الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُحبس إن قربت المسافةُ، وإن بَعُدت؛ فإن كان المسروقُ تالفًا، حُبس، فان بذل القيمة ليُطلَق، ففي إجابته وجهان، وإن كان باقيًا، فهل ينتزعه الحاكمُ للغائب، أو يحبسه؟ فيه وجهان.
وقال الإِمام: لا ينبغي أن يُحبسَ لأجل المال؛ فإن مَنْ أقرَّ لغائب بمال، لم يجز للحاكم حبسهُ؛ لتوقُّف الحبس على طلب ربّ المال، فيُخرَّج الحبسُ على الخلاف في سقوط القطع بالرجوع عن الإقرار؛ سواء كان المسروقُ باقيًا، أو تالفًا، فإن قلنا: يسقط، لم يُحبس، وإن قلنا: لا يسقط، حُبس؛ لئلَّا يهربَ.
* * *
3496 - فصل في إثبات السرقة بالبينة
تُقبل شهادةُ الحسبة فيما تمحَّض لله، ولا تُقبل فيما تمحَّض للآدميِّ على المذهب، وفي السرقة وجهان، ولا خلاف أنَّ القطعَ لا يجب بالإقرار بالسرقة ما لم يُفصل في إقراره جميعَ ما يتوقَّف عليه القطعُ، وكذلك الشهادةُ بالسرقة، وفي الإقرار بالزنا وجهان، والنسبةُ إلى الزنا المطلَق قذفٌ اتّفاقًا، فإذا ادَّعى المالكُ السرقةَ، وأقام بذلك بينة، ثبت القطعُ والغُرْم، فإن ادَّعى السارقُ أمرًا لو ثبت لسقط الحدُّ، فللبيِّنة حالان:
إحداهما: أن تكونَ قد شهدت لصاحب المال باليد على المال، وعلى الحِرْز، فيدَّعي السارقُ ملكَ المال المسروق، فإن قلنا بالنصِّ، سقط القطعُ بمجرَّد الدعوى، وإن قلنا بالتخريج، لم يُقطع حتَّى يحلف صاحبُ اليد.
الثانية: أن تكونَ قد شهدت بأنَّ الحِرْزَ والمالَ المسروق ملكٌ لصاحب
اليد، فيدَّعي السارقُ أنَّ المالكَ أباحه ذلك، أو باعه منه، فعلى النصِّ: يسقط القطعُ، ويُحلَّفُ المالكُ على نفي البيع، ولا يُحلَّف على نفي الإباحة اتِّفاقًا؛ إذ لا غرضَ له فيها، وإن قلنا بالتخريج، فحلف المالكُ، لم يسقط القطعُ، وإن ادَّعى السارقُ أنَّ المسروق لم يزَلْ في ملكه، وقلنا بالنصِّ، ففي القطع احتمال؛ لأنَّه كذَّب البينةَ، بخلاف دعوى الإباحة والشراء، وإن قال السارق: المالكُ يعلم أنَّه كاذب في دعواه بالملك، فحلِّفوه على ذلك، ففي إجابته وجهان يجريان في كل مَنْ يثبت عليه ملكٌ، فطلب تحليفَ المالك على مثل ذلك.
هذا كلُّه في بيَّنة ترتَّبت على الدعوى، فإن قامت البيِّنة بسرقة (1) مال الغائب، أو بالزنا بجارية لغائب، فالنصُّ أنَّه يُحدُّ للزنا في الحال، ولا يُقطع في السرقة قبل حضور الغائب، فقيل: فيهما قولان بالنقل (2) والتخريج، وفرَّق بعضُهم بأنَّ المالك لو حضر قبل إقامة الحدِّ والقطع، وقال: كنت أبحتُه ذلك، سقط القطعُ دون الحدِّ، فلا يُقطع في الحال؛ لتوقُّع هذه الشبهة، فعلى هذا: لو وطئ أمة، وادَّعى ملكَها، أو حرَّة، وادَّعى نكاحَها، لم يسقط الحدُّ على ظاهر المذهب، بخلاف نظيره من السرقة، فإنَّ القطع فيها تَبَع لحقِّ الآدميِّ، فإن قلنا: لا يُقطع في الحال، حُبس عند الأصحاب إلى أن يحضرَ الغائبُ.
وقال الإِمام: إن لم نثبت السرقةَ بشهادة الحسبة، لم يُحبس؛ فإنَّ المالَ
(1) في "س": "على سرقة".
(2)
في "س": "بالنصِّ"، والصواب المثبت.