الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونمضي مع القرآن في تقديمه للسنة وتعريفه الأنام بمكانتها ومنزلتها، فنقرأ في سورة النساء أيضا، وبعد الآية التي عشنا معها بأربع عشرة آية {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} 1.
أتبقى ريبة عند عاقل في مكانة السنة أو منزلتها من التشريع، بعد هذا الربط القرآني المحكم، إن طاعة الله تبارك وتعالى هي لازمة من لوازم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي تقتضيها فلا سبيل إلى الفصل بين الطاعتين، ولا تتحقق إحداهما بدون الأخرى.
1 سورة النساء: 80.
على طريق التأكيد تمضي المائدة والأنفال:
وبعد أمر قرآني بوجوب اجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وتعليل ذلك الأمر يجيء هذا الأمر القرآني العام {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} 1.
ولنتأمل هنا بعد إفراد كل من الطاعتين بأمر مستقل هذا الأمر {وَاحْذَرُوا} ففيما التحذير ومن أي شيء؟ ينساق الذهن أول ما ينساق إلى المخالفة، وكأنه قال: أطيعوا واحذروا أن تخالفوا، الزموا الطاعة وإياكم والعصيان.
ثم نمضي لنقرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} 2.
1 سورة المائدة: 92.
2 سورة الأنفال: 20.
ثم يتبع هذا نهي عن محاكاة المعرضين تعزيز عن التشبه بهم باعتبارهم أحط الدواب، وأسوأها وأشدها شرًّا وأبعدها عن دائرة التعقل والتأمل؛ فهم معطلون لحواسهم غير منتفعين بنعم الله عليهم، ثم يجيء هذا الأمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} 1.
وهكذا أوجب الاستجابة للرسول كما أوجب له الاستجابة تعالى والمعنى كما يقول صاحب المنار: "وإذا علمتم ما فرضنا عليكم من الطاعة، وشأن سماع التفقه من الهداية، وقد دعاكم الرسول بالتبليغ عن الله لما يحييكم فأجيبوا الدعوة بعناية وهمة، وعزيمة وقوة، فهو كقوله تعالى:{خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} والمراد بالحياة هنا حياة العلم بالله تعالى وسننه في خلقه، وأحكام شرعه، والحكمة، والفضيلة، والأعمال الصالحة التي تكمل بها الفطرة الإنسانية في الدنيا، وتستعد للحياة الأبدية في الآخرة، وقيل: المراد بالحياة هنا الجهاد في سبيل الله؛ لأنه سبب القوة والعزة والسلطان، والصواب أن الجهاد يدخل فيما ذكرنا، وليس هو الحياة المطلوبة، بل هو وسيلة لتحققها، وسياج لها بعد حصولها، وقيل: هي الإيمان والإسلام، وإنما يصح باعتبار ما كان يتجدد من الأحكام، وثمرته في القلوب والأعمال، بما في الاستجابة من معن المبالغة في الإجابة، وإلا فالخطاب للمؤمنين، وقيل: هي القرآن، ولا شك أنه ينبوعها الأعظم، الهادي إلى سبيلها الأقوم، مع بيانه من
1 سورة الأنفال: 24.
سنة الرسول وهديه الذي أمرنا بأن يكون لنا فيه أسوة حسنة، ويدل عليه اقتران طاعته بطاعة الله تعالى، بل قال بعض العلماء: إنه كان إذا دعا شخصا، وهو يصلي يحب عليه أن يترك الصلاة استجابة له، وأن الصلاة لا تبطل بإجابته، بل له أن يبني على ما كان صلى ويُتم، واستدلوا على ذلك بحديث رواه البخاري عن سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول صلى الله عليه وسلم، فلم أجبه -أو قال: فلم آته حتى صليت، ثم أتيته- فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال:"ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} " ، وروى الترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة "أنه صلى الله عليه سلم دعا أبي بن كعب وهو في الصلاة" وذكر نحوه مما رواه البخاري عن أبي سعيد وصححه1.
وقد استنبط الحافظ ابن حجر من الحديث "أن الأمر يقتضي الفور؛ لأنه عاتب الصحابي على تأخير إجابته، وفيه استعمال صيغة العموم في الأحوال كلها، قال الخطابي: فيه إن حكم لفظ العموم أن يجري على جميع ما اقتضاه، وأن الخاص والعام إذا تقابلا كان العام منزلا على الخاص؛ لأن الشارع حرم الكلام في الصلاة على العموم، ثم استثنى منه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وفيه أن إجابة المصلي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا تفسد الصلاة، هكذا صرح به جماعة من الشافعية وغيرهم.
وفيه بحث لاحتمال أن تكون إجابته واجبة مطلقًا سواء كان المخاطب
1 المنار ج9 ص525.