الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
مدرسة المدينة:
المدينة هي دار هجرته صلى الله عليه وسلم، أوريتها في المنام وفي اليقظة في رحلة الإسراء والمعراج، ثم كانت في الواقع دار هجرته، فيها توطدت دعوته، وتمت نصرته، وشبت فتية قوية دولته، وأهلها هم الذين آووا ونصروا، وتبوءوا الدار والإيمان، وأحبوا من هاجر إليهم، فأحبهم الله ورسوله، وصالح المؤمنين.
وفي المدينة نزل أكثر القرآن المتصل بالأحكام، وبها كان أغلب التشريع، وفيها طاب المقام لكثير ممن عايشوا الوحي، وتابعوه كلمة بكلمة، واستمرت المدينة عاصمة الدولة طيلة عهد الثلاثة الراشدين، ولم ينتقل عنها رابعهم إلا مكرها.
وفي المدينة جلس أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشرون علمه الذي ورثوه عنه، واشتهر منهم عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله وعلي بن أبي طالب وصهيب الرومي1.
1 صهيب بن سنان بن مالك، ويقال: خالد بن عمرو بن عقيل، ويقال: طفيل بن عامر بن جندلة، وهو عربي غري وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم سبته الروم صغيرا، ثم بيع في مكة لعبد الله بن جدعان، فأعتقه، قيل: هرب إلى مكة وحالف ابن جدعان، وكنيته أبو يحيى، أسلم قديما، وصحب النبي قبل البعثة، وما فارقه بعدها، توفي في شوال سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة. الإصابة ج2، ص195، 196، والاستيعاب ج2، 174-182 بهامش الإصابة.
وكان أكثرهم شهرة في دنيا العلم أبي بن كعب1، وزيد بن ثابت2، ولقد عرف الناس قدر زيد سيما عندما أناط به الصديق مهمة جمع القرآن، وكان زيد موضع الإجلال والتكريم، إلى حد أن ابن عمر كان يأخذ بركابه، ويقول: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا.
ومن أشهر تلاميذ زيد التابعي الكبير سعيد بن المسيب الذي كان يحفظ قضاياه وفتاويه ويفضله على غيره.
ومن تلاميذ مدرسة المدينة عروة بن الزبير بن العوام، وكان من أعلم أهل المدينة ومن أشدهم ورعا وأكثرهم أخذا عن عائشة.
ومن أوعية علم هذه المدرسة محمد بن مسلم بن شهاب الزهري القرشي، فقد حفظ فقه علماء المدينة، وكان من أسبق العلماء إلى تدوين العلم، واتصل
1 أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية الأنصاري النجاري سيد المسلمين لما سماه عمر، وسيد القراء، شهد العقبة الثانية وبدرا والمشاهد كلها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ليهنك العلم أبا المنذر"، وقال له:"إن الله أمرني أن أقرا عليك" ، فكان أقرأ الأمة، توفي سنة عشرين، وقيل: تسع عشرة، وقيل: ثلاثين، والأرجح أنه توفي في خلافة عمر. الإصابة ج1، ص19-20، والاستيعاب ج1، ص47-54، وطبقات ابن سعد ج3، ق2، ص59، وتذكرة الحفاظ ج1، ص16.
2 زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن الوزان الأنصاري الخزرجي من بني النجار، أعلم الأمة بالفرائض، وأحد الذين جمعوا القرآن زمن نزوله، وتولى جمعه في عهد أبي بكر، وتعلم لغة يهود وحذقها في خمسة عشر يوما، وتوفي سنة خمس وأربعين على الأرجح. الإصابة ج1، ص561-562، الاستيعاب ج1، ص551-554، وتذكرة الحفاظ ج1، ص30.
بكثير من خلفاء بني أمية، وكان موضع احترامهم، وقال فيه: خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز1 إنكم لا تجدون أعلم بالسنة الماضية منه.
وعن الزهري وأضرابه أخذ أساطين العلم ابن أبي ذئب2، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة، ومحمد بن إسحاق3 إمام المغازي والسير.
1 ابن مروان بن الحكم أمير المؤمنين وخامس الرشدين، وحفيد الفاروق، لقي أنسا، وصلى أنس خلفه، وقال: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا له فقه وعلم وورع، وروى حديثا كثيرا، وكان إماما عدلا، ملك سنتين وخمسة أشهر وخمسة عشر يوما حيث توفي سنة إحدى ومائة. طبقات الحافظ ص46، وطبقات ابن سعد ج5، ص242، وتذكرة الحفاظ ج1، ص118، وتهذيب التهذيب ج7، ص475.
2 العابد شيخ، ثقة، أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، قرشي عامري مدني، ولد سنة ثمانين، وكان من أورع الناس وأفضلهم، كان يصلي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة ولو علم أن القيامة تقوم غدا ما كان منه مزيد اجتهاد، وكان يصوم يوما ويفطر يوما، وكان فقيها شجاعا جريئا في الحق سأله المنصور عن الحسن بن زيد، فقال: إنه ليتحرى العدل، وسأله عن نفسه مرارا، فقال: ورب هذه البنية إنك لجائر، وحج المهدي، فدخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام كل من في المسجد إلا ابن أبي ذئب، فقيل له: قم. قال: إنما يقوم الناس لرب العالمين. توفي سنة تسع وخمسين ومائة.تذكرة الحفاظ ج1، ص192-193.
3 محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي المدني مصنف المغازي والسير، وأمير المؤمنين فيها هو مولى قيس بن مخرمة بن المطلب، رأى أنس بن مالك، وحدث عن أبيه وعمه والقاسم والأعرج والزهري، وهو أحد أوعية العلم، ووثقه أكثرهم حتى قال فيه شعبة: إنه أمير المؤمنين في الحديث توفي سنة اثنتين أو إحدى وخمسين ومائة. تذكرة الحفاظ ج1، ص172-173.