الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبقي من بقي منهم غصة في حلق الدولة الأموية، لم يغيرهم الظلم والعسف والتنكيل، ولم يجد معهم اللين والعدل والرفق والإنصاف.
قلة فقه الخوارج، واجتراؤهم على الحديث:
يعد الخوارج أشد الفرق الإسلامية دفاعا عن مذهبها، وحماسة لآرائها، وأشد الفرق تدينا في جملتها وأشدها تهورًا واندفاعا، وهم في دفاعهم وتطورهم مستمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها، وظنوا هذه الظواهر دينا مقدسا، ولا يحيد عنه مؤمن.
وقد كان جهلهم بالحديث وعدم تحملهم له عن غيرهم؛ لأنه متهم في نظرهم سبب في أن فقههم جاء مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية، بل منه ما جاء مخالفا لنصوص القرآن الكريم.
مما تستطيع أن تقول معه ليس بفقه ذاك الذي صدروا عنه بل قلة فقه، إذ إن منهم من يرى أن التيمم جائز مطلقا، ولا يشترط فيه فقد الماء، بل يصح على البئر.
ومنهم من يرى أن الواجب في الصلاة ركعة في الغداة، وركعة في العشي، ومنهم من يرى أن لا ميقات للحج، وإنما يصح في جميع العام، ومنهم من يبيح نكاح بنات البنات وبنات البنين، فمن أي كتاب، أم من أية سنة تلقوا هذا الضلال؟!
إنه فهم سقيم لنصوص القرآن الكريم، وإعراض عن الحق برد روايات
الجمهور، إذ كيف يقبلونها وهم في نظرهم كفار؟ فكيف يأخذون عنهم دينهم؟ يكفيهم أن يستقوا ثم التعصب، وألوان التخبط من أئمتهم الجفاة القساة الذين لا علم لهم بالحديث، ولا تدبر لهم في الكتاب.
وهذا هو حال الأعم الأغلب منهم، ولا يتنافى مع وجود قلة قليلة منهم تفقهوا ونبغوا واشتغلوا بالرواية كعمران بن حطان، الذي أخرج البخاري روايته، مع أنه مبتدع، ويكفيه بدعة مدحه لأشقى القوم عبد الرحمن بن ملجم الذي انبعث لقتل علي رضي الله عنه وأرضاه وكرم الله وجهه.
ومع قول الخوارج بتكفير مرتكب الكبيرة، واعترافهم بأن الكذب كبيرة تجدهم قد انزلقوا فيه، وسقطوا في مهاويه.
قال الأستاذ الدكتور أبو زهو رحمه الله: "هذا ومع أن الخوارج يحكمون بكفر الكاذب، فقد وجد من بعضهم الوضع في الحديث، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتأييد مذاهبهم الباطلة حتى تروج لدى أتباعهم فابن الجوزي في مقدمة كتاب الموضوعات يروي عن ابن لهيعة أنه قال: سمعت شيخا من الخوارج تاب ورجع فجعل يقول: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا، وهذا عبد الرحمن بن مهدي يقول فيما ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قولهم: "إذا أتاكم الحديث عني فأعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتابه الله فأنا قلته
…
إلخ".
إن الخوارج والزنادقة وضعوا ذلك الحديث، وهذا ليس ببعيد من
قوم وقفوا عند ظواهر الكتاب وردوا الحديث إذا جاء من غير من ينتمون إليه، إلا أن وضع الخوارج للحديث لم يكن بالكثرة التي جاءت عن الشيعة وذلك لأمور:
1-
إن الخوارج كان من مذهبهم تكفير الكاذب، وذلك مما يجعل الكذب فيهم قليلا.
2-
إنهم كانوا لبداوتهم وجفاء طبعهم وغلظتهم غير مستعدين لقبول أفراد من الأمم الأخرى كالفرس واليهود الذين اندسوا في الشيعة ووضعوا كثيرا من الأحاديث.
3-
كان عماد الخوارج في محاربتهم خصومهم إنما هو أسلحتهم وقوتهم وشجاعتهم، وكانوا مع ذلك صرحاء لا يعرفون التقية التي استخدمها الشيعة لذلك تراهم لم يلجئوا إلى الكذب لانتقاص أعدائهم؛ لأنهم في نظرهم كفار وليس بعد الكفر عيب ينتقص به صاحبه، فلم يبق سوى السيف يعملونه في رقابهم من غير مداهنة ولا مداجاة.
فكل هذه العوامل كان لها أثر في تقليل الكذب في الحديث من الخوارج بالنسبة إلى غيرهم من الفرق الأخرى، ومع ذلك لم يعدموا أفرادا منهم اصطنعوا الأكاذيب واختلقوا الأحاديث"1. ا. هـ.
وقد رأى الدكتور مصطفى السباعي عكس هذا، فاستبعد وقوع الكذب
1 الحديث والمحدثون ص86-87.
من الخوارج، ورأى أن خبر الشيخ الذي تاب منقول عن شيخ من الرافضة فلعل من نسبه إلى الخوارج وهم فيه، ثم وإبهام الشيخ يزعزع الثقة في الخبر، وكلام عبد الرحمن بن مهدي في حديث: "ما جاءكم عني
…
"، لا يبعد أن يكون قد نسب الوضع له إلى الزنادقة، ثم أضاف البعض الخوارج، ثم قال: لقد حاولت أن أعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع إلى الخوارج، ولكني رأيت الأدلة العلمية على العكس، تنفي عنهم هذه التهمة، فقد كان الخوارج كما ذكرنا يكفرون مرتكب الكبيرة أو مرتكب الذنوب مطلقا، والكذب كبيرة، فكيف إذا كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول المبرد: "والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذب، ومن ذوي المعصية الظاهرة".
وكانوا في جمهرتهم عربا أقحاحا فلم يكن وسطهم بالوسط الذي يقبل الدسائس من الزنادقة والشعوبيين، كما وقع ذلك للرافضة، وكانوا في العبادة على حظ عظيم شجعانًا صرحاء لا يجاملون، ولا يلجئون إلى التقية كما يفعل الشيعة.
وقوم هذه صفاتهم يبعد جدًّا أن يقع منهم الكذب، ولو كانوا يستحلون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستحلوا الكذب على من دونه من الخلفاء والأمراء والطغاة كزياد والحجاج، وكل ما بين أيدينا من النصوص التاريخية يدل دلالة قاطعة على أنهم واجهوا الحكام والخلفاء والأمراء بمنتهى الصراحة والصدق، فلماذا يكذبون بعد ذلك، على أني أعود فأقول: إن المهم عندنا أن نلمس دليلا محسوسا يدل على أنهم ممن وضعوا