الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: الرد على الشبه
يمكن الرد على جدليات النصارى حول النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مجمل، وآخر مفصل.
المسألة الأولى: الرد المجمل، ويقال فيه ما يلي:
الأمر الأول: سبق في المبحث الأول من هذا الفصل الرد على بعض الشبه حول القرآن الكريم، والخلوص إلى أنّه الحق المبين المنزل من الله تعالى.
فإذا تقرر هذا فإنّ كتاب الله الكريم قد شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنّه رسول الله وخاتم النبيين (1)، والمتصف بالخلق العظيم (2)، والتعامل الرحيم المؤلف للقلوب (3)، والتبليغ الأمين لتفصيلات الرسالة (4)، والحرص على تحقيق مصالح الخلق كلِّها، والنأي عن كل ما يلحقهم المشقة والعنت (5).
ومَن هذا حاله؛ كيف يتأتى لطاعن أن يرميه بشيء في دينه أو خلقه؟!
الأمر الثاني: إذا كان أعداء النبي صلى الله عليه وسلم قد شهدوا له بحسن الخلق وسمو التعامل؛ وقد كان بعضهم لصيقاً به، عالماً بأحواله، مع شدة العداوة التي وصلت حد الاقتتال وتطاير الرؤوس والأشلاء، فهل يقبل عاقل منصف؛ طَعْنَ مَن جاء بعد ذلك بقرون؟!
(1) وذلك في مثل قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} . سورة الأحزاب، الآية 40.
(2)
وذلك في مثل قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} . سورة القلم، الآية 4.
(3)
وذلك في مثل قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} . سورة آل عمران، الآية 159.
(4)
قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} . سورة الحاقة، الآيات 44 - 46.
(5)
وذلك قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} . سورة التوبة، الآية 128.
فهذا أبو سفيان (1) -وكان لما يسلم- يشهد للنبي الكريم برفعة النسب، وسلامة اللسان من الكذب، وبالوفاء وعدم الغدر، وبالأمر بالتوحيد والصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة (2).
وهذا عمُّهُ أبو طالب (3)، مع بقائه على الشرك، يُصرِّح بعلمه وتحققه نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدقِه، فيقول:
ولقد علمتُ بأنَّ دين محمد
…
من خير أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبَّة
…
لوجدتني سمحاً بذاك مُبينا
ويقول في لاميَّته:
فوالله لولا أنْ تكون مسبَّة
…
تُجَرُّ على أشياخنا في المحافل
لكنّا اتبعناهُ على كل حالة
…
من الدهر جدّاً غير قول التهازل
لقد علموا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ
…
لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل (4)
ثم تكررت الشواهد بعد ذلك من المنصفين.
فالشاعر الألماني جوتة (5) كتب في النبي صلى الله عليه وسلم شعراً رائعاً، واعتبره مثالاً للعبقرية الفذة، وشبهه في شعره بالنهر العظيم المتدفق، الذي تناديه باقي الأنهر والجداول ليساعدها على
(1) هو المغيرة بن حارث الهاشمي. ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم. أسلم قبيل الفتح وحسن إسلامه. كان أخاً للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع، وشبيهاً به. مات بالمدينة سنة عشرين في خلافة عمر رضي الله عنه. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 1/ 202 - 205.
(2)
قصة أبي سفيان وسؤالات هرقل له، رواها البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله)، ح4553، ص1116 - 1117.
(3)
هو عبدمناف بن عبد المطلب بن هاشم. والد علي رضي الله عنه، وعمّ النبي صلى الله عليه وسلم وكافله ومربيه وناصره. كان من أبطال بني هاشم ورؤسائهم. ناصر الدّعوة لكنّه مات على الشّرك خلافاً لقول الرّافضة وأكثر الزّيديّة من الشيعة. انظر: الأعلام، الزركلي 4/ 166.
(4)
انظر: مفتاح دار السعادة، ابن القيم 1/ 100 - 101.
(5)
هو أحد أشهر أدباء ألمانيا. ولد سنة 1749م ومات سنة 1832م، وخلّف إرثاً أدبياً كبيراً. عرف باحترامه وتقديره للإسلام والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم. قرأ تراجم القرآن والسّيرة لكنّه لم يسلم. انظر: موسوعة ويكيبيديا، مفردة: يوهان فولفغانغ فون غوتة.
بلوغ البحر الذي ينتظر قدومها (1).
والفيلسوف الإنجليزي كارليل (2) يضع النبي صلى الله عليه وسلم في مصافِّ أبطال الإنسانية الذين أضاءت بهم الدنيا، وأومضت في دواخلهم الشعلة الإلهية المقدسة (3).
ويرى المستشرق الأمريكي واشنجتون إيرفنج (4) أنّ في تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم في أعقاب فتح مكةَ دلالةٌ على أنه نبي مرسل، لا قائد مظفر (5).
والعالم الأمريكي مايكل هارت (6) في كتابه "الخالدون مائة أعظمهم محمد"، يجعل النبي صلى الله عليه وسلم في المركز الأول في سلم الترتيب، ثم يدافع عن هذا الاختيار بقوله:«إنّ اختياري لمحمد ليكون المتصدر لقائمة ذوي النفوذ المؤثرين في العالم قد يدهش بعض القراء، ويكون مثار تساؤلات من البعض، ولكنّه هو الوحيد في التاريخ الذي كان امتيازه متكافئاً على المستوى الديني والدنيوي» (7).
والمستشرق اليهودي المجري جولد تسيهر (8) -الذي يُوصَف بأنّه أهم شخصيّة كوّنت
(1) انظر: محمد بين الحقيقة والافتراء، محمد محمد أبوليلة، ص160.
(2)
هو فيلسوف وكاتب إنجليزي، توفي سنة 1881م. من آثاره: الأبطال، وقد عقد فيه فصلاً رائعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، هامش ص123.
(3)
انظر: محمد بين الحقيقة والافتراء، محمد محمد أبوليلة، ص160.
(4)
مستشرق أمريكي، أولى اهتماماً كبيراً بتاريخ المسلمين في الأندلس، ومن كتبه: سيرة النبي العربي- فتح غرناطة. انظر: قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، هامش ص50.
(5)
انظر: قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، ص95. وقد جمع في كتابه هذا مئات الشواهد من كلام غير المسلمين عن القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم، والإسلام، والحضارة الإسلاميّة، ومعاملة الإسلام للمرأة والأسرة ولغير المسلمين.
(6)
هو أحد العلماء الكبار في الفيزياء التطبيقيّة. نال الدكتوراه في الفيزياء من جامعة برنستون عام 1972م، وعمل في مراكز الأبحاث. انظر: قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، هامش ص141.
(7)
انظر: الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، ص38.
(8)
مستشرق يهودي مجري، ولد سنة 1850م ومات سنة 1921م. درّس بجامعة بودابست، ورحل إلى المشرق الإسلامي فزار مصر وسوريا وفلسطين. حاز شهرة كبيرة، وحصل على الأستاذيّة في اللغات الساميّة، واهتم بالدراسات العربيّة والإسلاميّة، وألف في ذلك العديد من الكتب، ومن أهمها: محاضرات في الإسلام- اتجاهات تفسير القرآن عند المسلمين. انظر: موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص197 - 203. والمستشرقون، نجيب عقيقي 3/ 906 - 908.
الصورة الأوروبيّة عن الإسلام- يقول: «إنّ اتجاهي الفكري قد تحوّل كلّياً نحو الإسلام، وهكذا شعوري .. لم أكن أكذب عندما قلت إنّي أؤمن برسالة محمد النّبويّة .. إنّ ديني أصبح منذ الآن ديانة الكون التي دعا إليها الأنبياء» (1).
وعلى كلّ حال فالنبي صلى الله عليه وسلم في غنى عن شهادة البشر (2)، فقد شهد له رب البشر، وزكّى
فؤاده فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ، وزكّى بصره فقال:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} ، وزكّى لسانه فقال:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ، وزكّى خُلقه فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ، وزكّاه كله فقال:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (3).
الأمر الثالث: على كلِّ من يطعن في عفته صلى الله عليه وسلم، ويسمه بالميل لإشباع الرغبات الجنسية؛ أن يجيب عن تعفف النبي الكريم سنوات شبابه حتى بلغ الخامسة والعشرين حين تزوج لأول مرة، وذلك في مجتمع جاهلي يعج بسبل الفواحش، ودور البغاء.
ولن يجد جواباً؛ ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى كفار قريش بهذا الدين الذي يسفه معتقداتهم، ويحقر معبوداتهم الصنمية، وكانوا له في غاية العداوة والكراهية؛ لم يجدوا سبيلاً للطعن في عفته وطهره ونقائه. وغاية ما قالوا: شاعر وكاهن وساحر وكذّاب.
ولو وجدوا مطعناً أخلاقيًّا لابتدروا إلى نشره وتلقينه كلَّ قادم من خارج مكة يريد لقاء النبي المصطفى.
(1) انظر: الإسلام في الفكر الأوروبي، إلبرت حوراني، ص48.
(2)
هناك رأيٌ يخطِّئ طريقة إيراد شواهدَ منصفة من كلام العلماء والمفكرين غير المسلمين، استناداً إلى أنّ في ثقة المسلمين بدينهم غنية عن كلام هؤلاء، وأنّ إيراد أقوالهم قد يفضي إلى الإعجاب بطرائق تفكيرهم، ثم إلى التأثر بفكرهم ومنهجهم. وممن ذهب إلى هذا؛ الأستاذ الدكتور علي النّملة، كما في محاضرته الصّوتيّة:"استغراب أم استشراق". والذي يراه الباحث موافقة هذا القول إلا في حالة مخاطبة الكفار ودعوتهم، فقد يكون في مواجهتهم بأقوال أبناء ملتهم ما يؤثر في كسر جمودهم على الصور النمطية والأفكار المسبقة حول الإسلام وكتابه ونبيِّه.
(3)
انظر: منزلته صلى الله عليه وسلم عند رب العالمين، عبد الرحمن بن صالح المحمود، ص24، ضمن كتاب (التطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وواجبات الأمة). والآيات على الترتيب في سورة النجم 11،17،3، وسورة القلم، الآية 4، وسورة الأنبياء، الآية 107.
الأمر الرّابع: على الطاعنين في هذه المسألة أنْ يجيبوا عن سبب كون الزواج الأول للنبي الكريم من امرأة بلغت الأربعين، وكان هو في سن الشباب، في الخامسة والعشرين. وذلك في مجتمع كان يحرص على الزواج المبكر للاستكثار من البنين بغية الذود عن القبيلة أو الإغارة على الآخرين.
وعليهم أنْ يجيبوا عن اقتصاره على هذا الزواج خمساً وعشرين سنة حتى بلغت أم المؤمنين الخامسة والستين من عمرها، وكان هو في الخمسين.
فهل الذي يفني زهرة شبابه مع ثيب كبيرة في السن يكون من طلاب الشهوة؟!
وعليهم أن يجيبوا عن كون كل زوجاته صلى الله عليه وسلم ثيبات أرامل إلا عائشة، وهو الذي قال لأسامة رضي الله عنه:(هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)(1).
الأمر الخامس: القارئ لكتاب النّصارى المقدَّس يجد فيه الجرأة العظيمة على أنبياء الله ورسله، حين يُنسب إليهم من الفظائع ما يُنزَّهُ عنه آحادُ النّاس.
ونحن حين نقرأُ الكتابَ النصرانيَّ المقدَّس نجد فيه أنّ آدمَ أذنب عمداً، ولم تثبت توبته. ونوحاً شرب الخمر وسكر وتعرى. وإبراهيمَ إلى سبعين سنة من عمره كان يعبد الأصنام. ولوطاً سكر وفعل الفاحشة بابنتيه وأنجب منهما. ويعقوبَ خدع أباه وكذب عليه ثلاث مرات، وتزوج بأختين، وفعلت ابنته دينا الفاحشة مع عشيق لها، وكذا فعل ابنه الأكبر روبيل الفاحشة بزوجة أبيه يعقوب.
وفيه أنّ هارونَ صنع العجل وعبده ودعا إلى عبادته. وداوودَ نظر بشهوة إلى امرأة أجنبية، ثم قتل زوجها، وفعل الفاحشة بها. وسليمانَ ارتد في آخر عمره، وبنى معابد
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة، ح5247، ص1336، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح البكر، ح715، 1/ 671.
(2)
انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي، تحقيق ملكاوي 4/ 1214.
الأصنام، وكانت نساؤه يبخرن ويذبحن للأوثان (1).
وهذا غيضٌ من فيض مما في هذا الكتاب من نسبة الرذائل إلى خير خلقه، وهم الرسل المبرؤون من كل القبائح المنسوبة إليهم كذباً وظلماً، عليهم الصلاة والسلام.
والذي يؤمن بكل هذا لا يستغرب منه نقل هذه التهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يساءل كيف بقيت مكانة أولائك النبيين مع كل ما نسب إليهم، ثم يضر النبي صلى الله عليه وسلم نسبة شيء منها إليه؟
إنّ في هذا كيلاً بمكيالين، وتفريقاً في النظر إلى الشيء الواحد، وتنكباً سبيل العدل والإنصاف.
والمسلم يؤمن بكل رسل الله، ويجلهم ويوقرهم، وينزه ربه جل وعلا أن يختار لحمل رسالاته الزّناةَ والقتلة والكذابين.
المسألة الثانية: الرد المفصل، ويقال فيه ما يلي (2):
الأمر الأول: الطعن في تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم يجاب عنه بما يلي:
أولاً: لم يكن هذا الأمر مختصاً به صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوانه النبيين، فلقد بيَّن لنا كتابُ النصارى الذي يقدسون ويعظمون ويصدقون أخباره، أنّ كثيراً من أنبياء وقضاة بني إسرائيل لم يكتفوا بزوجة واحدة.
جاء في دائرة المعارف الكتابيّة: «ولكنْ لا توجد وصية صريحة في العهد القديم تنهى عن ذلك -أي عن تعدد الزّوجات-، إذ يبدو أنّ الله قد ترك للإنسان أنْ يكتشف بخبرته أنّ نظام الزّوجة الواحدة هو النظام السليم.
فتعدد الزوجات يجلب المتاعب، وكثيراً ما يؤدي إلى ارتكاب الخطيّة، كما حدث مع
(1) المرجع السّابق 4/ 1214 - 1250.
(2)
الرّدّ هنا على المسائل حسب ترتيب ورودها في مطلب الشّبهات.
إبراهيم .. ومع جدعون (1) .. ومع داوود .. ومع سليمان ..
وفي حالة تعدد الزّوجات، ومن الطبيعي أن يميل الرّجل إلى زوجة أكثر من الأخرى، كما حدث مع يعقوب، إذ أحب راحيل أكثر من ليئة» (2).
فهاهنا تتحدث هذه الموسوعة النصرانيّة عن أنبياء وقضاة عددوا الزوجات.
ثانياً: لم يكن الدافع من هذا الصنيع -كما تقدم في الرد المجمل (3) - ابتغاء تتبع الشهوات، بل كان لأسباب سامية هادفة لخدمة الدين والدعوة.
فالزواج من عائشة وحفصة فيه إكرام لأعظم رجلين في الإسلام -بعده صلى الله عليه وسلم إيماناً وبذلاً وتضحية.
والزواج من رملة بنت أبي سفيان (4) كان إنقاذاً لها من الرجوع إلى مكة خشية أن تفتن عن دينها، بعد أن هاجرت إلى الحبشة مع زوجها الذي تنصَّر ثم مات هناك.
وتزوجَ النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة (5) جبراً لمصابها بأبي سلمة الذي أصيب بجراحة في أحد؛ مات بسببها، وكانت ذات بلاء في الإسلام فقد كانت من المهاجرات إلى الحبشة.
ولإبطال عقيدة التبني المتفشية في المجتمع الجاهلي تزوج عليه الصلاة والسلام من زينب بنت جحش ? (6)، بعد أن كان أبطل الفوارق الطبقية حين زوجها بِزيد بن حارثة رضي الله عنه.
(1) هو أحد قضاة بني إسرائيل، قضى لهم قرابة خمسين عاماً، وذكر اسمه في رسالة العبرانيين في العهد الجديد في قائمة أبطال الإيمان. انظر: قاموس الكتاب المقدس، مفردة: جدعون.
(2)
انظر: دائرة المعارف الكتابيّة، مفردة: زواج. المصدر: برنامج المصطفى، الإصدار الأول.
(3)
انظر صفحة 262.
(4)
هي أم المؤمنين، رملة بنت أبي سفيان الأمويّة. ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم. عقد له عليها بالحبشة، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار. توفيت سنة أربع وأربعين، وقيل غير ذلك. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 2/ 218 - 223.
(5)
هي أم المؤمنين، هند بنت أبي أميّة المخزوميّة. من المهاجرات الأول، ومن فقهاء الصحابيّات، وآخر من مات من أمهات المؤمنين. توفيت سنة إحدى وستين، ودفنت بالبقيع. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 2/ 201 - 210.
(6)
هي أم المؤمنين، زينب بنت جحش. ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المهاجرات الأول، ومن سادات النساء ديناً وورعاً وجوداً ومعروفا. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 2/ 211 - 218.
وكان زواجه من جويرية بنت الحارث ? (1) إعانةً لها على افتداء نفسها، وسبباً في إعتاق مائة بيت من أسارى بني المصطلق، فكانت عظيمة البركة على أهل بيتها.
والزواج بهؤلاء الطاهرات الفاضلات هيأ لنساء الأمة معلمات يرشدنهن فيما يختص بهن من أمور يستحين من طرحها على النبي صلى الله عليه وسلم، ويستحي هو من مزيد التفصيل فيها.
فقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنَّ الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا رأت الماء). فغطت المرأة وجهها
وقالت: يا رسول الله وَتحتلم المرأة؟ قال: (نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟)(2).
وجاءت امرأة تسأل النّبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فعلّمها كيف تغتسل، قال:(خذي فرصة من مسك فتطهري بها). قالت: كيف أتطهر؟ قال: (تطهري بها). قالت: كيف؟ قال: (سبحان الله تطهري). فاجتبذتها عائشة ?، وقالت: تتبعي بها أثر الدم (3).
الأمر الثاني: الطعن في زواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة ? يجاب عنه بما يلي:
أولاً: تقدم في الرد المجمل سرد الأدلة التي تُثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن من طلاّب الشّهوات (4).
ثانياً: لو كان في هذا الزواج مطعن ومأخذ لطار به الكفار، فقد كان في أشد أوقات عداء الكفار للنبي وصحبه، وذلك قبل الإذن بالهجرة إلى المدينة النبويّة، ولكنهم استقبلوا الخبر كما يستقبلون غيره مِن أخبار مَن تزوج.
(1) هي أم المؤمنين، جويرية بنت الحارث المصطلقيّة. سبيت يوم غزوة المريسيع سنة خمس، فأسلمت وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلق لها الأسارى من قومها. توفيت سنة خمسين. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 2/ 261 - 265.
(2)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الحياء في العلم، ح130، ص45. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، ح313، 1/ 153.
(3)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الحيض، باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض .. ، ح314، ص86، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم، ح332، 1/ 160.
(4)
انظر صفحة 262.
ثالثاً: كان هذا الزواج بمشورة خولة بنت حكيم (1)، وقد كانت عائشة من قبلُ مخطوبةً لجبير بن مطعم بن عدي (2)، وفي هذين الأمرين ما يدل على أنها كانت امرأة في سن الزواج، لا يضيرها صغر سنها.
رابعاً: يستنتج من الخطبة السّابقة لعائشة ?، ومن سكوت المشركين مع شدة
عدائهم، أنّ زواج المرأة في هذا السن كان معتاداً عند العرب، مألوفاً، غير مستنكر.
خامساً: في العقيدة النصرانيّة ما يشابه هذا ويزيد عليه، فإنّ مريم بنت عمران كانت في الثانية عشرة من عمرها عندما ولدت المسيح، وكانت إذ ذاك زوجةً أو خطيبةً ليوسف النجار -كما يعتقد بعض النصارى- وهو في التاسعة والثمانين من العمر، كما أوردته الموسوعة الكاثوليكية (3). فيكون فرق العمر بينهما قرابة سبع وسبعين سنة، أي بزيادة اثنين وثلاثين عاماً على فارق السن بين النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة ?.
سادساً: كيف ينكر النصارى ويستقبحون زواج النبي صلى الله عليه وسلم الموافق لعادة قومه، والذي كان معلناً، مستصحباً فيه رضى وقبول سائر الأطراف؛ ثم لا يستقبحون ما يعتقدون صحة نسبته إلى الأنبياء الكرام من عظائم القبائح التي تقشعر لذكرها الأبدان.
فهل اقتضت حكمة الله تعالى -عندهم- أن يختار لحمل رسالته من يصنع الأصنام ويعبدها، أو يشرب الخمور ويتعرى ويأتي زنا المحارم، أو يقر في أهله الدياثة لأجل حطام الدنيا الزائل، أو يحتال لقتل قائده المخلص ليأتي الفاحشة في أهله، وغير ذلك مما عصم الله منه أعداداً لا تحصى من خلقه، ثم لم يعصم منه أنبياءه كما يعتقدون ويرتلون في كتابهم المقدس.
(1) هي خولة بنت حكيم. كان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها فأرجأها فيمن أرجأ من نسائه. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 2/ 260 - 261.
(2)
هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل. من الطلقاء الذين حسن إسلامهم. قدم المدينة في فداء الأسارى من قومه، وكان موصوفاً بالحلم ونبل الرأي، وهو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من الطّائف. توفي سنة تسع وخمسين. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 3/ 95 - 99.
(3)
انظر: الرابط www.newadvent.org/cathen/08504a.htm
الأمر الثّالث: وأمَّا شبهة إتيانه صلى الله عليه وسلم زوجاته حال الحيض، ونكاحه مَن وهبت له نفسها، ووجوب قبول أي امرأة الزواج منه إن أعجبته، وتطليقها من زوجها إن كانت ذات زوج؛ فقد تقدمت الإجابة على هذه الأمور في الفصل الأول (1).
الأمر الرّابع: وأما قولهم بأنّ امرأة ماتت فاضطجع الرسول صلى الله عليه وسلم معها، فيشيرون به إلى قصة وفاة فاطمة بنت أسد، أم علي بن أبي طالب ? أجمعين.
أسلمت هذه الصحابية بمكة، وهاجرت إلى المدينة، وكانت من كبار الصحابيات،
وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (2).
وهذه الشبهة التي ذكروا فرية قبيحة، وتقبيح لزين الشمائل والفعال. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتبر هذه الصحابية أمًّا، ويذكر من جميل عنايتها به أنّها كانت تجوع ليشبع، وتؤثره باللباس، وتمنحه المحبة والشفقة.
فلما ماتت أظهر النبي الكريم صنوف الوفاء معها، والشفقة والرحمة بها، فنزع ثوبه وأمر أن يكون تحت أكفانها جزاء ما كانت تكسيه في حياتها، ونزل في قبرها وتمعَّك فيه رجاءَ أنْ يُفسحَ لها فيه، وتُقبلَ شفاعته فتنجو من ضمَّة القبرِ وفتنتِه.
وفي بعضِ الرِّوايات أنَّه اضطجعَ في قبرها بعد أنْ وُضعت فيه، وكان ذلك بمرأى الصحابة، ولذلك قالوا (رأيناك تصنع شيئاً لم تكن تصنعه مع أحد).
والناظر في حديث هذه القصة لا يستطيع إخفاء دهشته من عظيم وفائه ومحبته وكريم خلقه صلى الله عليه وسلم.
وكلُّ ما سبق على افتراض صحة الحديث، وإلا فإنَّ روايات الحديث فيها ضعف (3).
(1) وذلك في المبحث الثالث منه، انظر صفحة 135.
(2)
انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني 2/ 147 و 16/ 214.
(3)
ممن حكى الضعف المحدث الألباني: حين ساق رواية الطبراني في الكبير والأوسط، التي نقل منها أبو نعيم في الحلية. انظر: السلسلة الضعيفة 1/ 79 - 82، وكذا رواية (جزاك الله من أم وربيبة خيراً، فنعم الأم ونعم الربيبة كنت لي، يعني فاطمة بنت أسد أم علي)؛ قال الألباني: ضعيف جداً. انظر: السلسلة الضعيفة 11/ 851 - 853.
ولعلَّ هذه الشبهة دخلت على أصحابها من كون الاضطجاع في كتابهم المقدس يأتي في كثير من الأحيان بمعنى فعل فاحشة الزنا.
فنجد في سفر التكوين الحديث التالي عن بنتي النبي لوط عليه السلام: (فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة، وجاءت الكبرى فضاجعت أباها ولم يعلم بنيامها ولا قيامها. فلما كان الغد، قالت الكبرى للصغرى: هاءنذا قد ضاجعت أمسِ أبي، فلنسقه خمراً هذه الليلة أيضاً، وتعالي أنت فضاجعيه لنقيم من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً، وقامت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنيامها ولا قيامها)(1).
ونجد في قصة داوود عليه السلام وغدره بقائد جيشه أوريّا الحثي: (وعزَّى داودُ بَتْشَابَعَ امرأَتَهُ ودخل عليها وضاجعها، فولدت ابناً فدعته سليمان. وأحبه الرب)(2). ولعل كاتب هذا النصِّ يرى من تمام التعزية فعلَ الفاحشة!
وعن شكيم الحُوِيَّ يقول الكتاب المقدس: (فرآها شكيمُ بن حمور الحُوِيَّ، رئيس البلد، فأخذها وضاجعها واغتصبها)(3).
وعن رأوبين يقول الكتاب المقدس: (وحدث إذ كان إسرائيلُ ساكناً في تلك الأرضِ، أنَّ رأوبينَ ذهب فضاجع بَلْهة، سريَّةَ أبيه)(4).
وفي العهد القديم: (وأيُّ رجلٍ ضاجع زوجة عمِّه، فقد كشف عورة عمِّه: إنهما يحملان وزرهما، فليموتا عقيمين)(5).
والأمثلة على هذا في الكتاب المقدس كثيرة.
الأمر الخامس: وأمّا حديث المنصرين عن طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد، فهو تحميل للنص ما لا يحتمل من المعاني.
(1) التكوين 19: 33 - 35.
(2)
صموئيل الثاني 12: 24.
(3)
التكوين 34: 2.
(4)
التكوين 35: 22.
(5)
اللاويين 20: 20.
والحديث من رواية أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة). قال قتادة: قلت لأنس: أوَ كان يطيقه؟ قال: (كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين)(1).
وليس في الحديث ما أراد المنصرون إيصاله إلى أفهام النّاس من تمضية النبي صلى الله عليه وسلم جُلَّ أوقات ليله ونهاره في مخادع الجماع، فإنَّ عائشة ? وأرضاها تحدثت عن هذا الجانب الخاص من حياته عليه الصلاة والسلام فقالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على
بعض في القَسْم من مُكثه عندنا، وكان قَلَّ يومٌ إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كلِّ امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومُها فيبيت عندها) (2).
والجمع بين الحديثين أن يحمل المطلق في كلام أنس على المقيد في كلام عائشة، أو يحمل كلام عائشة على الغالب وكلام أنس على النادر (3).
وهكذا يتضح أنّ هذا الصنيع كان في مرات نادرة، في زمن يسير من ليل أو نهار؛ ذلك أنَّ المرويات الصحيحة المتواترة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع المسلمين في مسجده وحال سفره وغزواته، مع قيامه بالعدل بين زوجاته في المبيت -وإن كان وجوب هذا عليه؛ محل خلاف- وتمضيته الأوقات في الدعوة والتعليم، لا تدع موضعاً لإلصاق هذه الشبهة به، صلوات ربي وسلامه عليه.
مع أنَّ الطواف على الزوجات في الساعة الواحدة أمر اشترك فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع من سبقه من النبيين، فقد جاء في الحديث: (قال سليمان بن داوود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها تأتى بفارس يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله. فطاف عليهنَّ جميعاً فلم تحمل منهنَّ إلا امرأة واحدة فجاءت بشق رجل، وايم الذي نفس
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد، ح268، ص76.
(2)
رواه أبو داوود وصححه الألباني. انظر له: صحيح سنن أبي داوود 1/ 593 - 594.
(3)
انظر: رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء السنة النبوية الشريفة، عماد السيد الشربيني، رسالة دكتوراه من جامعة الأزهر عام 1423هـ، ص466.
محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) (1).
وهذا الصنيع ليس مطعناً، بل دليلُ كمال الخلقة وقوة البدن، ولذا يقول صاحب "كشف المشكل من حديث الصحيحين":«اعلم أنَّ العرب كانت تَعُدُّ القوة في الجماع من كمال الخلقة وقوة البنية، كما تَعُدُّ الشجاعة منها، وكان صلى الله عليه وسلم أتم الناس خلقة، ثم أعطي قوة ثلاثين، ثم كان في فعله ذلك ردٌّ على النصارى في التبتل» (2).
ويقول صاحب "عمدة القاري": «وهو -أي القوة على الجماع- دليلٌ على كمال البنية» (3).
وهناك ملحظ آخر يرد على هؤلاء المشبهين بنقيض ما أرادوا، فإنّ الذي يُعطى قوة ثلاثين في الجماع ثم لا يبيت إلا عند زوجة واحدة في غالب أحواله؛ يكون في ذلك دليل على أنه في غايةٍ من الصبر عن الجماع (4).
الأمر السّادس: الحديث عن قصة زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش ? هو محل طعنٍ مستمر من المنصرين والمستشرقين في القديم والحديث.
ومصدر هذه الشبهة ما تسلل إلى بعض كتب التفسير والسِّير من أخبار متهافتة السند والمتن، بيّن الباحثون عدم صلاحيتها للاحتجاج (5).
كان التبني متفشياً في المجتمع المكي، حيث يتخذ المرءُ ابنَ غيره ابناً له يرثه ويورِّثه، ويحرم عليه التزوج بمن تزوج، وتجري بينهما أحكام الوالد مع ابنه الصلبي.
وكان أن تَبَنَّى النبيُّ عليه الصلاة والسلام زيدَ بن حارثة، فكان لا يدعى إلا زيد بن
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من طلب الولد للجهاد، ح2819، ص698. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء، ح1654، 2/ 781 - 782.
(2)
انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي 3/ 281.
(3)
انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني 3/ 217.
(4)
انظر: شرح سنن ابن ماجة، السيوطي 1/ 286. ومرقاة المصابيح، الهروي 2/ 435 (حسب فهرسة المكتبة الشّاملة).
(5)
انظر: مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، عواض الألمعي، ص11 - 33.
محمد، ثم أنكحه ابنة عمه زينب بنت جحش، ملغياً بذلك التفرقة الطبقية التي كانت من سمات المجتمع الجاهلي.
وشاء الله أن لا يحدث وفاق بين الزوجين، فجاء زيد يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في فراق زينب، فنصحه بإمساكها مخفياً ما أعلمه الله من أنه لن يَصلح حال العشرة بينهما، وأنّ زينب ستكون إحدى أمهات المؤمنين، متحرجاً مما سيلحقه من حديث المجتمع من نكاح زوجة ابنه بالتبني (1).
وقد شَغَب المشبهون برواياتٍ تحكي رؤيةَ النبي صلى الله عليه وسلم زينب في بيت زيد، وافتتانه وتعلق قلبه بها، وقوله (تبارك الله أحسن الخالقين)، ومن ثم كان تطليق زيد لها لعلمه بذلك؛ لا لسوء عشرة بينهما، وأنَّ هذا التعلق هو الذي أخفاه النبي في نفسه، وخشي أن يطلع عليه النّاس.
وقد تسللت هذه الروايات إلى بعض كتب التفسير والسير، وتصدى لها مَن كشف تهافتها متناً وسنداً (3).
(1) ذكر ابن كثير رحمه الله القول الصحيح في تفسير المراد بالآية، وذكر أنّه نُقل عن السّلف أقوالٌ لم يوردها لأنّها لم تصحّ عنهم. انظر: تفسير ابن كثير 6/ 424 - 426. وقد شغب الحاقدون على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآثار ورووها جازمين بصحّة نقلها عن السّلف.
(2)
سورة الأحزاب، الآيتين 37، 38.
(3)
وكان منهم الدكتور عواض الألمعي، انظر كتابه: مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، ص11 - 33.
وكيف يصح نسبة ذلك إلى مقام النبوة؟ أم كيف يفتن النبي بابنة عمه؛ وهو الذي كان يراها قبل فرض الحجاب، وهو الذي خطبها لزيد، ولو كان له بها أرب لاصطفاها لنفسه (1).
ثم إنّ زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب ? كان بأمر الله تعالى، ولذا كانت زينب ? تفاخر باقي أمهات المؤمنين فتقول:(زوجكن أهلوكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات)(2).
ولقد كان في هذا الزواج كسراً لعادة التبني المتغلغلة في نفوس النَّاس ومشاعرهم، ولم
يكن من السهل التغلب عليها دون كسرٍ لطوقها وخرقٍ لمألوفها على يد المثل الكامل والقدوة الحسنة للنّاس، ليكون ذلك مدعاة لتقبل الناس (3).
ولو كان في هذه الحادثة مطعن لكتم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات، ولما بلغها فصارت قرآناً يُتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولذا يُروى عن عائشة ? أنّها قالت:(لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية)(4).
فما الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يُخبر النّاس أنّ الله أوحى إليه بهذه الآية؟! وما الذي جعله يُخبر النّاس بعتاب الله تعالى حين عبس في وجه الرّجل الأعمى، وحين ترك الاستثناء، وحين أذن لبعض المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك، وحين ترك الأَولى في شأن أُسارى غزوة بدر (5)؟!
إنْ لم يكن دافعُ ذلك أمانة النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أُوحي إليه؛ فماذا يكون؟!
وسوف يكون الأمر أسهلَ من ذلك عند من يرى أنّ القرآن اختلاق من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعندها لن يؤلف ما قد يطعن في خُلقه ويؤدي لاحتقار النّاس له وانصرافهم عنه.
(1) انظر: حلية الأولياء، الأصفهاني 2/ 52.
(2)
رواه الترمذي وصححه الألباني. انظر له: صحيح سنن الترمذي 3/ 308.
(3)
انظر: مع المفسرين والمستشرقين، الألمعي، ص65.
(4)
روى هذا الأثر الطبراني في المعجم الكبير، وإسحاق بن راهويه في المسند، والخرائطي في اعتلال القلوب؛ كما في فهرسة المكتبة الشّاملة.
(5)
انظر: عتاب النبي دليل نبوته، بدر عبد الحميد، الرّابط: www.saaid.net/Doat/hamesabadr/217.htm
الأمر السّابع: دعوى أنَّ في مصِّ النبي صلى الله عليه وسلم لسان الحسن رضي الله عنه مطعن فيه عليه الصلاة والسلام؛ مثال آخر على منهجيّة تقبيح الحسن، وتحسين القبيح، التي يطبق النصارى شقها الأول على ما يتعلق بالإسلام، وشقها الثّاني على ما ورد في كتابهم المقدّس.
لقد جبل الله تعالى نبيه على مكارم الأخلاق ومحاسنها، ومن ذلك خلق الرّحمة والرأفة والشّفقة على الغير، وكذا المحبّة التي ظهرت آثارها على القريب والبعيد من المؤمنين.
وقد كان من ذلك حبّه للحسن والحسين (1) ?.
وقد صحّ أنّه أذَّن في أُذُن الحسن يوم ولد، وقبّله، ومصّ لسانه، وكان إذا ارتحله وهو ساجد أطال السجود لئلا يعجله، وكان يطلب إحضار الحسن؛ فإذا حضر التزمه وعانقه وحمله على عاتقه وقال:(اللهم إني أُحبُّه فأَحبَّه وأَحبَّ مَن يُحبُّه)(2).
ثم جاء من شغب ببعض هذه التصرفات وعدَّها مطعناً، متجاهلاً أنّ الحسنَ حفيدُ النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّه كان طفلاً أو رضيعاً حين قبّله النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كانت ولادته في شعبان أو رمضان من السّنة الثّالثة للهجرة، أي أنّه كان دونَ الثامنة من عمره حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم (3).
والعجب ممن يُقبِّح هذا الفعل، ويحسِّن انكباب الشّابّة على قدمي الشّاب تقبلهما، وتمسحهما بشعر رأسها، وتدهنهما بالطيب (4).
وأعجبُ منه أن تكون من معجزات أحد الأنبياء -في كتابهم- إحياء الطفل الميت بالاضطجاع فوقه في الغرفة المغلقة، مع وضع الفم على الفم، والعينين على العينين، واليدين على اليدين، وتكرار ذلك سبع مرّات، إلى أنْ سَخُن جسدُ الولد، وعادت إليه الحياة (5).
(1) هو الحسين بن علي بن أبي طالب. سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته ومحبوبه. ولد سنة أربع من الهجرة، وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بأرض كربلاء من العراق زمن خلافة يزيد بن معاوية. انظر: سير أعلام النبلاء، الذّهبي 2/ 280 - 321.
(2)
هذه الأمور مما ورد في الصّحيحين أو أحدهما، عن معاملته صلى الله عليه وسلم للحسنين (.
(3)
انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 3/ 246.
(4)
لوقا 7: 38. مع تنزيهنا أنبياء الله تعالى عن كل ما ينقص قدرهم مما ورد في كتاب النصارى المقدس.
(5)
الملوك الثاني 4: 32 - 35.
ومع هذا لا يعد في الأمر قدحاً عندهم.
وقد تواتر النّقل عن القسس في كنائسهم من الحوادث الأخلاقيّة المشينة الشيءَ الكثير، ناهيك عن حال كثيرٍ من النصارى في البلاد الأوروبيّة والأمريكيّة وغيرها حين يمارس الرّجل مع معشوقته في الشّارع أمام الملأ ما يحسن عدم ذكره.
فأين هذا ممن صَفت سيرته وسريرته، وشهد له أعداؤه قبل أتباعه، بكريم الشّمائل وحَسَن الأخلاق، ولكنّه الحقد الأعمى يدفع صاحبه لتقبيح ما يراه الأسوياء حسناً وجميلاً.
الأمر الثّامن: وأما ما جاء في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع زاهر بن حرام رضي الله عنه، فإنَّ فيها من دلائل كريم شمائله عليه الصلاة والسلام ما يُدهش الألباب.
فقد كان هذا الرجل بدويًّا دميم الخلقة قبيح المنظر، شديد المحبة للنبي الكريم، لا يَقْدُمُ إلى المدينة إلا أتاه بطرفة أو تحفة من البادية.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبادله المحبة والوفاء، فيكافئه على الهدية، ويقول:(زاهرٌ بادينا، ونحن حاضروه)، والمعنى أنه يكفينا ما نحتاج من البادية، ونكفيه ما يحتاج من المدينة.
وكان ذات يوم في السوق فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره فقال: أرسلني من هذا؟ فالتفت إليه فلما عرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلزق ظهره بصدره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من يشتري هذا العبد؟)، فقال زاهر: تجدني يا رسول الله كاسداً، قال:(لكنَّك عند الله لست بكاسد) أو قال: (بل أنت عند الله غال)(1).
قال صاحب "مرقاة المصابيح": «وحاصله أنه عانقه مِن خلفه، بأنْ أدخل يديه تحت إبطي زاهر، وأخذ عينيه بيديه لئلا يعرفه. وقيل معناه أنه أخذه مِن عقبه مِن غير أخذ عينيه، ذكره النووي» (2).
والخلاصة أنّ هذه القصة الصحيحة لا تدل إلا على حَسَن المعاني، فإنّ القارئ لها
(1) قال الألباني: «قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال ابن كثير، وأخرجه ابن حبّان والبغوي في "شرح السنة" وأحمد وصححه الحافظ» . انظر: مختصر الشّمائل المحمديّة، الألباني، ص127.
(2)
انظر: مرقاة المصابيح، الهروي 7/ 3064 (حسب فهرسة المكتبة الشّاملة).
بإنصاف يجد وفاء النبي صلى الله عليه وسلم، وتواضعه لأصحابه، وممازحته لهم، واهتمامه لشأن من لا يؤبه به في العادة لفقره ودمامة منظره، وتصحيحه المفاهيم والمصطلحات؛ فإنَّ الكاسد في الإسلام ليس قبيحَ الهيئة دنيَّ المكانة قليلَ المال، ولكنَّه الخليُّ من الإيمان والعمل الصالح.
وفي القصة بيان الحب العظيم الذي وقر في نفوس الصحابة تجاه نبيهم صلى الله عليه وسلم.
والنّاظر في هذه التّهمة وما سبقها لا ينقضي عجبه ممن يسعى للنّيل من مكانة شخصٍ شهد له بنبل الأخلاق أعداؤه فضلاً عن غيرهم، وذلك باتهامه بانحرافات جنسيّة لا يمكن أنْ تجتمع في شخص واحد، كالشّراهة الجنسيّة Satyriasis، والجنسيّة المثليّة Homosexuality، والجنس مع الأموات Necrophilia، والجنس مع الصغار Infanto sexuality (1) .
وإذا كان المسيح عليه السلام في الإنجيل قد أشار إلى معرفة الزّرع بالنّظر إلى الثّمار؛ فلننظر كيف أثمرت تعاليم الإسلام والقرآن والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في إنشاء مجتمع تقل وتندر فيه أمثال تلك الشّذوذات، مقارنةً بالمجتمعات النّصرانيّة التي تجيز العلاقات المثليّة، وربّما شرّعت بشكل رسميّ زواج المثليين، ووضعت لهم ما يكفل حرياتهم وينظم حياتهم (2).
الأمر التّاسع: وأما حادثة اقتتال الصحابة على نخامته صلى الله عليه وسلم فإنّها لم تنقل إلا مرة واحدة، في ظرف حربي خاص، يوم صلح الحديبيّة.
فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست للهجرة «واستنفر العرب ومَن حوله من أهل البوادي مِن الأعراب ليخرجوا معه، وهو يخشى من قريش أنْ يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثير من الأعراب، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة ليأمن الناسُ من حربه، وليعلم الناس
(1) انظر: موقع حلول للاستشارات النفسيّة والسلوكيّة، على الرابط: www.holol.net/files/disturbances
(2)
من الدّول التي شرّعت زواج المثليين بشكل رسمي وقانوني: هولندا وبلجيكا وإسبانيا وكندا وكثير من الولايات الأمريكيّة، أمّا الدّول التي تبيح هذا النّوع من العلاقات فكثيرة جداً، لكنْ غالبها -إن لم يكن الكل- دولٌ نصرانيّة، لا يوجد فيها دولة إسلاميّة. انظر الرّابط: www.infoplease.com/ipa/A0761909.html.
وحسب إحصائيّة منظمة جالوب Gallup المتخصصة في الاستطلاعات، فإنّ 10 إلى 20% من المجتمع الأمريكي مثليَّ الجنس، في حين يرى ما يزيد عن 50% من السّكان أن هذه العلاقات مقبولة.
انظر الرّابط: www.gallup.com/poll/6961/what-percentage-population-gay.aspx
أنه إنما خرج زائراً لهذا البيت ومعظماً له» (1).
واختارت قريش -كبراً- أن تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه من العمرة أنفةً من أن تتحدث القبائل أنهم دخلوا مكة عُنوة، وأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي (2) ليقوم بمهمة الحرب النفسية.
فلمّا قدم عروة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا محمد، أَجَمعت أوشاب الناس، ثم جئتَ بهم إلى
بيضتك لتفضها بهم؟ إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل (3)، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً. وايم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً» (4).
عندها كأنّ الكفَّةَ مالت لصالح المشركين، فبدرت من الصحابة أفعالٌ لم يكونوا يفعلونها من قبل (5)، فسبَّه الصديق سبًّا مقذعاً، وأظهر الصحابة من دلائل التعظيم والحب شيئاً كبيراً، من الاقتتال على نخامته ووضوئه، وخفض أصواتهم عنده، وابتدار أوامره تنفيذاً.
ولقد أثمر رد المسلمين في خطاب المندوب القرشي، فإنه لما رجع لأصحابه قال لهم: "والله لقد دخلت على الملوك وكسرى وقيصر والنجاشي، فلم أر أحداً يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إنْ تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها
(1) انظر: سيرة ابن هشام 3/ 255 - 256.
(2)
هو عروة بن مسعود بن معتِّب الثقفي. كان أحد الأكابر من قومه، وله دور كبير في تقرير الصّلح يوم الحديبيّة. قدم على النبيّ صلى الله عليه وسلم سنة تسع فأسلم، ثمّ عاد إلى قومه بالطّائف فقتلوه. انظر: الإصابة، ابن حجر 4/ 406 - 408.
(3)
المقصود: النّساء والأطفال، والعُوذ -في الأصل- جمع عائذ، وهي النّاقة إذا وَضعت. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير 3/ 318.
(4)
انظر: سيرة ابن هشام 3/ 260.
(5)
انظر: شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين 1/ 159.
(6)
انظر: فتح الباري، ابن حجر 5/ 341.
وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وإنَّه قد عرض عليكم خطةَ رشد فاقبلوها" (1).
وهنا تساؤلٌ لمن يَطرح هذه الشبهة على هيئة التعميم والتهويل؛ كم مرَّةً ورد في السيرة النبويّة اقتتال الصحابة على نخامة النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لم تحدث تلك الحادثة إلا في ظرفٍ قتاليٍّ خاص يوم الحديبيّة؟ ولماذا لم تتكرر تلك الحادثة قبل ذلك التّاريخ أو بعده؟ ولماذا عدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم النّخامة في المسجد خطيئةً لا يكفرها إلا إزالتها، ولم يستثن من ذلك ما صدر عنه؟ (2)
الأمر العاشر: وأمّا القول بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم شرّع لأتباعه ما تأنف الطّباع السّليمة منه، ومن ذلك شرب بول الإبل، ففيه من مجانبة الأمانة في النقل ما سبقت الإشارة إليه في المطلب الثالث (3).
وأصل هذا القول القصة التي رواها البخاري (4) وغيره، أنّ أناساً من عكلَ وعرينة قدموا المدينة فأسلموا، ثم مرضوا مرضاً شديداً فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بِرَاع له فيشربوا من ألبان الإبل وأبوالها. فلما فعلوا ذلك وذهب عنهم المرض، وَصَحَّت أجسامهم وسمنوا، قابلوا ذلك بقتل الرّاعي واستياق الإبل والارتداد عن الإسلام.
فطلب النبي صلى الله عليه وسلم أثرهم، فأُدركوا في نفس اليوم، وقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولم يحسم الدم، وسملت أعينهم، وألقوا في الحرّة يستسقون ولا يسقون حتى ماتوا (5).
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، ح2731،2732، ص669 - 673.
(2)
الحديث في مواضع كثيرة في الصحيحين، منها ما في صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، ح3008، 2/ 1369.
(3)
انظر صفحة 257.
(4)
هو أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري. ولد في بخارى سنة 194هـ ومات في خرْتنْك من قرى سمرقند سنة 256هـ. له: الجامع الصحيح- التاريخ- الضعفاء- خلق أفعال العباد- الأدب المفرد، وغيرها. انظر: الأعلام، الزركلي 6/ 34 - 35.
(5)
انظر: فتح الباري، ابن حجر 1/ 337 - 341.
وكانت العقوبةُ؛ حدَّ الحرابة، والسملُ؛ قصاصاً لفعلهم بالرّاعي (1).
هذه الحادثة وردت مرة واحدة، في معرض الإرشاد للتداوي لطائفة مخصوصة من النّاس، ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء لهذا الأمر لا على سبيل التداوي ولا غيره. بل جاءت السيرة النبويّة بخلاف ذلك، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل ما تعافه نفسه ولو كان حلالاً -وفعله إرشاد لغيره- وذلك لما أهدت أم حفيد خالة ابن عباس رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطاً وسمناً
وضباً، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن، وترك الضب تقذراً (2).
وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم رفع يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه (3): أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: (لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه)(4).
وعليه؛ فلا موضع للاعتراض على هذه القصة إلا إذا أثبت هؤلاء نوع المرض الذي أصاب أولائك القوم، مع عدم نجاعة شرب ألبان الإبل وأبوالها في الشفاء منه.
ولا سبيل إلى هذا لأنَّ الحديث برواياته عند البخاري أثبت أنهم استصحوا، وصلحت أبدانهم، وصحوا وسمنوا.
وقد تكاثرت الأقوال والتجارب العلمية في إثبات النفع الطبي لأبوال الإبل في القديم والحديث. فقد نقل ابن القيم عن ابن سينا (5) في كتابه القانون: «وأنفع الأبوال: بول الجمل
(1) قال ابن القيم في زاد المعاد 3/ 255 في فقه القصة: «وأنه يفعل بالجاني كما فعل، فإنهم لما سملوا عين الراعي سمل أعينهم» .
(2)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب قبول الهدية، ح2575، ص625. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، ح1947، 2/ 983.
(3)
هو أبو سليمان، خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي. كان من أشراف قريش في الجاهليّة، وأسلم سنة سبع. أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر دومة فأسره، وأرسله أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أهل الردة فأبلى بلاء حسناً، ثم ولاه حرب فارس والرّوم ففتح دمشق. مات بحمص سنة إحدى وعشرين. انظر: الإصابة، ابن حجر 2/ 215 - 220.
(4)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب الضب، ح5537، ص1408. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، ح1945، 2/ 937.
(5)
هو أبو علي، الحسين بن عبد الله بن سينا، الطّبيب الفيلسوف، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات. ولد في بلخ سنة 370هـ ومات في همذان سنة 428هـ. كان من القرامطة الباطنيين، وأشهر كتبه "القانون" حيث بقي معولاً عليه في أوروبّا ستّة قرون. له مؤلفات كثيرة، منها: المعاد- الشفاء- الإشارات والتنبيهات. انظر: الأعلام، الزركلي 2/ 241 - 242.
الأعرابي وهو النجيب» (1).
وفي العصر الحديث كثرت الأبحاث العلميّة المثبتة لنفع هذه الأبوال في علاج كثير من الأمراض (2).
وهكذا يتبين أنَّ إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لاستعمال هذه الأبوال لم يكن إلا مرَّة واحدة لقوم مرضى كي يتداووا به، لا على الصور التعميمية التي يستخدمها النّصارى.
على أنّه كان الأولى بهؤلاء أن ينظروا في الإرشادات الصحيّة في كتابهم كشرب الخمر للشفاء من أدواء المعدة والأمراض النفسيّة، واجتناب شرب الماء وحده (3)، وأمر الله تعالى أحد أنبيائه أن يطهو الطّعام على البراز البشري، ثم التخفيف باستبداله بالرّوث الحيواني (4)!
الأمر الحادي عشر: وأما القول بأنَّه صلى الله عليه وسلم شرّع ما يخالف الفطر المستقيمة حين أمر سهلة بإرضاع سالم وكان ذا لحية، قد بلغ مبلغ الرجال، فالأمر يحتاج لشيء من التّفصيل
(1) انظر: زاد المعاد، ابن القيم 4/ 44.
(2)
في الرابط التالي: www.islam-qa.com/ar/ref/83423، يستعرض موقع (الإسلام سؤال وجواب) العديد من هذه التجارب.
(3)
لتفصيل ذلك؛ انظر: الخمر بين المسيحية والإسلام، أحمد ديدات، ص12. وقد وضح الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب انتشار شرب الخمر في المجتمعات النصرانيّة، والآثار السيئة لذلك، ونصوص الكتاب المقدس التي جعلوها حججاً لهم في تحليل ذلك. ثم بيّن تحريم الخمر في الإسلام؛ قليله فضلاً عن كثيره، والآثار الحسنة لذلك.
(4)
النص في حزقيال، الإصحاح 4، العدد 12:
ترجمة الفانديك: (وتأكل كعكاً من الشعير على الخرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم).
ترجمة الحياة: (وتأكله ككعك الشعير، بعد أن تخبزه على مشهد منهم فوق براز الإنسان).
ترجمة الكاثوليك، والترجمة اليسوعيّة:(وكل قرصاً من الشعير، واطبخه ببراز الإنسان أمام أعينهم).
الترجمة العربية المشتركة، وترجمة الأخبار السارّة:(وكل طعامك رغيفاً من الشعير مخبوزاً على نار من زبل الإنسان أمام عيونهم).
وقد نحا بعضُ من يستخدم هذه النّصوص للرد على النّصارى إلى أنّ المقصودَ خلطُ البراز البشري أو الحيواني مع كعك الشّعير وأكله. ولم يتبيّن لي ذلك باستعراض الترجمات، والظّاهر أنّ ذلك يكون مادةَ إشعال النّار لإنضاج الطّعام، كما هو واضح في الترجمة العربيّة المشتركة، وترجمة الأخبار السارّة.
والإيضاح.
كان أبو حذيفة زوج سهلة بنت سهيل بن عمرو قد تبنَّى مولاه سالماً منذ صغره، فلما نزلت آيات تحريم التبني وقعت سهلة في حرج من أن يراها سالم فيكون في نفس أبي حذيفة شيء، وكانت قد تعلقت وزوجها بهذا المتبنى. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأرشدها أن تُرضع سالماً تحرم عليه.
ثم جاء من شغب بهذه الحادثة من جهة تعميمها على كل من أرادت أن تحرم على
رجل فترضعه أيًّا كان سنه، ومن جهة أنَّ ذلك يستلزم كشف النساء ثديهن للرجال، وما يتبع ذلك من مماسّة وامتصاص.
ومقصدُ هؤلاء تصويرُ الإسلام على أنّه يشرِّع السّفول الأخلاقي، مخالفين شهادة أعداء الإسلام قبل أتباعه، أنّ تعاليم الإسلام في قمّة الخلق والفضائل.
لم تكن حادثة سالم إلا رخصةً خاصّة به، بدليل إجماع أمهات المؤمنين خلا عائشة على هذا الفهم، وهو الأمر الذي قال به جمهور العلماء من السلف والخلف، وفيهم أئمة المذاهب الفقهية الأربعة.
وقد دلَّت الأحاديثُ الصحيحة الصريحة الكثيرة على أنّ الرضاع المحرم ما كان في الحولين، وكان خمس رضعات فأكثر. وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال:(انظرن إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة)(1).
لقد كان في رخصة النبي صلى الله عليه وسلم صورة عظيمة من صور الرّحمة التي شملت هذا المتبنَّى لئلا يُحرم من أسرته التي نشأ فيها منذ طفولته حين كان التبني جائزاً، كما شملت أبا حذيفة وزوجه حين لم يشأ النبي الرّحيم كسر قلبيهما إذا قضى بالفرقة.
وفي ذلك دليلٌ على مرونةِ التشريع، وإيجادِه الحلول التي تجلب المنافع وتدفع المفاسد.
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب من قال لا رضاع بعد الحولين، ح5102، ص1301. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب إنما الرضاعة من المجاعة، ح1455، 1/ 665، واللفظ له.
وأمّا الطّعن بأنّ ذلك اقتضى مباشرة سالم لجسد سهلة فإنّه مدفوع باحتمال أنها حلبت له اللبن في إناء ثم شربه، ويؤيده أنّ سهلة لما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكت غيرة أبي حذيفة. فإذا كانت الغيرة من مجرد الرؤية فإنّه يبعد أن تكون المعالجة بالإرشاد إلى ما هو أشد من ذلك بمباشرة الثدي وامتصاصه.
وعلى فرض حصول المباشرة فإنّ دافع الشهوة غير وارد مِن هذا الابن الذي تفتحت عيناه منذ طفولته على اعتبار أمِّ حذيفة أمّه الحقيقية، حيث لم يعرف في الحياة غيرها.
والمشاعر التي ستعتري كلّ سويٍّ من البشر لو كلّف الرضاعة من ثدي أمّه -وإن كان في سن الشباب- لن يكون من ضمنها الشّهوة قطعاً.
الأمر الثّاني عشر: وأمّا الشبهة الثالثة، المتعلقة باسم (قُثَم)، فقد أخذت طريقها للشيوع في الشبكة بعد أن استعرض أحد الصُّحُفيين كتاب "تاريخية الدعوة المحمديّة في مكة" للتونسي المدعو هشام جعيط (1).
وقد حشا المؤلف بحثه بالتشكيك في السيرة النبويّة، وكاد أن لا يترك شيئاً من تفصيلاتها إلا رجَّح خطأه، وأتى بالتصحيح المعتمد على مخترَعات ذهنه؛ المستقي من كتب المستشرقين والمنصرين؛ المتنكب سبيل البحث العلمي الموضوعي؛ وإن ادعى خلاف ذلك.
ومن جملة مفترياته أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُدعى إلا قُثماً طيلة سنيِّ عمره الأربعين، ثم لما انتقل إلى المدينة وظهرت دولته سمّى نفسه محمداً ليوافق بشارة الكتب السّابقة به (2).
وقد أخذ المنصرون هذا القول وشغبوا به، ونشروه في منتدياتهم ومجموعاتهم البريديّة، وباقي منافذ الخدمات التفاعليّة، مضيفين إلى شناعته فريةً أخرى، فقالوا: إنّ كلمة "قثم" تعني الفاسد، وهذا هو سبب تغيير النبي صلى الله عليه وسلم له.
ولعلّ سبب قولهم هذا فرارهم من الإشارة إلى بشارة التوراة والإنجيل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وورود اسمه الصريح فيهما.
(1) وذلك في موقع: www.islamonline.net
(2)
انظر: تاريخية الدعوة المحمدية في مكة، هشام جعيط، ص149.
وبالرجوع إلى معاجم اللغة العربيّة نجد أنّ هذا الاسم لا يحمل إلا معاني المدح والثناء الجميلة. وهذه المعاني تدور حول العطاء، وجمع الخير، واكتمال الخَلْق.
ففي معجم مقاييس اللغة: «القاف والثاء والميم أصل يدل على جمع وإعطاء. من ذلك قولهم قَثَم من ماله، إذا أعطاه. ورجل قُثَم: معطاء. والقثوم: الرجل الجموع للخير» (1).
وفي لسان العرب: «القُثم والقثوم: الجموع للخير .. ويقال للرجل إذا كان كثير العطاء:
مائح قُثَم .. والقُثم: المجتمع الخلق، وقيل: الجامع الكامل، وقيل: الجموع للخير» (2).
وبهذا يتبين أنّ القول بأنّ هذا الاسم يحمل معنى سيئاً قول مجانب للصواب.
ولو كان كذلك ما تسمى به النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، ولغيّره من تسمى به كالصحابي الجليل قثم بن العبّاس رضي الله عنه (3).
ويقال للكاتب التونسي ومن أخذ بقوله: إذا كان هذا هو اسم النبي صلى الله عليه وسلم لأربعين عاماً لم يحمل اسماً غيره، فكيف خفي ذلك على أعدائه من كفار قريش في مكة، ثم من اليهود والمنافقين في المدينة، ثم من سائر المرتدين في الجزيرة العربيّة، ثم من أعداء الإسلام على مر القرون، فلم يتخذوه مطعناً مع شدة عدائهم للنبي صلى الله عليه وسلم وبحثهم عن أي مطعن فيه ولو خفي ودقّ؟
ولماذا لم يهتبله أبو سفيان لما وقف أمام هرقل يسائله، فقال:(فهل يغدر؟)، قال أبوسفيان:(لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها)، ثم قال:(ولم تمكني كلمة أُدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة)(4)؟
وقد كان أعداؤه إذا شاؤوا تعييره عيروه بجدٍّ له يقال له أبو كبشة، فكيف عدلوا عن اسمه الأول الذي حمله أربعين عاماً كما يقول أصحاب هذه الشبهة؟
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 5/ 59.
(2)
انظر: لسان العرب، ابن منظور 5/ 3534.
(3)
هو قثم بن العبّاس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وشبيهه وآخر من خرج من لحده، أخ للحسن بن علي من الرّضاعة، توفي بسمرقند وقيل بمرو. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي 3/ 440 - 442.
(4)
رواه البخاري، وقد سبق تخريجه.
لقد أطبق الكتاب الحكيم، والسنة النبويّة المطهرة، وكتب التاريخ والسير والأدب، وأشعار العرب، على أنّ اسمه صلى الله عليه وسلم محمدٌ، وأنّه خاطب بهذا الاسم النّاس، واستخدمه في العهود والمواثيق والمبايعات والرسائل إلى الملوك، ولم يعترض عليه أحد في هذا. فهل يُترك كل هذا ويُلتفت إلى زعم دعي مجهول النسب في العلم بعد أربعة عشر قرناً، وهل يكون ذلك من المنهج العقلي العلمي المستقيم؟
إنَّ أسماء النبي صلى الله عليه وسلم التي جاء بيانها في القرآن والسنة هي محمد، وأحمد، والمتوكل، والماحي، والحاشر، والعاقب، والمقفي، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، والفاتح، والأمين.
ويُلحق بها الشاهد، والمبشر، والبشير، والنذير، والقاسم، والضحوك، والقتَّال، وعبد الله، والسراج المنير، وسيد ولد آدم، وصاحب لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود (1).
فليس منها هذا الاسم، ولم تَرد التسمية به في كتب الصحاح والسنن والمسانيد.
ومن القواعد العقليّة أنّه لا يُقبل قولُ أحد بمجرد دعواه، بل يُلزم بتقديم الدّليل والبرهان والإثبات على صِحّة ما يدّعي. فأين دليل هذا الكاتب على ما قال؟!
على أنّه قد سَبق جعيطاً إلى هذا الكذب كاتبٌ يُدعى "يوسف زيدان" في مقال له في جريدة الوفد في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 2006م، وزاد أنَّ اسمه كان قثم بن عبد اللات، ناسباً ذلك إلى ابن الجوزي في "المدهش" مفترياً عليه؛ إذ غاية ما قال ابن الجوزي أنَّ من أسمائه صلى الله عليه وسلم قُثَم، ولم يذكر أنّه كان اسمه ثم غيَّره، ولم يذكر ما يتعلق باسم أبيه صلى الله عليه وسلم (2).
وسبقه كذلك دعيٌّ ثالثٌ يقال له إسماعيل بن أدهم، وذلك في كتابه "من مصادر التاريخ الإسلامي"(3).
ولولا أنّ هذا المقالة انتشرت في منافذ الخدمات التفاعليّة لم يكن هناك ما يدعو لذكرها
(1) انظر: زاد المعاد، ابن القيم 1/ 85 - 86.
(2)
انظر: المدهش، ابن الجوزي، ص49.
(3)
انظر: رد الدكتور إبراهيم عوض عليه، على الرابط: www.saaid.net/mohamed/229.htm
وزيادة نشرها، فإنّها متهافتة، عارية عن الدّليل.
وبهذا يكتمل الحديث عن أبرز الشّبهات المثارة في الخدمات التّفاعليّة حول النبي صلى الله عليه وسلم، عرضاً ونقضاً، ويليه ما يتعلق بالشبهات حول السّنّة النّبويّة.