الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجانبُ الثّاني: الجهدُ الإسلاميُّ في الردِّ على المخالفين
وكما وُجد جُهدٌ في نشر الإسلام، كان هناك أيضاً استفادةٌ من الشّبكة في جانب المدافعة.
فقامت الجهود للدفاع عن القرآن الكريم، والرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، والسّنّة النبويّة، والشريعة الإسلاميّة.
وأُنشئت المواقعُ الرادّة على المخالفين من المبتدعة أو أصحاب التيارات الفكريّة المخالفة، أو أتباع الأديان الأخرى.
وكان من البارزِ تسخيرُ الخدماتِ التفاعليةِ للشبكة لأجل الوصول إلى المقصود من رد شبه المشبهين، ودفع هجومهم على الإسلام وتشويههم له بغيةَ زرعِ البغضِ له في قلوب المخالفين والمتبعين على حدٍّ سواء.
ولهذا يأتي هذا الفصل من البحث لبيان الجهود الدّعويّة الإسلاميّة في الرّدّ على الهجوم النصراني على الإسلام، وذلك من خلال المنافذ الخمسة المختارة للخِدْمات التفاعليّة، على نفسِ ترتيبِ الدراسة في الفصل الأول من هذا البحث، وذلك بعرضِ الجهدِ الإسلاميِّ المقاومِ للتّنصير في كلِّ خدمة، مع تقييمه كمًّا ونوعاً بالنّظر إلى مقابِله في الجهد التّنصيري. ولكنْ قبل ذلك يحسن بيانُ ضوابط الدّعوة في الخدمات التفاعليّة، وذلك في المطلب التّالي.
المطلب الثّاني: ضوابط الدّعوة في الخدمات التفاعليّة
إنّ الشبكة العالميّة بشكل عام، وما فيها من خدمات تفاعليّة بشكل خاص؛ وسيلةٌ لها حضورها وأثرها الذي يكاد يكون محلَّ إجماع، إلى جانبِ إجماعِ أصحاب التّوجهات الدّعوية على ضرورة تسخيرها لخدمة العقائد والأفكار وغيرها.
والدّعوة إلى الله تعالى في المنافذ النصرانيّة للخدمات التفاعليّة واجبٌ كفائي على الأمّة،
وحكمه في حقِّ الأفراد يتفاوت. فهو محرم في حقِّ غير المؤهل (1)، واجبٌ عينيٌّ على المؤهلِ الذي لا يوجد من يسدُّ مسدَّه، مندوبٌ فيما عدا ذلك.
وليس الحديث هنا عن فضل الدّعوة ومكانتها وأحكامها وحِكَمها، فلذلك مواضعه في مصنفات العلماء ورسائلهم الكثيرة، ولكنَّ البيان مُوَجَّهٌ إلى الإرشادات التي ينبغي للدّاعية في الخدمات التفاعليّة للشبكة أن يأخذ بها، لكي يكون له تميّزٌ في دعوته، وأثرٌ وإسهامٌ في تحبيبِ
(1) تقدّم بيان هذا، انظر هامش صفحة 55.
(2)
هو الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن باز. ولد في الرياض سنة 1330هـ وتتلمذ على علمائها، ولا سيّما الشيخ محمد بن إبراهيم حيث لازمه نحواً من عشر سنين، ثم عمل في القضاء والتّدريس ورئاسة الجامعة الإسلاميّة بالمدينة ثم رئاسة إدارات البحوث العلميّة والإفتاء والدّعوة والإرشاد بالرياض، إلى أن عين مفتياً عامًّا للمملكة سنة 1414هـ إلى أن توفي سنة 1420هـ. له جهود دعويّة وعلميّة بارزة، وخدمة للإسلام والمسلمين، وكان ممن أطبقت القلوب على محبته وتقديره. انظر: جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز، رواية محمد الموسى، وكتابة محمد الحمد، ص33 - 34، 45 - 48، 587.
(3)
انظر: الدعوة إلى الله وما ينبغي أن يتحلى به الدّعاة، عبد العزيز بن باز، مجلة الجامعة الإسلاميّة، العدد الحادي والثلاثون.
النّاس في دين الله، وتقريبِهم منه.
ويمكن تقسيم هذه الضوابط إلى الأقسام التّالية:
القسم الأول: ضوابطُ عامّة، ومنها:
أن يكون الدّاعيةُ مخلصاً لله تعالى في دعوته، مبتغياً وجه الله دونَ سواه.
أن يكون لديه من رسوخ العقيدة وقوّة اليقين وعُمق الإيمان؛ ما يحول بينه وبين التأثر بالشبهات (1).
أن يكون على بصيرة بما يدعو إليه، لئلا يكون ضرره أكثر من نفعه، وإفساده أكثر من إصلاحه (2).
أن يكون قدوة للآخرين في استقامة أخلاقه، رحيماً بالمدعوين، يألف ويؤلف، يُخالط النّاس ويصبر على أذاهم، لا يحتقر المدعوين، بل يُنْزلهم منازلهم.
أن يراعي التخصص، بأن يركز على الجانب الذي له فيه تمكن، في العقيدة، أو الفقه، أو الرد على الشبهات، أو بيان سماحة الإسلام وعظمة تشريعاته، ونحو ذلك.
أن يتعلمَّ فنون المحاورة والمجادلة والإلقاء المؤثِّر، فالدّعوة تحتاج لكفاءة في التبليغ والتأثير ومعرفة النّفس البشريّة والاستفادة من الظّروف والأحوال (3). وعلى الدّاعية أن يعرف الملائم في كلِّ وقتٍ من الأساليب الثلاثة؛ الحكمة بالمراوحة بين اللين والشِّدة، والموعظة الحسنة بالمراوحة بين التّرغيب والتّرهيب، والمجادلة بالأحسن من الحجج المقنعة (4).
القسم الثّاني: ضوابطُ تتعلق بدعوة النّصارى، ومنها:
أن يفقهَ أولويات دعوة النّصارى، فيبدأَ بما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه لمعاذ رضي الله عنه،
(1) انظر: أصول الدّعوة، عبد الكريم زيدان، ص322 - 323.
(2)
المرجع السّابق، ص315.
(3)
المرجع السّابق، ص395.
(4)
انظر: الدعوة والجهاد في العهد النبوي آداب وحِكم، علي الطّيار، ص56 - 62. وقواعد وضوابط فقه الدّعوة عند شيخ الإسلام ابن تيميّة دراسةٌ فقهيّة، عابد الثبيتي، ص258، وأصله رسالة ماجستير.
من الدّعوةِ للتوحيد ونبذ الشرك، ثم التدرجِ في عرض الأصول دون الخوض في التفصيلات الجزئيَّة، لا سيّما ما جُبل النصارى على النفور منه كالختان للرجال والحجاب للنساء. ولا يعني هذا التنازل عن شيء من دين الله، ولكنَّه التدرج الحكيم، حتّى إذا رسخ الإيمان في القلوب انقادت للالتزام بكل ما فيه.
أن يكون لديه علمٌ واسعٌ بالنصرانيّة، من جهةِ العقائد والشعائر والطقوس والتّاريخ والفرق والكتاب النصراني المقدّس ونحو ذلك.
أن تكون له عنايةٌ بالمصادر والمراجع الإسلاميَّة التي عُنيت بدعوة النّصارى ونقد ديانتهم وما يتعلق بها في القديم والحديث، ويمكن في سبيل ذلك الاستفادة من الرّسائل والبحوثِ الجامعيَّة، ومواقع الشبكة ومنافذ الخدمات التفاعليَّة فيها.
أن يحدد قبل البدء في الدّعوة تصنيف الشخص المقابِل؛ هل هو من عامَّة النّصارى أم من علمائهم؟ هل لديه شكوك في دينه؟ هل سبق له تعرُّفٌ على الإسلام، وما طبيعة هذه المعرفة؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تُرشد الداعية إلى أمثل السّبل التي يحسن استخدامها مع المدعو.
أن يتدرب على مناظرة النّصارى من خلال الإكثار من مطالعة المناظرات القويّة التي جرت بين المسلمين والنّصارى في القديم والحديث.
أن يبتعد عن تجريح وانتقاص الأمور التي يعظمها النصراني، كالكتاب المقدّس والصليب والأيقونات والتماثيل -عند من يقدسها- لئلا يتسبب في نفرته من أول وهلة.
عدم التسرع في رفض الشبهة والحكم على ما فيها من أحاديث بالضعف أو الوضع؛ قبل التثبت والتمحيص.
الاهتمامُ بالدّاخل الجديد في الإسلام من النّصارى، والعملُ على تقويةِ إيمانه، وتعليمِه الدّين، والاستفادةِ من معرفته بالمجتمع النصراني. وتحسنُ الاستفادة من الجهود الدّعوية للمسلمين من أصول نصرانيّة (1).
(1) من هؤلاء على سبيل المثال؛ الدّاعية الأمريكي يوسف أستس. وله العديد من المواقع، ومنها "الإسلام غداً":
www.islamtomorrow.com، " شاهد الإسلام": watchislaml.com، " اسمع الإسلام": hearislam.com، وانظر ملفاته المرئيّة على موقع "يوتيوب".
القسم الثّالث: ضوابطُ تتعلق بالخدمات التفاعليّة النصرانيّة، ومنها:
أن يكون لديه معرفة بأساسيات التعامل مع الخدمات التفاعليّة، وأن يسأل المتمكنين عن الميزات والإمكانات الموجودة فيها مما يفيده في جانب دعوته.
أن يعرف واقعَ هذه الخدمات المليءَ بالشهوات المتنوعة، والشبهات التفصيليّة، والمتجرئين على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه بأقذع الشتائم والسباب بُغية الإساءة للمسلم بإسماعه ما يكره.
أن يكون مستعداً للتعامل مع شبهات تفصيليّة قد لا يستحضر في الحال جوابَها، فيكونَ لديه من النباهة وسرعة البديهة ما يمكنه من حُسن التصرف.
أن يكون على علمٍ مسبق بطرق التدليس والحيل التي يستخدمها بعض النّصارى في إيراد الشبه، وقد حوى هذا البحث شيئاً منها.
أن يتفطن لمسألة جهالة المقابِل عيناً وحالاً وجِنساً وديانة، وأنّ هناك من التقنيات ما يُخفي جِهة المتحدث [الدولة التي يتحدث منها]، ويحوِّل الصوت من ذكوري إلى أنثوي، والعكس، وغير ذلك من التقنيات.
أن يتفطن الدّاعية لمسألة التواصل مع الجنس الآخر، وأن يقيد ذلك بأطر الأوامر والنواهي الشرعية، مستأنساً بآراء العلماء العارفين بواقع هذه الخدمات (1).
أن يكون فطناً ذكيًّا يمتلك مهارة المبادأةِ والمباغتة، حصيناً ضد استدراج المقابِل له المخطِّطِ لإفحامه وإلزامه الحجة.
أن يستغلَّ فرصة تسهيل الخدمات التفاعليّة لوصول الدّاعية إلى عدد لا يُحصر من النّصارى المتحدثين بالعربيّة في شتّى بلاد العالم. ويَحْسُنُ أن يتقن اللغة الإنجليزيّة ليتمكن من
(1) يحوي الرّابط التّالي الكثيرَ من الفتاوى المتعلقة بدعوة النّصارى من خلال الشبكة، ومنها هذه المسألة:
www.kalemasawaa.com/vb/t16957.html#post123162
وانظر: الرّابط www.saaid.net/doat/binbulihed/18.htm
دعوة أضعاف أضعاف هذا العدد، وقد سهّلت بعض المواقع النشيطة طرق دعوة هؤلاء وإن لم يتقن الداعية التحدث بلغاتهم (1).
أن يطّلع على أهم الأفكار الدّعوية الناجحة في هذا المجال، بقراءة ما كُتِبَ عن ذلك. وهناك مقالات كثيرة على الشّبكة حول هذا (2).
أن يكون لديه من الخبرة التقنية ما يساعده في كشف زيف المُقابل، كتحديدِ الدّولة التي يتحدث منها، أو تمييزِ الملف النّصّي أو الصوتيّ أو المرئي المعدّل بواسطة برامج التحرير الحاسوبيَّة، ونحو ذلك.
أن يركز في دعوته على جانب من الخدمات التفاعليّة -كالمنتديات وغرف المحادثة مثلاً- فإنّ ذلك يُثمر الخبرةَ بهذا المجال، والمعرفةَ بأحوال الدّعاة النّصارى فيه، ومعرفةَ طرق الحيل والتدليس، ونقضَ أقوالهم بما يخالفها مما سبق لهم طرحه في ذات المنافذ.
أن يعرفَ أنّ هذه المنافذ يستخدمها من دعاة النّصارى من قد يكون لهم تمكن علمي، وأسلوب بيانيٌّ ساحر، فيُعِدَّ العُدَّة لذلك.
أن تكون له دراية تقنية بمخاطر استخدام الشّبكة من حيث الاختراق وسرقة البيانات أو إتلافها، ونحو ذلك.
أن يستفيد من البرامج الحاسوبيّة الخادمة للدّعوة في الخدمات التفاعليّة، كتلك التي تبين درجة الأحاديث، أو تجمع الشبهات وردودها، أو تُدرِجُ نصوص القرآن والسُّنَّة وكتاب النّصارى المقدَّس مباشرة إلى غرف المحادثة في البالتوك، وغيرها من البرامج.
(1) من المواقع المتميزة هنا؛ موقع "بيت الإسلام"، التابع لمكتب دعوة الربوة، فقد جهّز آلاف الملفات المعرفة بالإسلام بأكثرَ من ثمانين لغة، فليس على الدّاعية إلا أخذها وإيصالها للمدعو.
انظر: الرّابط www.islamhouse.com/gp/5393
(2)
يمكن الوصول إليها بكتابة عبارة "الدعوة عبر الإنترنت" أو ما شابهها في محركات البحث. وانظر الموقع التّالي فبه موضوعات كثيرة نافعة في هذا المجال: www.saaid.net/afkar/internet.htm
وهذه الضّوابط التي يرُجى من وراء تطبيقها تحقيقُ أكبر المصالح الدّعوية؛ سيتضح من خلال المباحث الخمسة التّالية أهميتها في ذلك، كما سيتضح عند تقييم واقع الجهود في الخدمات التفاعليّة محلَّ الدراسةِ؛ مدى التقيد بها.