الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعارضة البشرية، متأكدًا من التأييد الإلهي، ويجب عليه أن يصبر على كل ما يلقاه، فلقد أمر الله الرسول من قبل بقوله تعالى:{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (المزمل: 10) أي: إذا دعوتهم وعارضوك وتقوّلوا عليك الأقاويل فاصبر عليهم، وتجلد لقولهم، وأعرض عنهم إعراضًا لا يشوبه أذى ولا شتم ولا مقاومة، وعليك أن تكل الأمر إلى الله تعالى في النهاية.
والجدل ثانيًا يبصر بالدعوة ويبين أساسياتها، ويعرض القرآن في هذا الموضوع جدل سيدنا إبراهيم مع النمرود إثباتًا للألوهية. يقول تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة: 258).
فهذا جدل حول إثبات الألوهية بأدلتها، تراها أدلة مفحِمة ملزمة من أقرب الطرق، وقد ترك سيدنا إبراهيم دليل الإحياء والإماتة، حينما أوجد النمرود شبهة شكلية عليه، وانتقل إلى دليل لا شبهة فيه عند النمرود، وهو مطلع الشمس ومغربها، وهنا بهت النمرود.
المحاجة، والمناظرة، والمحاضرة، والندوة، والدرس الديني
من وسائل الإقناع: المحاجة:
المحاجة تعني: قدرة الفرد على تفنيد ودحض حجج الطرف الآخر بالأدلة والبراهين، الاستدلالية والواقعية، وحثه على التخلي عنها، والدفاع في الوقت نفسه عن آرائه، وتقديم حجج لإقناع الطرف الآخر بها، وذلك حين يتحاجون حول قضية خلافية.
ينطوي هذا التعريف على أن المحاجة تتضمن عمليتين رئيسيتين؛ هما:
1 -
التفنيد: وهي عملية يتم بموجبها إثبات أن صحة حجة الطرف الآخر، أو النتيجة المترتبة عليها، أو المستمدة منها -زائفة أو خاطئة أو ذات قيمة مشكوك فيها.
2 -
الإقناع: من خلال الاستعانة بمجموعة من الحجج التي يستدل منها الفرد على صحة دعواه.
وحري بالذكر أن هناك بعض المفاهيم المتداخلة مع مفهوم المحاجة، من قبيل الجدل، ويفضل الباحث في هذا السياق استخدام لفظ المحاجة، على الرغم من عدم شيوعه على لفظ الجدل، رغم ذيوعه؛ لأن مفهوم الجدل ارتبط تاريخيًا ولغويًا بمدلولات، تعمل على نشأة تصورات سلبية عنه في أذهان الناس.
المناظرة:
المناظرة أسلوب علمي من أساليب الدعوة المباشرة، وصورتها أن يتخير الدعاة موضوعًا مثارًا بين الناس، اختلفت الآراء فيه وكثرت المناقشات حوله، وبعد ذلك يقوم الداعية باختيار عدد من العلماء المهتمين بالموضوع المثار، شريطة أن يمثلوا جميع الاتجاهات حول الموضوع، ويقوم كل منهم بالإعداد لتوجهه، على أن يحدَّد موعد ومكان للقاء يدعى إليه الناس، وكل من يهمه هذا الموضوع.
المحاضرة:
المحاضرة حديث طويل يلقى مباشرة على المستمعين، والمحاضر يختار موضوعه مما يعرض له من مشاكل الحياة والناس، وهذا يجعله قريبًا من قلوب الناس محبوبًا لديهم، ويجب أن يكون الموضوع المختار مدروسًا دراسة وافية مستفيضة، بعد تحضير طويل وعميق، محللًا إلى عناصر بارزة، وخطوات واضحة مرتبة ترتيبًا طبيعيًا، ينتقل بالسامع من حلقة إلى حلقة، ويفضي في النهاية إلى ختام يستحسنه المستمع.
والذي يقوم بإلقاء المحاضرة هو الشخص الذي حضر الموضوع وجهزه، وفي أحيان قليلة نادرة يقوم بإلقائها شخص آخر نيابة عن المحضِّر.
والمحاضرة عادة تكون من أهل التخصص الدقيق، ويصاحبها استعداد خاص كتجهيز مكان، والإعلان المسبق عن موضوعها.
لقد ذكر الأستاذ البهي الخولي تخطيطًا لمحاضرة في موضوع مقومات الإنسان الفاضل، نوجزها هنا استفادة بها لأهميتها.
يقول الأستاذ البهي: "إن من السهل عليك أن تفترض في هذا الإنسان أن له رسالة في الحياة، يعمل جاهدًا لتحقيقها، وهو عزيز برسالته؛ لأن الإنسان الذي يعيش بلا غاية معينة ولا مبدأ معروف يشبه السوائم المهملة، أما هذا فهو صاحب رسالة وهدف.
وأخيرًا لا بد لعبد العزة والرسالة من العلم؛ ليكون من أمره على بصيرة وهدى، ومن لا علم له لا بصر له".
تقوم المحاضرة إذن على بيان مقومات الشخصية الفاضلة، وهي العزة والرسالة والعلم، وتوضيح دور هذه المقومات في النشاط والحركة، فإذا وضح المحاضر ذلك اقتنع السامع بالمحاضرة.
ويمكن للمحاضر أن يقسم الدعائم الأساسية إلى عناصر فرعية، ويستحضر لكل عنصر ما يؤكده ويوضحه من كتاب الله، ومن سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن سيرة صحابته الكرام، ومن حركات التاريخ وحوادث الزمان التي تُسمع أو تُقرأ أو تُشاهد.
وعلى هذا فعناصر المحاضرة الرئيسية هي:
أ- أهمية العلم للإنسان فردًا وجماعة.
ب- ضرورة محافظة الإنسان على إنسانيته.
جـ- دعائم الإنسانية الفاضلة: العزة والثقة.
د- لا بد للإنسان من هدف وغاية.
هـ- آثار الالتزام بدعائم العزة على صاحبها.
وعلى المحاضر أن ينظر في الدعائم فيحدد معناها وطرق تحقيقها، والمحافظة عليها، فمثلًا يجد أن العزة معناها أن لا يُذل المرء لمخلوق مثله، ويجد أن الإسلام يغرس العزة في نفس المسلم؛ لأنه من ناحية ابتغاء المنافع والخوف على الأرزاق قد علم أن رزقه في السماء، وما كان في السماء فهو مصون لا تتطاول إليه يد عابث في الأرض، ولا بد من الحملة على الرجل الذليل بمقارنته بالرجل العزيز، فنجد أن عناصر العزة هي تعريفها، والعوامل التي تحافظ عليها، وفوائدها، والأضرار التي يقع فيها من لا يتمسك بها.
الندوة:
والندوة وسيلة للدعوة الإسلامية، وصورتها أن يجتمع عدد من العلماء والدعاة لمناقشة موضوع ما، على أن يقوم كل منهم بتوضيح جزئية من الموضوع، أمام جمهور يسمعهم ويتابعهم، وبهذا التصور يسمع الناس عددًا من آراء العلماء في موضوع واحد، يكمل بعضهم بعضًا، ويمكن للمستمعين أن يعلقوا على المتحدثين اعتراضًا أو اتفاقًا أو استفهامًا، وحينئذ تعرف المحادثة بأنها محادثة مفتوحة.
الدرس الديني:
الدرس الديني وسيلة جيدة من وسائل الاتصال بالجماهير، وطريق عظيم من طرق الدعوة إلى الله تعالى، وله دوره في تثقيف الناس وتبصيرهم بأمور دينهم، ولن نكون مبالغين إذا قلنا: إن الدرس الديني له الدور الريادي في تثقيف العوام من الناس، وجذبهم إلى دور العبادة، وتعريفهم ما لهم وما عليهم تجاه ربهم وتجاه بعضهم البعض.
والدرس الديني يتميز بالهدوء والأخذ والرد، والدرس الديني كان يسمى في القديم بمجلس الوعظ والذكر، وهي تسمية تنم عن الهدف والغاية من هذه المجالس، فهي ترقق القلوب، وتفسح لها طريق القرب من الله تعالى، بالحب والرجاء تارة، وبالخوف والخشية تارة أخرى، والدرس الديني الذي يؤدى الآن في المساجد أو غيرها ليس مجرد دردشة عادية، أو تضييعًا للوقت بين الصلوات، كما يحدث في بعض الأوقات ومن بعض الناس، كلا، وإنما الدرس الديني الذي نعنيه هو ذلك الدرس الذي يقوم على خطة مدروسة وله منهجه السليم.
أسأل الله عز وجل أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.