الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
ابن جريج وقيمة الرواية عنه:
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي الأموي مولاهم المكي الفقيه صاحب التصانيف أحد الأعلام.
هكذا وصفه الذهبي1، وذكر ابن سعد2 أنه ولد سنة ثمانين.
روى عن حكيمة بنت رقيقة، وعن أبيه عبد العزيز، وعطاء بن أبي رباح، وإسحاق بن أبي طلحة، وزيد بن أسلم، والزهري، وصالح بن كيسان، وطاووس مولى ابن عباس، وابن أبي مليكة وعكرمة، وقيل: لم يسمع منه. وعمرو بن دينار، ومحمد بن المنكدر، ونافع مولى ابن عمر، وهشام بن عروة، وموسى بن عقبة، وأيوب السختياني، وجعفر الصادق، وخلق كثيرون من أجلاء التابعين وأتباعهم.
وروى عنه ابناه: عبد العزيز ومحمد، وإمام أهل الشام الأوزاعي، والليث بن سعد، ويحيى بن سعيد الأنصاري وهو من شيوخه، وحماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي وحفص بن غياث، وإسماعيل بن علية، وسفيان بن عيينة، وابن المبارك، وابن وهب، ومكي بن إبراهيم، وغندر، ووكيع، وآخرون ممن جلوا قدرا وعظموا أثرا، ولعل من أخذ عنهم ومن أخذوا عنه، يمثلون خط الدفاع الأول عن هذا الإمام، وقد رمز له الحافظ ابن حجر عند ترجمته له3 بما يدل على
1 تذكرة الحفاظ ج1، ص169-171.
2 تهذيب التهذيب ج6، ص402-406.
3 في الطبقات الكبرى ج5، ص361-362.
أن الجماعة رووا له، وأخرجوا حديثه، ورمز له الذهبي بالرمز "صح" إشارة إلى أن العملَ على توثيقه، ثم قال عنه: "أحد الأعلام الثقات يدلس، وهو في نفسه مجمع على ثقته مع كونه قد تزوج نحوا من سبعين امرأة نكاح المتعة، كان يرى الرخصة في ذلك، وكان فقيه أهل مكة في زمانه.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: بعض هذه الأحاديث، التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذها -يعني قوله:"أخبرت وحدثت عن فلان"1.
والمحدثون مجمعون على قبول تدليس الثقات إذا صرحوا بالسماع، وهم يرون أن تدليسهم نوع من الإرسال لما ثبتت صحته عند المدلس.
ولا تقدم في الحكم على رواية هذا الرجل أحدًا على أصحاب الكتب الستة، سيما البخاري ومسلم، فمثل هؤلاء الأعلام أجل من أن يخفى عليهم وجه الصواب.
وهاك طائفة من شهادات أئمة الجرح والتعديل في ابن جريج:
قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أول من صنف الكتب؟ قال: ابن جريج وابن أبي عروبة. وقال طلحة بن عمر المكي: قلت لعطاء: من نسأل بعدك؟ قال: هذا الفتى إن عاش. وقال عطاء: شاب أهل الحجاز ابن جريج.
1 ميزان الاعتدال ج2، ص659.
وقال علي بن المديني: نظرت فإذا الأسانيد تدور على ستة فذكرهم، ثم قال: فصار علم هؤلاء إلى من صنف في العلم منهم من أهل مكة عبد الملك بن جريج.
وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي وغير واحد: لمن طلبتم العلم؟ فكلهم يقول: لنفسي. غير ابن جريج، فإنه قال: طلبته للناس. وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان: ابن جريج أثبت في نافع من مالك.
وقال أحمد: ابن جريج أثبت الناس في عطاء، وقال أبو بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد كنا نسمي كتب ابن جريج: كتب الأمانة، وإن لم يحدث بها ابن جريج من كتابه لم ينتفع به، وقال الأشرم عن أحمد: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وقال فلان وأخبرت جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني وسمعت فحسبك به.
وقال الميموني: سمعت أبا عبد الله غير مرة يقول: كان ابن جريج من أوعية العلم. وقال مالك: كان ابن جريج حاطب ليل. وقال ابن معين عن ابن جريج: ليس بشيء في الزهري. وقال ابن مريم عن ابن معين أيضا: ثقة في كل ما روي عنه من الكتاب.
وقال جعفر بن عبد الواحد عن يحيى بن سعيد: كان ابن جريج صدوقا، فإذا قال: حدثني. فهو سماع، وإذا قال: أخبرني. فهو قراءة، وإذا قال: قال. فهو شبه الريح، وقال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل: لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب، ولا من عمران بن أبي أنس. وقال أحمد: لم يسمع من عثيم
ابن كليب. وقال الدارقطني: تجنب تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح؛ مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما.
ومع ذلك كله ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من فقهاء أهل الحجاز وقرائهم ومتقنيهم وكان يدلس. وقال الذهلي: وابن جريج إذا قال: حدثني وسمعت. فهو محتج بحديثه، داخل في الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، وسئل أبو زرعة عن ابن جريج، فقال: بخ من الأئمة. وقال العجلي عن ابن جريج: مكي ثقة. وقال أبو عاصم: كان من العباد، وكان يصوم الدهر إلا ثلاثة أيام من الشهر.
وبعد عرض هذه الأقوال يجدر بنا أن نحاكم الرجل محاكمة منصفة، فجريرته تتمثل في استمتاعه بسبعين امرأة بنكاح المتعة، الذي أداه اجتهاده إلى الترخيص فيه.
ثم هو مدلس يدلس من غير الثقات، ومع ذلك فالأئمة الأثبات يعقدون له لواء الإمامة، ويوثقونه، وينقلون رواياته، ولا يردون شيئا مما صرح فيه بالسماع.
هذا هو الاستنباط الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل، لكن الشيخ أبا رية، الذي نال من أبي هريرة ومن سائر الصحابة، وأنكر عد أبي هريرة في طبقتهم، وادعى أنه لم يحفظ القرآن، يرى قريبا من هذا في ابن جريج، بل ويغرب في تصيد الاتهامات له، فهو لا يشير ببنت شفه إلى قول
المعدلين فيه، وإنما يقول: "وممن كان يبث في الدين الإسلامي مما يخفيه قلبه: ابن جريج الرومي، الذي مات سنة خمسين ومائة، وكان البخاري لا يوثقه وهو على حق في ذلك.
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: إنه من أصل رومي، فهو نصراني الأصل، ويقول عنه بعض العلماء: إنه كان يضع الحديث، وإنه تزوج بتسعين امرأة زواج متعة"1.
وإن تعجب فعجب أمر هذا التحامل، متى كان البخاري لا يوثقه؟ لقد ترجم له2.
فأورد كثيرا من أقوال موثقيه، وكيف لا يوثقه، وقد روى له في الصحيح وفي غيره؟
وما الذي بثه ابن جريح في الإسلام من حقد؟ وهل يعاب عليه كون أصله روميًّا! إذًا فما أكثر المصيبين فأهل فارس، وأهل الروم، بل وأهل كل البلاد المفتوحة على ذلك المقياس معيبون! ولِمَ لَمْ يقبل تعليل الذهبي وغيره استمتاع ابن جريج بسبعين امرأة؟ وما الذي رفع العدد إلى تسعين؟ اللهم إنه الحقد الدفين، ليس من ابن جريج، وإنما من الذين يتهجمون ويتطاولون على أعلام الدين، ولتنظر لقول المترجمين لابن جريج غير من سبق كالخطيب3 وابن خلكان4 والسيوطي5.
1 أضواء على السنة المحمدية ص162.
2 التاريخ الصغير ق2، ص98-99.
3 في تاريخ بغداد ج10، ص400-407.
4 في وفيات الأعيان ج3، ص163-164.
5 في طبقات الحفاظ ص74.