الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه آياتٌ أُخَرُ فيها اشتباهٌ في الدلالة على كثير من النّاس أو بعضهم، فمن ردَّ ما اشتَبه عليه إلى الواضح منه، وحكّم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس» (1).
المطلب الثاني: دلائل سعي المنصرين لبث الشبهات
إنّ صاحب أي عقيدة لا يقبل -في الغالب- أن يجابه فيها، ويواجه بما يقلل من
مكانتها، فضلاً عن أن يكذب شيئاً منها.
ذلك أنَّ المعتقد يخالط شغاف القلب، وعندها يتخذه صاحبه ميزاناً يقيس به مواقفه وولاءه وبراءه. والعقد في اللغة أصله: الشّد، وشدّة الوثوق (2).
ولهذا فإنّ السّاعي لنقل شخص من عقيدة إلى أخرى يبدأ -غالباً- بِهَزِّ يقين المدعو فيما هو عليه من أمور اعتقد صحتها.
وهذا ما جرى عليه المنصرون في القديم والحديث، مع الجزم بأنّ وتيرة هذا الفعل قد تسارعت في السنوات الأخيرة.
وهذه الشبهات المثارة ليست جميعاً محاولةً للتلبيس على المسلمين، بل بعضها هو مبلغ فَهْم أصحابها عن الإسلام. فمن هؤلاء من يعرف الحق ويسعى لتشكيك المسلم فيه، ومنهم من فَهِم عن الإسلام خلاف الواقع فظنّها مطاعنَ وثغراتٍ يمكن هدم الإسلام من خلالها.
(1) انظر: تفسير ابن كثير 2/ 6.
(2)
انظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 4/ 86.
(3)
انظر: حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، علي جمعة محمد، وآخرون، ص9.
ومن الأدلة على الصنف الثاني بحث "المداخل التنصيريّة للمرأة المسلمة وأسرتها"، الذي قدّمته الكاتبة فاليري هوفمان، لمؤتمر كلورادو لتنصير المسلمين، الذي عقد في عام 1978م.
فقد صورت الكاتبة للمنصرين حال المسلمة بالمستاءة من احتقار الإسلام لها، وحطه من مكانتها، واستشهدت بأحاديث مسلمات، وحثت المجتمعين على استغلال هذا الإحساس بالإهانة لتقديم المسيح للمرأة المسلمة بصورة المشفق عليها، المانح لها الكرامة والتطهير والعضوية الكاملة في الكنيسة (1).
وفي هذا المطلب نحاول استحضار أدلة اهتمام المنصرين بهذا الجانب، من أقوالهم وأفعالهم.
فأمّا الشواهد من الأقوال فكثيرة جداً، ولعل فيما سنذكره من أقوال اثنين من كبار المنصرين في العصر الحديث كفاية عما لم يذكر.
فهذا المنصر المشهور -المسمى عند أتباعه "الرّسولَ إلى الإسلام"- صموئيل زويمر؛ يرمي شبهة في نظرة الإسلام إلى الإله الحق المبين، فيقول في مؤتمر القاهرة عام 1906م:«إنَّ المسلمين مهما يكونوا موحدين فإنَّ تعريفهم لإلههم يختلف عن تعريف المسيحيين، لأنَّ إله المسلمين ليس له قداسة ومحبة» (2).
وفي مجلس تنصيري أمام جمع من المسلمين، أراد القس زويمر بتجربة عملية أن يلبس على الحاضرين قناعتهم في فرضية ركن من أركان الإسلام. فأتى بمجسم كرة أرضيّة، وسلَّط عليه ضوءًا ليبرهن أنَّ صيامَ شهرِ رمضانَ لا يمكن أن يكون تشريعاً من عند الله تعالى، لأنه يتعذر أداؤه في بعض البلاد (3).
وفي مؤتمر لكنو التنصيري عام 1911م كرر زويمر طريقة طرح الشبهات، وفي هذه المرة هاجم القرآن الكريم فقال: «إنّ تأويل سورة الكهف وسورة النساء على مقتضى العقل
(1) انظر: التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي، ص812 - 826.
(2)
انظر: الغارة على العالم الإسلامي، شاتليه، ص20.
(3)
المرجع السابق، ص36. ولعلّه يقصد البلادَ التي يستمر فيها النّهار أو الليل لأشهر، وهي مسألة حلّها المجتهدون الفقهاء أخذاً من حديث أيّام المسيح الدّجال.
أمر مستحيل».
ثم طعن في بعض الشّعائر الدينية، فقال:«ولو اقتصرنا على مطالعة ما كُتب عن الحجاب وتعدد الزوجات في الصحف الإسلاميّة يتضح لنا أنَّ ما يظهر لنا من وحدة الأفكار في الإسلام غير صحيح، وهذه الوحدة مهددة بالنزاع والتناقض، ولا ريب أنَّ في فارس والسلطنة العثمانية بل والبلاد العربيّة ألوفاً من المسلمين مقتنعون بصحة النصرانيّة ومخالفتها للإسلام» (1).
وثاني هذين المنصرَين، هو بابا الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، حيث قال في اجتماع مغلق مع قساوسة وأثرياء في الخامس من إبريل عام 1973م:"إنّه يجب مضاعفة الجهود التبشيريّة الحاليّة .. وذلك لزحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم أو التمسك به، على أنْ لا يكون من الضروري دخولهم في المسيحيّة، ويكون التركيز في بعض الحالات على زعزعة الدين في نفوس المسلمين، وتشكيك الجموع الغفيرة في كتابهم وفي صدق محمد"(2).
وأمّا على الجانب العملي فيما يختص بالشبكة العالميّة، فقد رأينا في الفصل الأول أنّ الخدمات التفاعليّة للشّبكة سُخِّرت من قبل المنصرين لبث الطعون والشبهات.
ففي المبحث الأول من ذلك الفصل تبيّن ملءُ المنتديات التنصيريّة بآلاف الموضوعات الساعية للتلبيس والطعن في الإسلام وما يتعلق به.
وفي مبحث المجموعات البريديّة صنفت الرسائل البريديّة إلى أربعة أقسام؛ أحدها يتعلق بالرسائل الطاعنة في الإسلام.
وعند دراسة العمل التنصيري عبر خدمة المحادثة، لُخِّصتِ الجوانبُ التّنصيريّةُ في أربعةٍ؛ أحدها لتوضيح استغلال هذه الوسيلة في الهجوم على الإسلام.
(1) المرجع السابق، ص58. ولكن أين هذه الألوف من بعثته التي استمرت أكثر من أربع وثمانين سنةً؛ لم تنجح خلالها إلا في تنصير أربعة وخمسين شخصاً، كما ذكرت. انظر: أصول التنصير في الخليج العربي، زيقلر، ص149.
(2)
انظر: معاول الهدم والتدمير، الجبهان، ص24 - 28.
وفي مبحث مواقع مشاركة الملفات المرئيّة رأينا كيف سلك العمل التنصيري نهج التشكيك والطعن والتلبيس من خلال الملفات المرئيّة، وكذا خدمة التعليقات عليها.
هذا في جانب الخدمات التفاعليّة. والحال نفسه في مواقع الشبكة العالميّة، وقد بينت ذلك الدراسات والبحوث التي تناولت هذا الجانب (1).
ولا نريد هنا الاستطراد في التدليل على هذا النهج الذي سار عليه دعاة النصرانيّة في شتّى الجوانب، لأنَّ من شأن ذلك إطالة البحث.
وإلا فإنّ التشويه الإعلامي لصورة الإسلام والمسلمين يعد ظاهرة منتشرة، وتحدياً خطيراً، زادت وتيرته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وإنْ كانت جذور هذا التشويه سَبقت ذلك بقرون عديدة.
وكان من أجلى مظاهرها العمل الاستشراقي الذي كان من أهدافه تحطيم الثقة بالمعتقدات والمبادئ الإسلامية وتدميرها. أضف إلى ذلك المناهج الدراسية في بلاد الغرب التي تعزز الصور النمطية السلبيّة عن الإسلام والمسلمين (2).
وهكذا كان موقف الغرب من القرآن الكريم، فقد كانت ترجماتهم له على مر العصور ليست سوى وسائل لتوجيه الإدانات ضد الإسلام وكتابه ونبيه (3).
ولم تكن دراساتهم عنه إلا تجسيداً لأحكامٍ مسبقة، وقوالبَ مصكوكة، وشباكٍ منسوجة، أُريدَ حشرُ القرآن داخلَها، مع إحكام الغطاء، ودمغه بخاتم البشرية والتلفيق وعدم الأصالة، وإقصائه عن مهابط الوحي وأنوار النبوة الصادقة (4).
ومشابِهٌ لذلك موقف الغرب من خير البشرية وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، «فالغرب عبر
(1) من ذلك بحث الدكتور خالد القاسم (مرجع سابق)، ورسالة الماجستير لإنعام العقيل (مرجع سابق)، وغيرهما.
(2)
انظر: الإسلام والإعلاموفوبيا، المحجوب بن سعيد، ص7، 35، 48، وقد بحث الكاتب مسألة الجهود الغربيّة في تشويه الإسلام وبث الشبهات حوله، بدءًا بالدراسات الاستشراقية، ثم المناهج الدراسيّة في أوروبا وأمريكا، وأفرد فصلاً لدراسة التشويه الإعلامي الممارس ضد الإسلام والمسلمين من خلال الإعلام الفرنسي.
(3)
انظر: ماذا يريد الغرب من القرآن، عبد الراضي محمد عبد المحسن، ص103.
(4)
المرجع السابق، ص204.