خبير الاتصالات "سينثا وير Cyntha Ware": « التواصلُ عبر الإنترنت هو أسرعُ وأرخصُ وسيلةٍ للتواصل مع مجموعات كبيرة من النّاس» (3).
لقد أضحت الشبكات الاجتماعية اليوم تشكل أفضلَ وسيلة على الشبكة للتواصلِ مع الآخرين، أو تكوينِ صداقات جديدة، أو الحصولِ على الأخبار والمعلومات والبحوث، أو
(1) الأرقام حسب قراءة 29 ذي الحجة 1431هـ.
(2)
انظر: الإنترنت والشّباب، علياء عبد الفتّاح، ص169.
(3)
انظر: www.internetevangelismday.com/social-networking.php
تشاركِ الآراء والأفكار، أو حتى مجرد التسلية واللعب (1).
ولهذا فإنّه كلما وُجدت لغةُ حديثٍ مشتركة كان بالإمكان -من خلال الخدمات التّفاعليّة- أن يلتقي المنصر بالمدعوين من سائر بلاد العالم، وأن يمارسَ معهم العمل الدعوي وهو في بيته لم يغادره.
رابعاً: أنّ الاتصالَ التفاعليَّ يتسمُ بصفات تأثيريّة لا تكاد توجد في غيره.
فمنها أنّه يتيحُ الحوارَ والنقاش وتبادل الآراء حول سائر الموضوعات، وفي جملتها المعتقدات والشعائر، بحرية كاملة.
ومنها أنّ في بعض أدواته مشابهة للاتصال الشخصي، وذلك في خدمات المحادثة الصوتيّة، التي يتمكن من خلالها المنصِّر من الالتقاءِ بالمدعو مباشرة، وممارسةِ الخطاب الدّعوي معه، وتلقي ردوده ومن ثمّ الإجابة عليها، في صورةِ رجعِ صدى فوري.
وهنا يكون للبيان اللغوي ونبرات الصوت وتعابير الجسد والإشارات أثرها الكبير، وخصوصاً إذا احتوت المحادثة على الخدمات المرئيّة بحيث يرى كل طرفٍ الطّرف الآخر.
ومنها أنّ هذا الاتصال يتم في أماكنَ افتراضيّة يلتقي فيها أتباعُ الأديان والنّحل والمذاهب المختلفة، وكذا أهلُ الإلحاد والزّندقة والمتجردون من كُلِّ معتقد.
وهؤلاء فيهم البسيط الجاهل، وفيهم من أوتي جدلاً ومعرفة بوسائل التأثير في الآخرين وهزّ قناعاتهم. وفيهم القادر على التأثير -كما أسلفنا-، وفيهم القابل للتأثر (2).
(1) انظر: www.internetevangelismday.com/social-networking.php
(2)
من المسائل المهمة التي تحتاج لتحرير هنا؛ الموقفُ من استخدام الخدمات التفاعليّة؛ محلُّ الدّراسة في هذا البحث. ويمكن تلخيص ذلك في النظر إلى هذه الخدمات باعتبارين. الأول بوصفها وسيلة من الوسائل. وهنا يكون التّوجيه باستخدامها فيما ينفع في الدين والدنيا، وتجنبها فيما لا ينفع. والثّاني بالنّظر إلى المحتوى. فإن كان المحتوى متوافقاً مع الإسلام كان التّوجيه بالاستفادة منه. وإن كان غير متوافق فإنّه يُحذر الدّخول إليه إلا إذا تحصَّن المرء بعلم يدفع عنه الشبهات، ودينٍ يدفع عنه الشهوات، وكان محتاجاً لذلك لغرض صحيح كالدّعوة ونحو ذلك.
وهذا التّحذير من منافذ الخدمات التفاعليّة ذاتِ المحتوى المخالف للإسلام مردُّه أنّ ذلك شكلٌ من أشكال المجالسة والمخالطة، وهو شيء محذور في الفهم الإسلامي، فقد حذّر السلف من مجالسة أهل البدع والأهواء من المسلمين. قال الآجري - رحمه الله في كتاب الشّريعة 2/ 666:«ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا -يعني كتاب الشريعة- أن يهجر جميع أهل الأهواء .. وكل من نسبه أئمة السّلف أنه مبتدع بدعة ضلالة .. فلا ينبغي أن يكلم، ولا يسلم عليه، ولا يجالس .. فإن قال قائل: لم لا أناظره وأجادله وأرد عليه قوله؟ قيل له: لا يؤمن عليك أن تناظره وتسمع منه كلاماً يفسد عليك قلبك، ويخدعك بباطله الذي زين له الشيطان فتهلك أنت. إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته وإثبات الحجّة عليه» .
ومثله قول الصابوني - رحمه الله في عقيدة السّلف وأصحاب الحديث، ص298 - 299:«ويُبغضون -يعني أهل السنة والجماعة- أهل البدع .. ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرّت بالآذان وقرّت في القلوب ضرّت، وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وقد أنزل الله جل وعلا قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} سورة الأنعام، الآية 68» .
فإذا كان هذا النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء من المسلمين؛ فغيرهم من أهل الملل الأخرى من باب أولى، إلا بالضوابط التي ذُكرت.