الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3427 - فصل في استعانة البغاة بأهل الحرب
إذا استعان البغاةُ علينا بأهل الحرب لم يثبت للكفَّار الأمانُ في حقِّنا؛ لأنَّه مخالف للشرع، وفي ثبوته في حقِّ البغاة وجهان؛ فإن قلنا: لا يثبت، لم يجز لهم اغتيالُهم، وعليهم أن يلحقوهم بمأمنهم؛ لثبوت عُلْقة الأمان، وحكمهم معنا كحكم أهل الحرب إذا انفردوا بقتالنا، فيُتبع المدبِرُ، ويذفَّف على الجريح (1)، وتُغنم الأموال، ولا يضمنون ما يتلفون علينا، وألحقهم القاضي بالبغاة، وهذا غلطٌ؛ إذ لا أمانَ لهم علينا، ولا عُلْقَة أمان؛ فإن أمان الآحاد لا ينفذ إذا خالف الشرعَ، ولا ينفذ من أحكام البغاة إلَّا ما وافق الشرع، وأمانُهم لأهل الحرب على أن يقاتلونا مُحرَّم بالشرع.
3428 - فرع:
إذا أسرنا طائفةً من أهل الحرب، فقالوا: ظننَّاكم بغاةً أو كفَّارًا، وظنَنَّا جواز قتالكم إذا استعان بنا أصحابكم؛ فإن أمكن صدقُهم، فالأظهر أنَّهم يعاملون معاملةَ البغاة، فيُبلَّغون المأمن، ولا يُقتلون في حال الانهزام، وقيل: لا أثر لظنِّهم، فيُقتلون حيث يُثقفون.
* * *
3429 - فصل في استعانة البغاة بأهل الذمَّة
ونقدِّم على ذلك ذكرَ ما تنتقضُ به الذمَّة، وهو أقسام:
(1) في "س": "المجروح".
الأوَّل: أن ينبذوا إلينا العهدَ، فينتقض، ولا يُجبرون على الوفاء به اتِّفَاقًا، ويُبلَّغون المأمن، ولا يُتعرَّض للنساء، والذراري، والأموال.
والمأمن: مكانٌ يقطنه أهلُ نجدة من الكفَّار، فإن قاتلونا (1) بعد النبذ، فلا قصاصَ عليهم، ولا يبعد إيجابهُ؛ لأنَّ الأمانَ باقٍ في حقِّنا، فلا يبعدُ إبقاؤه في حقهم.
الثاني: أن يمتنعوا من التزام الأحكام، ويفضي ذلك إلى القتال، فينتقض عهدُهم اتِّقاقًا، والمذهبُ: جوازُ الاغتيال، فإن خافوا الهلاكَ، فطلبوا عقد الذمَّة، وجبت إجابتُهم اتِّفَاقًا.
الثالث: أن يأتوا بجرائمَ عظيمةٍ في حقِّ آحاد المسلمين؛ كالقتل، والجراح، فيؤاخذون بموجب تلك الجرائم اتِّفَاقًا، وفي انتقاض العهد قولان؛ فإن قلنا: ينتقض، ففي تبليغ المأمن قولان، فإذا قاتلونا مع البغاة، فلهم أحوال:
الأول: أن يقولوا: عرفنا أنَّكم على الحقِّ، وأردنا أن ننكأَ فيكم بالقتال، فينتقض العهد، ويصيرون (2) كأهل الحرب في جميع الأحكام، فلا يبلَّغون المأمن، ولا يضمنون ما يتلفون، وتُغنم نساؤهم، وأموالُهم وأطفالهم.
الثانية: أن يقولوا: أُحضرنا مكرَهين؛ فإن أمكن صدقُهم، لم ينتقض العهدُ، ويقاتلون قتالَ البغاة.
الثالثة: أن يقولوا: ظنَّنا أنَّكم بغاة، أو كفَّار؛ فإن أمكن صدقُهم، ففي
(1) في "س": "قاتلوا".
(2)
في "س": "ويعودون".
انتقاض العهد قولان، فإن قلنا: ينتقضُ، ففي تبلُّغ المأمن قولان مرتِّبان على القولين في جنايتهم على أهل الإسلام، وأولى بالتبليغ؛ لعُذْرهم، فإن شرط عليهم الإمامُ في عقد الذمَّة أَلَّا يقاتلوه، فقاتلوه عن جهل، ففي انتفاض العهد وجهان؛ لأنَّ الشَرطَ محمولٌ على العَمْد دون الجهل.
الرابعة: أن يقولوا: عرفنا أنَّكم على الحقِّ، وظنَنَّا أن المسلمين إذا تفرَّقوا، أو استعانت بنا إحدى الطائفتين، لزمنا الذَّبُّ عن الناحية التي نحن ساكنوها، فينتقض العهدُ، وأبعد مَنْ طرد القولين.
ومهما انتقض عهدُهم إذا تعمَّدوا، وانتفى عذرُهم، فلا خلافَ في قتلهم منهزمين، وإسقاطِ الضمان عمَّا يتلفونه بعد إظهار القتال، وأمَّا صُوَرُ العُذْر والجهل؛ فإن قلنا بانتقاض العهد فيهنَّ؛ فإن قلنا: لا يُبلَّغون المأمن، ذُفِّف على جرحاهم (1)، وقُتلوا في الإقبال والإدبار، وإن قلنا: يُبلَّغون المأمن، ففي قتلهم منهزمين وجهان، والمذهب: أنَّهم يضمنون ما يتلفون بالقتال، وفيه وجه لا يصحُّ؛ إذ كيف يبقى الأمانُ في حقِّنا، ولا يبقى في حقهم؛ فإن قلنا: لا ينتقضُ العهدُ في صور العذر والجهل، فالذمَّة بحالها، فيقاتلون قتالَ البغاة، فلا يتبع منهزِمُهم، ولا يذفَّف على جريحهم، ويضمنون ما يتلفونه بالقتال اتِّفَاقًا، ويجب عليهم القصاصُ إن أوجبناه على البغاة، وإن لم نوجبه، فوجهان.
* * *
(1) في "س": "جريحهم".