الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الطِّهْرَانِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الطَّائِيُّ بِبَغْدَادَ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
قَالَ: " حَاجَّ آدَمُ مُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ". قَالَ: " فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى. عليهما السلام
".
36 -
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنا عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ سِنَانٍ، نَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ، نَا أَبُو طَالب يحيى ابْن يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -: "
احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عليهما السلام، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا؟ أُرَاهُ قَالَ: مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ، وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا، وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا
، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ؟ فَبِكَمْ تَجِدُ خَطِيئَتِي سَبَقَتْ خَلْقِي؟ قَالَ: بِأَرْبَعِينَ عَامًا ". قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ -: " فحج آدم مُوسَى عليهما السلام ".
صفحة فارغة
أخبرنَا الإِمَام أَبُو المظفر قَالَ: فقد دَعَا الله الْخلق إِلَى الوحدانية والأقدار مَعًا: فالتوحيد لوحدانيته وَالتَّقْدِير لربوبيته، وَالْإِذْن قدرته. فَكَمَا لَا يجوز إبِْطَال وحدانيته كَذَلِك إبِْطَال ربوبيته وَقدرته. وَهُوَ التَّقْدِير وَالْإِذْن.
وَكَذَلِكَ قَالُوا: كَمَا لَا يجوز الركون إِلَى الدُّنْيَا، كَذَلِك لَا يجوز إِبْطَالهَا حَتَّى يكْتَسب بهَا النّظر إِلَى التَّقْدِير وَالْإِذْن.
فالأبدان كلهَا مضطرة إِلَى الْأَسْبَاب أبدا، وَذَلِكَ فِي أهل السَّمَاوَات وَالْأَرْض. اضطرهم الله جَمِيعًا إِلَى الْأَسْبَاب وَإِن تفاوتت وجوهها فِي قلتهَا وَكَثْرَتهَا، وزيادتها ونقصانها.
وَأما الْقُلُوب، فَإِنَّهَا مضطرة إِلَى مسبب الْأَسْبَاب وَحده. أما ترى أَن أهل الدُّنْيَا اضطروا إِلَى الْأَسْبَاب من الْأَمْكِنَة، والأغذية، واللباس، وَسَائِر مَا يرجع إِلَى معاشهم، فَهَذَا لأبدانهم. واضطرت الْقُلُوب إِلَى أَن الله تَعَالَى وَحده خَالق الدُّنْيَا ومالكها.
وَإِن الْأَسْبَاب عاملة بِإِذن الله. فَمَا أذن الله تَعَالَى لشَيْء كَانَ من غير سَبَب، وَإِذا لم يَأْذَن للسبب لم يعْمل. فَالنَّار بِإِذْنِهِ تحرق فَإِذا أذن لَهَا أَن تمْتَنع من الإحراق امْتنعت، كَمَا أذن لنار إِبْرَاهِيم عليه السلام.
وَالْمَاء بِإِذْنِهِ يغرق، فَإِذا أذن لَهُ أَن يمْتَنع من الإغراق امْتنع،
كَمَا أذن لَهُ فِي إغراق فِرْعَوْن وَقَومه، وَمنعه من إغراق مُوسَى وَقَومه.
وكما أطْعم مَرْيَم عليها السلام من غير سَبَب. قَالَ الله تَعَالَى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} .
وَقد يحبس الله الثِّمَار أَن تخرج من الْأَشْجَار فِي كثير من الْأَوْقَات. قَالَ الله تَعَالَى: {وَنقص من الْأَمْوَال والأنفس والثمرات} .
إِلَّا أَن الْقلب إِذا مَال إِلَى الْأَسْبَاب وكل إِلَيْهَا بِقدر ميله إِلَيْهَا، وفقد من مَعُونَة الله وتأييده عَلَى قدر ذَلِكَ.
فَكَمَا أَن الْبدن لَا تعْمل جارحة من جوارحه وركن من أَرْكَانه من حَرَكَة أَو سُكُون أَو قبض أَو بسط إِلَّا بِالروحِ. كَذَلِك لَا يعْمل سَبَب من الْأَسْبَاب، من نفع أَو ضرّ إِلَّا بِالْقدرِ وَالْإِذْن من الله تَعَالَى. وكما أَن الْجَوَارِح قد ظَهرت بحركاتها وبطن الرّوح والأبصار طامحة إِلَى الْجَوَارِح لظهورها، كَذَلِك الْأَسْبَاب ظَاهِرَة مَعْلُومَة عِنْد النَّاس، والأقدار باطنة. وَالنَّاس يبصرون
الْأَسْبَاب لِأَنَّهَا لأعينهم بارزة، وَلَا يبصرون الأقدار لِأَنَّهَا عِنْد الله غَائِبَة. وَلَا قيام للأسباب إِلَّا بالأقدار. كَمَا لَا قيم للأبدان إِلَّا بالأرواح.
فالأسباب ظَاهِرَة للأبصار رُؤْيَة وعيانا، والأقدار ظَاهِرَة للقلوب معرفَة وإيمانا فَهَذَا حَقِيقَة شَأْن الْأَسْبَاب والأقدار.
فنظير الْأَعْمَال من الطَّاعَات والمعاصي، إكساب الْعباد فِي الدُّنْيَا، وَنَظِير الْقَضَاء وَالتَّقْدِير من الله تَعَالَى لأعمال الْعباد، قسْمَة الأرزاق بَينهم.
فالأكساب من النَّاس فِي الدُّنْيَا، حَاصِلَة فِي أُمُور معاشهم والأرزاق من الله مقسومة لَا تزداد وَلَا تنقص. وأكسابهم من الأقدار أَيْضا. فَلَا بُد من وُصُول الأرزاق إِلَيْهِم عَلَى مَا قسمه الله تَعَالَى. كَذَلِك الطَّاعَات والمعاصي من الْخلق،
حَاصِلَة فِي أُمُور آخرتهم. وَالْقَضَاء بِأَمْر الله والأقدار جَارِيَة عَلَيْهِم فِي آخرتهم، وأعمال آخرتهم لَا يزْدَاد عَلَيْهَا شَيْء وَلَا ينتقص مِنْهَا شَيْء.
وأعمالهم من الأقدار أَيْضا، وَلَا بُد من مصيرهم إِلَى مَا قضى الله لَهُم وَعَلَيْهِم. فَمن النَّاس الْقوي الْمُحْتَال الْجلد وَلَا يزْدَاد إِلَّا فَقَرَأَ، وَمِنْهُم الضَّعِيف العيي المهين، وَلَا يزْدَاد مَاله إِلَّا كَثْرَة. وَمِنْهُم الجاد الْمُجْتَهد الدائب فِي الطَّاعَات، وَلَا يزْدَاد من الله إِلَّا بعدا وَمِنْهُم الكسلان الفاتر وَالله تَعَالَى قد أعد لَهُ الْجنان، وَالنَّعِيم الْمُقِيم. ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم.
وَمن أشباه هَذَا وَأَمْثَاله أَمر الطِّبّ والمعالجة. فَإِن الله تَعَالَى قد فرغ من الْحَيَاة والعمر، وَجعل لذَلِك ميقاتا مَعْلُوما لَا يتَقَدَّم وَلَا يتَأَخَّر، وَلَا يزِيد وَلَا ينقص. قَالَ الله تَعَالَى:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} . ثمَّ دبر لَهُم بِلُطْفِهِ فعللهم عِنْد الْأَمْرَاض المخوفة بالأدوية والأشفية المخيلة للنفع، والبرؤ ليَكُون للآمال فِيهَا مجَال، وللنفوس فِيهَا منفسح. وَهِي لَا تغني من الْمَقْدُور شَيْئا.
فترى النَّاس عَلَى اخْتِلَاف طبقاتهم من الآراء والنحل، يفزعون عِنْد حُدُوث الْأَمْرَاض إِلَى الطِّبّ والتداوي، ويتعللون بِهِ، ويستأنسون إِلَيْهِ. فَإِذا لم ينجح العلاج، وأعياهم الْأَمر قَالُوا: قدر الله ومشيئته، وسلموا للْقَضَاء وأعطوا بِأَيْدِيهِم، وَلم يلوموا طَبِيبا، وَلم يعيبوا دَوَاء. وَمن خالفهم فِي هَذَا الْمَذْهَب، وَلم يَأْخُذ بالحزم وَلم يسْتَعْمل العلاج كَانَ عِنْد أَكْثَرهم ملوما معاتبا. فترى النَّاس يفزعون إِلَى الْأَدْوِيَة والمعالجات، الأقدار من الله جَارِيَة فِي الْآجَال والأمراض وَالصِّحَّة، وَلَا مزِيد عَلَيْهَا وَلَا نُقْصَان، وَلَا مُتَأَخّر عَنْهَا وَلَا مُتَقَدم. كَذَلِك أُمُور الْآخِرَة مقضية مقدرَة مقسومة، والأعمال من الْعباد فِي أَسبَابهَا الظَّاهِرَة جَارِيَة، والأوامر والنواهي فِيهَا ثَابِتَة والوعد والوعيد وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب فِيهَا عَامل. وَمَا قَضَاهُ الله وَقدره من ذَلِكَ فَلَا مزِيد عَلَيْهِ وَلَا نُقْصَان، وَلَا مُتَأَخّر عَنْهَا وَلَا مُتَقَدم. وعَلى هَذَا تجْرِي أُمُور العوذة وَالدُّعَاء.
قَالَ: وَإِنَّمَا حملنَا عَلَى ذكر هَذَا الأَصْل، وَبَيَان الْأَمْثِلَة، والأشباه لِأَن الَّذِي يعْتَمد عَلَيْهِ الْخُصُوم فِي رد الْقَضَاء وَالْقدر هُوَ أَنهم يَقُولُونَ: إِذا قدمنَا الْقدر وغلبنا الحكم بَطل الْعَمَل وَسقط معنى التبعد وَهُوَ: التَّكْلِيف وتعطل الْوَعْد والوعيد، وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب.