الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مخصوص بالتابعي بإحسان فيه نظر من حيث إنه إن أراد بالإحسان أنه لا يرتكب أمرا يخرجه عن الإسلام فهو كذلك، وأهل الحديث وإن أطلقوا أن التابعي من لقي أحدا من الصحابة، فمرادهم مع الإسلام، إلا أن الإحسان أمر زائد على الإيمان والإسلام، كما فسره به النبي صلى الله عليه وسلم في سؤال جبريل له في الحديث المتفق عليه، وإن أراد المصنف بالإحسان الكمال في الإسلام أو العدالة، فلم أر من اشتراط ذلك في حد التابعي، بل من صنف في الطبقات دخل فيهم الثقات وغيرهم، والله أعلم1" انتهى كلام ابن الصلاح وتعقيب العراقي عليه.
والذي ينشرح له الصدر هو التفريق بين ما للصحبة من تأثير وبين ما للنبوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بجاذبيته، وقوة تأثيره وإشراق نور النبوة يمكن أن يتزود منه الصحابي بالشحنة الروحية، ولو من مجرد اللقاء، ويختلف الأمر مع التابعي، فالأوجه اشتراط الصحبة فيه، ومعلوم تفاوت التأثير والتأثر، فالصحابي أسرع استقبالا لفيوضات الخير والقوة المؤثرة فيه أشد، بخلاف التابعي فينبغي مراعاة ذلك.
1 مقدمة ابن الصلاح ومعها التقييد والإيضاح للعراقي ص317-320.
هل التابعون كلهم عدول
؟:
إذا تقرر الفرق بين الصاحب والتابع تأثيرًا وتأثرًا، وأخذًا وإعطاء، فبالتالي يتقرر الفرق بين الصحابة والتابعين في مسألة العدالة، وقبول الرواية من سائرهم، فإن الجمهور على أن الصحابة كلهم عدول بالمعنى الذي سبق
توضيحه، وليس الحال كذلك في التابعين فقد حدث أمور تقتضي الفحص عن أحوالهم، والبحث عن ميولهم، والتنقيب عن درجتهم جرحا وتعديلا، ذلك أنه بعد أن انكسر باب الفتنة بموت عمر، وأطلت الفتنة في آخر خلافة ذي النورين واستشرت، بل وغمت وطمت بعد مقتله ونشبت الحرب بين علي رضي الله عنه وخصومه وانقسمت الأمة بين مناصر موالي وبين مخاصم معادي، والتمس أنصار كل فريق سندا ومعتمدا، لم يعد الحديث في مأمن، ولم يكن الناس على ما كانوا عليه من الثقة والاطمئنان، اللهم إلا أولئك الذين لزموا الحق، وتجنبوا الهوى، وآثروا السلامة من الفتن، وانكبوا على العلم عامة، والحديث خاصة، يجمعونه ويحصلونه ويشهرونه وينشرونه.
وكان هؤلاء كثرة كاثرة، ومع ذلك لبدت السماء بغيوم الشك وسحائب الريب من جراء الدس والوضع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ومتابعته هواه بغير هدى من الله.
وتجردت أقلام لكشف تلك الغيوم، وانبعثت همم لدفع تلك الريب، ووجد النقاد العالمون العارفون بالحديث وعلله، المستبصرون المبصرون بما يذود عن حياض هذا الدين، ويرد عنه غلاء الغالين، ويصونه من تفريط المفرطين.
لسوف تعرض هذه الدراسة نماذج طيبة من هؤلاء الذين امتشقوا حسام الكلام، وسلوا ألسنتهم دفاعا عن الحق، ومجابهة للباطل، مما لا يبقى معه عذر لمشكك أو متشكك، وما كان الله ليخلف وعده بحفظ هذا الدين، ولا ليذر المؤمنين على ما هم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.