الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ على شَيْء} . وَقَوله تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أبكم لَا يقدر على شَيْء}
فنفي سبحانه وتعالى الْقُدْرَة عَلَى الْفِعْل عَن العَبْد، وَأَعْلَمنَا أَن فعل العَبْد وَقدرته عَلَى الْفِعْل شَيْء، وَهُوَ من خلق الله تَعَالَى لَا من خلقه. لِأَن نفي قدرته عَلَى جَمِيع الْأَشْيَاء، أَو جعل الشَّيْء نكرَة، والنكرة تعم الْجِنْس فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَن العَبْد لَا يقدر عَلَى خلق عمل من أَعماله، وَأَن عمله وَقدرته عَلَى الْعَمَل من الله تَعَالَى لَا مِنْهُ.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -:
{لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} أَي لَيْسَ لَك فِيمَا تتصرف فِيهِ من الْأَمر والأعمال وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا شَيْء، وَلَا يمكنك أَن تخلق عملا أَو فعلا من نَفسك، بل مَا تَفْعَلهُ وتعمله مخلوقا بِخلق الله تَعَالَى إِيَّاه، ومفعوله بقدرته وتوفيقه، لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يهدي من يَشَاء} . وَلَو كَانَ العَبْد يقدر عَلَى خلق أَو عمل من تِلْقَاء نَفسه لَكَانَ يُمكنهُ أَن يهدي من أحب. لِأَن الْهِدَايَة مصدر يتَفَرَّع مِنْهُ الْفِعْل، وَقَوله: لَا تهدي فعل، فَلَمَّا نفى الْقُدْرَة عَلَى هَذَا الْفِعْل عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - مَعَ مَا خصّه
بِهِ وأكرمه بِهِ من المعجزات، دلّ عَلَى أَن غَيره من الْعباد أَكثر عَجزا وَأَقل إمكانا عَلَى خلق فعل من أَفعاله.
وَلِأَن الْإِنْسَان لَو قدر عَلَى خلق فعل من أَفعاله، أَو حَرَكَة من حركاته، لَكَانَ يُمكنهُ أَن يتغوط وَلَا يَبُول، وينام وَلَا يغمض أجفانه، وَأَن تفتح أجفانه سَاعَة مديدة، لَا يضْرب بَعْضهَا عَلَى بعض، فَلَمَّا لم يُمكنهُ أَن يفعل ذَلِكَ دلّ عَلَى أَن أَفعاله مخلوقة لله تَعَالَى.
فَإِن قيل: يُرِيد بِخلق أَفعاله حركته وسكونه. يُقَال: إِن أَفعَال الْحَيّ مخلوقة، يخلقه لِأَن الْحَيّ لَا يَخْلُو من حَرَكَة وَسُكُون فحركته فعله وسكونه فعله وهما مخلوقان مَعَه فِي ابْتِدَاء خلقه، لِأَن كَمَا وجد فعله مَعَه غير مُنْفَصِل عَنهُ، وَعدم بِعَدَمِهِ فَصَارَ جُزْءا من أَجزَاء ذَاته. فخالق كل جُزْء من أَجزَاء ذَاته، وكل صفة من صِفَات ذَاته.
لِأَن الْجُزْء من أَجزَاء الذَّات هُوَ الذت بِعَيْنِه، وَكَذَلِكَ الصّفة الذاتية هِيَ الذَّات بِعَينهَا فَلَا يجوز أَن يكون الله تَعَالَى خَالِقًا لبَعض الذَّات، وَلَا يكون خَالِقًا لبعضه.