الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: تعريف مصطلحات: التَّنصير، التَّبشير، الكرازة
.
عند الحديث عن هذا الموضوع نجد استخداماً لأحد هذه المصطلحات الثَّلاثة، وترجيحاً له على ما عداه.
ولهذا كان من المناسب التَّعريف بهذه المصطلحات، وبيان أيها أقرب إلى حقيقة ما يقوم به الدّعاة إلى النَّصرانيَّة.
أولاً: تعريف مصطلح التَّنصير
لغةً: التّنصر: الدخول في النَّصرانيَّة، وتنصَّر الرَّجل: دخل في النَّصرانيَّة، ونَصَّره تنصيراً: جعله نصرانيًّا (1).
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء)(2).
اصطلاحاً: هناك تعريفات متعددة للتنصير، منها:
التَّعريف الأول: تعريف الموسوعة الميسرة: "التَّنصير حركة دينية سياسية استعماريّة، بدأت في الظهور إثر فشل الحروب الصليبيّة؛ بغية نشر النَّصرانيَّة بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامّة، وبين المسلمين بخاصّة، بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب"(3).
التَّعريف الثاني: تعريف الموسوعة العربيّة العالميّة: "مصطلحٌ يقصد به قيام مجموعة من النّصارى بنشر النَّصرانيَّة بين الناس في جميع أنحاء العالم بطريقة تنظيمية حتى يعتنقها الكثيرون ويرغبون عن دينهم الأصلي"(4).
(1) انظر: الصحاح، الجوهري 2/ 829، ولسان العرب، ابن منظور 6/ 4439 - 4441.
(2)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام، ح1395، ص264، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، ح2658، 2/ 1226.
(3)
انظر: الموسوعة الميسرة 2/ 665.
(4)
انظر: الموسوعة العربيّة العالميّة 7/ 249.
التَّعريف الثالث: تعريف الدكتور سلمان عبد المالك: "التَّنصير هو حركة غزو فكري تستهدف تحويل المسلمين في بعض الشعوب الإفريقية والآسيوية إلى النَّصرانيَّة، والوقوف في وجه انتشار الإسلام بين هذه الشّعوب"(1).
ويلاحظ على التَّعريفات السّابقة أنّ فيها تضييقاً وحصراً في جانب ما:
- فبعضها يحصر هدف التَّنصير في الجانب السياسي الاستعماري. وهذا غير مسَّلم لوجود من يدعو للتحول إلى النَّصرانيَّة ويكونُ باعثُهُ تنفيذَ وصية الكتاب المقدس الذي يؤمن به. وهناك من تكون لديه بواعث أخرى.
- وبعضها يحصر الفئة المستهدفة بالعمل التَّنصيري في دول معينة. والواقع يشهد بأنَّ التَّنصير استهدف كل بلاد العالم ممن لا يدين بالنَّصرانيَّة بلا استثناء. والعمل الدّعوي موجودٌ داخل نطاق الدّيانة النّصرانيّة من طائفةٍ إلى أخرى، ولكنّ هذا غير داخلٌ فيما نعنيه بالتّنصير.
- وبعضها يربط بداية العمل التَّنصيري بانتهاء الحروب الصليبيّة. وهذا لا يُسلَّم أيضاً لأنَّ الدّعوة للنّصرانيّة قديمة قدم الديانة نفسها، وإنّما الذي تغيّر هو شكل العمل التَّنصيري؛ من الاعتماد بشكل رئيسي على الاتصال الشخصي إلى التأكيد على الخدمات الإنسانيّة (2). ثمّ إنّ القول بانتهاء الحروب الصليبيّة فيه نظر.
- وبعضها يُفهم منه أن التَّنصير لا بد أن يكون عملاً مؤسسيًّا مخططاً له، وهذا يُخرج التَّنصير الفردي الذي يقوم به شخص أو أكثر بصورة غير جماعيّة.
وبعد استعراض التَّعريفات، والملاحظات عليها، يرى الباحث أن التَّعريف الأنسب؛ أن يقال: التَّنصير هو كل جُهْدٍ يُبذل لإدخال غير النصراني في النَّصرانيَّة.
ثانياً: تعريف مصطلح التَّبشير
لغةً: البشارة: الإخبار بالأمر السار، مأخوذة من أنَّ بشرة الإنسان تنبسط عند السُّرور. والبشرى والإبشار والتَّبشير ثلاث لغات.
(1) انظر: أضواء على التَّبشير والمبشرين، سلمان سلامة عبد المالك، ص22.
(2)
انظر: التَّبشير في الخليج العربي؛ عبد المالك التميمي، ص27.
والبشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير، وإنما تكون بالشَّر إذا كانت مقيدة كما في قوله تعالى:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (1)(2)، ولعلها هنا من التبكيت (3).
اصطلاحاً: جاء في قاموس الكتاب المقدس تعريف المبشر بأنه: "من يعظ ببشارة الخلاص، متنقلاً من مكان إلى آخر، لا يستقر في مكان مخصوص، إنما همه التجوّل؛ يعظ بالإنجيل ويؤسس الكنائس باسم المسيح"(4).
ثالثاً: تعريف مصطلح الكرازة
لغةً: لم أجد في معاجم اللغة ذكر لمصطلح الكِرازة، ولا التكريز؛ اللذين يستخدمهما النّصارى كثيراً.
وبالرجوع لمادة (كَرَزَ) لا نجد من معانيها ما يتفق مع ما يقصده المنصِّرون بها؛ فالمعاني اللغوية لهذه المادة تدور حول الاختباء والتستر.
قال ابن فارس (5): «الكاف والراء والزاء أصل صحيحٌ يدل على اختباءٍ وتستُّر ولِوَاذ، يقال: كارَزَ إلى المكان، إذا مال إليه واختبأ فيه» (6).
والمكارَزَة: الميل إلى الشيء. وكارز في المكان إذا اختبأ فيه، ويقال كَرَزَ يَكْرُزُ كُرُوزاً فهو كارِزٌ إِذا استخفى في خَمَرٍ أَو غارٍ (7).
اصطلاحاً: عرفت الكرازة في قاموس الكتاب المقدس بأنها "المناداة علناً بالإنجيل العالمَ غير المسيحي". وبأنها "التَّبشير العلني بعمل الله الفدائي بالمسيح يسوع".
(1) سورة آل عمران، من الآية 21.
(2)
انظر: لسان العرب، ابن منظور 1/ 287 - 288، والصحاح، الجوهري 2/ 590 - 591.
(3)
انظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 1/ 251.
(4)
انظر: قاموس الكتاب المقدس، مفردة: المبشر.
(5)
هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرّازي. من أئمة اللغة والأدب، وله: مقاييس اللغة- المجمل- جامع التأويل، وغيرها. توفي في الرّي سنة 395هـ. انظر: الأعلام، الزركلي 1/ 193.
(6)
انظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 5/ 168.
(7)
انظر: لسان العرب، ابن منظور 5/ 3853. والخَمَر معناه جماعة النّاس وكثرتهم.