الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
سياسة دعم الغذاء:
يهدف العديد من الحكومات إلى التحكم في أسعار بعض عناصر الغذاء الأساسية كوسيلة لتحسين الوضع التغذوي لبعض فئات المجتمع، ويفضل عدد من الحكومات تخصيص الدعم المادي للمواد الغذائية بدلا من زيادة مداخيل بعض فئات المجتمع دون الأخرى. ومن الواضح أن دعم المواد الغذائية يحدث دائما كنتيجة لضغوط اجتماعية وسياسية واقتصادية بدلا من أن يكون استجابة لأوضاع تغذوية.
ويستهلك دعم الغذاء الجزء الأكبر من الميزانية المخصصة للتداخل الغذائي في كثير من الدول النامية. وقد بلغت الميزانية المخصصة للدعم الغذائي خمسة أضعاف تلك المخصصة للرعاية الصحية في بعض الدول. وإذا أخذنا عام 1975 كمثال يتضح لنا أن دعم الغذاء قد استهلك جزءا كبيرا من الإنفاق الحكومي في عدد كبير من الدول مثل مصر حيث بلغ 21 % [8] . وارتفعت الميزانية المخصصة للدعم في مصر من 42.8 مليون جنيه عام 1972 إلى 3700 مليون جنيه عام 1989.
ويهدف الدعم أساسا إلى تناول مجموعة أو فئة معينة من المجتمع من محدودي الدخل وجبات كافية ومغذية دون أية زيادة في نسبة الدخل التي تصرف لشراء الطعام. ويمكن تحقيق ذلك بأسلوبين رئيسيين، الأول يعتمد على زيادة الدخل والثاني يعتمد على خفض أسعار بعض الأغذية المتاحة للاستهلاك لهذه المجموعة.
زيادة الدخل:
يمكن تحقيق سياسة الدعم بزيادة الدخل للمواطنين مع تثبيت أسعار المواد الغذائية، أو مع حدوث زيادة طفيفة في أسعار المواد الغذائية بحيث لا تماثل الزيادة في الدخل.
ويعيب هذا الأسلوب أنه مكلف جدًّا بالنسبة للاقتصاد الوطني نظرا للزيادة المستمرة في أسعار المواد الغذائية، والتي تحددها الدول المصدرة وتفرضها بالتالي على الدول النامية والفقيرة. ومن ناحية أخرى فإن الزيادة في الأجور تستدعي دائما فرض ضرائب إضافية قد تؤدي حتما إلى إضعاف القوة الشرائية، خاصة عندما لا ينجم الدخل الإضافي عن زيادة في الإنتاج بل عن زيادة في طباعة أوراق النقد، مما يؤدي إلى حدوث معدلات عالية من التضخم تؤثر سلبيا على كافة قطاعات المجتمع.
خفض أسعار المواد الغذائية:
الأسلوب الثاني لدعم الغذاء هو خفض أسعار المواد الغذائية مباشرة، بحيث يكون سعر بيعها للمستهلك أقل من إجمالي تكلفة إنتاجها، على أن تتحمل الحكومة الفرق في الأسعار بين تكلفة الإنتاج أو الشراء وسعر البيع.
وقد تلجأ الحكومة إلى إنشاء صندوق خاص بالدعم للعمل على خفض تكلفة بعض عناصر الإنتاج لصالح المزارعين أو المنتجين، مع تدخل الحكومة بتحديد
سعر بيع المنتج للمستهلكين، ومثال ذلك هو دعم سعر أعلاف الماشية والدواجن لصالح الفلاح مع التدخل بتحديد سعر بيع اللحوم والبيض للمستهلك.
وتلجأ بعض الحكومات إلى توزيع بعض السلع الأساسية مثل الزيت والدقيق والسكر في بعض الأحيان بنظام الحصص أو البطاقات. وهذا النظام يمكن المستهلك من الحصول على بعض المواد الغذائية بأسعار منخفضة بدرجة كبيرة مقارنة بأسعار السوق المحلية أو الدولية. وتوزع هذه الحصص وفقا لعدد أفراد الأسرة غالبا دون مراعاة للجوانب الاقتصادية والاجتماعية أو الغذائية، كما يتطلب هذا النظام وجود جهاز كفء لتوزيع المواد الغذائية قد لا يتوفر في العديد من الدول النامية. ومن ناحية أخرى فإن الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي يزيد من العبء الملقى على اقتصاد الدول النامية المستوردة للمواد الغذائية.
الفئات المستفيدة من سياسة دعم المواد الغذائية:
1-
الفئات الفقيرة: تشير الإحصائيات المتوفرة إلى انخفاض دخل Income نسبة كبيرة من السكان في دول العالم النامية بدرجة لا تسمح لهم بالحصول على تغذية كافية ومتوازنة. وتصرف الأسر الفقيرة نسبة كبيرة من دخلها لشراء المواد الغذائية بالإضافة إلى العبء الناتج عن ارتفاع أسعار المواد والخدمات الأخرى. وينعكس ذلك بالتأكيد على كمية ونوعية الغذاء للمستهلك، حيث تلجأ الأسرة إلى الأطعمة النشوية من حبوب ودرنات نظرا لتدني ثمنها وتوفرها.
وتزداد الفوارق بين الطبقات باختلاف المقدرة الشرائية لكل طبقة، حتى أصبح من السهل تحديد نوعية التغذية السائدة في كل طبقة أو منطقة جغرافية. ومما يساعد على انتشار سوء التغذية التوزيع غير العادل للمواد الغذائية المتاحة للاستهلاك، حيث أصبح من الشائع انتشار أمراض السمنة في بعض فئات المجتمع في نفس الوقت الذي يعاني فيه الأطفال من انخفاض الوزن وانتشار أمراض سوء التغذية النوعية الأخرى مثل فقر الدم في فئات أخرى في المجتمع.
لذلك يجب أن ينصب الدعم أساسا على الطبقات الفقيرة من المجتمع، واستخدام كل الوسائل الممكنة لتمكينها من الحصول على متطلباتها الغذائية دون زيادة في تكاليف المعيشة.
2-
الفئات الحساسة. قد يهدف برنامج الدعم إلى تحسين الحالة الغذائية لبعض فئات المجتمع الأكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية مثل الأطفال وتلاميذ المدارس والحوامل والمرضعات وكبار السن. وقد يكون من السهل في هذه الأحيان الوصول إلى المجموعة المستهدفة من خلال المراكز الاجتماعية أو الصحية أو التعليمية التي تتعامل معها.
ومن الممكن تركيز الدعم على أحد الأغذية النوعية لتسهيل توزيعه بين أفراد إحدى الفئات الحساسة Sensetive Groups، ونذكر على سبيل المثال دعم أغذية الأطفال التي يتم توزيعها عن طريق مراكز رعاية الأمومة والطفولة بحيث تباع للأمهات بسعر مخفض، وفي بعض الأحيان يكون الدعم كليا وتوزع دون مقابل كما يحدث في عدد من دول الإقليم.
المشاكل المترتبة على دعم الغذاء:
من المتوقع أن يؤدي تطبيق سياسة دعم المواد الغذائية بطريقة سليمة إلى توفر المواد الغذائية المدعمة بسعر مقبول لدى طبقات المجتمع المحتاجة، إلا أن سياسة الدعم هذه قد تحمل في طياتها الكثير من المشاكل التي تنتج رغم تطبيقها بطريقة موضوعية. وأهم هذه المشاكل:
أ- قد يؤدي توزيع المواد الغذائية المستوردة بسعر مخفض إلى خفض الإنتاج المحلي من هذه المواد وقد تنخفض أسعار المحاصيل الزراعية، وبالتالي ينخفض العائد منها للأسر الريفية، ويشكل ذلك عقبة أساسية في طريقة تنمية المجتمعات الريفية.
ب- قد لا يصل الدعم لأكثر الفئات احتياجا في المجتمع، وغالبا ما يصل الدعم إلى الطبقة المتوسطة في المدن، ويندر أن يطبق بنجاح في المناطق الريفية.
وأثبتت الدراسات التي أجريت في مصر أن الأغذية المدعمة مثل اللحوم والأسماك غالبا ما تصل إلى الأسر ذات الدخل المرتفع بدلا من محدودي الدخل الذين لا تتوفر لديهم المقدرة المالية لشراء الأغذية المدعومة [9] .
ج- قد يؤدي توافر المواد الغذائية المدعومة بسعر منخفض جدًّا إلى زيادة الاستهلاك من هذه المواد بصورة غير عادية، وما قد يترتب على ذلك من مشاكل غذائية مثل ارتفاع معدل الإصابة بالبدانة Obesity أو زيادة الوزن Overweight بين فئات المجتمع محدودة الدخل.
د- يؤدي تواجد المادة الغذائية بسعرين مختلفين إلى تواجد السوق السوداء وخلق تجارة غير مشروعة في هذه المواد الغذائية، والتي يترتب عليها حرمان الفئات المحتاجة منها.
هـ- لا يستفيد بعض المواطنين من الفوائد المرجوة من سياسة الدعم عندما يسمح لهم باستبدال المواد المدعومة بمواد أخرى مثل السجائر وأدوات التجميل والمشروبات
…
إلخ.
و عندما يتم الدعم برفع مستوى الأجور تقتصر الاستفادة على الأفراد العاملين في الجهات الحكومية والشركات، بينما يتضرر العاملون في القطاع الخاص وقطاع الزراعة. بالإضافة إلى ذلك فإن رفع الأحور غالبا ما يرتبط بحدوث زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأخرى، وبذلك تمتص الزيادة في الأجور في غير الأهداف المخصصة لها.
ز- يرتبط تطبيق سياسة الدعم بحدوث تلف كبير في المواد الغذائية المدعومة. وتزداد كمية التلف بزيادة نسبة الدعم. وقد أدى دعم الخبز في مصر إلى حدوث تلف كبير تراوح بين 19-24 %. إذ استخدم الخبز كغذاء للدواجن والماشية لانخفاض سعره مقارنة بأغذية الحيوانات الأخرى، مما دفع الدولة إلى رفع سعر الرغيف في محاولة لتقليص العجز في الميزانية والتخلص من التلف الكبير في الخبز [10] .
ح- على ضوء تجارب العديد من الدول النامية قد يصبح دعم الغذاء مصيدة اقتصادية تعجز الكثير من الدول عن الخروج منها. فقد قوبلت العديد من محاولات إلغاء أو تقليص الدعم بمظاهرات واحتجاجات شعبية أدت دائما إلى التراجع عن هذه القرارات. وقد تشكل الميزانية المخصصة للدعم عقبة دائمة تحول دون تحقيق خطط التنمية الوطنية، لذلك يجب الحذر دائما قبل بداية أية برماج موسعة لدعم الغذاء دون تحديد واضح لأهدافها والمجموعة المستفيدة منها وموعد الانتهاء منها.