الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة قضاها في خدمة الحديث، مما أورثه ذكرا خالدا، فرضي الله عن شعبة1.
1 تاريخ بغداد ج3 ص255-266.
وتذكرة الحفاظ ج1 ص193-197.
وطبقات الحفاظ ص83-84.
6-
علم الرواية والنقد والورع والزهد "ابن المبارك
":
عبد الله بن المبارك بن واضح التميمي:
الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام، فخر المجاهدين، قدوة الزاهدين؛ أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم، المروذي، التركي الأب، الخوارزمي الأم، التاجر السفار، صاحب التصانيف النافعة والرحلات الشاسعة، ولد سنة ثماني عشرة ومائة أو بعدها بعام.
سمع سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، والربيع بن أنس، وهشام بن عروة، وخالد الحذاء، وأمما سواهم؛ ودون العلم في الأبواب والفقه وفي الغزو والزهد والرقائق وغير ذلك.
وحدث عنه خلق لا يحصون من أهل الأقاليم منهم: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، وحبان بن موسى، وأبو بكر بن أبي شيبة وأخوه عثمان، وأحمد بن منيع، والحسن بن عرفة، وكثير غيرهم.
وقد منح الله ابن المبارك التقوى والعبادة والإخلاص والجهاد وسعة العلم والإتقان والمواساة، وما لا يحصى من الصفات الحميدة.
قال ابن مهدي: الأئمة أربعة: مالك والثوري وحماد بن زيد وابن المبارك. وقد فضله ابن مهدي أيضا عن الثوري، وقال مرة: حدثنا ابن المبارك وكان نسيج وحده. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه.
وقال يحيى بن معين: كان ثقة متثبتا، وكانت كتبه التي حدث بها نحوا من عشرين ألف حديث. وقال عباس بن مصعب: جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء ومحبة الفرق له.
وقد اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك فقالوا: عدوا خصال ابن المبارك. فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشجاعة، والشعر، والفصاحة، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والفروسية، وترك الكلام فيما لا يعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه. وقال نعيم بن حماد: ما رأيت أقل من ابن المبارك ولا أكثر اجتهادا منه. وقال عبد الله بن سنان قدم ابن المبارك مكة وأنا بها فلما خرج شيعه بن عيينة والفضيل بن عياض وودعاه، فقال أحدهما: هذا فقيه أهل المشرق. فقال الآخر: وفقيه أهل المغرب.
وقد أقسم الفضيل على أنه ما رأت عيناه مثل ابن المبارك.
وقد صنف ابن المبارك في الزهد كتابا خطه واقعُه قبل أن يخطه يراعُه، حتى قيل: إنه كان إذا تكلم في الزهد، فكأنه ثور مذبوح لا يقوى على الكلام.
وكتاب الزهد مطبوع، وهو في بابه بديع، أحسن ابن المبارك ترتيبه وأجاد تبويبه، وله كتاب مطبوع أيضا في الجهاد، ويروعك صدق تعبيره وقوة تأثيره؛ لصدوره من جوانح بطل مغوار، خبر الحرب وخاض غمارها، وأبلى في الله خير البلاء، فقد كانت له مشاركة في الغزو ومرابطة في ثغور الإسلام.
قال عبده بن سليمان المروزي: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل، فطارده ساعة، فطعنه، فقتله، فازدحم إليه الناس، فكنت فيمن ازدحم إليه، فإذا هو يلثم وجهه، فأخذت بطرف كما، فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك.
ولابن المبارك كتاب في الحديث يعرف "بمسند ابن المبارك"، وهو مخطوط، وله شعر جميل معبر، ومنه ما نقله السخاوي1 في ترجمة المقريزي:
قد أرحنا واسترحنا
…
من غدو ورواح
واتصال بلئيم
…
أو كريم ذي سماح
بعفاف وكفاف
…
وقنوع وصلاح
وجعلنا اليأس مفتا
…
حًا لأبواب النجاح
وهكذا كانت مشاركة ابن المبارك لأهل عصره، وكان عمره المبارك الطيب الذي كانت خاتمته حين أدركته الوفاة سنة إحدى وثمانين ومائة2.
1 في الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ج2، ص24.
2 انظر ترجمته في طبقات ابن سعد ج7، ق2 ص104-105، تاريخ بغداد ج10، ص152-169، تذكرة الحفاظ ج1، ص274-279، طبقات الحفاظ ص117-118، الرسالة المستطرفة ص37.