الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ركوب الطائف، وسنن الوقوف بعرفة، والدفع إلى منى
أ- ركوب الطائف:
يجوز للطائف الركوب وإن كان قادرًا على المشي، إذا وجد سببًا يدعو إلى الركوب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن)). وعن جابر رضي الله عنه قال:((طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة؛ ليراه الناس)).
ب- كراهة طواف المجذوم مع الطائفين:
روى مالك عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى امرأة مجذومة تطوف بالبيت، فقال لها:"يا أمة الله لا تؤذي الناس، لو جلست في بيتك، ففعلت، مر بها رجل بعد ذلك فقال لها: إن الذي نهاك قد مات فاخرجي، فقالت: ما كنت لأطيعه حيًّا وأعصاه ميتًا".
جـ- استحباب الشرب من ماء زمزم:
وإذا فرغ الطائف من طوافه وصلى ركعتيه عند المقام، استحب له أن يشرب من ماء زمزم. ثبت في الصحيحين ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من ماء زمزم، وأنه قال: إنها مباركة، إنها طعام طُعم وشفاء سقم، وأن جبريل غسل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائها ليلة الإسراء)). وروى الطبراني في (الكبير) وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم؛ فيه طعام الطُعم وشفاء السقم
…
)) الحديث. قال المنذري: "ورواته ثقات".
د- آداب الشرب منه:
يسن أن ينوي الشارب عند شربه الشفاء ونحوه، مما هو خير في الدين والدنيا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ماء زمزم لما شرب له)). وعن سويد بن سعيد قال: "رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى ماء زمزم واستسقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة فقال: اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكر، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ماء زمزم لما شرب له)). وهذا أشربه لعطش يوم القيامة ثم شرب" رواه أحمد بسند صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفى شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله)).
ويستحب أن يكون الشرب على ثلاثة أنفاس، وأن يستقبل به القبلة ويتضلع منه، ويحمد الله تعالى ويدعو بما دعا به ابن عباس، فعن أبي مليكة قال:"جاء رجل إلى ابن عباس فقال: من أين جئت؟ قال: شربت من ماء زمزم. قال ابن عباس: أشربت منها كما ينبغي؟ قال: وكيف ذاك يا بن عباس؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل القبلة، واذكر الله وتنفس ثلاثًا وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آية بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم)) رواه ابن ماجه". وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شرب من ماء زمزم قال: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاء من كل داء".
هـ- أصل بئر زمزم:
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن هاجر لما أشرفت على المروة حين أصابها وولدها العطش، سمعت صوتًا فقالت: "صه، تريد نفسها، ثم تسمعت
فسمعت أيضًا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه أو قال: بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوده وتقول بيدها هكذا: تغترف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغترف". قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم، أو قال: لو لم تغترف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا)) قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت الله، يبتني هذا الغلام وأبوه، وأن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مثل الرابية تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وشماله".
وسنن الوقوف بعرفة وآدابه:
أحدها: أن يغتسل بنمرة للوقوف.
الثانية: ألا يدخل عرفات إلا بعد الزوال.
الثالثة: أن يخطب الإمام خطبتين ويجمع الصلاتين.
الرابعة: تعجيل الوقوف عقب الصلاتين.
الخامسة: أن يحرص على الوقوف بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات.
السادسة: إذا كان يشق عليه الوقوف ماشيًا، أو كان يضعف به عند الدعاء، أو كان ممن يقتدى به ويُستفتى، فالسنة أن يقف راكبًا، وهو أفضل من الماشي، فإن كان لا يضعف بالوقوف ماشيًا ولا يشق عليه، ولا هو ممن يستفتى، ففي الأفضل أقوال للشافعي -رحمه الله تعالى- أصحها راكبًا أفضل؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أعون على الدعاء، وهو المهم في هذا الموضع. والثاني: ماشيًا أفضل. والثالث: هما سواء، هذا حكم الرجل، وأما المرأة فالأفضل أن تكون قاعدة لأنه أستر لها.
السابعة: الأفضل أن يكون مستقبلًا للقبلة، متطهرًا ساترًا عورته، فلو وقف محدثًا أو جنبًا أو حائضًا أو عليه نجاسة أو مكشوف العورة -صح وقوفه وفاتته الفضيلة.
الثامنة: أن يكون مفطرًا فلا يصوم، سواء أكان يضعف به أم لا؛ لأن الفطر أعون له على الدعاء، وقد ثبت في الصحيح ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف مفطرًا)) والله تعالى أعلم.
التاسعة: أن يكون حاضر القلب فارغًا من الأمور الشاغلة عن الدعاء، وينبغي أن يقدم قضاء أشغاله قبل الزوال، ويتفرغ بظاهره وباطنه عن جميع العلائق، وينبغي ألا يقف في طرق القوافل وغيرهم لئلا ينزعج بهم.
العاشرة: أن يكثر من الدعاء والتهليل وقراءة القرآن، فهذه وظيفة هذا الموضع المبارك، ولا يقصر في ذلك فهو معظم الحج ومخه ومطلوبه، وفي الحديث الصحيح:((الحج عرفة)) فالمحروم من قصر في الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه، ويُكثر من هذا الذكر والدعاء قائمًا وقاعدًا، ويرفع يديه في الدعاء ولا يجاوز بهما رأسه، ولا يتكلف السجع في الدعاء، ولا بأس بالدعاء المسجوع إذا كان محفوظًا أو قاله بلا تكلف ولا فكر فيه، بل يجري على لسانه من غير تكلف.
وينبغي أن يكثر من التضرع فيه والخشوع، وإظهار الضعف والافتقار والذلة، ويلح في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة، بل يكون قوي الرجاء للإجابة، ويكرر كل دعاء ثلاثًا، ويفتتح دعاءه بالتحميد والتمجيد لله تعالى والتسبيح، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويختمه بمثل ذلك، وليكن متطهرًا متباعدًا عن الحرام والشبهة في طعامه وشرابه ولباسه ومركوبه، وغير ذلك مما معه، فإن هذه من آداب جميع الدعوات، وليختم دعاءه بآمين.
وليكثر من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، وأفضل ذلك ما رواه الترمذي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:((أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)). وفي كتاب الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: ((أكثر ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف: اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرًا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، وإليك مآبي ولك ربي تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح)).
ويستحب أن يكثر من التلبية رافعًا بها صوته، ومن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يأتي بهذه الأنواع كلها، فتارة يدعو وتارة يهلل وتارة يكبر وتارة يلبي، وتارة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يستغفر ويدعو منفردًا ومع جماعة، وليدع لنفسه ووالديه وأقاربه وشيوخه وأصحابه وأحبابه وأصدقائه، وسائر من أحسن إليه وسائر المسلمين، وليحذر كل الحذر من التقصير في ذلك، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره، ويستحب الإكثار من الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات، مع الاعتقاد بالقلب، وأن يكثر من البكاء مع الذكر والدعاء، فهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترتجى الطلبات، وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم، يجتمع فيه خيار عباد الله المخلصين وخواصه المقربين، وهو أعظم مجامع الدنيا.
وقيل: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غُفر لكل أهل الموقف، وثبت في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه يباهي بهم الملائكة يقول: ما أراد هؤلاء؟)).
وروينا عن طلحة بن عبيد الله -أحد العشرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رؤي الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة)) وما ذاك إلا أن الرحمة تنزل فيه، فيتجاوز الله عن الذنوب العظام.
وعن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه نظر إلى بكاء الناس بعرفة فقال: "أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل واحد فسألوه دانقًا، أكان يردهم؟ قيل: لا. قال: والله للمغفرة عند الله عز وجل أهون من إجابة رجل بدانق".
وعن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أنه رأى سائلًا يسأل الناس يوم عرفة فقال: "يا عاجز، أفي هذا اليوم تسأل غير الله تعالى".
فرع:
ومن الأدعية المختارة: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم اغفر لي مغفرة من عندك تصلح بها شأني في الدارين، وارحمني رحمة منك أسعد بها في الدارين، وتب عليّ توبة نصوحًا لا أنكثها أبدًا، وألزِمني سبيل الاستقامة لا أزيغ عنها أبدًا. اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، وأغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، ونوِّر قلبي وقبري وأعذني من الشر كله، واجمع لي الخير كله، وأستودعك ديني وأمانتي وقلبي وبدني وخواتيم عملي، وجميع ما أنعمت به علي، وعلى جميع أحبائي والمسلمين أجمعين.
الحادية عشرة: الأفضل للواقف ألا يستظل، بل يبرز للشمس إلا لعذر بأن يتضرر، أو أن ينقص دعاؤه واجتهاده.
الثانية عشرة: ينبغي أن يبقى في الموقف حتى تغرب الشمس، فيجمع في وقوفه بين الليل والنهار، فإن أفاض قبل غروب الشمس فعاد إلى عرفات قبل طلوع الفجر، فلا شيء عليه، وإن لم يعد أراق دمًا. وهل هو واجب أو مستحب؟ فيه قولان للشافعي -رحمه الله تعالى- أصحهما أنه مستحب، والثاني واجب، وهذا فيمن حضر نهارًا، أما من لم يحضر فلا شيء عليه ولكن فاتته الفضيلة.
الثالثة عشرة: ليحذر كل الحذر من المخاصمة والمشاتمة والمنافرة والكلام القبيح، بل ينبغي أن يحترز عن الكلام المباح ما أمكنه؛ فإنه تضييع للوقت المهم.
الرابعة عشرة: ليستكثر من أعمال الخير في يوم عرفة، وسائر أيام عشر ذي الحجة، فقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((ما العمل في أيام أفضل منه في هذه الأيام -يعني أيام العشر- قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بماله ونفسه فلم يرجع بشيء)) وأيام العشر هي الأيام المعلومات، وأيام التشريق هي الأيام المعدودات.
السنة للإمام إذا غربت الشمس وتحقق غروبها أن يفيض من عرفات، ويفيض الناس معه، ويؤخر صلاة المغرب بنية الجمع إلى العشاء، ويكثر من ذكر الله تعالى، والسنة أن يسلك في طريقه إلى المزدلفة على طريق المأزَمَين، وهو بين العَلَمين الذين هما حد الحرم من تلك الناحية، والمأزَم: هو الطريق بين الجبلين، وحد المزدلفة ما بين مأزمي عرفة المذكورين.
الدفع إلى منى:
السنة أن يقدم الضعفة من النساء وغيرهن قبل طلوع الفجر إلى منى؛ ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس، ويكون تقديمهم بعد نصف الليل، وأما غيرهم فيمكثون حتى يُصلوا الصبح بمزدلفة، فإذا صلوها دفعوا متوجهين إلى منى، فإذا وصلوا قزح -وهو آخر المزدلفة وهو جبل صغير وهو المشعر الحرام- صعده إن أمكنه، وإلا وقف عنده أو تحته، ويقف مستقبل الكعبة فيدعو ويحمد الله تعالى ويكبره ويهلله ويحمده، ويكثر من التلبية.
واستحبوا أن يقول: اللهم كما أوقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (البقرة: 198، 199) ويكثر من قوله: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ويدعو بما أحب ويختار الدعوات الجامعة، وبالأمور المهمة ويكرر دعواته.
أ- حكم رمي الجمرات:
ذهب جمهور العلماء إلى أن رمي الجمار واجب وليس بركن، وأن تركه يُجبر بدم لما رواه أحمد ومسلم والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال:((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: لتأخذوا عني مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)).
ب- استحباب التكبير والدعاء مع كل حصاة:
عن عبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان عند رمي جمرة العقبة: "اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا". وعن إبراهيم أنه قال: "كانوا يحبون للرجل إذا رمى جمرة العقبة أن يقول: اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا. فقيل له: تقول ذلك عند كل جمرة؟ قال: نعم". وعن عطاء قال: "إذا رميت فكبر وأتبع الرمي التكبيرة" روى ذلك سعيد بن منصور. وفي حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل حصاة)). قال في (الفتح): "وأجمعوا على أن من لم يكبر لا شيء عليه". وعن سلمان بن الأحوص عن أمه قالت: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة راكبًا، ورأيت بين أصابعه حجرًا فرمى ورمى الناس معه)).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.