الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحده. وعن أحمد أنه يقضيها أربعًا إما بسلام واحد أو بسلامين، وهو قول الثوري لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال:"من فاته العيد فليصل أربعًا".
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "إن أمرت رجلًا أن يصلي بضعَفة الناس أمرته أن يصلي أربعًا" رواه سعد بن منصور. وقالت المالكية: الجماعة في العيد سنة مؤكدة لمن تلزمه الجمعة، وأمكنه تأديتها مع الإمام، ومن فاتته مع الإمام يندب له صلاتها منفردًا في وقتها، ولا تقضى بعد الزوال. وقال الحسن البصري والشافعية:"الجماعة مندوبة في العيد، فتصح من المنفرد والمسافر والعبد والنساء، وتقضى لو فاتت وهو رواية عن أحمد".
ومن أدرك إمام العيد في التشهد فقد أدرك العيد، فإذا سلم الإمام قام المسبوق فصلى ركعتين، يأتي فيهما بتكبير العيد اتفاقًا؛ لعموم ما تقدم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)) وهو بعمومه يتناول العيد، ولأنه أدرك بعض الصلاة -التي ليست بدلًا من أربع- فقضاؤها على صفتها كسائر الصلوات.
الخطب الدينية في موسم الحج
يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 96، 97).
يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس، أي: لعموم الناس، لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به ويصلون به ويعتكفون عنده - {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} يعني الكعبة التي بناها
إبراهيم الخليل، عليه السلام الذي يزعم كل من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه، ولا يحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر الله له في ذلك، ونادى الناس إلى حجه، ولهذا قال تعالى:{مُبَارَكًا} أي وضع مباركًا وهدى للعالمين.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه، عن أبي ذر رضي الله عنه قال:((قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركتك الصلاة فصلِّ، فكلها مسجد)).
وعن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران: 96) قال: "كانت البيوت قبلة، ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله". عن خالد بن عرعرة قال: "قام رجل إلى علي رضي الله عنه فقال: ألا تحدثني عن البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال: لا، ولكنه أول بيت وضع فيه البركة".
وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقًا، والصحيح قول علي رضي الله عنه. وقوله تعالى:{لَلَّذِي بِبَكَّةَ} (آل عمران: 96) بكة: مِن أسماء مكة على المشهور. قيل: سميت بذلك لأنها تَبُك أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يُذَلون بها ويخضعون عندها. وقيل: لأن الناس يتباكون فيها، أي: يزدحمون. قال قتادة: "إن الله بكَّ به الناس جميعًا، فيصلي النساء أمام الرجال، ولا يُفعل ذلك ببلد غيرها".
وعن مجاهد: "وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة؛ منها: مكة وبكة والبيت العتيق والبيت الحرام والبلد الأمين، والمأمون وأم رحم وأم القرى، وصلاح والعرش على وزن بدر، والقادس لأنها تطهر من الذنوب، والمقدسة والناسة -بالنون وبالباء أيضًا- والحاطمة والرأس وكوثاء والبلدة والبُنْية والكعبة.
وقوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} (آل عمران: 97) أي دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم، وإن الله عظمه وشرفه. ثم قال تعالى:{مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} (آل عمران: 97) يعني الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل.
وقد كان ملتصقًا بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق، بحيث يتمكن الطُواف منه ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف؛ لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: 125) وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} (آل عمران: 97) أي: فمنهن مقام إبراهيم والمشاعر.
وقال مجاهد: "أثر قدميه في المقام آية بينة". وعن ابن عباس في قوله تعالى: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} (آل عمران: 97) قال: "الحرم كله مقام إبراهيم". ولفظ عمرو: "الحجر كله مقام إبراهيم". وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: "الحج مقام إبراهيم" وقد صرح بذلك مجاهد.
وقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره:"كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج". وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (آل عمران: 97) قال: "من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أُخِذَ بذنبه". وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (العنكبوت: 67) وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش: 3، 4).
وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها، وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها، كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعًا وموقوفًا، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: ((لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)) وقال يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا مَن عرفها، ولا يختلى خلاها. فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقيطهم ولبيوتهم، فقال: إلا الإذخر)).
ولهما عن أبي هريرة مثله أو نحوه، ولهما واللفظ لمسلم أيضًا عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد من يبعث البعوث إلى مكة: "إئذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولًا، قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به:((أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب)).
فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا بدم ولا فارًّا بجزية".
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة)) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا بالحرورة بسوق مكة يقول: ((والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)) رواه الإمام أحمد وهذا لفظه. وفي قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (آل عمران: 97) قال: آمنًا من النار.
عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة وخرج مغفورًا له)).
وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران: 97) هذه آية وجوب الحج عند الجمهور. وقيل: بل هي قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البقرة: 196) والأول أظهر، وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعًا ضروريًا.
وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع. قال الإمام أحمد رحمه الله: عن أبي هريرة قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس، قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت "نعم"؛ لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج، فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فقال: لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها. الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.