الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهود فأسلم، وقدم المدينة، ثم خرج إلى الشام، فسكن حمص حتى توفي بها سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان، وقيل: سنة أربع وثلاثين.
وقد ذكر ابن سعد قصة إسلامه، وفحواها أن أباه أعطاه كتابا مختوما، وأوصاه أن لا يفض ختمه، فلما توفي أبوه دار في خاطره أن في الكتاب سرًّا ففتحه، وقرأ ما فيه من أوصاف النبي الأمي وأمته، فأسلم.
وكان ذلك جوابه على من سأله عن تأخر إسلامه، وقد بالغ أبو رية في استبعاد هذه القصة واستغرباها، ورمى كعبا باختلاقها، ولا غرابة في هذا، بل الغرابة كل الغرابة في استبعاد ما قرره القرآن، ورمي البرآء بالإفك والبهتان.
والأعجب والأغرب أن تضيع مقاييس الزمان، فيكون التابعي "وهب بن منبه" واحدًا ممن رمى الصحابة بالأخذ عنهم، وتنوقلت الإسرائيليات بواسطتها.
فمن وهب ومتى ولد وما رأى علماء الجرح التعديل فيه
…
فمن وهب؟ ومتى ولد؟ وما رأي علماء الجرح والتعديل فيه؟
إنه: وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني، ولد آخر خلافة عثمان سنة أربع وثلاثين، فلقي كثيرا من الصحابة، وروى عنهم كأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وابن عمرو وجابر وأنس.
وروى عن التابعين؛ كعمرو بن شعيب، وأبي خليفة البصري، وهمام بن منبه أخي وهب.
وروى عنه ابناه: عبد الله وعبد الرحمن، وابنا أخيه: عبد الصمد وعقيل ابنا معقل، وعمرو بن دينار، وروى هو أيضا عنه.
كان وهب من أبناء فارس الذين حسن إسلامهم؛ لذا قال العجلي: تابعي ثقة، وكان على قضاء صنعاء، ووثقه أبو زرعة، والنسائي، ابن حبان، وكان أبوه منبه من أهل هراة، فأخرجه كسرى غلى اليمن، فأسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن إسلامه، وسكن وولده بلاد اليمن.
وكان وهب عف اللسان، ذكر أنه مكث أربعين سنةً لم يسبَّ شيئا فيه الروح، وكان عابدا يقوم الليل، ذكر أنه لبث عشرين سنة لم يجعل بين العشاء والصبح وُضوء.
قال الإمام أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق عن أبيه: حج عامة الفقهاء سنة مائة، فحج وهب فلما صلوا العشاء، أتاه نفر فيهم عطاء والحسن، وهم يريدون أن يذاكروه القدر، قال: فأمعن في باب من الحمد، فما زال فيه، حتى طلع الفجر، فافترقوا ولم يسألوه عن شيء، قال أحمد: وكان يتهم بشيء من القدر، ثم رجع. قال حماد بن سلمة عن أبي سنان: سمعت وهب بن منبه يقول: كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعة وسبعين كتابا من كتب الأنبياء، كلها من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر، فتركت قولي.
وقال الجوزجاني: كان وهب كتب كتابا في القدر، ثم حدثت أنه ندم عليه. وقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار: دخلت على وهب داره بصنعاء فأطعمني جوزا من جوزه في داره، فقلت له: وددت أنك لم تكن كتبت في القدر، فقال: أنا والله وددت ذلك. ومن أقواله: العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله والصبر أمير جنوده والرفق أبوه واللين أخوه.
وتوفي وهب سنة عشر ومائة، وقيل: سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة أو ست عشرة ومائة.
وهو ثقة عند عامتهم، ولم يضعفه إلا ابن علي الفلاس.
روى له البخاري حديثا واحدا من روايته عن أخيه، عن أبي هريرة: ليس أحدًا أكثر حديثا مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان يكتب ولا أكتب1.
وبعد فقد أطلنا الكلام عن كعب ووهب عمدًا؛ لرد ما أثير حولهما من شبهة حول الرواية عنهما كذلك.
وكان حقهما أن يذكرا في التابعين، فلا صحبة لهما لكن كعبا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وروى عنه كثيرون من الصحابة، واتخذ البعض من ذلك وسيلة للغمز واللمز في حملة الوحي ونقلته الأُوَل.
وأما وهب فتابعي روى عن الصحابة، ولم يذكر أن صحابيا روى عنه.
ومع ذلك آثرنا ذكر ترجمته هنا، وبيان حاله؛ لاقترانه بكعب وابن سلام في الوصمة التي أريد أن يوصم بها الصحابة رضوان الله عليهم، وهي الأخذ عن الإسرائيليات، وتناقلها مما يفضي إلى عدم الاستيثاق بمروياتهم، والطعن في عدالتهم، وهيهات أن تتحقق هذه الأماني الكاذبة، أو أن يصدق على الأيام حلم من يريدون النيل من الإسلام من خلال التطاول على أصله الثاني
1 تهذيب التهذيب ج11، ص166-168، وميزان الاعتدال ج4، ص352-353.
نعم يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المستشرقون، أو صنائعهم المستعربون، الذين لا يروقهم إلا الوافد، ولا يعجبهم إلا الفكر المستورد، فذرهم يأكلون ويتمتعون ويلههم الأمل، فسوف يعلمون.
ونمضي مع الحق فنتعرف على دور التابعين في تبليغ السنة وخدمتها والمصاعب التي واجهتهم.
1 سورة التوبة: 32، 33.