الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني عشر
(تابع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تريبة أصحابه)
أثر شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن استن بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
أثر شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه:
لقد كان لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم الأثر في شخصية أصحابه -رضوان الله عليهم، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة لهم، الإنسان الكامل الذي يسعى كل واحد منهم إلى الوصول سماته وصفاته، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًَا على ترسيخ القيم والمبادئ السامية في نفوسهم وقلوبهم، وكان ذلك أولًا بالفعل قبل القول؛ لأنّ الفعل أرسخ في النفوس، وأقدر على التعبير، ومن ذلك ما يأتي:
معاملته لأصحابه:
يقول أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أفٍّ قط، ولا قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته))، وقالت عائشة رضي الله عنها:((ما ضرب شيئًا قط، ولا ضرب امرأة ولا خادمًا)).
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ((دخلت السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشتري سراويل، فوثب البائع إلى يد النبي صلى الله عليه وسلم ليقبّلها، فجذب يده ومنعه قائلًا: هذا تفعله الأعاجم بملوكها، ولست بملك، إنما أنا رجل منكم، ثم أخذ السراويل، فأردت أن أحملها فأبى، وقال: صاحب الشيء أحق بأن يحمله)).
وكان عليه الصلاة والسلام مرة في سفر مع جماعة، فلمّا حان موعد الطعام عزموا على إعداد شاة يأكلونها، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الآخر: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليّ جمع الحطب، فقالوا: يا رسول الله، نحن نكفيك العمل، فقال: علمت أنكم تكفونني، ولكنني أكره أن أتميز عليكم، وأن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه مميزًا بين أصحابه.
كذلك جاء رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب، فقال لغلام له قصاب: اجعل لي طعامًا يكفي خمسة، فإني أريد أن أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فإنّي قد عرفت في وجهه الجوع، فدعاهم، فجاء معهم رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الدعوة:((إن هذا قد تبعنا، فإن شئت أن تأذن له فأذن له، وإن شئت أن يرجع رجع، فقال الأنصاري: لا، بل أذنت له)).
وكذلك كان من عادته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه أنه يقبل معذرة المسيء، ولا يجابه أحدًا بما يكره، وإذا بلغه عن أحدٍ شيء يكرهه، نبّه على خطئه بقوله: ما بال أقوام يفعلون كذا، دون أن يذكر اسمه، ولم يكن يحب أن يقوم له أحد، وكان يجلس حيث انتهى به المجلس، وينزل إلى أسواقهم فيرشدهم إلى الأمانة، وينهاهم عن الخداع والغش في المعاملات.
وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يبشّ إلى كلِّ من يجلس إليه، حتى يظن أنه أحب أصحابه إلى قلبه، ويقرّب إليه ذوي السبق في الإسلام والجهاد، ولو كانوا غمار الناس، ويستشر أولي الرأي فيما هو من شئون السياسة أو الحرب، أو أمور الدنيا، وينزل عند آرائهم ولو خالفت رأيه، كما حصل في معركة بدر وغيرها.
الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم:
حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها إرشاد وهداية وتعليم، وخاصَّة ما كان من أقواله عليه الصلاة والسلام، التي قصد بها التشريع والهداية.
((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد، فقال: أحيّ والداك؟ فقال: نعم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ففيهما فجاهد))، كذلك قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس جالس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:((مَنْ لا يرحم لا يرحم)).
وكذلك جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنا لا نقدر عليك في مجلسك، فواعدنا يومًا نأتك فيه، فقال: موعدكن بيت فلان، فجاءهن لذلك الوعد، وكان فيما حدثهن:((ما منكن امرأة يموت لها ثلاث من الولد فتحتسبهم إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة: واثنان، قال: واثنان)).
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فقال لهم: ((أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله، قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلّا ماله أحب إليه من مال وارثه، فقال صلى الله عليه وسلم: مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت)).
وعن أبي مسعود قال: كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا:((اعلم أبا مسعود، الله أقدر عليك منك عليه، فالتفتّ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله هو حرّ لوجه الله، فقال: أما إنّك لو لم تفعل لمستك النار، أو للفحتك النار)).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا جاء أحد خادمه بطعامه فليجلسه معه، فإن لم يقبل فليناوله منه))، وقال أيضًا:((لا يقل أحدكم: عبدي أمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، وليقل: غلامي جاريتي فتاي وفتاتي)).
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: ((أي الأعمال خير، قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله، قيل: فأيّ الرقاب أفضل، أي في العتق، قال: أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل، قال: فتعين صانعًا، أي تصنع لأخرق -هو الذي لا يحسن صنعة، فقيل له: أفرأيت إن ضعفت، قال: تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)).
قال حرملة بن عبد الله: جئت النبي صلى الله عليه وسلم: فقلت: ما تأمرني أعمل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((ائت المعروف واجتنب المنكر، وانظر الذي تكرهه أن يقول لك القوم إذا قمت
من عندهم فاجتنبه))، قال حرملة: فلما رجعت تفكرت، فإذا هما -أي: ائت المعروف واجتنب المنكر- لم يدعا شيئًا.
وكذلك خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بالصحابة فقال: ((أيها الناس، اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من قبلكم، وحملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلّوا محارمهم)) وفي رواية أخرى زيادة: ((وإياكم والفحش، فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش)).
وعن عائشة بنت سعد، أن أباها قال: اشتكيت بمكة شكوى شديدة أي: مرضًا شديدًا، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقال:((يا رسول الله، إني أترك مالًا، وإني لم أترك إلا ابنة واحدة، أفأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث؟ قال: لا، قال: أوصي بالنصف وأترك لها النصف؟ قال: لا، قال: أوصي بالثلث وأترك الثلثين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الثلث، والثلث كثير، إنك تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفَّفون الناس)).
وكان ممن قال لأبي ذر: ((إفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس لك صدقة، وهدايتك الرجل في أرض الضالة صدقة)).
كذلك مرَّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه بعض الصحابة، فرأى الصحابة من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقال: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال عليه الصلاة والسلام:((إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان)).
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله شيئًا من المال، وهو قوي معافى، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:((أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس -أي: كساء غليظ ممتهن- نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من ماء، فقال صلى الله عليه وسلم: ائتني بهما، فأتى بهما، فأخذهما النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هذين، قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهم درهمين أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال له: اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فائتني به، فأتاه به، فشدّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب، ولا أرينك خمسة عشر يومًا، ففعل، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلّا لثلاث: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع)).
وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيّ الإسلام خير؟ فقال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف))، وبينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابي فقال له: متى الساعة؟ فأجابه: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبًا، ويقاتل حمية، فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل).
وعن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب، فقال لنا:((أتعطيان زكاته؟ قالت: فقلنا: لا، فقال: أما تخافان من أن يسوّركما الله أسورة من نار، أديا زكاته)).