المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تلوث البحار: - الغذاء والتغذية

[عبد الرحمن مصيقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌أسماء المؤلفين:

- ‌محتويات الكتاب:

- ‌مقدمة عامة في التغذية

- ‌علم التغذية وعلاقته بالعلوم الأخرى

- ‌علم تغذية الإنسان:

- ‌لمحة تاريخية:

- ‌أهمية التغذية للصحة والتنمية:

- ‌الاحتياجات الغذائية والعوامل المؤثرة فيها:

- ‌المراجع:

- ‌العناصر الغذائية والطاقة

- ‌مقدمة الباب

- ‌جسم الإنسان وتركيبه:

- ‌تركيب الجسم من العناصر الكيميائية:

- ‌أجهزة الجسم ودورها في الاستفادة من الغذاء:

- ‌الجهاز الهضمي

- ‌أقسام الجهاز الهضمي ووظائفها

- ‌أنماط الهضم:

- ‌المكونات الغذائية "المغذيات" والطاقة

- ‌الكربوهيدرات carbohydrates

- ‌ الشحوم lipids:

- ‌ البروتينات proteins:

- ‌ الماء water:

- ‌ الفيتامينات vitamins:

- ‌ العناصر المعدنية mineral elements:

- ‌المكونات الغذائية وإنتاج الطاقة:

- ‌المراجع:

- ‌التغذية المتوازنة وتخطيط الوجبات

- ‌الوجبات الغذائية اليومية

- ‌إرشادات غذائية للتقليل والسيطرة على الأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية:

- ‌تخطيط الوجبات الغذائية

- ‌نظام المجموعات الغذائية

- ‌نظام مجموعات الطعام الأربع:

- ‌هرم الدليل الغذائي:

- ‌نظام قوائم بدائل الأطعمة:

- ‌كيفية استخدام نظام البدائل في تخطيط الوجبات:

- ‌المراجع:

- ‌الأغذية التقليدية في الوطن العربي

- ‌مدخل

- ‌أولا: الأغذية التقليدية المحضرة من الحبوب والبقول

- ‌الخبز

- ‌ أغذية أخرى تصنع من الحبوب:

- ‌ الأغذية البقولية:

- ‌ثانيا: الألبان ومنتجاتها

- ‌الألبان الطازجة

- ‌ الألبان المتخمرة:

- ‌ الأجبان:

- ‌ منتجات الزبدة "دهن اللبن

- ‌ثالثا: اللحوم والأسماك ومنتجاتها

- ‌اللحوم النيئة

- ‌ منتجات اللحوم المعالجة:

- ‌ منتجات اللحوم الأخرى:

- ‌ الأسماك المخللة والمجففة:

- ‌رابعا:‌‌ الفواكهوالخضروات

- ‌ الفواكه

- ‌ الخضروات:

- ‌خامسا: المشروبات والحلوى والسكريات

- ‌ملامح إنتاج واستهلاك الغذاء في الوطن العربي

- ‌أولا: الملامح الأساسية لنظم إنتاج الأغذية في الوطن العربي

- ‌ثانيا: خصائص الاستهلاك الغذائي في البلدان العربية

- ‌ثالثا: الأهداف التغذوية لنظام غذائي متوازن في البلدان العربية

- ‌المراجع:

- ‌العوامل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في استهلاك الغذاء

- ‌مستوى الدخل

- ‌ سعر الغذاء:

- ‌ نقص الإنتاج المحلي:

- ‌ استيراد المواد الغذائية:

- ‌ سياسة دعم الغذاء:

- ‌ مستوى التعليم:

- ‌ الصفات الجغرافية:

- ‌ العوامل الاجتماعية:

- ‌ الاعتبارات السكانية:

- ‌ الدين:

- ‌ المناسبات الدينية:

- ‌ المناسبات الاجتماعية:

- ‌ توزيع الطعام بين أفراد الأسرة:

- ‌ تأثير وسائل الإعلام والإعلانات التجارية:

- ‌ الهجرة العمالية في الوطن العربي:

- ‌ السفر والسياحة:

- ‌ الصفات الخاصة بالطعام:

- ‌ توافر الرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية:

- ‌المراجع:

- ‌سلامة الغذاء وجودته

- ‌مفهوم سلامة الغذاء وجودته

- ‌الرقابة على سلامة الأغذية وجودتها:

- ‌أهداف الرقابة وأهميتها:

- ‌نشأة وتطور سلامة الغذاء:

- ‌تصنيع الأغذية:

- ‌هيئة مدونة الأغذية:

- ‌البنية الأساسية للرقابة الكافية والفعالة على سلامة الأغذية وجودتها:

- ‌الاضطرابات الغذائية الناجمة عن تلوث الغذاء وفساده

- ‌أولا: التلوث بالجراثيم "البكتيريا" bacterial contamination

- ‌مدخل

- ‌العوامل المؤثرة في نمو الجراثيم

- ‌طرق انتقال الجراثيم إلى الغذاء:

- ‌أهم الأمراض التي تنقلها الأغذية:

- ‌السيطرة على التلوث الغذائي:

- ‌ثانيا: التلوث بالفطريات خطورته وكيفية الوقاية منه

- ‌ثالثا: التلوث البيئي

- ‌التلوث بالمعادن الثقيلة

- ‌التلوث بالمضادات الحيوية والهرمونات:

- ‌ التلوث الإشعاعي:

- ‌ التلوث ببقايا مبيدات الهوام:

- ‌ مضافات الأغذية: فوائدها ومضارها:

- ‌ تلوث البحار:

- ‌المراجع:

- ‌اضطرابات التغذية الناجمة عن نقص الغذاء

- ‌نظرة عامة على اضطرابات التغذية

- ‌الأسباب والمظاهر العامة لسوء التغذية:

- ‌الأسباب الغذائية والفيزولوجية لسوء التغذية

- ‌مراحل سوء التغذية الناجم عن نقص الغذاء:

- ‌بعض اضطرابات التغذية الأكثر انتشارا:

- ‌فقر الدم التغذوي المنشأ nutritonal anaemia

- ‌المراجع:

- ‌تغذية الحامل والمرضع

- ‌أهمية تغذية وصحة الحامل والمرضع وعلاقتهما بصحة الطفل

- ‌بعض العوامل الاجتماعية والصحية المؤثرة في تغذية الحامل والمرضع:

- ‌التغيرات الفيزيولوجية أثناء الحمل وعلاقتها بالاحتياجات الغذائية:

- ‌المتطلبات الغذائية للحامل والمرضع:

- ‌فيزيولوجيا الإرضاع وعلاقته بالتغذية:

- ‌المصاعب المصاحبة لعملية الإرضاع وكيفية التغلب عليها:

- ‌المراجع:

- ‌تغذية الرضع وصغار الأطفال

- ‌نمو وتطور الطفل منذ الولادة وحتى السنة الخامسة

- ‌المهارات الأغذية "مهارات الإطعام

- ‌الرضاعة الطبيعية "الإرضاع من الثدي

- ‌بعض الصعوبات التي قد تتعرض لها الأم أثناء عملية الإرضاع:

- ‌تغذية الرضيع:

- ‌تغذية الأطفال في سن ما قبل المدرسة "1- 5 سنوات

- ‌المراجع:

- ‌تغذية أطفال المدارس والمراهقين

- ‌أولا: أطفال المدارس school-age children

- ‌مدخل

- ‌الاحتياجات الغذائية لأطفال المدارس:

- ‌المخصصات الغذائية لأطفال المدارس

- ‌بعض الجوانب الصحية والغذائية المرتبطة بطلاب المدارس:

- ‌القيمة الغذائية للأطعمة المقدمة بالمدارس:

- ‌نصائح وإرشادات لتحسين تغذية أطفال المدارس:

- ‌مقدمة:

- ‌مراحل المراهقة:

- ‌الاحتياجات الغذائية

- ‌الأطعمة المقدمة في المطاعم السريعة:

- ‌الاضطرابات الغذائية والصحية في مرحلة المراهقة

- ‌المراجع:

- ‌تغذية المسنين

- ‌مقدمة

- ‌النظريات العلمية لظاهرة الكبر والشيخوخة:

- ‌الجهاز الهضمي وتقدم السن:

- ‌تغيرات تكوين الجسم الملازمة للكبر:

- ‌المشكلات الصحية المرتبطة بتغذية المسنين:

- ‌الاحتياجات الغذائية للمسنين:

- ‌التقييم التغذوي للمسنين:

- ‌الدعم التغذوي للمسنين:

- ‌أثر العوامل النفسية والفيزيولوجية والاجتماعية على تغذية المسنين:

- ‌الإرشاد التغذوي للمسنين:

- ‌المراجع:

- ‌تغذية الفئات الخاصة

- ‌أولا: تغذية الرياضيين

- ‌مقدمة

- ‌عوامل اللياقة البدنية:

- ‌أنظمة صرف الطاقة:

- ‌الاحتياجات الغذائية

- ‌متطلبات الجسم من الطاقة

- ‌متطلبات الجسم من الكربوهيدرات

- ‌ متطلبات الجسم من الدهون:

- ‌ متطلبات الجسم من البروتين:

- ‌ متطلبات الجسم من الفيتامينات:

- ‌ متطلبات الجسم من العناصر المعدنية:

- ‌ متطلبات الجسم من الماء:

- ‌وجبة ما قبل التمرين:

- ‌وجبة ما بعد التمرين:

- ‌ثانيا: تغذية المعوقين والمتأخرين في النمو

- ‌مقدمة:

- ‌أسباب التعوق:

- ‌العوامل التي تؤثر في الاحتياجات الغذائية للمعوقين والمتأخرين في النمو:

- ‌بعض المشكلات المرتبطة بتغذية وإطعام المعوقين والمتأخرين في النمو:

- ‌العوامل المؤثرة على تناول الطعام عند المعوقين:

- ‌المراجع:

- ‌الأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية

- ‌مقدمة

- ‌الأمراض القلبية الوعائية

- ‌تعريف المرض

- ‌ انتشار المرض في الوطن العربي:

- ‌ عوامل الخطر:

- ‌ الأسس الأولية للوقاية من المرض والسيطرة عليه:

- ‌فرط ضغط الدم

- ‌تعريف المرض

- ‌ انتشار المرض:

- ‌ عوامل الخطر:

- ‌الأسس الأولية للوقاية من المرض والسيطرة عليه

- ‌السكري:

- ‌السرطان:

- ‌السمنة

- ‌تعريف السمنة

- ‌ طرق قياس السمنة:

- ‌ الأخطار المنسوبة للسمنة:

- ‌ انتشار السمنة في المجتمعات العربية:

- ‌ أسباب السمنة:

- ‌الأسس الأولية للوقاية من المرض والسيطرة عليه

- ‌النقرس:

- ‌تشمع الكبد:

- ‌تخلخل العظام:

- ‌تسوس الأسنان:

- ‌المراجع:

- ‌قياس الحالة التغذوية في المجتمع

- ‌مقدمة

- ‌التقصيات "المسوحات" التغذوية والترصد الغذائي والتغذوي

- ‌أولا: التقصيات التغذوية في المجتمع

- ‌ثانيا: الترصد الغذائي والتغذوي

- ‌طرق قياس الحالة التغذوية للفرد والمجتمع

- ‌أولا: القياسات الجسمية

- ‌ثانيا: التقييم السريري

- ‌ثالثا: الفحوص المخبرية

- ‌رابعا: الفحوص بالطرق البيوفيزيائية

- ‌طرق قياس العوامل المؤثرة والمحددة للحالة التغذوية للفرد والمجتمع

- ‌مدخل

- ‌أولا: الميزان الغذائي للدولة

- ‌ثانيا: قياس الاستهلاك الغذائي للأسرة والفرد

- ‌مدخل

- ‌ طرق قياس الاستهلاك الغذائي للأسرة:

- ‌ طرق قياس الاستهلاك الغذائي للفرد:

- ‌المراجع:

- ‌التغذية العلاجية

- ‌مقدمة

- ‌أسس التغذية العلاجية:

- ‌النظم الغذائية:

- ‌تقدير الاحتياجات الغذائية للمرضى والعوامل المؤثرة عليها:

- ‌طرق إطعام المرضى:

- ‌قرحة المعدة والإثنا عشري:

- ‌أمراض الكبد:

- ‌أمراض المرارة:

- ‌التصلب العصيدي ومرض القلب التاجي:

- ‌فرط ضغط الدم:

- ‌أمراض الكلى:

- ‌الداء السكري:

- ‌السمنة:

- ‌الهزال:

- ‌النقرس:

- ‌فقر الدم:

- ‌المراجع:

- ‌الملاحق:

الفصل: ‌ تلوث البحار:

6-

‌ تلوث البحار:

مصادر تلوث البحار:

ينتج الإنسان أنواعا كثيرة من الملوثات، ويصل معظمها إلى البيئة المائية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وبعض هذه الملوثات "ومنها معظم المواد العضوية" يتحلل بواسطة العمليات البيولوجية العادية، إلا أن غيرها كالمواد الكيميائية الهيدروكربونية الكلورية، تكون مقاومة للانحلال وتستمر مدة طويلة في البيئة المائية، وتكون البحار والمحيطات المصب النهائي لها، حيث تتجمع إما في الماء أو في الاحياء المائية أو في المترسبات في القاع. وتصل هذه الملوثات إلى مياه البحار والمحيطات بعدة طرق: فبعضها يترشح من الأرض أو يحمل إلى البحر عن طريق الأنهار كرواسب من تآكل الأرض، وبعضها يحول عمدا إلى الأنهار أو مباشرة في المحيطات كنفايات صناعية ومنزلية، وبعضها يفرغ مباشرة في البحار من السفن كنتيجة مباشرة لعمليات الملاحة، كما أن بعضها يحمل إلى البحار لمسافات طويلة عن طريق الجو قبل أن ينقي بواسطة الأمطار المتساقطة على كل من الأرض والبحار. وتعتمد الأهمية النسبية لهذه الطرق الملوثة للبحار على خواص ومصدر الملوثات.

وللملوثات المختلفة تأثيرات مختلفة على الأحياء المائية والأسماك، فبعضها ينشط نمو النباتات المائية، ويمكن أن يكون ذا فائدة إذا ما أمكن السيطرة عليه بطرق صحيحة، وبعضها يعتبر ساما وقد يؤدي إلى قتل الأحياء المائية أو يحولها إلى مواد غير صالحة للاستهلاك الآدمي، كما أن بعضها قد يكون غير ضار وليس له إلا تأثير بسيط على الأحياء المائية.

أ- مياه الصرف الصحي والزراعي: لمياه الصرف الصحي وبعض الصرف الزراعي تأثير مُسَمِّد الماء، إذ تزيد من معدل الإنتاج للأحياء المائية، إلا أنه بزيادة التسميد يتكثف نمو الطحالب والنباتات المائية بطريقة مزعجة، كما يغير من طبيعتها، حيث تقل أو تزول الأنواع التي تكون غذاء الحيوانات آكلة الأعشاب والتي بدورها تغذي الأسماك في المنطقة، في حين تنمو بغزارة الأنواع غير المناسبة كغذاء

ص: 300

للحيوانات. فالتغير في الأنواع النباتية يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى تغيرات في النظم الحية جميعها. ففي الأسماك مثلا تختفي الأنواع ذات القيمة الاقتصادية وتسود الأنواع الأقل قيمة وتنمو بغزارة. وهذا ما يحدث الآن في معظم البحيرات عند مصبات الأنهار وشواطئ البحار والمحيطات إذا استمر معدل التلوث الحالي كما هو. فالبحيرات التي كانت مياهها صافية ونظيفة لآلاف السنين الماضية أصبحت في خلال عشرات السنين الماضية كثيفة الأنواع، وكريهة المنظر والرائحة، واختفى فيها سمك التروت trout والسلمون وسادت الشبوطيات cyprinids وذلك عندما استعملت كمصبات لنفايات الإنسان.

وعندما تصب في البيئة المائية مخلفات الإنسان غير المعاملة، والتي لا تحتوي مواد سامة، فإنها تتحلل بسرعة بواسطة الجراثيم إلى مكوناتها غير العضوية، وتمتص الأكسجين الذائب في الماء أثناء هذه العملية. وعندما يحدث ذلك في حيز ضيق من الماء كالبحيرات أو مصبات الأنهار أو الأماكن المحصورة في البحار التي يقل فيها جريان الماء، فإن الأكسجين اللازم لتقويض المخلفات قد يزيد عن الأكسجين الموجود فعلا في الماء فيصبح الماء خال من الأكسجين فيفنى معظم ما يحتويه من الأحياء المائية.

أما المخلفات المعاملة بطريقة تهتم عادة بالنواحي الجمالية والصحة العامة مع عدم الاهتمام بالنواحي المتعلقة بتلف البيئة وتوزيع الأحياء المائية بها، فمن شأنها إزالة نسبة كبيرة من المواد الصلبة من المخلفات ونسبة ضئيلة لا تتعدى 10% من محتوياتها من الفوسفور، وهو أحد أكبر العناصر المسمدة للمياه. وإذا كانت المعاملة مضاعفة فإنها تزيل على الأكثر 30% من الفوسفور المتبقي. والمتبقي من الفوسفور هذا في النفايات يفوق المواد المغذية الموجودة طبيعيا بالبيئة المائية بضعة آلاف مرة. ونتيجة لذلك فقد تكون العوالق النباتية phytoplankton، عن طريق الاستقلاب، مواد عضوية أكثر مما تمت إزالته من مياه الصرف في مصانع المعالجة.

وطالما بقيت المواد المغذية والطحالب الناتجة عنها قريبا من سطح الماء، فإن النبات ينتج الأكسجين بنشاط أثناء النهار، ولا يشكل أي تهديد على ميزان الأكسجين في النظام المائي عامة. أما في الليل فتتنفس الطحالب، وقد تقلل من

ص: 301

مستوى الأكسجين إلى قيمة منخفضة غير مرغوبة حتى بالنسبة للمياه السطحية وعندما تموت الطحالب فإنها تغطس في طبقات الماء الأعمق وربما تستهلك عند انحلالها كل الأكسجين الذائب، وبذلك تقل أو تموت بعض الأسماء. وهذا ما يحدث حاليا في كثير من البحيرات في العالم، وكذلك في البحيرات الضحلة في المناطق الاستوائية، وفي البحر الأبيض المتوسط بالقرب من تونس، حيث أدت زيادة خصوبة الماء إلى زيادة النمو النباتي وتلف موارد جيدة للأسماك ذات القيمة الاقتصادية العالية. وبعض الأسماك التي تحتاج إلى مياه باردة في القاع لكي تتمكن من الحياة في فترات الصيف الحار تموت وتفنى عندما تصبح مياه القاع خالية من الأكسجين وبهذا يتغير التوزيع العام للأحياء في مثل هذه المياه.

ولتجنب هذه المخاطر هناك اتجاه لصرف القسم شبه الصلب من مياه الصرف المعالجة على مسافات بعيدة من الشواطئ وفي المياه العميقة. إلا أنه قد ثبت أن معدل تفكك هذه المتبقيات تحت الظروف السائدة في أعماق البحر من ضغط عال ودرجة حرارة منخفضة يكون بطيئا جدًّا إذا ما قورن بمعدل التفكك والتحلل عند نفس الدرجة من الحرارة، ولكن تحت الضغط الجوي العادي. ويصبح التخلص من الفضلات بهذه الطريقة هو عبارة عن تأجيل المشكلة للأجيال القادمة وليس تخلصا منها بكل ما في الكلمة من معنى.

وعلى ذلك فمنعا لتناقص الموارد السمكية وتغير توزيع أنماط الأحياء المائية في البحار والمجاري المائية عامة، لا يمكن إغفال ضرورة إعادة استعمال المواد العضوية والسمادية المتبقية من مياه الصرف الصحي والزراعي، وهذه الحلول لا زالت في مراحل التجارب ولكن يجب تشجيعها.

ب- المنظفات detergents: تحتوي عادة مياه الصرف الصحي على نسبة عالية من الفوسفور تعادل مرتين ونصف كمية النيتروجين الموجود فيها، وتشكل المنظفات بمحتواها من الفوسفور على حوالي 60% منها، في حين يحتاج النمو النباتي العادي في البيئة المائية على كمية من الفوسفور أقل من النيتروجين، وعلى ذلك حتى لو أمكن استبعاد جميع الفوسفور الذي مصدره المنظفات، فإن الناتج سيكون غير متوازن وفقير في المركبات النيتروجينية. ويمكن في بعض المناطق تعويض ذلك عن طريق المخالفات الصناعية والزراعية الغنية بالنيتروجين. وتنمو العوالق النباتية عادة بدرجة محدودة عند مصبات الأنهار الساحلية بسبب فقر الماء بالنيتروجين.

ص: 302

ج- مبيدات الهوام pesticids: استخدمت مركبات الهيدروكربونات الكلورية بكثافة عالية كمبيدات للهوام منذ منتصف الأربيعينات، وبلغ الإنتاج العالمي من ما يزيد على 85.000 طن وبذلك فقد انتشرت متبقيات هذا التركيب والمركبات الناتجة عنه تحلله انتشارا واسعا في جميع أرجاء العالم، وكانت لها تأثيرات بيولوجية بالغة الضرر. وتختلف الهيدروكربونات الكلورية عن المركبات العضوية التي تتفكك بسهولة وبسرعة بفعل الجراثيم ولا يتبقى شيء من آثارها في الأنسجة الحية. ولا يوجد حتى الآن أية أنواع من الجراثيم القادرة على تحليل مركبات الهيدروكربونات الكلورية، ولهذا فهي تبقى في البيئة لمدة طويلة. وقد ساعد على الانتشار السريع لمتبقياتها في البيئة قدرة الهوام على تكوين سلالات مقاومة لها، مما أدى إلى الاستخدام المتزايد لجرعات أكبر من المبيد لبلوغ نفس الكفاءة في المقاومة.

ولا يمكن إنكار الفائدة العظمى التي نتجت عن استخدام هذه المركبات على المدى القصير كمبيدات للهوام المنزلية والزراعية. فقد تم استئصال الملاريا من كثير من المناطق في العالم باستخدام د. د. ت. لإبادة بعوضة الأنوفيل Anopheles mosquito وحققت مكافحة الحشرات في المحاصيل التجارية نتائج باهرة. فقد أدى استخدام د. د. ت. إلى زيادة الإنتاج بما يعادل أكثر من خمسة أضعاف القيمة التي تدفع ثمنا لهذا المبيد، ولكن وضح بعد ذلك ضخامة تكاليف التأثير الضار الجانبي الذي لم يكن متوقعا والذي فاق الفائدة العائدة من استخدامه. ومن الصعب عمل مسح شامل لتوزيع متبقيات د. د. ت. في البيئة، إلا أنه معروف أن البيئة البحرية هي المصب النهائي لـ د. د. ت. وغيره من المركبات الهيدروكربونية الكلورية والتي تدخل البحار والمحيطات إما بواسطة حملها بالجو أو بواسطة الأنهار التي يبدو أنها قليلة. وقد قدرت الكميات من هذه المركبات التي انتقلت إلى البيئة البحرية حتى نهاية الستينات بحوالي 25% من الإنتاج الكلي. والكمية التي انتقلت إلى أنسجة النباتات والحيوانات البحرية بأقل من 0.1% من الإنتاج الكلي، وهذه الكمية الأخيرة رغم صغرها ألحقت أشد الضرر بالبيئة البحرية. ولا يعرف حتى الآن المدة التي تبقى فيها هذه المتبقيات في البيئة البحرية دون تفكك، وبذلك لا يعرف ما إذا كانت البيئة البحرية قد بلغت حالة التوازن الثابت أو أن تركيز المتبقيات آخذ

ص: 303

في الزيادة، حتى بعد الحد من استخداماتها، وقصرها على أغراض الصحة العامة والتي فيها لا يتسرب كمتبقيات في البيئة إلا الكميات الضئيلة ويبدو أن المركبات الهيدروكربونية الكلورية الأخرى الآخذة في الاستخدام كمبيدات للهوام من حشرات وفطريات حشائش لها تأثيرات بيولوجية ضارة مثل د. د. ت. إلا أنها لم تقيم بعد. هذا بالإضافة إلى مركبات ثنائي الفينيل عديد الكلو polychlorinated biophenyls "PSBS" السامة جدًّا والمستخدمة بكثرة في الصناعة كعوامل تلدين Plasticizers في إنتاج البلاستيك والمطاط، وما تحدثه من متبقيات، والتي وجدت في كل ما أمكن من طرق معتمدة للتعرف عليها. وكلما درست الآثار الضارة لمتبقيات هذه المركبات غير القابلة للتحلل بيولوجيا اكتشفت تأثيراتها الضارة التي لم تكن متوقعة.

ونظرا للتأثير المتلف للبيئة الذي يحدثه د. د. ت.، فقد حرم استخدامه في العمليات الزراعية في كثير من الدول المتقدمة منذ السبعينات، إلا أن كثيرا من الدول النامية لا زالت تستخدمه نظرا لاحتياجها إلى إنقاد المحاصيل الغذائية، ويبدو أنها مستمرة في ذلك طالما لم يوجد البديل الفعال الذي يعادل د. د. ت. في رخصه. وتتوفر الآن بدائل من مبيدات الحشرات الأقل مقاومة في البيئة، والتي يمكنها التحلل بسرعة وتصبح غير ضارة. إلا أنه نظرا لسهولة وسرعة تفكهها، فلا بد من معاملة المحاصيل بها عدة مرات لبلوغ الدرجة المماثلة من المكافحة للهوام، وهي بصفة عامة أغلى ثمنا من د. د. ت. وتأثيراتها العامة على البيئة لا تظهر إلا بعد الاستخدام الطويل لها. كما أن كثيرا من المركبات الهيدروكربونية الفوسفورية أكثر سمية من د. د. ت. للثدييات والإنسان. وهناك العديد من المشاكل العلمية والاقتصادية التي يجب دراستها وإيجاد حلول لها قبل منع استخدام الـ د. د. ت. وغيره من المركبات الهيدروكربونية الكلورية في جميع أنحاء العالم.

وقد ثبت على مستوى الأبحاث العلمية أن التركيزات المثبطة من د. د. ت للعوالق النباتية هي في حدود 10 أجزاء من البليون "ppb" في حين أن قابلية ذويان د. د. ت تقدر بجزء من البليون أي عشر التركيزات المثبطة للعوالق النباتية إلا أن العوالق التي تنمو في المياه السطحية، وهي الناتج الأول ومصدر كل المواد العضوية التي تغذى الكائنات الحية الأخرى، تتعرض إلى تأثير مزدوج لكل من د. د. ت. الذائب في مياه البحار، وذلك الذي يذوب في الدهون ويتركز في صورة

ص: 304

أغشية زيتية. ويتجمع د. د. ت. في العوالق النباتية بتركيز أكبر مما يوجد في العوالق الحيوانية. ونظرا لأن الأنسجة الحية غير قادرة على استقلاب د. د. ت. فهو يتركز في البركة الدهنية lipid pool للكائنات الحية، ويميل إلى التجمع والتركيز العوالق الحيوانية يجمع تركيزات من د. د. ت. أعلى من الرعي على العوالق النباتية، وآكلات اللحوم من الطيور والأسماك البحرية تجمع أكبر الكميات من متبقيات د. د. ت وهي ضمن تلك التي لحقت بها أكبر التأثيرات الضارة. وعموما فقد ثبت أن جميع أسماك المياه الغذبة والمالحة ملوثة بالـ د. د. ت أو ناتجات تفككه، والتي لها تأثيرات فيزيولوجية مشابه لـ د. د. ت. كما وجد أن تركيز 5 أجزاء من المليون في بيض سمك التروت trout يؤدي إلى فشل تام "100%" في تطور السمكة، وتموت الأسماك في الوقت الذي يبدأ استقلاب كيس الصفار. كما ثبت عدم تحمل الأنواع التجارية من القريدس والكابوريا لتركيزات أقل من 0.2 جزء في البليون من الـ د. د. ت. وماتت هذه الأسماك في أقل من 20 يوما لتعرضها. كما يؤثر الـ د. د. ت. وماتت هذه الأسماك في أقل من 20 يوما لتعرضها. كما يؤثر الـ د. د. ت. على نمو المحارات oysters في مستويات تبلغ 0.1 جزء في البليون في الماء المحيط بها. وعلى العموم فهناك تأثير مباشر للـ د. د. ت أقل من درجة ذوبانه في الماء. وقد أعدمت كميات كبيرة من أسماك المكاريل macherel في مناطق كثيرة من العالم لاحتواء الأنسجة بها على أكثر من 5 أجزاء في المليون، وهو الحد الأقصى المسموح به للجزء القابل للأكل في الأسماك. وهذا مثال للحالات التي تقاوم فيها الأسماك تأثيرات الـ د. د. ت.، ولكن يتأثر الإنتاج تأثيرا خطيرا بسبب التلوث.

وفيما يتعلق بالطيور، وخاصة الجارحة منها والتي تمضي معظم حياتها في البحار أو بالقرب منها، فقد قلت تجماعاتها وأنواعها بدرجة كبيرة، إذ يؤدي تراكم متبقيات الـ د. د. ت. إلى فشل البويضات في الفقس. ومن المتوقع أنه بتجمع متبقيات الـ د. د. ت. وغيره من المواد الكيميائية الهيدروكربونية الكلورية في نظم الكائنات الحية البحرية حول العالم يزيد الفشل التناسلي في أنواع الطيور البحرية.

د- البترول ونواتج تفككه ومخلفاته: البترول هو أحد ملوثات البحار والمحيطات الآخذة في الزيادة عاما بعد عام. وتقدر كمية البترول الملوثة للبحار والمحيطات من جميع المصادر بما يتراوح بين 1 و 10 ملايين طن سنويا. ويحدث

ص: 305

معظمها في المناطق الساحلية، كما توجد بعض البقع البترولية وكريات القطران في عرض المحيطات والبحار، مما يدل على أن تلوث البيئة المائية أصبح يشكل خطورة على الأسماك في شتى بقاع العالم.

والبترول الخام عبارة عن خليط من مركبات كثيرة، وقد يحتوي على آلاف من المركبات المختلفة، كما تختلف هذه المركبات من حيث ذاتيتها وخواصها الطبيعية والتركيبية باختلاف المصدر. وتهدف عملية التكرير إلى استبعاد مركبات معينة، ومع ذلك فالبترول المكرر مخلوط معقد من أنواع مختلفة من الهيدروكربونات.

وتحتوي جميع أنواع البترول الخام على مركبات سامة للأحياء المائية. وبعضها قابل للذوبان في الماء، وبعضها يتبخر على السطح، وبعضها يكون بقعا وجسيمات تنتشر بسرعة، وبعضها يرسب في قاع البحار والمحيطات وينفذ داخل رمال القاع. ويحتاج التقييم الكامل لمدى سمية وتوزيع الملوثات البترولية إلى دراية وافية لتأثير كل مكونة على حدة. لا تحتوي الدراسة التي أجريت حتى الآن إلا على القليل منها. إلا أنه قد عرف وشوهد من زمن أن تلوث البحار بالبترول يتبعه عادة انجراف الأحياء البحرية الميتة إلى الشواطئ، ومن بينها الأسماك ذات القيمة التجارية وكذلك الطيور وحتى السرطانات "الكركند" lobsters أو الأسماك التي تعيش في القاع. كما لوحظ أنه حتى بالنسبة للأحياء البحرية التي أمكنها مقاومة تأثير التلوث البترولي، أن أنسجتها تحتوي آثارا منه حتى بعد مرور أكثر من سنة على حدوث التلوث البترولي. وقد ثبت أن الهيدروكربونات يمكنها النفاذ من جدر الأمعاء والتجمع في الأجزاء الدهنية lipid pool حيث تذوب في الحموض الدهنية، وحتى بالنسبة للهيدروكربونات غير الثابتة فهي لا تتفكك بل تقاوم فعل الجراثيم ويمكنها أن تنتقل إلى الأحياء المفترسة ثم إلى الإنسان بعد تناوله الأغذية البحرية الملوثة.

وفي الحقيقة فإن الهيدروكربونات التي يتكون منها البترول الخام يمكنها التفكك بواسطة الأحياء الدقيقة البحرية، إلا أنه لا يعرف إلا القليل عن معدل التفكك، ولا يوجد مكروب واحد يمكنه تفكيك كل مكونات البترول الخام، حيث أن الجراثيم كائنات شديدة التخصص، ويحتاج الأمر إلى العديد من السلالات التي يمكنها تفكيك جميع أنواع الهيدروكربونات الموجودة في البترول الخام. ولسوء

ص: 306

الحظ فإن الفارافينات العادية، وهي الأقل سمية، هي التي تتفكك وتتحلل بسرعة، أما الهيدروكربونات الأروماتية السامة وبخاصة عديدة النوى الأروماتية منها polynuclear aromatics فهي لا تتفكك بسرعة.

وقد ثبت أن المياه الساحلية يمكنها تجديد نفسها من آثار التلوث بدليل أنها لا تخلو من الحياة البحرية رغم التلوثات التي تطرأ عليها، ولكن من البديهي أن زيادة التلوث عن قدرة البحار على تجديد نفسها قد يؤدي إلى كوارث كبيرة، فقدرة البحار والمحيطات على استيعاب التلوث البترولي غير معروفة.

ويشكل التلوث البترولي الناتج عن الحوادث حوالي 10% من مجموع التلوث البحري بالبترول، والباقي مصدره العمليات العادية لحركات البواخر وإنتاج البترول من مياه الشواطئ وعمليات التكرير وتصريف مخلفات البترول، وكذلك الهيدركربونات غير مكتملة الاحتراق بعد تفريغ البترول من الشاحنات تملأ بالماء لحفظ توازنها أثناء العودة وتفرغ هذه الكمية من المياه في البحر على بعد لا يقل عن 50 كيلو مترا من الشاطئ، وتنظف الناقلات قبل دخولها ميناء الشحن. ولا تشكل عوادم زيت تزييت السيارات وغيرها من الماكينات إلا القليل من نسبة التلوث. فالبرغم من أن كمياتها تتراوح بين 0.5 – 1 مليون طن سنويا، فإن معظمها يصرف في الأرض.. وتمثل حوادث الناقلات أقل من 10% من مجموع التلوث للبحار والمحيطات.

هـ- مخلفات أخرى عضوية. بالإضافة إلى ما سبق: يوجد بضعة آلاف نوع من المركبات الكيميائية تنتجها المصانع كمخلفات للعمليات الصناعية المختلفة تصرف في البحار وتلوث مياهها، بالإضافة إلى أن صناعة البتروكيماويات المتنوعة ينتج عنها مخلفات عضوية ومعدنية، كالمعادن الثقيلة والحموض والكلور، وكلها تصب في المياه البحرية. وبعض هذه المخلفات يؤدي إلى تغير نكهة المنتجات البحرية، وبعضها يسبب الأمراض الخبيثة، وقد تتجمع في أنسجة الحيوانات البحرية وتنتقل إلى الإنسان كما توجد مخاطر أخرى لتلوث البحار والمحيطات عند نقل البتروكيماويات عبر البحار، سواء ما كان منها مذيبات عضوية، أو منتجات وسطية تحتاج إلى استكمال تصنيعها. وينتج عن صناعة العجائن الورقية والورق مخلفات أخرى، قد تسبب مشاكل كبيرة إذا ما تسربت إلى المياه البحرية. وكل هذه

ص: 307

المركبات إذا ما تم تفككها بواسطة الجراثيم المائية فإنها تحتاج إلى الأكسجين الذائب، شأنها شأن مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وتحول الماء إلى ماء خال من الأكسجين، قبال لإنتاج غازات كبريت الهيدروجين والميثاق التي تقتل كل الأحياء المائية في المنطقة وإذا ما تم تصريف مثل هذه المخلفات في المجاري المائية العذبة، تكونت مواد سامة عديمة الرائحة تشكل أخطارا جسيمة بالنسبة للإنسان إذا ما استعمل هذا المصدر كمياه للشرب. وعلى العموم فلا زالت الدراسات عن تأثير هذه المواد الكيميائية على الأحياء المائية غير مكتملة.

و المخلفات غير العضوية: يعرف عدد كبير من المواد الكيميائية المعدنية كمخلفات في البيئة المائية، تتراوح بين غير الضار وشديد السمية، ويختلف مدى ضررها باختلاف أماكن تصريفها، وعما إذا كانت في المياه العذبة أو في المياه المالحة. فالحموض والقلويات، وهي مخلفات لكثير من الصناعات المختلفة يكون لها تأثير بالغ القدر إذا ما صرفت في المياه العذبة التي تحتوي على أحياء دقيقة حساسة لحموضة أو قلوية البيئة المائية التي تعيش فيها، بخلاف مياه البحار التي تحتوي على أملاح معدنية تكون قادرة على معادلة الحموضة أو القلوية وتقليل تأثيرها على البيئة البحرية. ويوجد بالمياه البحرية عناصر أخرى بوفرة، فعندما تستقبل كميات إضافية منها كمخلفات يصبح لها تأثيرات ضئيلة، أما إذا دخلت إلى بيئة المياه العذبة فتكون تأثيراتها شديدة. وينتمي إلى هذه المجموعة من العناصر الصوديوم والبوتاسيوم والكلور والكالسيوم والمغنيزيوم وايونات الكبريتات. فإضافة مثل هذه العناصر إلى بيئة المياه المالحة تستحدث تغيرات نسبية بسيطة، وربما لا تؤثر بتاتا على النظم الحية بها، ولكن نفس التركيز قد يكون بالغ الأثر في حالة المياه العذبة.

ومن المتوقع أن جميع العناصر التي قد تكون موجودة في التربة أو الصخور بفعل العمليات الجيولوجية الطبيعية تكون في تآكل وذوبان مستمر ويكون مصبها النهائي هو البيئة المائية العذبة أو المالحة. ونتيجة للعمليات الصناعية المختلفة التي يقوم بها الإنسان تزداد هذه المخلفات الصناعية بنسب بسيطة أو كبيرة حسب أنشطة الإنسان الصناعية.

وأكبر المعادن التي تحتويها المخلفات غير العضوية هو الحديد، وليس له تأثير يذكر في البيئة المائية العذبة أو المالحة. ويليه من حيث الكمية النيتروجين

ص: 308

والفوسفور ولهما تأثير مسمد للمياه سبق الكلام عنه في مخلفات الصرف الصحي والزراعي أما بقية المعادن فهي سامة، ولها تأثيرات متفاوتة على الأحياء المائية، أهمها الزئبق والرصاص والنحاس والكادميوم والكروم والزنك والنيكل والزرنيخ وإنتاج هذه المعادن متزايد وبالتالي فإن مخلفاتها في البحار متزايدة، وحتى الآن لا يوجد لها تأثير على البيئة المائية فيما عدا الزئبق والرصاص، وفقط في مناطق محدودة يتميز فيها التلوث بكثافة عالية.

فالزئبق مادة سامة لكل من الإنسان والأحياء المائية، وأصبح الآن واسع الانتشار في البيئة، وهو كغيره من المعادن الشديدة السمية يتجمع في أجسام الكائنات الحية ويبقى فيها لمدة طويلة ويعمل كسم تراكمي. وهو يستعمل في كثير من العمليات الصناعية، ويمكن أن ينتقل إلى البيئة المائية كمخلفات أو عن طريق الهواء الجوي، إذ أن ضغطه البخاري عالي في درجة الحرارة العادية ويولد بخارا ينطلق باستمرار في الهواء المحيط. هذا بالإضافة إلى العمليات الصناعية التي تستخدم فيها الحرارة فيزداد انطلاق الزئبق في الجو كبخار. كما أن المركبات الزئبقية تستخدم كمبيدات للهوام خاصة في مقاومة الفطر في الزراعة، وكذلك في صناعة الورق لإزالة المواد الغروية. وكذلك كعامل مزيل للرغوة في صناعة الطلاء. ومخلفات هذه الصناعات المحتوية على نسب معينة من المعدن تصب مباشرة في البحار.

وأملاح الزئبق المعدنية سامة جدا، كما أن بعض أملاحه العضوية أشد سمية. ويتحول الزئبق في البيئة المائية إلى ميثيل الزئبق بفعل الجراثيم، ويتراكم في الأسماك والأصداف ويكون في غاية السمية بالنسبة للإنسان الذي يستهلك هذه الأسماك. وقد حدثت حالات وفاة كثيرة في اليابان بسبب التسمم بالزئبق نتيجة لاستهلاك أغذية بحرية ملوثة به. وهناك كثير من البحيرات في السويد ومناطق ساحلية في بحر البلطيق زاد فيها التلوث بالزئبق، ومنع صيد الأسماك بها. وهناك حالات أخرى كثيرة في دول كثيرة منع بها صيد الأسماك أو نوع معين من الأسماك بسبب التلوث الزائد بالزئبق. وتحتوي أسماك المحيطات، وبالذات التونة وأسماك سيف البحر sword fish على أكبر تلوث للزئبق في أنسجتها، ويؤثر ذلك على تجارة هذه الأسماك بدرجة كبيرة.

ونظرا لأن الزئبق معدن ثمين، فيمكن في كثير من الأحوال استخلاصه من

ص: 309

المخلفات وإعادة استعماله في الصناعة، إلا أنه في حالة استخدامه في الزراعة في معالجة البذور كمثبط لنمو الفطريات لا يمكن استخلاصه وإعادة استخدامه، ولهذا فقد حرمت بعض الدول استخدامه كمبيد للفطريات.

أما الرصاص فيلي الزئبق من حيث خطورته على البيئة المائية التي يتلوثها، وذلك بعدة طرق، أهمها هو إضافته في صورة رابع إيثيل الرصاص tetraethyle lead إلى البنزين لتحسن كفاءة محركات السيارات. وعند حرق البنزين ينتقل الرصاص إلى الجو ويعيق نمو النباتات. وقد لوحظ ذلك بوضوح في المناطق التي تتميز بحركة كثيفة للسيارات. وهو كغيره من الملوثات التي تنتقل عن طريق الجو، يمكن أن يحمله الجو لمسافات بعيدة عن المصدر ويرسب في البحار كجزيئات أو بعد ذوبانه في الأمطار وقد ثبت تركيز هذه الملوثات الزائد في المياه السطحية للبحار في بعض المناطق بالمقارنة بالمياه العميقة. وتوجد عادة التركيزات الكبيرة من الرصاص كرواسب في قاع البحار بالقرب من تجمعات الأحياء المائية أما بقية المعادن التي تلوث البحار فنظرا لوجودها كمعادن ملوثة في البحار بتركيزات بسيطة فيه لا تشكل خطورة كبيرة كما في حالة الزئبق والرصاص.

ز- المواد المشعة: يعتبر تلوث البيئة المائية بالمواد المشعة موضوعات ذا طابع خاص كثير التعقيد، فالنشاط الإشعاعي قد ينتج عنه مشاكل كثيرة، حيث أن النظائر المشعة لا تحدث فقط تأثيرا مباشرا وسريعا على الكائنات الحية، بل وأهم من ذلك فقد تؤدي إلى ظهور تحولات للحموض النووية التي تحمل كل المعلومات الخاصة بتطور الخلية، مما يكون له أبلغ الأثر في الأجيال التالية. وهناك سيطرة محكمة للاستخدام المدني للطاقة النووية لتقليل المخاطر التي قد تتعرض لها الصحة العامة أو تؤدي إلى تلف المواد المائية. إلا أن الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية سيؤدي حتما إلى زيادة استخدام الطاقة النووية مستقبلا، وسيتطلب تصريف المخلفات المشعة عناية شديدة. ومن الممكن أن تتلوث البيئة المائية بالمواد التي لها نشاط إشعاعي عن طريق عدة مصادر، بعضها يخضع لرقابة محكمة، إلا أن بعضها يحدث مصادفة ومن الصعب التنبؤ به أو مراقبته بإحكام، وينتج عن ذلك أضرار بالغة.

ومن المعروف أن النشاط الإشعاعي آخذ في الزيادة باطراد في البيئة الجوية والمائية منذ أن كانت التجارب النووية تجرى في الجو، مما أجبر الدول على

ص: 310

تحريم التفجيرات في الجو، فبدأ بعد ذلك النشاط الإشعاعي يقل تدريجيا في البيئة الجوية والمائية:

فعندما تنفجر الأسلحة النووية في الجو، يرتفع الغبار الذري في الطبقات العليا ويتوزع بسرعة في كل أنحاء الكرة الأرضية. إلا أن الجزيئات الكبيرة تعود ثانية إلى الأرض على بعد كيلو مترات قليلة في صورة تساقط ذري "هيال"، أما الجزيئات الدقيقة فإنها تبقى في طبقات الجو العليا، وتدور حول الأرض وتعتبر مصدر تلوث إشعاعي لسنوات عديدية، يتوقف على نوع العناصر المشعة المنبثقة وقد أدت الاختبارات الخاصة بالأسلحة النووية في البداية إلى تلوث البيئة الجوية والمائية، وكان من الممكن صدها بسهولة في كل أنحاء العالم.

وقد روعي في تصميم وبناء السفن والغواصات النووية الاحتياطات اللازمة لعدم تلوث البيئة بالعناصر المشعة. ولا توجد أية مخاطر للتلوث الإشعاعي عن طريق هذا المصدر، ما دام تشغيل هذه المعدات يخضع لرقابة محكمة.

إلا أن الزيادة المتوقعة في إنتاج الطاقة النووية يترتب عليه زيادة لا يمكن تجنبها في المخلفات النووية التي يجب التخلص منها بطريقة لا تعرض البيئة الجوية أو المائية للخطر.

وتنتج هذه المخلفات في مفاعلات تصنيع الوقود الذري، التي تتحول المخلفات الانشطارية فيها من اليورانيوم غير المنشطر الذي يمكن إعادة استخدامه وتخزن عادة هذه المخلفات السائلة المشعة في حاويات كبيرة من الإسمنت أو الصلب في أماكن إ نتاجها بطريقة تمنع تسربها إلى البيئة الجوية. وبمرور الوقت تستقر هذه العناصر المشعة وتتحول إلى عناصر ثابتة غير مشعة. ويكون التخزين بهذه الطريقة مأمونا لبضعة أجيال لمنع أي تلوث إشعاعي للبيئة، حيث أن العمر النصفي للعناصر الخطرة الموجودة في مخلوط انشطاري معين يقاس عادة بعشرات السنين، فمثلا نصف العمر للسترونسيوم 90 المشع هو 27.7 سنة وللتريتيوم 12.3 سنة.

وتوجد مصادر أخرى لتلوث البيئة المائية بالإشعاع، مثل التجارب العلمية والاستخدام الطبي للنظائر المشعة. وتمارس عمليات الرقابة بإحكام لحماية البيئة والأشخاص المعرضين. وعادة تكون المخلفات السائلة عن هذا الطريق منخفضة التركيز ويمكن صرفها في مياه الصرف الصحي دون أخطار تذكر. أما المواد الصلبة.

ص: 311