الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فِي الدَّلِيل عَلَى أَن السَّمِيع لَا يكون إِلَّا بسمع، والبصير لَا يكون إِلَّا ببصر كَمَا لَا يكون الْقَدِير والحكيم إِلَّا بقدرة وَحِكْمَة.
فالسميع صفة مُشْتَقَّة من السّمع. كَمَا أَن الضَّارِب صفة مُشْتَقَّة من الضَّرْب، وَالضَّرْب مصدر لِأَن الْفِعْل صدر عَنهُ، وَإِذا كَانَ صادرا عَن الْمصدر كَانَت الصّفة المبنية من الْفِعْل صادرة عَنهُ أَيْضا وَهِي الضَّارِب. وَإِذا صَحَّ هَذَا، صَحَّ أَن السَّمِيع صفة مَبْنِيَّة من أصل مُشْتَقَّة مِنْهُ صادرة عَنهُ. وَذَلِكَ الأَصْل هُوَ السّمع، فصح أَن السَّمِيع لَا يكون إِلَّا بسمع.
وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَيْضا: أَنه إِذا بَطل السّمع حصل الصمم، وَإِذا بَطل الْبَصَر حصل الْعَمى، فَيكون الله تَعَالَى فِي قَول من يثبت السَّمِيع وَلَا يثبت السّمع، سميعا أَصمّ وبصيرا أعمى، كَمَا تَقول فِي الْقَدِير والعليم، فَيبْطل الصِّفَات كلهَا وَتَكون ألفاظا لَا مَعَاني لَهَا، وَيكون الله تَعَالَى خَالِيا عَن الصِّفَات والأسماء الَّتِي هِيَ صِفَات. تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول المعطلة.
وَمن الدَّلِيل أَيْضا: أَن الله وصف نَفسه بِأَنَّهُ عليم وعالم، وَأثبت لنَفسِهِ الْعلم فَقَالَ عز من قَائِل:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} فَدلَّ سِيَاق هَذَا الْكَلَام أَن الْعَلِيم الَّذِي يكون لَهُ علم، وَلَا يكون عليما إِلَّا وَله علم، كَذَلِك السَّمِيع يجب أَن يكون لَهُ سمع، والبصير يكون لَهُ بصر، فَإِن قَالُوا: السَّمِيع فِي كَلَام الْعَرَب يكون بِمَعْنى المسمع قَالَ الشَّاعِر:
(أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع
…
يؤرقني وأصحابي هجوع)
فالسميع بِمَعْنى المسمع.
قُلْنَا: بل السَّمِيع بِمَعْنى السَّامع. وَإِن قُلْنَا: قد يَجِيء السَّمِيع بِمَعْنى المسمع، وَلكنه نَادِر، والنادر لَا يُقَاس عَلَيْهِ.
وَقد قَالَ الله تَعَالَى فِي قصَّة زَكَرِيَّا: {إِنَّك سميع الدُّعَاء} . وَقَالَ: {وَالله يسمع تحاوركما} .
فَدلَّ عَلَى أَن السَّمِيع بِمَعْنى السَّامع. وَالسَّامِع لَا يكون إِلَّا وَله سمع لِأَن الْفَاعِل لَا يكون إِلَّا وَله فعل، ولان المسمع إِذا لم يكن سَامِعًا، وَلم يكن لَهُ سمع