الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرّابع: التنصير بواسطة مواقع الشّبكات الاجتماعيّة
توجد لدى الإنسانِ حاجةٌ فطريّة إلى التواصل مع الآخرين. ولمّا جاءت التقنيات الحديثة، وفي مقدمتها الشّبكة العالميّة؛ بدأت صلات النّاس ببعضهم تضعف، في ظل عكوفهم على تصفح مواقع جيل الشّبكة الأول؛ الذي لم يكن فيه للتفاعليّة وجود يذكر.
ومن هنا جاءت فكرة تسخير إمكانات الشّبكة العالميّة لتحقيق هذه الحاجة الفطريّة لدى الإنسان. وكان روّاد هذه الفكرة هم مبتكرو الشّبكات الاجتماعيّة، التي يعدها بعض الدارسين الجيلَ الرّابع في تاريخ تطور الشّبكة العالميّة (1).
وقد بدأت هذه الشّبكات بشكل بسيط، وخدمات قليلة، ثم تحسّنت هذه الخدمات بشكل سريع جداً، إلى أن أضحى من المقبول تماماً -اليومَ- الجزمُ بأنّ الشّبكاتِ الاجتماعيّة تمثل أكثرَ خدمات الشّبكة العالميّة استخداماً، وأكثرَها مشتركينَ وزوّاراً، وأكثرَها استحواذاً على وقت متصفحي الشّبكة. وهذا ما ستوضحه الصفحات التّالية.
ولكن يحسن قبل ذلك أن نعرف بهذه الخدمة (2). وذلك من خلال المطلب التّالي:
المطلب الأوّل: التَّعريف بالشّبكات الاجتماعيّة
المسألة الأولى: التَّعريف اللغوي والاصطلاحي
أولاً: التَّعريف اللغوي:
مصطلح الشّبكات الاجتماعيّة مكون من مفردتين.
فأمّا (الشّبكات) فهي جمع شبكة. قال ابن فارس: «الشين والباء والكاف أصل صحيح يدل على تداخل الشيء. يقال شبَّك أصابعه تشبيكاً. ويقال: بين القوم شُبكة نسب؛ أي مداخلة. ومن ذلك الشّبكة» (3).
(1) انظر: الفيس بوك جيل رابع للإنترنت، مجلة التربية (اليمن)، عدد 30، إبريل 2010م، ص106.
(2)
فترة دراسة هذا المبحث: شهر ربيع الثاني 1432هـ.
(3)
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس 3/ 242.
وفي المعجم الوسيط: «الشّبكة: شِرْكة الصياد في البر والبحر. وأكثر ما تتخذ من الخيط المشبَّك. وكل متداخل متشابك. يقال: شبكة المواصلات، وشبكة الكهرباء، ونحو ذلك. والجمع شبك وشباك» (1).
وعلى هذا فالشّبكة هي الشيء المتداخل، وتجمع على شَبَك وشِبَاك وشبكات (2).
والمفردة الثانية هي (الاجتماعيّة). جاء في المعجم الوسيط: «يقال رجل اجتماعي: مزاول للحياة الاجتماعيّة كثير المخالطة للناس» (3).
وهذه اللفظة لم ترد في معاجم اللغة القديمة-فيما وقف عليه الباحث- إلا أنّ معناها كثيراً ما يتكرر في تلك المعاجم باستخدام مفردة الخلطة؛ وضدها العزلة.
وباستخدام المعجم الوسيط لها يزول التردد في اعتماد استخدامها.
ثانياً: التَّعريف الاصطلاحي:
هناك عدة تعريفات اصطلاحيّة للشّبكات الاجتماعيّة ( Social Networks) . منها:
التَّعريف الأوّل: الشّبكات الاجتماعيّة هي: «وسيلة اجتماعيّة تساعد النّاس كي يتشاركوا المعلومات والأخبار مع أناس آخرين في دوائرهم الاجتماعيّة والعالميّة بسرعة وفعاليّة» (4).
التَّعريف الثاني: الشّبكات الاجتماعيّة هي: «خدمات تؤسسها وتبرمجها شبكات كبرى لجمع المستخدمين والأصدقاء، ومشاركة الأنشطة والاهتمامات، والبحث عن تكوين صداقات، والبحث عن اهتمامات وأنشطة لدى أشخاص آخرين» (5).
ويرى الباحث أن تُعَرَّف الشّبكات الاجتماعيّة بأنّها مواقع إلكترونيّة لإدارة العلاقات
(1) انظر: المعجم الوسيط، ص471.
(2)
انظر: النحو الوافي، عباس حسن، ص164؛ تجده نص على أنَّ شبكة تجمع على شبكات.
(3)
انظر: المعجم الوسيط، ص135.
(4)
انظر: فضائح Facebook، شادي نصيف، ص71.
(5)
انظر: موسوعة ويكيبيديا، مفردة: خدمة الشّبكة الاجتماعيّة.
الاجتماعيّة بفعاليّة.
المسألة الثانية: أهم مواقع الشّبكات الاجتماعيّة
بالنظر إلى ترتيب مواقع الشبكة العالميّة من حيث عدد الزوار؛ نجد أنّ المراكز الأربعة المتقدمة للشبكات الاجتماعيّة هي على النحو التالي (1):
أولاً: شبكة فيسبوك ( Facebook)(2) ، وسيأتي التَّعريف بها في المطلب التّالي.
ثانياً: شبكة تويتر ( Twitter)(3) .
وهي شبكة نشأت في أمريكا سنة 2006م مشروعاً بحثيًّا قامت به شركة Obvious. وتدعم اليوم سبع لغات، من بينها العربيّة.
يقوم الموقع على أساس التدوين المختصر، حيث يتاح للمشترك كتابة ما لا يزيد عن 140 حرفاً للتّدوينة الواحدة. وهو الأمر الذي يدفع لتركيز الفكرة وجعلها مُوجَّهة مُباشِرة؛ الأمر الذي جعل البعض يفضل الموقع على ما عداه من الشّبكات الاجتماعيّة (4).
يدعم الموقع تصفحه من خلال أجهزة الهواتف النقّالة، كما يدعم إرسال التّدوينات عبر رسائل الهاتف الجوّال القصيرة ( SMS) في بعض البلدان باشتراكات مدفوعة (5).
ثالثاً: شبكة ماي سبيس ( MySpace)(6) .
وقد ظهرت في العام الميلادي 2003؛ لتكون أولَّ الشّبكات الاجتماعيّة التي اكتسبت شهرة عالميّة (7). وظلت كذلك على مدى أربع سنوات، إلى أنْ أزاحتها عن هذا الموقع شبكة
(1) إحصائيات هذا المبحث حسب بيانات موقع alexa ليوم 7 ربيع الآخر 1432هـ.
(2)
رابط الموقع: www.facebook.com، وقد جاء في المركز الثاني عالميًّا.
(3)
رابط الموقع: twitter.com، وقد جاء في المركز التاسع عالميًّا.
(4)
انظر: تعريف بالموقع لأسامة المحيا، على الرّابط:
www.tech-k.com/wp-content/uploads/w-43090d0065.pdf
(5)
انظر: الرّابط twitter.com/about، وفيه أن عدد مشتركي الموقع بلغ 175 مليون شخص نهاية العام 2010م.
(6)
رابط الموقع: www.myspace.com، وقد جاء في المركز 71 عالميًّا.
(7)
أما أولها بإطلاق فهي شبكة Classmates التي ظهرت في 1995م. انظر: موسوعة ويكيبيديا، مفردة: خدمة الشّبكات الاجتماعيّة.
الفيسبوك (1).
رابعاً: شبكة لينكد إن ( LinkedIn)(2) .
ظهرت في عام 2002م لتكون شبكة اجتماعيّة مخصصة للمهنيين المحترفين، ممن يهتمون بالمحافظة على علاقاتهم المهنية الحالية، وتكوين علاقات جديدة في هذا الإطار. ولهذا نجد الموقع يشترط على المشترك وضع سيرة ذاتيّة له تبين مؤهلاته وخبراته لتكون متاحة لمن شاء الاطلاع عليها من الأفراد أو الشركات (3).
المسألة الثالثة: أهمية مواقع الشّبكات الاجتماعيّة
يمكن إبراز أهمية هذه الخدمة في النقاط التّالية:
أولاً: أنها تمثل واحدة من أهم وسائل ما يسمى بالإعلام الجديد. وهو إعلامٌ أثبت انتصاره على الإعلام التقليدي القائم على وكالات الأنباء، والقنوات الفضائيّة، والمحطات الإذاعيّة، والصحف والمجلات، وغيرها.
ثانياً: أنها أتاحت عدة خدمات تفاعليّة في مكان واحد. فهي تتيح خدمة التدوين التي تقوم بها المدونات، وخدمة المحادثة التي تقوم بها مواقع المحادثة، وخدمة تشارك الملفات المصورة والملفات المرئيّة التي كانت حكراً على مواقع تشارك الصور والفيديو، وخدمة الإرسال إلى مجموعة عناوين بريدية؛ التي كانت من مهام المجموعات البريدية، وخدمة الحوار النصي الذي كان من نصيب المنتديات الحواريّة.
وهي تكاد بهذا تَجمع إلى جانبها الخدمات التفاعليّة الأربع التي يتناولها البحث؛ وإن
(1) انظر: استخدام الشّبكات الاجتماعيّة في تقديم خدمات مكتبيّة متطورة، أماني مجاهد، مجلة دراسات المعلومات، عدد 8، مايو 2010م، ص68.
(2)
رابط الموقع: www.linkedin.com، وقد جاء في المركز 17 عالميًّا.
(3)
انظر: الإنترنت الدليل المصور، كيت شوب، ص172.
وانظر: الرّابط press.linkedin.com/about، وفيه أنَّ عدد مشتركي الموقع بلغ 90 مليون شخص مع نهاية 2010م.
كان ذلك بهيئات تقل فاعليّة عن المواقع المخصصة لهذه الخدمات.
ثالثاً: قوّة الإقبال على زيارة مواقع الشّبكات الاجتماعيّة، وهذا يمكِّن من الوصول لأعداد كبيرة من النّاس.
رابعاً: جُلّ جمهور هذه المواقع من فئة الشباب، وهم مظنة العمل والنشاط والحماس، وفيهم من الاندفاع وقلة الخبرة والتجربة ما قد يدفع لارتكاب الأخطاء.
ولهذا يرى (بيل تانسر) من خلال بحثه الذي أجراه لتحليل عادات تصفح أكثر من عشرة ملايين مستخدم للشّبكة؛ أنّ أكثر المستخدمين للشّبكات الاجتماعيّة هم من الفئة العمريّة من سن ثماني عشرة إلى أربع وعشرين سنة (1).
خامساً: إلى جانب فئة الشباب فإنَّ هذه المواقع يُشارك بها العديد من نخب المجتمع من رجالات العلم الشّرعي والسياسة والثقافة والاقتصاد وغيرها.
ولهؤلاء قوّةُ تأثير على الأتباع؛ تتسم بالتّوجيه المتابع للحدث. فحين يحتاج الشّاب -الذي يمضي أكثر وقته على مواقع الشّبكات الاجتماعيّة- إلى معرفة الرأي السّديد في نازلة من النّوازل في أي مجال، ويجد من العسير الرجوع إلى كبار علماء هذا الشّأن، فإنَّه سيفتح صفحاتِ من يثق به من المشاهير، أو يشترك في صفحاتهم، ليأتيه توجيههم في كل نازلة في حينها. وعندها سيكتفي بهذا الرأي في أغلب الظن.
وهكذا تتشكل عقليّة هذا الشاب، وتُصاغ توجهاته، بعيداً عن الطرق النّاجعة السليمة من المخاطر والشوائب.
ذلك أنّه يقع تحت ما يسمى "تأثير الهالة". ويقصد به أنّ اكتساب شخصٍ ما لشهرة واسعة بسبب بروزه في مجال من المجالات، يؤدي إلى اعتقاد كثير من النّاس أنّه يُحسن الكلام في كلِّ شيء، وأنّه مسدّد في اختياراته. والطريق النّاجعة هنا تكمن في الأخذ بالحكمة العظيمة:"اعرف الرّجال بالحق، ولا تعرف الحقّ بالرجال"(2).
(1) انظر: فضائح فيسبوك، شادي نصيف، ص53 - 54.
(2)
انظر: تكوين المفكر، عبد الكريم بكّار، ص208.
المسألة الرّابعة: الشّبكات الاجتماعيّة بين النّفع والضّرر
تعد الشّبكاتُ الاجتماعيّة أداةً قويّة في جانبي الإصلاح والإفساد، بحسب المسار الذي يكون فيه توجيه المستخدم لهذه الوسيلة.
فمن جهةٍ هي تتيح التّواصل مع العلماء والمفكرين والأدباء وطلبة العلم والنّابغين في الفنون لاستشارتهم والأخذ بآرائهم.
كما تيسر طرق التّواصل مع الإخوة والأرحام والأحبّة أيًّا كان مقر سكنهم بأيسر التكاليف.
وقد ابتكرت هذه المواقع آليّة لإعادة علاقاتٍ كان وصلها غايةً في الصعوبة؛ مع تباعد الأمكنة وتقادم الأزمنة وانقطاع أدوات الاتّصال بين أطرافها.
وفي الجهة الأخرى يأتي إهدار الوقت. وفي ذلك تضييع لرأس مال الإنسان في هذه الحياة، وهو العمر. وقد عدّ ذلك بعض المحققين أشد على المسلم من الموت، لأنّها تقطعه عن الله والدار الآخرة، بينما يقطعه الموت عن الدنيا وأهلها (1).
وتأتي كثرة الخلطة بلا نفع. وفضول المخالطة في فهم المسلم سبيل إلى خسارة الدّنيا والآخرة (2).
ويأتي جريان المرء فيما لا يعنيه. والمسلم منهي عن ذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)(3).
ويضاف لذلك معاصي النظر؛ من كمِّ الصور والملفات المرئيّة المهول على هذه المواقع. والمسلم يستشعر مسؤوليته تجاه ذلك انطلاقاً من قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
(1) انظر: الفوائد، ابن قيم الجوزية، ص56.
(2)
انظر: بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزيّة 2/ 821.
(3)
رواه الترمذي وابن ماجة، وصحح الألباني الروايتين. انظر للألباني: صحيح سنن الترمذي 2/ 530 - 531، وصحيح سنن ابن ماجة 3/ 302.