الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويخبرنا القاموس أنَّ الفعل (كرز) مأخوذ من الكلمة اليونانيّة (???????)، وتُنطق (كريسُّو)، وتعني: يُعلن أو يُنادي أو يَهتف. وهو أكثر الأفعال استخداماً في العهد الجديد للدلالة على معنى التَّبشير، فقد استخدم نحو ستين مرة، بينما الفعل (بشر) ومشتقاته تكرر نحو خمسين مرة (1).
وبعد استعراض تعريفات المصطلحات الثلاثة يرى الباحث أنّه عندما يتحدث المسلم عن النشاط الدّعوي من قبل المنصِّرين فإنّ استخدامه لمصطلح (التَّنصير) هو الأدق والأنسب والأصح من جهة المعنى اللغوي ومن جهة مطابقة الواقع، وقبل ذلك من جهة الشّرع كما في الحديث السّابق ذكره في تعريف التّنصير.
وأمّا المصطلحان الآخران فلا يدلان على المعنى الذي يفهمه المسلم؛ لأن التَّبشير -بإطلاق- يكون بما فيه خير للمبشَّر؛ وليس في تحوله عن دينه خيرٌ له. ولأنَّ استخدام مصطلح الكرازة أو التّكريز غيرُ مستقيمٍ لغويًّا.
وأمّا إن عبَّر النصراني بالتَّبشير أو الكرازة فلا مشاحة في ذلك؛ لأنّه يرى الخير والخلاص في اتباع دينه، ويرى أنّه يستخدم مصطلحين وردا في كتابه المقدس.
المطلب الثاني: أهداف التَّنصير
الدارسون للعمل التَّنصيري يذكرون مجموعة أسباب رئيسية دفعت المنصِّرين للقيام بدعوتهم، ولكنهم يختلفون في تحديد السبب المقدم منها على ما سواه.
فمن الباحثين من يرى أنّ الدّوافع السياسيَّة والرغبة في استعمار البلدان والسيطرة على شعوبها وثرواتها هو الهدف الأسمى، وما عدا ذلك يكون ثانويًّا. ويستدل على ذلك بالواقع الإلحادي المادي للعالم الغربي إجمالاً، وبواقع الأفراد الذين مارسوا التَّنصير بنوازع شخصيّة يرافقها بُعْدٌ عن الأخلاق الحميدةِ واتصافٌ بالعَداءِ الظاهرِ للمسلمين؛ بل وللنَّصارى من
(1) انظر: قاموس الكتاب المقدس، مفردة: كَرَزَ.
أتباع الكنائس الأخرى (1).
ومن الباحثين من يرى أنَّ الهدف الديني هو الأساس الباعث للجهود التَّنصيريَّة، ويستدل على ذلك باستقراء عمل بعض البعثات التَّنصيريَّة كالإرسالية الأمريكية التي عملت في الخليج قرابة أربع وثمانين سنة (من عام 1889م إلى عام 1973م) بقيادة صموئيل زويمر (2). فيرى أنَّ هذه الإرسالية كان هدفُها إدخالَ سكان الجزيرة العربية في النَّصرانيَّة (3).
وهناك من يذكر الهدف الاقتصادي؛ بالتكسب من بيع الأناجيل ونحوها، أو العمل التجاري المعفى من الضرائب الجمركية (4).
ومن الأهداف التي تذكر؛ الهدف الشخصي، حين يسعى المنصِّر إلى إثبات ذاته، والتعالي على أقرانه.
ومنها السعي للحيلولة دون وصول الدعوة الإسلاميّة إلى النّصارى، أو إلى غيرهم من سائر الأمم، حتى يقف المد الإسلامي من جهة، وتزول العقبة الكبرى أمام تنصير بلدان كثيرة في القارة الإفريقية وغيرها (5).
ويرى الباحث أنَّ للتنصير أهدافاً عدة، وأنَّ المقدَّمَ منها يعود إلى اعتبارات الزمانِ، والمكانِ، والقائمِ بالعمل التَّنصيري، والفئةِ المستهدفَة.
ففي الحقبة التي تلت الحروب الصليبية، وهجمة احتلال البلاد الإسلاميّة (المسمّاة
(1) من أصحاب هذا الرأي مصطفى خالدي وعمر فروخ؛ انظر كتابهما: التَّبشير والاستعمار، ص34 - 38. وكذا أحمد عبد الوهاب؛ انظر كتابه: حقيقة التَّبشير بين الماضي والحاضر، ص156.
(2)
هو رئيس إرسالية التَّنصير العربيّة في البحرين، ورئيس جمعيات التَّنصير في الشرق الأوسط، وأحد أكبر أعمدة التَّنصير في العصر الحديث، ويسميه محبوه "الرّسول إلى الإسلام". أنشأ مجلة العالم الإسلامي الإنجليزيّة سنة 1911م، وله العديد من الكتب عن الإسلام، وتوفي سنة 1952م. انظر: الموسوعة الميسرة 2/ 666 - 667، وانظر: موسوعة ويكيبيديا، مفردة: صموئيل مارينوس زويمر.
(3)
رجح هذا الرأي عبد المالك التميمي في كتابه التَّبشير في منطقة الخليج العربي، ص42. وانظر: أصول التَّنصير في الخليج العربي؛ كوني زيجلر، ص131.
(4)
انظر: التَّنصير ومحاولاته في الخليج العربي؛ عبد العزيز العسكر، ص28.
(5)
انظر: الغارة على العالم الإسلامي؛ شاتليه، ترجمة الخطيب واليافي، ص15.