الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشر، بريادة إنجلترا وفرنسا، هي الفترة التي تم فيها التوسع الضخم في كثير من الميادين التي تحمل معنى خاصًا لخدمات الرقابة على الأغذية. فقد كان هناك إدراك واضح لأهمية خدمات الرقابة على الأغذية، فروجعت أحكام القوانين تبعا لذلك، وسلم بأخطار الغش من الناحية الصحية، وأصبحت هذه القوانين أساسا للقوانين اللاحقة. وأكبر عائد لهذه الفترة هو الاعتراف بضرورة تحليل الأغذية، وبالجمع بين قانون الأغذية والتحليل في أي جهاز للرقابة على الأغذية. أما الضرورة الثالثة في محيط الجهاز المتكامل للرقابة على الأغذية فكانت في ذلك الحين مفقودة وهي التفتيش غير المتحيز وخطوات أخذ العينات.
القرن العشرون:
وقد شهد القرن العشرون تقدما رائعا في كل مجالات العلوم، أسفر عن تطوير أكبر في خدمات الرقابة على الأغذية، يمكن معها حماية المستهلك حماية كافية ضد الأخطار الجديدة المنبثقة، والمساعدة في نمو وتطور تجارة الأغذية المحلية والعالمية.
تصنيع الأغذية:
ظهرت حتمية معالجة الغذاء بطريقة أو بأخرى، كالمعالجة بالحرارة العالية، أو فوق العالية، أو بالتبريد أو بالتجميد، أو بالمعالجة بالإشعاع أو بإضافة الكيماويات أو بتغليفه بطريقة ما، وذلك كله بغرض إطالة فترة قابليته للحفظ ليتسنى نقله أو تسويقه أو تخزينه لحين استهلاكه، أو لتحسين مظهره أو طعمه أو رائحته، أو لإخفاء ما قد يعتري بعض صفاته الظاهرية أو التركيبية من تغير غير مرغوب، أو بصفة عامة لكي يحتفظ الغذاء بمعظم صفاته أو خواصه الطبيعية، أو لكي يعوض عن بعض خواصه المفقودة كليا أو جزئيا، أو تلك الخواص المحتمل فقدانها أثناء فترة النقل والتسويق أو التخزين، أو لكي يكتسب صفات أو خواصا مرغوبة تضمن تقبل المستهلك له.
ونتج عن ذلك كله أن تغيرت إلى حد كبير حالة الغذاء الطبيعية الأصلية وظهرت مشاكل جديدة لم تكن معروفة أو ذات أهمية كبيرة من قبل، تتعلق بمظهر الغذاء أو طعمه أو قيمته الغذائية، وذلك في سياق إنتاجه أو نقله أو تخزينه أو تصنيعه أو تسويقه، انعكست آثارها على صحة الأفراد واقتصاد الأمم.
مقاومة الهوام "الآفات" وتسرب بقايا المبيدات في الغذاء:
وثبت في نفس الوقت أن تمركز إنتاج محاصيل الغذاء أدى إلى خلق مخاطر كامنة، مثل الانتشار السريع لأمراض وهوام المحاصيل، مما اقتضى اتباع طرق أكثر فاعلية للسيطرة الجماعية السريعة على هذه الأمراض والهوام، وهي استعمال الكيماويات، أو بمعنى أدق المبيدات، التي أصبحت الآن وسائل ضرورية لإنقاذ المحاصيل الزراعية الغذائية من الهوام، أو لزيادة غلة وحدة المساحة الزراعية من المحاصيل الغذائية وتقليل الفقد أثناء التخزين أو النقل أو التسويق. كما وضح كذلك أن هذه الحالة أدت إلى إدخال هذه الكيماويات وغيرها بطريقة غير مباشرة إلى البيئة التي نعيش فيها ومن ثم تسربت آثارها إلى جسم الإنسان فارتفع مستواها في الدم. وقد ثبت انعكاس آثار ذلك كله على الصحة العامة للمجتمع.
استنباط طرق التحليل الدقيق وتطوير خدمات الرقابة على الأغذية:
كما كان نتيجة للنهضة العلمية الكبيرة التي بدأت في الخمسينات من القرن العشرين، والتي كانت مصاحبة لنهضة علمية كبيرة في استنباط أجهزة وطرق التحليل والقياس المتناهية الدقة، أن عرفت مسببات أخرى لأضرار تلحق بصحة الإنسان عند استهلاكه للأغذية غير الصالحة لم تكن معروفة من قبل، مما دعا الكثير من الدول المتقدمة في أواخر الستينات إلى تطوير وتحديث وسائل الخدمات المتعلقة بالرقابة على سلامة الأغذية وجودتها، بما يواكب التطورات الحديثة في العلم والتكنولوجيا، وذلك لإحكام الرقابة وتلافي الضرر، وهي الخدمات المتعلقة بالتحليل analysis والتفتيش audit والتدريب training، وفوق كل ذلك التشريعات المتكاملة التي تنظم وتنسق إدارة هذه الخدمات بما يحقق أحكام وفعالية الرقابة ضمانا لحمايةالمستلهك وحفاظا على الاقتصاد القومي.
مولد فرع جديد من القوانين يرتبط بالغذاء:
وبالرغم من أن ظهور القوانين القديمة للأغذية أو تطويرها قد بدأ في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إلا أن أهم ما تميز به القرن العشرون هو ولادة فرع متفصل من القانون يرتبط بالغذاء ويحوي أحكاما أكثر دقة في التطبيق وأكثر تحديدا وكمالا في محتوياتها، ويأخذ في الاعتبار الأوضاع السائدة فيما وراء الحدود السياسية. ولم تقتصر أحكام هذا القانون على حماية المستهلك ضد الخداع.
في كمية البضاعة أو وزنها أو غشها بإضافة عناصر غير نافعة إليها أو سحب عناصر نافعة منها، وما إلى ذلك مما كان يعار إليه الانتباه الأكبر، بل امتدت لتشمل وتركز على رقابة الأوصاف المبالغ فيها للمنتجات، والتصريحات الخاصة بالتغذية، والادعاءات المضللة في وضع البيانات التوضيحية على البطاقات، وفي الإعلان عن السلع، وفوق كل ذلك الحماية ضد الأخطار الجديدة لصحة الإنسان والمسببة للأمراض، وبخاصة الخبيثة منها، والتشوهات الخلقية في الأجنة والتي قد تنتج عن التلوث الميكروبيولجي للأغذية أو التلوث الإشعاعي أو التلوث بالملوثات الكيمائية والبيوكيميائية كمضافات الأغذية أو بقايا مبيدات الهوام "الآفات" أو المعادن الثقيلة أو الذيفانات أو السموم البيولوجية أو المواد الملونة للأغذية أو مواد التغليف التي تلامسها.
الدول النامية:
وعلى العكس من التطور المطرد في خدمات الرقابة على الأغذية والانتعاش الاقتصادي العام في الدول الصناعية، ظل الموقف في كثير من الدول النامية راكدا، وحيث كانت الرقابة على سلامة وجودة الأغذية بها غير معروفة في الكثير منها إلا ما ندر.
إلا أنه اتباعا لأمثلة من الدول المتقدمة في إدخالها للمرة الأولى معايير الرقابة على الأغذية، اتخذت بعض المجتمعات غير الصناعية خطوات لإقامة معايير الرقابة. ومن أمثلة ذلك الهند. حيث كان تأثير الفكر الإنجليزي واضحا منذ عام 1860 أما في بقية دول الشرق الأقصى فكانت الرقابة على الأغذية بطيئة في ظهورها، ولم تدخل معايير في هذا المجال قبل الأربعينات أو حتى قبل الستينات من القرن العشرين. وكانت اليابان بنموها الصناعي السريع أحد الاستثناءات، بالرغم من أن كثيرا من جيرانها لم يتحرك بهذه السرعة.
إفريقيا والشرق الأدنى:
أما في أفريقيا والشرق الأدنى فكانت لقوانين الأغذية أهمية قليلة حتى النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تأثرت الدول المستقلة التي بدأت في الظهور في نهاية الخمسينات بالدول الأوروبية التي كانت متصلة بها اتصالا وثيقا، وامتد هذا التأثير إلى خدمات الرقابة على الأغذية. وبصفة عامة فإن البلاد التي كانت تابعة.
لفرنسا استحدثت قوانين فرنسية في مجال الرقابة على الأغذية، والبلاد التي كانت تابعة لإنجلترا اتبعت الطريقة الإنجليزية، وهكذا. وكانت تشريعات الأغذية لدى الدول حديثة الاستقلال مستوردة، وكانت في حاجة إلى تعديلات كثيرة لتتلاءم مع الأوضاع المختلفة تماما عن تلك التي وضعت من أجلها القوانين في بلادها الأصلية وقد بدأت في بعض الدول المحاولات المحلية لتحديث القوانين أو ضبط التناقضات في التشريعات التي كانت سارية سابقا، وانتهت في بعض البلاد إلى ضرورة استحداث قانون جديد متكامل كحل وحيد لمعالجة الموقف معالجة كافية مع تطوير خدمات التحليل والتفتيش.
وتعاني معظم الدول النامية بصفة عامة ومعظم دول الشرق الأدنى بصفة خاصة الكثير من المشاكل التي تعترض إقامة أجهزة كافية وفعالة، أو تطوير ما لديها من أجهزة في مجال الرقابة على الأغذية، منها النقص الكبير في الخبراء القادرين على تخطيط نظام متكامل للرقابة على الأغذية يتناسب مع الظروف المحلية، مع الأخذ في الاعتبار الظروف العالمية، أو النقص الكبير في الفنيين المؤهلين والمدربين تأهيلا وتدريبا كافيين لإجراء عمليات التحليل، وخاصة تلك المتناهية في الدقة، وكذلك عمليات التفتيش الصحيحة، وأخذ العينات، أو نقص في المعدات أو التمويل اللازم. إلا أن المشكل المشترك دون جدال هو غياب السلطة والإدارة القوية المنسقة لتلك الجهود.
نشأة فكرة المواصفات القياسية للأغذية وتطورها:
إن الاهتمام العالمي بالمواضيع المتعلقة بالرقابة على سلامة وجودة الأغذية حديثا نسبيا. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية أسهم التقدم الضخم في التكنولجيا في تنشيط التجارة العالمية للغذاء، وتطلب الأمر إعادة تقييم الموقف، حيث اهتمت مجموعات من الدول بالمشاكل المتعلقة بمضافات الأغذية ومستويات الأمان لبقايا مبيدات الآفات "الهوام" في الأغذية، ورأت مجموعات أخرى من الدول ضرورة إزالة بعض العوائق المحلية التي تعترض التيار المتدفق بين الدول للمواد الغذائية القابلة للتلف. ومع ازدياد المصالح في الأسواق العالمية وتحسين التجارة الدولية في الغذاء أقامت الحكومات الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO ومنظمة الصحة العالمية "WHO" عام 1962 برناماجا مشتركا حول المواصفات القياسية للأغذية وذلك عملا بنهج يرجع إلى عام 1958.
فأنشأت جهازا فرعيا مشتركا هو هيئة مدونة الأغذية the Codex Alimentarius Commission في روما، حيث مقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. وقد أخذت هذه الهيئة واللجان المنبثقة عنها على عاتقها القيام بالدور القيادي في إعداد المواصفات القياسية الدولية للأغذية ومستويات الأمان لبقايا مبيدات الهوام والذيفانات والسموم الملوثة للأغذية وغيرها في أنحاء العالم.