الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَخْبَرَهُ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلك نعيماً لَا ينفذ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.
فصل
قَالَ بعض عُلَمَاء أهل السّنة: الْكَلَام فِي صِفَات الله صَعب، وَالدُّخُول فِيهَا شَدِيد وَمن تكلم فِي صِفَات الله بِمَا لَا يَلِيق بِهِ، وَنسب إِلَيْهِ مَا لَا يحسن فِي صِفَاته، وَترك الإتباع، وآثر الاختراع ضل عَن الْهدى وَقد ذمّ الله أَقْوَامًا خَاضُوا فِي آيَاته فَقَالَ عز من قَائِل لنَبيه صلى الله عليه وسلم َ -:
{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُم} فَأمره بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُم، ثمَّ أَمر نبيه
صلى الله عليه وسلم َ - أَن يبين للْمُؤْمِنين مَا أنزلهُ إِلَيْهِ من كَلَامه فَقَالَ: " {أنزلنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وكل مَا بَينه الله تَعَالَى، أَو رَسُوله صلى الله عليه وسلم َ -
فقد كفانا الله
مؤونته، وَمَا لم يُبينهُ فالمرجع فِيهِ إِلَى كَلَام الصَّحَابَة، وَالْعُلَمَاء المقتدى بهم الَّذين هم أَعْلَام الْهدى. قَالَ الله عز وجل:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فبهداهم اقتداه} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -:
468 -
" أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ " وَقد ترك قوم الِاقْتِدَاء، وقاسوا صِفَات الله بعقولهم فضلوا، وأضلوا، فَمن مقالتهم أَن قَالُوا بعقولهم النَّاقِصَة، ومقاييسهم الْبَاطِلَة: كَمَا أَن الله تَعَالَى لَيْسَ فِي الدُّنْيَا فَكَذَلِك صِفَاته لَيست فِي الدُّنْيَا، يعنون أَن الْمَصَاحِف لَيْسَ فِيهَا قُرْآن وَأَن الْقُرْآن الَّذِي نَكْتُبهُ إِنَّمَا هُوَ مداد نسود بِهِ بَيَاضًا.
وَقَالُوا كَمَا أَن الله تَعَالَى لَيْسَ فِي قُلُوبنَا فَكَذَلِك صفته لَيست فِي قُلُوبنَا يُرِيدُونَ أَن لَيْسَ بموجود فِي الصُّدُور، وَأَن الَّذِي نقرأه لَيْسَ بقرآن إِنَّمَا هُوَ عبارَة، وحكاية. وَمن قَالَ هَذَا، فقد صرح بِأَن الْقُرْآن غير منزل.
وَمذهب أهل السّنة أَن الله تَعَالَى أظهر للسامعين من أَلْسِنَة مخلوقة، وأفعال مخلوقة، وَهِي حركات الْأَلْسِنَة كلَاما غير مَخْلُوق، وَكَذَلِكَ يظْهر من حبر مَخْلُوق وكاغد مَخْلُوق، وَأَقْلَام مخلوقة، وكلاما غير مَخْلُوق بِلَا كَيفَ.
وَقَالُوا: أَنا نسْمع تَارَة صَوتا طيبا، وَتارَة صَوتا غير طيب، وَتارَة رفيعا، وَتارَة غير رفيع. يُقَال لَهُم: إِن الله قد أظهر من الْأَلْسِنَة المخلوقة
والحركات المخلوقة قُرْآنًا غير مَخْلُوق، وَكَذَلِكَ أظهر من المداد الْمَخْلُوق، وَالْأَفْعَال المخلوقة كلَاما غير مَخْلُوق بِلَا كَيفَ، وَالله تَعَالَى يظْهر صِفَاته من حَيْثُ يَشَاء، كَيفَ يَشَاء عَلَى مَا يَشَاء، وَقد قَالَ الله عز وجل:{وَإِنَّكَ لتلقى الْقُرْآن من لدن حَكِيم عليم} . وَقَالَ: {وأوحي إِلَيّ هَذَا الْقُرْآن} . وَقَالَ: {هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ} وَهَذَا إِشَارَة إِلَى حَاضر. فَأخْبر أَن النُّطْق يَصح من الْكتاب بِلَا نَاطِق، والناطق بِهِ رَبنَا عز وجل بِلَا كَيْفيَّة، وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه.
469 -
فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك} إِن هَذَا الْقُرْآن الَّذِي بَين أظْهركُم يُوشك أَن يرفع، قيل لَهُ: كَيفَ يرفع وَقد أثْبته الله فِي قُلُوبنَا، وَأَثْبَتْنَاهُ فِي مَصَاحِفنَا؟ قَالَ: يسري عَلَيْهِ لَيْلَة فينزع مَا فِي الْقُلُوب وَيذْهب مَا فِي الْمَصَاحِف.