الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
مدرسة مكة:
مكة هي أم القرى، البلد الأمين، فيها حرم الله الآمن، وبها ولد الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وعاش ثلاثا وخمسين سنة بها، وفيها نبئ، وشبت الرسالة عن الطوق، وواجهت الدعوة أكبر التحديات، ولم يخرج الداعية منها إلا مكرها مستنكرا إخراجه والمؤمنين معه من أحب البلاد إلى الله، ثم إليهم، وظلت قلوبهم تتعلق بها وتشتاق، وأرواحهم تهفوا إليها إلى أن عادوا إليها آمنين مطمئنين فاتحين منتصرين، فرحين مستبشرين.
وبعد أن تم الفتح المبين، ودالت دولة الكافرين كان ولا بد أن تكون هناك مدرسة تنشر الهدى، وتبين أحكام الدين، فكانت مدرسة مكة تلك التي حمل لواءها أول الأمر معاذ بن جبل1 الصحابي الجليل الذي ولاه الرسول صلى الله عليه سلم إمرة مكة بعد فتحها، وتولى تعليم أهلها قواعد الإسلام وبصرهم بالحلال والحرام وأقرأهم كتاب الله.
وكان معاذ بن جبل من أفضل شباب الأنصار علما وعملا وحلما وسخاء، وقد شهد المشاهد كلها، ويعد من أعلم الصحابة، وهو ممن جمع القرآن على عهد الرسول، وكان من أفقه الصحابة، وقد أهله فقهه ليكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد، والروايات في الصحيح تشعر بمزيد الأنس بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان يردفه خلفه على الرحل، ويناديه يا معاذ، فيسارع بقوله: لبيك وسعديك يا رسول الله بمعنى إجابة لك بعد
1 كنيته أبو عبد الرحمن أنصاري خزرجي شهد العقبة، وشهد بدرا والمشاهد كان من نجباء الصحابة وفقهائهم، وهو أعلم الأمة بالحلال والحرام. طبقات ابن سعد ج3، ق1، ص120، الإصابة، ج3، ص406، تذكرة الحفاظ ج1، ص19.
إجابة وإسعادا لك بعد إسعاد، ويكون معاذ بشير سعد إلى كل الموحدين، ويسلك منهجا فريدا في التبشير، علمه إياه البشير النذير، فهو لا يسارع إلى إبلاغ البشرى حتى لا يتكل الناس، فلما أحس بدنو الأجل بلغ بشارة النبي صلى الله عليه وسلم خروجا عن عهدة الكتمان، ومات معاذ بمرض الطاعون وهو شاب.
ويرجع الفضل الكبير في تأسيس مدرسة مكة إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، الذي تصدى لإلقاء دروس العلم بها بعد أن انتفع به طلاب العلم في البصرة والمدينة.
ومن أبرز تلاميذ مدرسة مكة التابعي الجليل مجاهد بن جبر المفسر الكبير صاحب النزعة العقلية، والمجتهد في التدليل على رأيه، وكذا التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح1.
وتواصلت الحلقات الدراسية بهذه المدرسة، وتخرج منها الجم الغفير من النوابغ الذين كان على رأسهم الإمام الشافعي، الذي نهل من معين هذه المدرسة قبل أن يتجه إلى نبع المدينة الفياض
1 أسلم أبو محمد المكي مولى بني جنح، قال ابن سعد: انتهت إليه فتوى أهل مكة، وكان ثقة فقيها عالما كثير الحديث، أدرك مائتي صحابي، قدم ابن عمر مكة، فسألوه، فقال: تسألوني وفيكم ابن أبي رباح! قال أبو حنيفة: ما رأيت أفضل من عطاء بن أبي رباح، ولا أكذب من جابر بن الجعفر، توفي سنة أربع عشر ومائة أو خمس أو سبع عن ثمان وثمانين. طبقات ابن سعد ج5، ص346، تهذيب التهذيب ج7، ص199، ميزان الاعتدال ج3، ص70، تذكرة الحفاظ ج1، ص98.