الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّيْخ وَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الرجل أحب الشُّهْرَة، وَلم يرجع حَقِيقَة عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ.
وَكَأَنَّهُ حكى الْحِكَايَة لغيره فشاعت، وَبَلغت الْأَشْعَرِيّ فَجَاءَنِي بعد ثَالِثَة فَقَالَ: قد بَلغنِي رُؤْيَاك، وبيننا حُرْمَة الْأنس، فَأحب أَن لَا تحكيها للنَّاس، فَقلت: أما الْبَصْرَة فَلَا أحكيها فطابت نَفسه وَخرج.
فصل
قَالَ أهل السّنة: الْإِيمَان بقوله تَعَالَى: {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وَاجِب، والخوض فِيهِ بالتأويل بِدعَة.
قَالُوا: وَهُوَ من الْآيَات المتشابهات الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه ورد علم تَأْوِيلهَا إِلَى نَفسه، وَقَالَ:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْد رَبنَا} فَأوجب الْإِيمَان بقوله
{الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وبالآيات الَّتِي تضارع هَذِهِ الْآيَة، ومدح الراسخين فِي الْعلم بِأَنَّهُم يُؤمنُونَ بِمثل هَذِهِ الْآيَات، وَلَا يَخُوضُونَ فِي علم كيفيتها، وَلِهَذَا قَالَ مَالك بن أنس رَحْمَة الله عَلَيْهِ حِين سُئِلَ عَن قَوْله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قَالَ: الاسْتوَاء مَعْلُوم، والكيف مَجْهُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب، وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة، والاستواء فِي كَلَام الْعَرَب تَأتي لمعان.
تَقول الْعَرَب: اسْتَوَى الشَّيْء إِذا كَانَ معوجا فَذهب عوجه، تَقول: سويته أَي: قومته فاستقام، وَهَذَا الْمَعْنى لَا يجوز عَلَى الله تَعَالَى.
وَمِنْه الاسْتوَاء بِمَعْنى الْمُمَاثلَة والمشابهة. يُقَال اسْتَوَى فلَان وَفُلَان فِي هَذَا الْأَمر أَي: تماثلا وتساويا قَالَ الله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة} أَي لَا يتساوى هَذَانِ الْفَرِيقَانِ، وَهَذَا أَيْضا لَا يجوز فِي حق الله تَعَالَى.
وَمِنْه الاسْتوَاء بِمَعْنى الْقَصْد، وَيسْتَعْمل مَعَ إِلَى، يُقَال: استويت إِلَى هَذَا الْأَمر، أَي قصدته. قَالَ الله تَعَالَى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخان} أَي قَصدهَا، وَلَا يُقَال: اسْتَوَى عَلَيْهِ بِمَعْنى قَصده، فَمن خَالف
مَوْضُوع اللُّغَة فقد خَالف طَريقَة الْعَرَب، وَالْقُرْآن عَرَبِيّ، وَلَو كَانَ الاسْتوَاء عَلَى الْعَرْش بِمَعْنى الاسْتوَاء إِلَى الْعَرْش لقَالَ تَعَالَى: إِلَى الْعَرْش اسْتَوَى.
قَالَ أهل السّنة: الاسْتوَاء هُوَ الْعُلُوّ: قَالَ الله تَعَالَى {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك على الْفلك} وَلَيْسَ للاستواء فِي كَلَام الْعَرَب معنى إِلَّا مَا ذكرنَا، وَإِذا لم يجز الْأَوْجه الثَّلَاثَة لم يبْق إِلَّا الاسْتوَاء الَّذِي هُوَ مَعْلُوم كَونه مَجْهُول كيفيته، واستواء نوح عَلَى السَّفِينَة مَعْلُوم كَونه مَعْلُوم كيفيته لِأَنَّهُ صفة لَهُ، وصفات المخلوقين مَعْلُومَة كيفيتها. واستواء الله عَلَى الْعَرْش غير مَعْلُوم كيفيته لِأَن الْمَخْلُوق لَا يعلم كَيْفيَّة صِفَات الْخَالِق لِأَنَّهُ غيب وَلَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله، وَلِأَن الْخَالِق إِذا لم يشبه ذَاته ذَات الْمَخْلُوق لم يشبه صِفَاته صِفَات الْمَخْلُوق فَثَبت أَن الاسْتوَاء مَعْلُوم، وَالْعلم بكيفيته مَعْدُوم فَعلمه موكول إِلَى الله تَعَالَى، كَمَا قَالَ:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا الله} .
وَكَذَلِكَ القَوْل فِيمَا يضارع هَذِهِ الصِّفَات كَقَوْلِه تَعَالَى: {لما خلقت بيَدي} وَقَوله: {بل يَدَاهُ مبسوطتان} وَقَوله: {وَيبقى وَجه رَبك} وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -:
224 -
" حَتَّى يضع الْجَبَّار فِيهَا قدمه " وَقَوله:
225 -
" إِن أحدكُم يَأْتِي بِصَدَقَتِهِ فَيَضَعهَا فِي كف الرَّحْمَن " وَقَوله.
226 -
" يضع السَّمَاوَات عَلَى أصْبع، وَالْأَرضين، عَلَى أصْبع ". وأمثال هَذِهِ الْأَحَادِيث، فَإِذا تدبره متدبر، وَلم يتعصب بِأَن لَهُ صِحَة ذَلِكَ وَأَن الْإِيمَان وَاجِب، وَأَن الْبَحْث عَن كَيْفيَّة ذَلِكَ بَاطِل. وَهَذَا لِأَن الْيَد فِي كَلَام الْعَرَب تَأتي بِمَعْنى الْقُوَّة يُقَال لفُلَان يَد فِي هَذَا الْأَمر أَي: قُوَّة وَهَذَا الْمَعْنى لَا يجوز فِي قَوْله: {لما خلقت بيَدي} وَقَوله {بل يَدَاهُ مبسوطتان} لِأَنَّهُ لَا يُقَال: لله قوتان. وَمِنْهَا الْيَد بِمَعْنى النِّعْمَة والصنيعة يُقَال: لفُلَان عِنْد فلَان يَد أَي: نعْمَة وصنيعة، وأيديت عَن فلَان يدا أَي: أسديت إِلَيْهِ نعْمَة، ويديت عَلَيْهِ، أَي: أَنْعَمت عَلَيْهِ قَالَ: