الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنحن إزاء نصف مليار مشترك؛ بحاجة إلى فحص ما يمثل نصف مليار موقع؛ بما فيها من ملفات نصيّة وصوريّة ومرئيّة، وتطبيقات متعددة?.
المطلب الثالث: التنصير من خلال موقع الفيسبوك
في هذا المطلب نعرض بشيء من التفصيل لطرق التنصير عبر هذا الموقع؛ مستصحبين شمول العمل التنصيري عرض الديانة النصرانيّة، والدعوة لاعتناقها، والدفاع عنها، والهجوم على ما يضادها؛ وهو هنا الإسلام.
يمكن -بشكل إجمالي- حصر أهم جوانب ما سبق في الآتي:
الجانب الأول: الصّداقات
أمر الصداقة وأثرها وأهميتها مما لا يخفى على كل عاقل، فإنّ المرء على دين خليله (1).
وفي الفهم الإسلامي يُحشر المرء مع من أحبّ (2)، و (مثل الجليس الصالح والسوء؛
(1) في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرّجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). رواه أبو داوود والترمذي، وحسَّن الألباني الروايتين. انظر له: صحيح سنن أبي داوود 3/ 188، وصحيح سنن الترمذي 2/ 554.
(2)
روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(المرء مع من أحب). رواه البخاري في كتاب الأدب، باب علامة الحب في الله، ح6168، ص1541. ورواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب المرء مع من أحب، ح26402/ 1219.
كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك: إما أنْ يحذيك، وإما أنْ تبتاع منه، وإما أنْ تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير: إما أنْ يحرق ثيابك، وإما أنْ تجد منه ريحاً خبيثة) (1).
والتنصير عبر إقامة الصداقات أمرٌ توصي به مرجعيات التنصير عبر الشّبكة؛ كموقع
"اليوم العالمي للتنصير عبر الإنترنت". فإنّه يوصي بإنشاء الصداقات، والتعامل مع الآخرين بكل مودة، والتسلل من خلال اهتماماتهم الرياضيّة والموسيقيّة ومتابعة الأفلام؛ لإيصال رسائل دينيّة، بعيداً عن طرق الوعظ المباشر. مع التحذير من الدخول فيما يسبب صداماً مع الآخر؛ من خلال طرق الجدليّات، والمختَلفات الدينيّة والعقديّة، والانتماءات السياسيّة، أو حتّى طرح المعتقدات المسيحيّة التي قد تثير غضبهم (2).
هذا من الناحية النظريّة. وأما من ناحية التطبيق العملي فلم يتلق الباحث طلب صداقة من نصراني خلال سنوات اشتراكه التي تزيد عن أربع سنوات. وقد يعود ذلك إلى اشتراط الموقع أن لا يتم بناء العلاقات إلا على من يعرفهم الشخص معرفة حقيقية؛ لا من يريد التعرف عليهم.
ومعرفة الأثر التنصيري عبر إقامة الصداقات والعلاقات يحتاج لبحث ميداني، واستبانات تستطلع آراء شريحة من المستخدمين.
ولغرض الاختبار فقد جرى مراسلة خمسة من النصارى المشتركين بالموقع، وذلك
(1) الحديث متفق عليه من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، ح5534، ص1407. ورواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء، ح2628، 2/ 1215.
(2)
انظر: الرّابط www.internetevangelismday.com/facebook-evangelism.php.
والرّابط www.fishthe.net، وهو من المواقع التّنصيريّة الكبرى، والتي تقوم على تشبيه العمل التنصيري على الشّبكة باصطياد الأسماك في البحر. ويُعنى الموقع بشرح طرق الدعوة من خلال منافذ الشّبكة، ولا سيما المواقع التي يكثر الدخول إليها، كمواقع الخدمات التفاعليّة، ومنها الشّبكات الاجتماعيّة.
والرّابط www.webevangelism.com/index.php?id=110، وهو لإحدى نشرات اتحاد التنصير عبر الإنترنت؛ تحث على استغلال جانب الصداقات في مواقع الشّبكات الاجتماعيّة.
بالبحث عن مفردة (مسيحي) في قائمة الأشخاص. وتم اختيارهم من بلدان عربيّة مختلفة، وإرسال طلب التصادق معهم، مع بيان كون الديانة إسلاميّة؛ في رسالة الطلب.
وكانت النتائج أن استجاب أحدهم في نفس اليوم. وبهذه الاستجابة أضحى الاطلاع على ما يكتبه متيسراً بشكل فوري، وكذا الاطلاع على قائمة أصدقائه التي تفوق المائة شخص من الجنسين، وكلهم فيما يظهر من أسمائهم من أتباع الديانة النصرانية.
ومن خلال هذا الصديق -بحسب عرف الموقع- أتيح معرفة نبذة عن كنيسته، ومواعيد
مناسباتها. وتم تلقي دعوة منه للانضمام إلى صفحة على الموقع تسعى لجمع مليار شخص يؤمن بأنَّ المسيح هو الله الظاهر في الجسد؛ أي عقيدة ألوهية المسيح؛ التي هي محل إجماع النصارى على اختلاف طوائفهم.
كما أمكن الاطلاع على ملفاتٍ مرئية لترانيم وضعها هذا الصديق -المفترَض- على صفحته، وروابطُ لمواقع نصرانية متميزة في قوة طرحها، وصورٍ متعددة تحمل الطابع الديني.
وهكذا؛ وبمجرد طلب صداقة بسيط -قد يدفع له إغراء صورة، أو حسن عبارة، أو شهرة شخصية- يصبح المرء ضمن قائمة المدعوين للنصرانيّة. فكيف يكون الحال -إذاً- إذا كثرت الصداقات والعلاقات.
الجانب الثاني: المجموعات
وهي خدمة مشابهة تماماً لخدمة المجموعات البريديّة التي تطرق لها الباحث في المبحث الثاني من هذا الفصل، فيحسن الرجوع إلى ذلك المبحث لمعرفة طرق التنصير التي تتبع من خلال هذه الوسيلة.
ولكنْ يُلاحظ أنَّ في مجموعات الموقع ما يصرح بالعمل التنصيري. ومن أمثلة ذلك: مجموعة "التبشير باسم المسيح له كل المجد"(1)، ومجموعة "معاً لتكثيف حملات التبشير في تونس"(2)، وغيرهما.
(1) رابط المجموعة: www.facebook.com/group.php?gid=47126613826
(2)
رابط المجموعة: www.facebook.com/home.php?sk=group_181392935222969
وفي هذه المجموعات يتحاث النصارى لتقوية أعمالهم الدعوية في بعض البلاد العربيّة، ويمتدحون قوة الدعوة في بعض البلاد كالجزائر والمغرب؛ لغرض التأسي بذلك. كما يهاجمون الإسلام والمسلمين بأقبح الأوصاف والتهم. أضف لذلك جوانب عرض النصرانيّة باستخدام الموضوعات النقاشيّة، والصور التعبيريّة.
ويلاحظ -كذلك- كثرة المجموعات الخادمة للكتاب المقدس (1)؛ عرضاً، وتفسيراً،
وتأملاً، ودفاعاً، ومقارنةً بينه وبين القرآن لإظهار تفوقه، ونشراً للبرامج الإلكترونيّة الخادمة له، والخرائط الرسوميّة الموضحة لما فيه من رحلات وموضوعات. إلى غير ذلك من وجوه الاهتمام والعناية.
والخلاصة أنَّ العمل التنصيري الخادم للكتاب المقدس كبير جداً، من حيث عدد المجموعات، وتعداد أعضائها، وموضوعاتها المتنوعة.
ومن المجموعات ما يشرح العقائد والطقوس النصرانيّة، ويعرف بكنائسها وطوائفها وكبار رجالها وعلمائها.
وهذه المجموعات تنصر من خلال أسمائها، والصور الرمزية لها، والوصف المعرف بها. وكل هذا قبل الاشتراك بها والاطلاع على محتوياتها من الموضوعات والصور والملفات المرئيّة والروابط وغير ذلك.
وتعد هذه الخدمة -أعني المجموعات- الخروج الوحيد تقريباً عن كون الشّبكات الاجتماعية مقصورة على تواصل المرء مع أصدقائه. فإن المجموعات التي تنشأ في هذا موقع -إذا كانت مفتوحة العضوية- يشترك بها من يعرفه المرء ومن لا يعرفه.
الجانب الثالث: ملفات الصور
تكاد تكون أعداد الصور المتداولة في هذا الموقع شيئاً من ضرب الخيال. وقد أشرنا في تمهيد الفصل إلى شيء من هذا. وهنا نذكر إحصائيّة جديدة تفيد بأنّه في كل عشرين دقيقة؛
(1) يظهر ذلك بمجرد كتابة مفردة "الكتاب المقدس" في خانة البحث في مجموعات الموقع.
هناك أكثر من مليوني صورة جديدة تضاف إلى محتوى هذه الشّبكة الضخمة (1).
وينبغي التنبه هنا إلى أنّه ليس المقصود بالصور في عرف هذا الموقع وأشباهه على الشّبكة؛ تلك الصور الملتقطة بآلة التصور الفوتوغرافي، ولكنَّه يشمل أيضاً التصاميم الرسوميَّة التي تُنتج بواسطة برامج الحاسب، وتُضَمَّن كتابات، ورسوماً يدويّة، وصوراً فوتوغرافيّة.
وقد استغل النصارى هذا الميزة في الموقع فرفعوا إلى صفحاته كمًّا هائلاً (2)؛ أغلبه -فيما
وقف عليه الباحث- يتضمن الرسوم المتخيلة لعيسى عليه السلام، وأمه، وبعض المقدسين عندهم، وصور ورسوم الصلبان، والكتاب المقدس مع اقتباسات منه.
فأمّا صور المسيح عليه السلام فبعضها يُخرج على وجوه من التفاؤل، والأنوار المشرقة المضيئة للكون، والإقبال على الأتباع رحمة وشفقة وإنقاذاً من الهلكة.
وبعضها مخصص لإظهار تعظيم المسيح، والتوجه له بطلب الاصطفاء والإنقاذ من المهلكات، والتوفيق في الحياة.
وبعضها يُظهر جانب آلام المسيح التي تعرض لها عند القبض عليه -كما في معتقد القوم- من ضرب، وإهانة، وحمل للصليب، وتوشح بإكليل الشوك، وانتهاءً بالموت على الصليب.
وأما المقتطفات من الكتاب المقدس ففيها تنوع من ناحية المضامين؛ لكنَّها جميعاً تجري في مسار إظهار محاسن النصرانيّة.
ويأتي الاهتمام بالطفل واضحاً من خلال رسوم جلوس المسيح إلى الأطفال محبّا ومعلماً ومؤنساً.
ولا يخلو استخدام هذه الوسيلة من هجوم على الإسلام؛ فإنّ فيها من الرسوم والصور ما يساق لبث الشبه حول الإسلام، وخصوصاً الوصم بالإرهاب.
ومن الخدمات التفاعليّة المهمة في جانب الصور؛ إتاحة التعليق عليها. ولهذا تشهد
(1) انظر: الرّابط www.onlineschools.org/blog/facebook-obsession
(2)
انظر -مثلاً-: صفحة (يسوع المسيح) على الموقع، وعنوانها: www.facebook.com/yasou3
ساحة التعليقات حرباً دينيّةً؛ سيأتي مزيد توضيح لها في المبحث الخامس من هذا الفصل عند الحديث على التعليقات على الملفات المرئيّة، فإنّ ظهورها هناك أوضح وأكبر.
الجانب الرابع: الملفات المرئيّة
خصص المبحث التالي (الخامس في هذا الفصل) لدراسة التنصير عبر الملفات المرئيّة، ولهذا فإنَّ من المناسب الإحالة إلى ذلك المبحث، حيث تعد هذه الخدمة هنا فرعاً عمّا سيتم طرقه هناك. وغالب مستخدمي الفيسبوك يرفعون ملفاتهم على مواقع مشاركة الملفات المرئيّة ثم يضعون لها روابط في صفحاتهم هنا.
الجانب الخامس: الروابط
من خلال هذه النافذة استفاد العمل التنصيري بوضع الدعوات للدخول إلى المواقع التنصيريّة، سواءً كانت مواقع، أو منافذ لبعض الخدمات التفاعليّة؛ كالملفات المرئيّة، أو حسابات الشّبكات الاجتماعيّة، أو غيرها.
وهذه الخدمة -وإن كانت غير ظاهرة القوة- إلا أنَّ لها وقعاً إذا ربطت بالصداقات. فالمرء متى وثق بشخص؛ اعتبر ما ينتخبه من روابط؛ ذات محتوى نافع، فتجده يثق بمحتواها، ويُقبل على الاطلاع عليها.
الجانب السّادس: الأحداث
تعد (الأحداث) -وقد تسمى المناسبات- واحدة من أهم التطبيقات الأساسيّة في الموقع. ومن خلالها يدير المستخدم الدعوة للمناسبات بفعاليّة كبيرة.
وقد استفاد العمل التنصيري من هذه الميزة، فأخذ يدعو إلى الأعياد الدينيّة، وحفلات الكنائس، والمحاضرات والندوات التي تقام فيها، والأعمال التطوعيّة لعمارة وتنظيف الكنائس، وحفلات افتتاح الكنائس الجديدة.
وهناك التنسيق للمسيرات والاعتصامات والاحتجاجات الخارجة من منطلقات دينيّة.
وهكذا؛ فهذه الميزة استغلت بوضوح لخدمة العمل التنصيري.
الجانب السّابع: التطبيقات
تتعدد التطبيقات الخادمة للنصرانيّة. ومن ذلك ما يُرسِل لكل مشترك عدداً (1) من الكتاب المقدس كل يوم، مع التواصي بقراءته وتدبره وحفظه وإرساله للآخرين.
ومن التطبيقات المتكررة ما هو موجه لخدمة الكتاب المقدس النصراني؛ من جهة عرض النص كتابةً أو صوتاً، مع إمكان البحث عن أي مفردة، وعرض تفسير أي عدد، وكذا الخرائط التعليميّة لما ورد فيه من رحلات دعويّة للمسيح عليه السلام وأتباعه.
وللتعريف كل يوم بواحد من أعلام النصرانيّة؛ هناك تطبيق لهذا الغرض.
وهناك تطبيق لإرسال أقوال القديسين.
ومن التطبيقات التفاعليّة ما يطرح عدة أسئلة ليخرج من إجاباتها بربط مع أقرب عظماء الكتاب المقدس. فإذا أظهرت إجابات المستخدم نشاطه في التّنصير مستخدماً عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف؛ أفصح له التطبيق بأنه مقتدٍ ببولس، وهكذا. وفي هذا التطبيق ربط مع القدوات من أعلام الديانة، وتثبيت للشخص وتشجيع له.
وهكذا؛ فإنَّ هذه البرمجيات سخرت لخدمة العمل الدعوي التنصيري. وما ذكر لا يعد إلا تمثيلاً؛ لا يمكن أن يقترب من الحصر والشمول.
وبهذا يتم الحديث عن هذه الخدمة، وننتقل إلى دراسة الخدمة الخامسة، وهي مواقع مشاركة الملفات المرئيّة.
(1) العدد هو المقابل للآية في القرآن الكريم. ويرجح قاموس الكتاب المقدس أنّ التقسيم إلى إصحاحات تم على يد ستيفن لانجتون المتوفى سنة 1228م، وأنَّ التقسيم إلى أعداد كان على يد روبرت ستفانس سنة 1551م.
انظر: قاموس الكتاب المقدس، مفردة: الكتاب المقدس.