الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس
(الأساليب والوسائل الدعوية من خلال السيرة النبوية (3))
حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن استن بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:
تحبيب الخلاء إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم:
وقد حَبَّب الله لمحمد صلى الله عليه وسلم الخلاء، فكان يخرج من مكة بعيدًا عن الصخب والضجيج، ويمكث وحيدًا في غار حراء، ومعه زاده وعدته مدة تضم الليالي ذوات العدد، حيث يقضي شهر رمضان في خلوته وانقطاعه عن الناس.
يقول الخطابي: "والخلوة يكون معها فراغ القلب، وهي معينة على الفكر، وقاطعة لدعاوى الشغل الفطري، والبشر لا ينفك عن طاعة ولا يترك مألوفه من عاداته إلا بالرياضة البليغة، والمعالجة الشديدة، فلطف الله تعالى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في بداية أمره، فحبب إليه الخلوة وقطعه عن مخالطة البشر؛ ليتناسى المألوف من عاداتهم، ويستمر على هجران ما لا يحمد من أخلاقهم، وألزمه شعار التقوى، وأقامه في مقام التعبد بين يديه؛ ليخشع قلبه وتلين عريكته، فيجد الوحي منه حين وروده مرادًا سهلًا".
فجُعلت هذه الأسباب مقدمات لما أُرصد له من هذا الشأن؛ ليرتاض بها ويستعد لما نُدب إليه، ثم جاءه التوفيق والبِشر وأخذته القوة الإلهية، فجبرت منه النقائص البشرية، وجمعت له الفضائل النبوية.
ووجد محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المسلك طريقًا يعيشه في خلوته، يلتمس أثناءها إشباع ما يتمنى الوصول إليه، ووجد في جبل حراء شمال مكة غارًا يأتيه المكيون فأحبه، وأخذ ينقطع فيه وحيدًا يتعبد فيه الليالي ذوات العدد، فكان إذا جاء رمضان يحمل طعامه وشرابه، ويمكث فيه بعيدًا عن الصخب والضوضاء يلتمس الحق،
وكان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت قبل أن يذهب إلى الخلاء، وكان أول ما يبدأ به إذا انصرف من خلوته أن يطوف بالبيت قبل أن يدخل بيته.
إن تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم في الخلاء تدريب على تخليه عن الناس، واتصاله بالملأ الأعلى، وهو يتلقى وحي الله تعالى، والذي سوف يتكرر كثيرًا ويدوم طويلًا، والخلاء يُعَلِّم الإنسان التجرد عن الماديات والشهوات المتصلة بها، ويشعره بقيمة المعنويات والروحانيات الغائبة عن الحواس.
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((ثم حُبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك)) وجاء تعبير الحديث بلفظ: ((حبب)) المبني للمجهول؛ إشارة إلى أن حب محمد صلى الله عليه وسلم للخلاء لم يكن من بواعثه البشرية، وإنما كان من الوحي والإلهام.
وكان صلى الله عليه وسلم يطيل النظر في الكون المحيط به في السماء، ونجومها وقمرها وشمسها وأفلاكها ومجراتها، وصورتها في الليل وفي النهار، ويتأمل الصحراء ساعات لهيبها المحرق، تحت ضوء الشمس الباهرة اللألاء، وساعات صفوها البديع إذ تكسوها أشعة القمر، أو أضواء النجوم، وينظر في أهل مكة والحياة تشغلهم، ويتأمل في الآتين لمكة وهم يطوفون بالبيت والأصنام أمامهم.
كان صلى الله عليه وسلم يتأمل في كل ذلك وفي غيره، يلتمس معرفة هذا الوجود وما وراءه من سبب وغاية.
النسك الذي كان يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء تحنثه:
روى ابن كثير اختلاف العلماء في الشرع الذي كان يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: كان صلى الله عليه وسلم يتعبد بشرع نوح عليه السلام، وقيل: كان يتعبد بشرع إبراهيم عليه السلام، وقيل: كان يتعبد بشرع موسى عليه السلام، وقيل: كان يتعبد بشرع عيسى عليه السلام، وقيل: كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه وعمل به.