الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
انتشار المرض في الوطن العربي:
تكاد تكون المعلومات المتوفرة عن المراضة والوفيات من الأمراض القلبية الوعائية في البلدان العربية شحيحة، ومعظم البيانات المتوفرة من الوفيات في المستشفيات. وبصفة عامة فإن نسبة معدل الوفيات من الأمراض القلبية الوعائية عالية جدًّا في دول المنطقة وأصبحت هذه الأمراض السبب الرئيسي للوفاة في معظم الدول العربية، وقد وصلت نسبة الوفاة إلى حوالي 3% من مجموع الوفيات الكلي في كل من دول الخليج العربي ومصر والأردن. ويشكل مرض احتشاء القلب نسبة عالية من مجموع هذه الوفيات [1] .
3-
عوامل الخطر:
يقصد بعوامل الخطر risk factors العوامل التي تساعد على الإصابة بأمراض القلب والشرايين. وكلما ازداد عدد هذه العوامل في الفرد ازدادت الفرصة بإصابته بأمراض القلب الوعائية. وأهم هذه العوامل كثرة تناول الدهون وارتفاع ضغط الدم، والإصابة بداء السكري، والحياة الخاملة sedentary lifestyle والتدخين، وتعاطي الكحول، وقلة تناول الأغذية الغنية بالألياف الطبيعية، والسمنة.
أ- تناول الدهون والكوليسترول: يوجد اتفاق عام على أن زيادة تناول الدهون، خاصة الحيوانية المنشأ، تلعب دورا مهما في الإصابة بأمراض القلب الوعائية. وهناك فئتان من الدهون. الأولى يمكن تسميتها دهون تساهم في إحداث تصلب الشرايين، والأخرى قد تكون واقية منه. ويعتقد أن الحموض الدهنية المشبعة saturated fatty acids مسؤولة بشكل خاص عن زيادة كوليسترول الدم فهي تزيد نشاط التجلط وتكدس الصفيحات platelets aggregation، وهي آليات ضرورية لإحداث الخثار thrombosis الذي يسهم في حدوث تصلب الشرايين. والدهون المشبعة موجودة في الأغذية الحيوانية مثل الزبدة والسمنة البلدية، وهناك مصادر حيوانية شائعة للدهون المشبعة مثل صفار البيض والكريم والجبنة والآيس كريم "المثلجات" ومنتوجات الألبان واللحوم الحمراء. وتحتوي بعض الزيوت النباتية على نسبة عالية من هذه الدهون وهي زيت النخيل palm oil، وزيت جوز الهند coconut oil، كما أن عملية هدرجة الزيوت النباتية الأخرى، مثل ما هو حادث في إنتاج المرغرين margarine تزيد مقدار الحموض الدهنية المشبعة في الدهون التي كانت من قبل غير مشبعة [1] .
أما الحموض الدهنية غير المشبعة unsaturated fatty acids، فيعتقد أنها لا تسبب خطورة بل تساعد على تقليل احتمال الإصابة بالنوبات القلبية عند تناولها باعتدال. وتنقسم هذه الدهون إلى مجموعتين رئيسيتين، الأحادية غير المشبعة.
monounsaturated fatty acids والدهون المتعددة غير المشبعة polyunsturated fatty acids. وحتى الآن فإن هناك الكثير من الجدل حول دور هذه الدهون في تخفيض مستوى الكوليسترول في الدم، ولكن يستخلص من بعض الدراسات أن الدهون غير المشبعة قد تخفض مستويات كوليسترول الدم، بخاصة في حالة إحلالها محل الدهون المشبعة. كما وجد أن استهلاك الدهون المتعددة غير المشبعة يترافق مع إنقاص خطر احتمال التعرض لتصلب الشرايين، لأنه يخفض مستويات كوليسترول الدم ومستويات البروتينات الشحمية الضارة [1 و5] .
ويعتبر الكوليسترول من أكثر المواد الدهنية التي لها علاقة بأمراض القلب. والكوليسترول جزء مهم من مكونات جدار الخلايا، وهو يصنع في الكبد ويدخل في تركيب بعض الهرمونات الهامة. ولا يعتبر الغذاء المتناول المصدر الأساسي للكوليسترول، بل يستطيع الجسم تصنيعه. وينتقل الكوليسترول في الجسم بواسطة الدم داخل جزيئات تعرف بالبروتينات الشحمية lipoprotein. وهناك نوعان من هذه البروتينات الشحمية، البروتينات الشحمية ذات الكثافة المنخفضة low- density lipoprotein "LDL" وتسمى بالكوليسترول الضار، حيث يؤدي ترسبها في الشرايين إلى تضييق وتصلب الشرايين، والبروتينات الشحمية ذات الكثافة العالية hight density lipoprotein "HDL"، وتسمى بالكوليسترول المفيد، تقوم هذه بنقل الكوليسترول من الشرايين وغيرها إلى الكبد حيث يتخلص منه. ويساعد هذا في إزالة بعض التغليف الدهني داخل الشرايين وبالتالي تقليل فرصة الإصابة بتصلبها [2، 6] .
وهناك مكون دهني آخر مهم وهو ثلاثي الغليسريد triglyceride، وهو أكثر أنواع الدهون شيوعا في غذاء الإنسان وفي جسده. ويتألف من مكونين، الغليسرول glycerol والحموضالدهنية ويعتبر ثلاثي الغليسريد أهم مصادر الطاقة في الجسم. والارتفاع الشديد في مستوى هذا المكون الذهني يزيد من احتمال إصابة الشخص بالتهاب بالنكرياس، إضافة إلى ازدياد احتمال تعرضه للإصابة بجلطة في القلب أو الدماغ [6] .
ويتضح مما سبق أنه يجب عدم الاعتماد على قياس نسبة الكوليسترول في الدم فقط، بل معرفة مستوى الكوليسترول الضار والمفيد، وكذلك ثلاثي الغليسريد. ويفضل ألا يزيد مستوى الكوليسترول الكلي على 200 مليغرام لكل 100
مليلتر من الدم، كما يجب ألا يزيد الكوليسترول الضار عن 160 ولا يقل الكوليسترول المفيد عن 40 مليغرام في كل 100 مليلتر دم. أما الغليسريدات الثلاثية فيجب ألا تزيد عن 175 مليغرام في كل 100 مليتر دم، والجدول 1 يوضح المستويات الطبيعية وغير الطبيعية لدهون الدم.
ب- فرط ضغط الدم Hypertension: يؤدي ارتفاع ضغط الدم إلى زيادة المجهود الذي يبذله القلب لضخ الدم إلى جسم الإنسان، كما أن الشرايين بدورها تزيد من مقاومتها لتتحمل زيادة قوة اندفاع الدم. وهذه العملية تؤثر سلبا على القلب والشرايين، واستمرارها يؤدي إلى تضخم القلب وازدياد ضيق الشرايين الدقيقة نتيجة لزيادة ثخانة جدران هذه الشرايين وفقدها لمرونتها. بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع ضغط الدم يساعد على ترسب الدهون وبعض المواد الأخرى على الجدران الداخلية للشرايين، مما يؤدي إلى ضيقها [4] . وفي دراسة حديثة في البحرين وجد أن نسبة الإصابة بارتفاع ضغط الدم تبلغ 3 أمثالها عند المصابين باحتشاء القلب، مقارنة بالأشخاص الأسوياء [7] .
ج- السكري diabetes mellitus: يعتبر الداء السكري من عوامل الخطر المهمة للإصابة بأمراض القلب التاجية، وتشير الدراسات في بعض الدول العربية إلى أن نسبة المصابين بالداء السكري عالية عند المرضى المصابين بأمراض القلب [8] عند مقارنتهم بمرضى آخرين. ويساعد السكر على سرعة تصلب وضيق مجرى الشرايين في الأطراف، مما يؤدي إلى تعطيل سريان الدورة الدموية فيها. وهذا الضيق يساهم في تراكم الدهون على جدران الشرايين مسببا انسدادها أحيانا. ومن مضاعفات الداء السكري كذلك ارتفاع ضغط الدم.
د- التدخين smoking: تشير بيانات منظمة الصحة العالمية أن وباء التدخين في الدول النامية آخذ في الانتشار وبشكل سريع. ولقد كان التدخين في السابق مقتصرا على البالغين خاصة الرجال، أما حاليا فإن نسبة المدخنين من المراهقين والنساء قد ازدادت بشكل ملحوظ. وتتراوح نسبة المدخنين الذين تزيد أعمارهم على 15 سنة في الوطن العربي من 10% إلى 20% [9] . ولقد تأكد بوضوح أن احتمال الإصابة بالأمراض القلبية التاجية يزيد بنسبة 70% بين المدخنين عن الأشخاص الذين لا يدخنون. ويقلل التدخين من كمية الأكسجين الموجودة بالدم، مما يضطر إلى زيادة عمل القلب. ويلحق أول أكسيد الكربون الموجود في دخان
السجائر الضرر في جدران الأوعية الدموية من الداخل فيجعلها خشنة، يمكن أن تتراكم عليها الرواسب الدهنية. وإلى جانب ذلك فإن السموم الموجودة في الدخان تجعل كريات الدم الحمراء تلتصق بعضها ببعض مكونة كتلا لا تستطيع المرور في أصغر الأوعية الدموية، مما يقلل عمليا من كمية الدم والأكسجين في الجسم. كذلك فإن النيكوتين الموجود في السجائر يزيد من سرعة ضربات القلب، وتصبح عضلته أكثر احتجاجا للأكسجين الذي تقل نسبته عند المدخنين. أما درجة الخطر الذي يتعرض له القلب ونظام الدورة الدموية، فيرتبط ارتباطا مباشرا بعدد السجائر التي يدخنها المرء يوميا، وعدد السنوات التي دخن فيها، وما إذا كان يسحب الدخان إلى داخل الجسم أم لا [10]
الجدول 1- جدول يبين القيم الطبيعية وغير الطبيعية لدهون الدم
المصدر: مرجع رقم [6] .
ملاحظة: * مل= ملي لتر
* تحسب قيمة الكوليسترول الضار L.D. L بالمعادلة التالية
الكوليسترول الضار L. D. L = الكوليسترول المفيد H. D. L الغليسريدات الثلاثية / 2.2.
هـ- تعاطي المشروبات الكحولية alcoholism: إن تناول المشروبات الكحولية يزيد من ارتفاع ضغط الدم ومن مستوى الغليسريد الثلاثي في الدم ويزيد بالتالي من نسبة الوفيات من أمراض القلب [5] .
و الرياضة أو النشاط البدني Exercise: إن الحياة الخاملة وقلة الحركة أصبحت سمة من سمات نسبة كبيرة من المجتمعات العربية، خاصة الغنية منها. فاستخدام السيارة في التنقل حتى إلى أقرب المسافات، واستخدام الأجهزة الكهربائية في المنزل مثل المكنسة والغسالة وغيرها، بالإضافة إلى الاعتماد على الخادمة في تدبير شؤون المنزل، وقضاءه فترة طويلة في مشاهدة التلفزيون، كل هذه العوامل خلقت نمطا خاملا من الحياة تكاد تنعدم فيه الحركة. كما أن ممارسة الرياضة مقتصرة على فئة محدودة، غالبا ما تكون من الشباب الذكور. وإذا استثنينا طبيعة العمل والتي غالبا ما تكون غير اختيارية، فإن نسبة الإصابة بأمراض القلب تقل بدرجة كبيرة عند الأشخاص الذين يزاولون النشاط الرياضي مقارنة بأولئك الذين لا يزاولون هذا النشاط.
وتدل الدراسات أن التمارين الرياضية تساعد على تنشيط الدورة الدموية، كما وجد أنها تساعد على نمو شعيرات دموية جديدة في عضلات الجسم المختلفة، بما فيها عضلة القلب، مما يزيد من كمية الدم المتدفق لهذه العضلة، والذي تتضح أهميته على وجه الخصوص عند الأشخاص المصابين بضيق في الشرايين التاجية، حيث أن نمو شعيرات جديدة حول الشريان المصاب بالضيق يعوض عن بعض النقص في كمية الدم المغذي لضعلة القلب [4] . ويساعد القيام بالتمارين الرياضية كذلك على تخفيض كمية الدهون في الدم والجسم، وتؤدي هذه التمارين إلى انخفاض مستوى الكوليسترول الضار في الدم وارتفاع مستوى الكوليسترول المفيد.
ز- السمنة obesity: إن العلاقة بين الإصابة بالسمنة وأمراض القلب ما زالت غير واضحة. فالدراسات التي أجريت في العديد من الدول أعطت نتائج متضاربة فهناك دراسات وجدت أن السمنة تعتبر أحد عوامل الخطر في الإصابة بأمراض القلب، بينما لم تجد دراسات أخرى مثل هذه العلاقة. ويعتقد أن السمنة تؤثر على الإصابة بأمراض القلب بطريق غير مباشر حيث أنها مرتبطة بارتفاع ضغط الدم وداء السكري وزيادة تراكم الشحوم في الجسم، وهذه الأعراض المرضية تعتبر من عوامل الخطر المهمة للإصابة بأمراض القلب التاجية.
ح- العمر والجنس والأصل الأثني anthroplogy: من المعروف أن خطر الإصابة بالأمراض القلبية يزداد مع تقدم عمر الإنسان، ولكن الخطر أقل بالنسبة للنساء اللواتي لم يصلن بعد إلى فترة انقطاع الطمث أو ما يسمى بسن اليأس مقارنة بالرجال. وبعد انقطاع الطمث يكاد الخطر يتساوى مع الرجال. وتشير العديد من الدراسات أن نسبة الوفيات من أمراض القلب تبلغ الضعف إلى ثلاثة أضعاف عند الرجال مقارنة بالنساء "خاصة قبل سن الخمسين".
وتختلف نسبة الإصابة بمرض القلب التاجي بالنسبة للأشخاص المنتمين إلى أصول أثنية. فمثلا وجد أن الأفراد من أصل آسيوي الذين يعيشون في بريطانيا أكثر عرضة للإصابة بمرض القلب التاجي من البيض. وينبغي عدم خلط هذا الأمر مع خطر الإصابة بمرض القلب المرتبط بالجذور الثقافية، فمثلا الياباني الذي يعيش في اليابان معرض للإصابة بهذا المرض بشكل أقل من الأميركي، ولكن إذا انتقل هذا الياباني إلى الولايات المتحدة الأميركية واعتمد على النظام الغذائي ونمط الحياة السائدين هناك، فإن احتمال إصابته بمرض القلب قد يكون أكبر من الشخص الذي عاش طول حياته في الولايات المتحدة [2] . وقد بينت بعض الإحصائيات في دول الخليج العربي أن الهنود والباكستانيين الذين يعيشون في هذه الدول أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب من السكان المحليين [8] .
ط- قلة تناول الأغذية الغنية بالألياف الغذائية والأسماك: تعتبر الدراسات المتعلقة بدور الأغذية الغنية بالألياف الغذائية في تقليل الخطر بالنوبات القلبية قليلة وبعضها لم يجد علاقة ذات دلالة إحصائية. ولكن بصفة عامة وجد أن الإكثار من تناول الخضراوات والفواكه والبقوليات يساعد على تقليل نسبة الكوليسترول في الدم، وقد يكون ذلك راجع إلى انخفاض تناول الدهون واللحوم عند هؤلاء الأفراد. أما بالنسبة للأسماك فلقد وجد أن زيت السمك والمسمى أوميغا- 3 يساعد على تقليل نسبة الغليسريد الثلاثي في الدم ويقلل من فرصة حدوث الخثار thrombosis وقد يساعد ذلك على تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب [5] .
ي- الوراثة heredity: أوضحت بعض الدراسات أن هناك عوائل تتوارث فيها الإصابات بالنوبات القلبية، خاصة إذا كان الشخص المصاب من الأقارب من الدرجة الأولى "الأب أو الأم" وأصيب قبل سن الستين [11] . كما وجد أن هناك أسرا لديها استعداد وراثي لارتفاع الكوليسترول والدهون في الدم، وهذه قد تكون أكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض القلب إذا توافرت عوامل خطر أخرى مساندة.