الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمشركين، وعهوده ومواثيقه، وألحاظه وأنفاسه وصفاته هذا سوى ما حفظوا عنه من أحكام الشريعة وما سألوه عن العبادات والحلال والحرام أو تحاكموا فيه إليه"1.
1 السنة قبل التدوين ص67، 68.
المطيعون:
المأمورون بالطاعة في دائرة متسعة الأرجاء متعددة الأنحاء، تتناول كل حياتهم وتضمن لهم إن هم امتثلوها ونفذوا كل ما فيها الخير لهم في عاجلهم وآجلهم، في حالهم ومآلهم. هؤلاء المأمورون بالطاعة هم الأئمة الأعلام مادة الإسلام، جعلهم الله أمناء على وحيه بعد رسوله صلى الله عليه وسلم، وحملة لشرعه ونقلة لهديه، فمنطقي أن يكونوا أرضا خصبة أمسكت الماء وانتفعت به فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. إنهم الجديرون بثناء ربهم وتعديده لفضائلهم في غير ما موضع من كتابه وعلى لسان رحمته المهداة ونعمته المسداة.
فهم الأمة الوسط، والوسطية تعني الخيرية، ومطلق الأفضلية المسببة بالأسباب القوية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} 1.
وما كانوا شهداء على الناس إلا بعد أن ملكوا كل مقومات الشهادة وحاذوا عناصرها، والحكم العدل أعز من أن يقبل شهادة المساوي في
1 سورة البقرة الآية رقم 143.
مساويه فقوانين التنزيه المطلق توجب أن يكون الشاهد أكمل وأتم فيما يشهد فيه عن المشهود عليه.
ثم يجيء الحكم بالخيرية معللا ومسببا {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} 1.
نقل ابن كثير عن ابن عباس في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} الآية2.
والثناء على مجموعهم في كتاب الله كثيرا ناهيك عن اختصاص العديد منهم بفضائل، اقتضت أن ينزل الله فيهم قرآنا يتلى إلى يوم الدين.
إنهم خير القرون السابقون الأولون الراضون والمرضيون المقبولون الذين حذرنا من الخوض فيهم، أو النيل منهم، وأعلمنا أننا لو أنفقنا مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
إنهم نجوم الهدى ومصابيح الدجى وأيادي الندى وليوث الفدا، حرصوا على الفضل حرص الضنين وبذلوا في بلوغه كل نفيس وثمين كان
1 سورة آل عمران الآية رقم 110.
2 تفسير ابن كثير ج1 ص391.
منهم الصديق والحواري والأمين والفاروق والفدائي والكريم الحيي والفطن الذكي، فكل من رآه صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على إسلامه فهو الصحابي، لذا كانوا طبقات، فكان منهم البدري.
ولعل الله اطلع على أهل بدر، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وسبقه المبشر بالجنة من سابقيهم إلى الإسلام فالأقدم صحبة في الزمان وتلاه من حضر بيعة الرضوان ثم أسلم يوم الفتح، ثم من شهد حجة الوداع وهم جموع لا يحصون. ذكر البعض أنه حضرها تسعون ألفا، وزاد البعض ألفا آخرين، المهم أنهم كانوا كثرة كاثرة مستكثرة، وما كانت كثرتهم قط كغثاء السيل، وإنما كان الواحد منهم يفضل أمة.
والناس واحد منهم كألف
…
والألف كالواحد إن أمر عنى
سمع هؤلاء أوامر ربهم بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، فصدعوا لها وبهروا بشخصيته، فالتفوا حوله كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم، وأحسوا بمسيس حاجتهم إلى إرشاداته وتوجيهاته، ورغبوا فيما وعدهم به من الثواب العظيم والنعيم المقيم إن هم علموا وعلّموا غيرهم، وفقهوا وفقّهوا سواهم، وأخذوا وبلغوا من بعدهم، وكان للجو العلمي الذي أحاط بالدعوة وصاحبها منذ البداية أكبر دافع لهم لطلب العلم وحافز عليه، فأول ما قرءوا في كتاب ربهم أمر بالقراءة وإشادة بوسائلها، ورأوا أن الوحي يحتاج إلى كتبة يسجلونه، وأنهم إن أرادوا قهر عدوهم المتربص بهم الدوائر فلا بد وأن يأخذوا بأسباب العلم.
كان قبوله صلى الله عليه وسلم في فداء أسرى بدر مبدأ تعليم من يجيد