الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 -
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -: "
مَا مِنْكُم من أحد ينجيه عمله قَالُوا: وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ: وَلَا أَنا، إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمته ".
وَقَالُوا: إِذا جعلنَا أَفعَال الْعباد مخلوقة لله - تَعَالَى - لم يُمكن تَحْقِيق أَفعَال الْعباد وأعمالهم، لِأَن الْفِعْل الْوَاحِد لَا يتَصَوَّر من فاعلين
.
وَكَذَلِكَ ذكر الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال: دَلِيل عَلَى أَن أَفعَال الْعباد بأجمعها منسوبة إِلَى الْعباد، وَلَيْسَ لله تَعَالَى فِيهَا صنع وَلَا خلق. لِأَن الْجَزَاء إِنَّمَا يكون من الْمجَازِي عَلَى فعل الْغَيْر لَا عَلَى فعل نَفسه - وَهل يتَصَوَّر فِي الْفِعْل أَن يتوعد أحد أحدا عَلَى فعل نَفسه، أَو يثيبه عَلَى فعل نَفسه؟
وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَضَلَّهُ الله على علم} . أَي وجده ضَالًّا. أَو سَمَّاهُ ضَالًّا. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا} أَي وَجَدْنَاهُ ضَالًّا. وَلَهُم تأويلات بعيدَة مُنكرَة.
وَقَوْلهمْ: لَا يجوز فعل من فاعلين فَالَّذِي يعْتَمد عَلَيْهِ أَرْبَاب الدّين وَالسّنة ويعولون عَلَيْهِ أصلان:
أَحدهمَا: أَن يعلم ويعتقد أَن فِي الدّين أمورا يلْزمنَا الْإِيمَان بجملتها وَلَا يَصح وصولنا إِلَى تَفْصِيل حقائقها، وسبيلنا أَن ننتهي إِلَى مَا حد لنا فِيهِ، وَأَن نرد الْأَمر إِلَى مَا ورد من التَّوْقِيف من أَحْكَامهَا.
قَالَ بعض الْعلمَاء: إِذا انْتهى الْكَلَام إِلَى الله، وَإِلَى مَا تفرد بِهِ من الْعلم، فَلَيْسَ إِلَّا الِانْتِهَاء والتوقيف.
وَالْأَصْل الآخر: أَن يعلم أَنه لَيْسَ مَا لَا يُدْرِكهُ الْعقل فَلَا يجوز اعْتِقَاده فِي الدّين، وَقد غلط النَّاس فِي هَذَا غَلطا عَظِيما، فجلعوا مَا يعجز الْعقل عَن الْإِحَاطَة بِهِ مستحيلا فِي بَاب الدّين، وَقَالُوا: لَا يجوز أَن يعْتَقد إِلَّا مَا يُدْرِكهُ الْعقل.
وَإِنَّمَا قَول أهل السّنة: أَن مَا لَا يُدْرِكهُ الْعقل فَمن حَقه التَّوْقِيف وتفويض علمه إِلَى الله تَعَالَى، وَترك الْخَوْض فِيهِ، وَلَا نقُول إِنَّه يعرض على
ميزَان الْعُقُول فَإِن استقام قبل، وَإِلَّا طرح، فَهَذَا مَذْهَب من يَبْنِي دينه عَلَى الْمَعْقُول.
فَأَما من جعل أساس دينه الِاتِّبَاع فَإِنَّمَا طَرِيقه مَا بَيناهُ، وَإِذا عرفت هذَيْن الْأَصْلَيْنِ فَلَا تغفل عَنْهُمَا فِي شَيْء مِمَّا يُورِدهُ أهل الْبِدْعَة، فَإِن الْجَواب عَن مَا يوردونه مَعَ إحكام هذَيْن الْأَصْلَيْنِ سهل.
وَبَيَان هَذَا السُّؤَال الَّذِي أوردهُ أَنا عرفنَا أَن الْأَفْعَال الَّتِي يَفْعَلهَا الْعباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى بِالْكتاب وَالسّنة، وَعلمنَا أَنَّهَا مكسوبة للعباد بِالْكتاب وَالسّنة، فوقفنا حَيْثُ وقف بِنَا الشَّرْع، وَلم نتجاوز الْحَد الَّذِي ضربه لنا، وَلم نعارضه بكيف، وَلَا لم؟
وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة حد الْعُبُودِيَّة، والطواعية من العَبْد للخالق، فَإِنَّهُ لَا مُعَارضَة للمملوك عَلَى الْمَالِك وَلَا للْعَبد عَلَى السَّيِّد، وَإِنَّمَا سَبيله الِامْتِثَال،