الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -: "
لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْقَدَرِ، وَلا تُفَاتِحُوهُمْ
".
14 -
أَخْبَرَنَا أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ قَالَ: حدث شَيخنَا الْمَكِّيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ مُعَاوِيَة - رضى الله عَنهُ -، فَأتي بطعامه، فَأخذ لقْمَة فَرَفعهَا إِلَى فِيهِ، ثمَّ وَضعهَا فَتَنَاولهَا فَأَكَلتهَا، فطلبها فَلم يجدهَا، فَخَطب النَّاس عَشِيَّة على الْمِنْبَر فَقَالَ: أَيهَا النَّاس اتَّقوا الله تبارك وتعالى فَإِنَّهُ وَالله مَا لامرئ مِنْكُم إِلَّا مَا كتب لَهُ. وَالله إِن أحدكُم ليرْفَع اللُّقْمَة الْمرة والمرتين، ثمَّ تقضى لغيره.
أخبرنَا أَبُو المظفر، أَنا أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله، نَا عِيسَى ابْن عَليّ بن عِيسَى الْوَزير، نَا أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ، نَا أَبُو الْأَشْعَث أَحْمد ابْن الْمِقْدَام قَالَ: سَمِعت مُعْتَمِرًا يحدث مَرْحُوم الْعَطَّار قَالَ: أَتَانِي رجل فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد إِن أخي هَذَا أَرَادَ شِرَاء جَارِيَة من فلَان، وَقد أحب أَن يَسْتَعِين بِرَأْيِك فَقُمْ مَعنا إِلَيْهِ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ فَإِذا رجل سري فَبينا نَحن عِنْده، فَقُلْنَا: جاريتك فُلَانُهُ أَرَادَ هَذَا الرجل أَن تعرضها. قَالَ: نعم. قد حضر
الْغَدَاء فتغدوا، وأخرجها إِلَيْكُم. قُلْنَا: هَات غداءك فتغدينا ثمَّ قَالَ: لَا يسقيكم المَاء إِلَّا من أردتم أَن تعترضوه. ادعوا فُلَانَة، فَجَاءَت جَارِيَة وضيئة فَقَالَ لَهَا: اسقيني. فَجَاءَت بقدح زجاج فصبت لَهُ فِيهِ مَاء، فَوَضَعته على راحتيه ثمَّ رَفعه إِلَى فِيهِ، ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد يزْعم نَاس أَنِّي لَا أَسْتَطِيع أشْرب هَذَا. ترى هَا هُنَا حَائِلا، ترى هَا هُنَا مكْرها. ثمَّ قَالَ: هِيَ حرَّة إِن لم أشربها، فَضربت الْقدح بردن قميصها فَوَقع الْقدح، وانكسر، وإهراق المَاء. فَخرجت مُتَقَنعَة فَكَانَت بعد تدعى مولاة السّنة.
15 -
وَحدث الطَّبَرَانِيّ نَا يُوسُف القَاضِي، نَا أَبُو الرّبيع الزهْرَانِي نَا عون بن عمَارَة، نَا يحيى بن أبي أنيسَة، عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن عَليّ بن حُسَيْن، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رجل مِمَّن قبلكُمْ يكذب بِالْقدرِ وَكَانَ مسيئاً إِلَى امْرَأَته. فَخرج إِلَى الجبان فَوجدَ قحف رَأس مَكْتُوب عَلَيْهِ يحرق ثمَّ يذرى فِي
الرّيح. قَالَ فَأَخذه فَجعله فِي سفط وَختم عَلَيْهِ وَدفعه إِلَى امْرَأَته، ثمَّ أحسن إِلَيْهَا ثمَّ سَافر فَجَاءَهَا جاراتها فَقُلْنَ: يَا أم فلَان: بِمَ كَانَ زَوجك يحسن الصنيعة إِلَيْك؟ فَهَل استودعك شَيْئا؟ قَالَت: نعم. هَذَا السفط. قُلْنَ فَإِن فِيهِ رَأس خَلِيلَة لَهُ. فَقَامَتْ غيورة مغضبة حَتَّى كسرت الْخَتْم، وفتحته، فَإِذا فِيهِ قحف رَأس. قُلْنَ: تدرين يَا أم فلَان مَا تصنعين؟ أحرقيه ثمَّ ذريه فِي الرّيح. فَفعلت ذَلِك، فَقدم زَوجهَا من سَفَره فَقَالَ لَهَا: مَا صنع السفط؟ فَحَدَّثته بِالْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: آمَنت بِاللَّه وصدقت بِالْقدرِ. وَرجع عَن قَوْله.
قَالَ أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ: قد ذكرنَا أَن سَبِيل معرفَة هَذَا الْبَاب التَّوْقِيف من قبل الْكتاب وَالسّنة، دون مَحْض الْقيَاس، وَمُجَرَّد الْمَعْقُول فَمن عدل عَن التَّوْقِيف فِي هَذَا الْبَاب، ضل وتاه فِي بحار الْحيرَة، وَلم يبلغ شِفَاء النَّفس، وَلَا وصل إِلَى مَا يطمئن بِهِ الْقلب. وَذَلِكَ لِأَن الْقدر سر من سر الله وَعلم من علمه. ضربت دونه الأستار، وكفت عَلَيْهِ الأزرار، واختص الله بِهِ علام الغيوب. حجبه عَن عقول الْبشر ومعارفهم، لما علم من الْحِكْمَة. وسبيلنا أَن ننتهي إِلَى مَا حد لنا فِيهِ، وَأَن لَا نتجاوز إِلَى مَا وَرَاءه. فالبحث عَنهُ تكلّف، والاقتحام فِيهِ تعمق وتهور.
قَالَ: وجماع هَذَا الْبَاب أَن يعلم أَن الله تَعَالَى طوى عَن الْعَالم علم مَا قَضَاهُ وَقدره على عباده، فَلم يطلع عَلَيْهِ نَبيا مُرْسلا، وَلَا ملكا مقرباً، لِأَنَّهُ خلقهمْ ليتعبدهم، ويمتحنهم. قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} . وَقد نقلنا عَن عَليّ رضي الله عنه: أَنه خلقهمْ ليأمرهم بِالْعبَادَة.
فَلَو كشف لَهُم عَن سر مَا قضى وَقدر لَهُم وَعَلَيْهِم فِي عواقب أُمُورهم لافتتنوا، وفتروا عَن الْعَمَل، واتكلوا على مصير الْأَمر فِي الْعَاقِبَة فَيكون قصاراهم عِنْد ذَلِك أَمن أَو قنوط. وَفِي ذَلِك بطلَان الْعِبَادَة وَسُقُوط الْخَوْف والرجاء. فلطف الله سُبْحَانَهُ بعباده وحجب عَنْهُم علم الْقَضَاء وَالْقدر، وعلقهم بَين الْخَوْف والرجاء، والطمع والوجل: ليبلو سَعْيهمْ واجتهادهم، وليميز الله الْخَبيث من الطّيب. وَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة.