الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها للصخرة، أو بشق اثنتي عشرة طريقاً يبساً حين ضرب بها البحر، وكل هذا مما يؤمن به النصارى.
وأمّا قصة مريم عليها السلام وانتباذها من قومها مكاناً قصيًّا، وطلب هز جذع النّخلة، فهو كذلك من أنباء الغيب التي أوحاها العليم الحكيم لنبيه. على أنّ فيها ما يرد شبهة المشبهين، فإنّ الذي رجّحه بعضُ علماءِ المسلمين أنّ هذه الشّجرة لم تكن مثمرة، فطلب الله من مريم هزها على قدر جهدها، ثم امتن عليها بأنْ جعل في الشجرة في الحال ثمراً يتساقط عليها لتأكله، وتشرب من النهر الذي أجراه من تحتها (1).
ولا يصعب مع اعتقاد قدرة الله تصديق كراماته لأوليائه المتقين (2).
المطلب الخامس: مناقشة الشبه في ضوء الكتاب المقدس
تقدم في المطلب الثّاني أنّ من أبرزِ ما يتحدث عنه النّصارى في الخدمات التفاعليّة حول القرآن الكريم هو عدم التسليم بصحة النص المتداول له اليوم بين المسلمين، وأنّ الدّليل على ذلك استبعادُ ستّة أحرف من الأحرف السّبعة التي نزل بها القرآن، والنزاعُ الذي حصل إبّان الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه حول إضافة بعض الآيات أو استبعادها، والاختلافاتُ بين المخطوطات القرآنيّة (3).
والذي يخلص إليه المتأمل في هذه الطّعون؛ الإقرار بوجود نصٍّ قرآني عندما مات النبي صلى الله عليه وسلم، والإقرار بوجود مخطوطات قديمة تحوي كامل هذا النص، مع الخلاف في آيات منه.
وقد تقدم بيان هذه الأمور بالتفصيل في المبحث السّابق، ولكنّ المراد هنا مقارنة حجم هذه المآخذ بحال الكتاب المقدس عند النّصارى، من جهة الأسانيد والنّصوص والمخطوطات.
ولْنبدأ بما كتبه الآباء اليسوعيون في مداخل ترجمة الكتاب المقدس، مقتصرين بنقل
(1) انظر: تفسير ابن كثير 5/ 225.
(2)
للاستزادة في موضوع قصص القرآن: انظر: أباطيل الخصوم حول القصص القرآني لعبد الجواد المحص.
(3)
انظر صفحة 208.
كلامهم عن الأناجيل الأربعة التي يُفتتح بها العهد الجديد من الكتاب.
فقد ذكروا عن إنجيل متّى أنّه لا يمكن الجزم بنسبة كتابته إليه؛ بل الأمر أشد تعقيداً ممّا مضى عليه اعتقاد كثيرين من المتقدمين والمتأخرين. والخلاف قائم في مكان ولغة تدوينه. ولا يمكن الجزم بتاريخ تدوينه، وإن كان أغلب الباحثين يحدده بين عامي ثمانين وتسعين بعد الميلاد. ولا يمكن معرفة اسم المؤلف معرفة دقيقة (1).
وأمّا إنجيل مرقس فليس إلا شكلاً من أشكال الفن الأدبي، وضَعَه مترجم الحواري بطرس (2)، بين عامي 65 و70 بعد الميلاد، دون الجزم بذلك، مع التردد هل كان ذلك قبل وفاة بطرس أم بعدها (3).
وأمّا إنجيل لوقا (4) فإنّه -وإن نسب للوقا طبيب بولس- إلا أنّه ليس هناك دليل قاطع على ذلك، وأمّا تاريخ تدوينه فيرجح أن يكون بين عامي ثمانين وتسعين بعد الميلاد (5).
وإنجيل يوحنا فإنّ معظم النقاد لا يتبنون الرأي الذي يرى نسبته إلى الحواري يوحنا (6)، فيُعرض بعضهم عن الخوض في تسمية المؤلِّف، ويرى بعضهم أنّه يحمل نفس الاسم إلا أنّه ليس يوحنا الحواري، ويرى القسم الثالث أنَّه شخص له اتصال بالحواري يوحنا. وأمّا تاريخ التأليف فيحتمل أن يكون بين العامين 110 و130 بعد الميلاد (7).
وهكذا نرى في كلام هؤلاء المحققين أنّه لا سبيل إلى الجزم بنسبة الأناجيل الأربعة إلى
(1) انظر: الكتاب المقدس، العهد الجديد، طبعة الآباء اليسوعيين، ص34 - 35.
(2)
هو صيّاد سمك، دعاه المسيح فاتبعه، وأصبح الأول المقدّم بين تلاميذه، وله رسالتان في العهد الجديد. انظر: قاموس الكتاب المقدس، مفردة: بطرس.
(3)
انظر: الكتاب المقدس، العهد الجديد، طبعة الآباء اليسوعيين، ص123 - 124.
(4)
هو كاتب الإنجيل الثالث وأعمال الرّسل، صديق بولس ورفيقه في كثير من أسفاره، ولا يُعلم زمن موته ولا كيفيّته. انظر: قاموس الكتاب المقدّس، مفردة: لوقا.
(5)
انظر: الكتاب المقدس، العهد الجديد، طبعة الآباء اليسوعيين، ص184 - 185.
(6)
هو أحد ثلاثة تلامذة كانوا مقرّبين من المسيح، أحبّه المسيح وسمّاه التلميذَ الحبيب. له في العهد الجديد خمسة أسفار: إنجيله وثلاث رسائل وسفر الرؤيا. انظر: قاموس الكتاب المقدس، مفردة: يوحنّا.
(7)
انظر: الكتاب المقدس، العهد الجديد، طبعة الآباء اليسوعيين، ص287.
أصحابها، ولا تُعرف أسماؤهم على وجه التحديد، ولا تاريخ ومكان التدوين، فضلاً عن تأخر التواريخ المحتملة للتدوين.
فأيُّ ثقة يمكن أنْ يُعطيها منصفٌ لكتابٍ هذا حاله؟ وهل يمكن لشخص هذا كتابه أنْ يتحدث عن كَتَبَةِ القرآن العزيز وجُمَّاعِه الذين يَعرف صغيرُ المسلمين قبل كبيرهم كلَّ دقيق وعظيم من سِيَرِهِمُ العطرة؟
وإذا جئنا لكلام الآباء اليسوعيين -أصحابِ الترجمة- في نقدهم لنص الكتاب المقدس؛ نرى عجباً.
فقد طعنوا في نُسّاخ الإنجيل، وذكروا أنَّ صلاحهم للعمل متفاوت، وأنَّ بعضهم كان -بحسن نية- يصحح ما يرى فيه أخطاءً واضحة أو قلةَ دقة في التعبير اللاهوتي، فأدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أنْ تكون كلها خطأ. ومع مرور الزمن تراكم هذا التبديل بعضه على بعض فوصل النصُّ إلى عهد الطباعة مثقلاً بمختلَف أنواع التبديل. وعلى هذا أصبح
المحققون فيما بعد يحاولون إقامةَ نصٍّ يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول؛ إذ لا يرجى -بحال من الأحوال- الوصول إلى الأصل نفسه (1).
وفي حديثهم عن إنجيل يوحنا رأوا أنَّ بعض تلاميذ كاتب الإنجيل أضافوا عليه الفصل الحادي والعشرين. وقالوا: «ولا شكّ أنّهم أضافوا أيضاً بعض التعليق، مثل 4/ 2، وربّما 4/ 1 و4/ 4 و7/ 39 و11/ 21 و19/ 35. أمّا رواية المرأة الزّانية (7/ 33 - 8/ 11) فهناك إجماع على أنّها من مرجع مجهول، فأُدخلت في زمن لاحق، وهي مع ذلك جزء من قانون الكتاب المقدّس» (2).
وأمّا حال مخطوطات الكتاب المقدس فقد ذكر محققو الترجمة اليسوعيّة أنّ أقدمها مخطوطتان ترجعان إلى القرن الرابع الميلادي، وأن أجلَّهما المخطوطة الفاتيكانية؛ إلا أنها مجهولة المصدر، وبها نقص صفحات كثيرة (3)!
(1) المرجع السابق، ص13.
(2)
المرجع السابق، ص286.
(3)
المرجع السابق، ص12.
وبهذه الشهادة من محققين نصارى لا يجد الباحث المتجرد أيَّ سبب يجعله يثق بكتابٍ لم يمله عيسى عليه السلام أو يشهد كتابته، وكان كتبته مجهولون شخوصاً وأهدافاً، ولا توجد له مخطوطة واحدة أصلية، وكل ما وجد من نسخ هي ترجمات لمترجمين مجهولين شخوصاً وأهدافاً.
أضف لهذا أنّ مخطوطات الكتاب المقدس لا يكاد يوجد بينها مخطوطتين متشابهتين تماماً.
ناهيك عن محتويات الكتاب المقدس عند النصارى مما يقدح في مقام الذات الإلهية العليّة، وفي سير الأنبياء والمرسلين، وما فيه من اختلافات وتناقضات وأخطاء علميّة وجغرافيّة وتاريخيّة، وغير ذلك (1).
ويمكن أنْ نُضيف هنا مقتطفات من كلام أحد علماء الكتاب المقدس، وهو الدكتور روبرت كيل تسلر، حيث يقول:«ووجهة نظرنا أنَّ الكتابَ المقدس مليءٌ بالنبضات الإلهية والحقائق الكبرى، ولكنّه أيضاً كتابٌ بشري يحتوي على ما لا يحصى من النقص بكلِّ أشكاله» (2).
ويقول عن مخطوطات هذا الكتاب: «لا يوجد على الإطلاق نصٌّ أو مصدرٌ أساسي، وكلُّ ما لدينا هي فقط مخطوطاتٌ يدويّة قديمة تشير فقط إلى نُسَخٍ منقولة بدورها عن نسخ أخرى» (3).
ويرى أنّ هذه المخطوطات اليدويّة لا يوجد فيها مخطوطتان متفقتان، بل بينها من الاختلافات ما يزيد عن خمسين ألف اختلاف (4).
(1) من الكتب المهمة في هذا الجانب كتاب (إظهار الحق) لرحمة الله الهندي، وقد ذكر فيه 125 اختلافاً في الأناجيل (1/ 168 - 246)، و110 غلطاً فيها (2/ 257 - 352)، و35 شاهداً على التحريف بالتبديل (2/ 431 - 461)، و45 شاهداً على التحريف بالزيادة (2/ 463 - 512)، و20 شاهداً على التحريف بالنقصان (2/ 513 - 539). وانظر أيضاً: التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة، سارة العبَّادي.
(2)
انظر: حقيقة الكتاب المقدس، روبرت كيل تسلر، ترجمة علاء أبو بكر، ص13.
(3)
المرجع السّابق، ص14.
(4)
المرجع السّابق، ص15.
ثم يسوق إجماع المحققين الدّارسين لهذا الكتاب بقوله: «ويتفق كلُّ جادٍّ من علماء الكتاب المقدس الذين يمثلون كلَّ الطوائف على أنَّ الكتاب المقدس يحتوي على عدد كبير من التحريفات، خصوصاً العهد الجديد» (1).
وبهذا نخلص إلى أنّه لا مجال للمقارنة بين مطاعنهم في القرآن الكريم، وحال كتابهم المقدس، كما أبانته الصفحات السّابقة.
(1) المرجع السّابق، ص21.
(2)
المرجع السّابق، ص32.