الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّكُم سميتم أَنفسكُم أهل السّنة، وَمَا نَرَاكُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا مدعين، لأَنا وجدنَا كل فرقة من الْفرق تنتحل إتباع السّنة، وتنسب من خالفها إِلَى الْهوى، وَلَيْسَ عَلَى أصحابكم مِنْهَا سمة وعلامة أَنهم أَهلهَا دون من يُخَالِفهَا من سَائِر الْفرق، فَكلهَا فِي انتحال هَذَا الْقلب شُرَكَاء متكافئون، ولستم أولى بِهَذَا اللقب إِلَّا أَن تَأْتُوا بِدلَالَة ظَاهِرَة من الْكتاب وَالسّنة أَو من إِجْمَاع أَو مَعْقُول.
الْجَواب: قَوْلكُم إِنَّه لَا يجوز لأحد دَعْوَى إِلَّا بِبَيِّنَة عادلة أَو دلَالَة ظَاهِرَة من الْكتاب وَالسّنة، هما لنا قائمتان بِحَمْد الله وَمِنْه.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} فَأمرنَا باتباعه وطاعته؛ فِيمَا سنّ وَأمر، وَنهى، وَحكم وَعلم.
206 -
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - "
عَلَيْكُم بِسنتي، وَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني ".
ثمَّ لعن تَارِك سنته عَلَى مَا رُوِيَ أَنه قَالَ:
207 -
" سِتَّة لعنتهم، وكل نَبِي مجاب الدعْوَة. وَذكر فِي آخِره: والتارك لسنتي ".
فَوَجَدنَا سنته، وعرفناها بِهَذِهِ الْآثَار الْمَشْهُورَة الَّتِي رويت، بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاح الْمُتَّصِلَة الَّتِي تلقتها حفاظ الْعلمَاء بَعضهم من بعض، فَنَظَرْنَا إِلَى هَذِهِ الْفرْقَة - أَعنِي أَصْحَاب الحَدِيث - وهم لَهَا أطلب، وفيهَا أَرغب، وَلها أجمع ولصحاحها أتبع، فَعلمنَا يَقِينا بِالْكتاب وَالسّنة، أَنهم دون من سواهُم من جَمِيع الْفرق، لِأَن صَاحب كل فرقة أَو صناعَة مَا لم يكن مَعَه دلَالَة عَلَيْهِ من صناعته، وَآلَة من آلاته، ثمَّ ادّعى تِلْكَ الصِّنَاعَة، كَانَ فِي دَعْوَاهُ عِنْد الْعَامَّة مُبْطلًا، وَفِي الْمَعْقُول عِنْدهم متجهلا، فَإِذا كَانَت مَعَه آلَات الصناعات والحرف شهِدت لَهُ تِلْكَ الْآلَات بصناعتها، بل شهد لَهُ كل من عاينه قبل الاختبار كَمَا إِنَّك إِذا رَأَيْت الرجل فتح بَاب دكانه عَلَى بز، علمت أَنه بزاز. وَإِن لم تختبره، وَإِذا فتح عَلَى تمر علمت أَنه تمار، وَإِذا فتح عَلَى عطر علمت أَنه عطار، وَإِذا رَأَيْت بَين يَدَيْهِ الْكِير والسندان والمطرقة علمت أَنه حداد. وَإِذا رَأَيْت بَين يَدَيْهِ الإبرة، والجلم علمت أَنه خياط، وَكَذَلِكَ صَاحب كل صناعَة، إِنَّمَا يسْتَدلّ عَلَى صناعته بآلته، فَيحكم بالمعاينة من غير اختبار، وَلَو رَأَيْت بَين يَدي نجار قدومًا، ومنشارا، ومثقبا، ثمَّ سميته خياطاً