الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّالث: أبرز الشّبه حول السّنة النّبويّة، والرّدّ عليها
المطلب الأول: تعريفُ السّنّة، وبيانُ مكانتها
السّنّة في اللغة هي: السيرة حسنة كانت أو قبيحة.
ومنه قول الشّاعر: فلا تجزعن من سيرة أنتَ سِرْتها فأولُ راضٍ سُنَّةً مَن يسيرها (1).
وهذا المعنى ورد في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى:{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} (2).
وورد في الحديث، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:(مَن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أنْ ينقص من أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أنْ ينقص من أوزارهم شيء)(3).
ونقصد بالسُّنَّة هنا المعنى الذي يريده المحدثون، وهو قولهم: ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة (4).
وحين نتحدث عن الشبه التي تثار حول السّنّة، فالمقصود المطاعن والشّبهات حول أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي رُويت في كتب الحديث وغيرها.
إنّ السّنّة التي ثبتت عن المصطفى الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- حجّة واجبة الاتباع والتسليم، بدلالة القرآن والسنة والإجماع والعقل.
ففي القرآن الكريم الأمر بالانقياد للتوجيهات النبويّة أمراً ونهياً {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
(1) انظر: لسان العرب، ابن منظور 3/ 2124.
(2)
سورة الكهف، الآية 55.
(3)
رواه مسلم في صحيحه، كتاب الزّكاة، باب الحثّ على الصّدقة ولو بشقّ تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النّار، ح1017، 1/ 451 - 452.
(4)
انظر: مصطلح الحديث، محمد بن صالح العثيمين، ص5.
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)، والتحذير من مخالفة أمره {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2)، والأمر بطاعته والرجوع إليه عند التنازع {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (3).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل صراحة على تضليل منهج دعاة الاكتفاء بالقرآن عن السّنّة، فقال صلى الله عليه وسلم:(ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإنَّ ما حرم رسول الله كما حرم الله، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يُقروه، فإن لم يُقروه فله أن يُعقبهم بمثل قِراه)(4).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التبيان العملي الموضح لمكانة السّنّة، فإنه صلّى ثم قال:(صلوا كما رأيتموني أصلي)(5).
وفيما يخص صفة الحج قال: (لتأخذوا مناسككم)(6).
وكان الصحابة إذا أشكل عليهم فهم شيء من القرآن سألوه فأجابهم، وربما بادر هو عليه الصلاة والسلام فبين لهم معاني بعض الآيات. والأمثلة على هذا كثيرة (7).
(1) سورة الحشر، من الآية 7.
(2)
سورة النور، من الآية 63.
(3)
سورة النساء، الآية 59.
(4)
رواه أبو داوود، وصححه الألباني. انظر له: صحيح سنن أبي داوود 3/ 117 - 118.
(5)
جزء من الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه، كتاب الآداب، باب رحمة النّاس والبهائم، ح6008، ص1507 - 1508.
(6)
جزء من الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً وبيان قوله صلى الله عليه وسلم:(لتأخذوا عني مناسككم)، ح1297، 1/ 589.
(7)
انظر بعض هذه الأمثلة في كتاب منزلة السّنّة في الإسلام لمحمد ناصر الدين الألباني، ص8 - 10.
وأما الدلالة العقليّة فهي في غاية الوضوح، فإنَّ الله تعالى أمر بالرّجوع إليه وإلى رسوله عند حصول التّنازع، وأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، «وكيف تمكن طاعته صلى الله عليه وسلم وردُّ ما تنازع فيه النّاس إلى كتاب الله وسنة رسوله إذا كانت سنته لا يحتج بها، أو كانت كلها غير محفوظة. وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده إلى شيء لا وجود له، وهذا من أبطل الباطل، ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به» (2).
ولما كانت السّنّة بهذه المكانة، حفظها الصّحابة، وبلَّغوها مَن بعدهم من التّابعين، ثم بلَّغها التّابعون مَن بعدهم، وتناقلها العلماء الثّقات جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن (3).
وعندما لحظ العلماء نسبة ما لا يثبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا «شروطاً للرواية المقبولة بحيث تكفل هذه الشروط الضمانات الكافية لصدق الرواة وسلامتهم من الكذب والخطأ والغفلة في النقل» (4).
وعُنوا «عناية فائقة بنقد الأسانيد بحيث لم يدعوا زيادة لمستزيد، وقد خلّفوا لنا في نقد الرّجال ثروة هائلة ضخمة» (5).
(1) انظر: وجوب العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مجلة الجامعة الإسلاميّة، العدد السادس والأربعون.
(2)
المرجع السّابق.
(3)
المرجع السّابق.
(4)
انظر: دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين، محمد محمد أبو شهبة، ص27 - 28.
(5)
المرجع السّابق، ص30
(6)
المرجع السّابق، ص36