الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العوامل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في استهلاك الغذاء
مستوى الدخل
…
العوامل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في استهلاك الغذاء:
الدكتور عزت خميس أمين:
يتأثر استهلاك الإنسان للغذاء بمجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والصحية تتفاعل فيما بينها لتؤثر في النهاية على نوع وكمية الغذاء الذي يتناوله الإنسان في وجباته. ويمتد أثر هذه العوامل على تغذية الإنسان من مراحل الطفولة المبكرة مرورا بمرحلة المراهقة والشباب والنضج إلى مرحلة الشيخوخة. كما يمتد أثر هذه العوامل ليطال استهلاك الغذاء في المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة.
وتؤدي التغيرات الاقتصادية والسكانية إلى حدوث تغيرات جذرية في العادات الغذائية وبالتالي في الحالة التغذوية لفئات المجتمع المختلفة. وقد شهد الوطن العربي تغيرات عميقة في أنماط التغذية السائدة نتج عنها تغيرات في نوعية مشاكل سوء التغذية ومعدلات انتشارها في دول الإقليم.
ونستعرض في هذا الفصل العوامل المختلفة التي تؤثر استهلاك الغذاء في الوطن العربي مع التركيز على التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة ومدى ارتباطها بنوعية أنماط التغذية السائدة في المنطقة العربية.
1-
مستوى الدخل:
تعتبر القوة الشرائية للفرد من العوامل الهامة التي تؤثر على استهلاك الغذاء، ومن ثم على الحالة التغذوية لدى أفراد المجتمع. فعندما تتوفر المواد الغذائية في الأسواق وبأسعار في متناول أفراد المجتمع فإنه من المتوقع أن يحصل كل فرد على حاجته من الطعام. ولا ينطبق هذا الوضع المثالي على معظم المجتمعات النامية التي تعاني غالبا من عدم المساواة في توزيع الدخل بين كافة فئات المجتمع وبالتالي
عدم مقدرة بعض هذه الفئات على توفير احتياجات الأسرة من الأغذية المختلفة.
ومن المؤكد أن فئات المجتمع ذات الدخل المنخفض، خاصة في الأحياء الفقيرة من المدن الكبرى، لا تحصل على القدر الكافي من الأغذية لانخفاض القدرة الشرائية بسبب انخفاض الدخل. وإذا ما اتخذت الإجراءات الكافية لرفع مستوى الدخل LEVEL OF INCOME فإن ذلك سوف يساعد بطريقة مباشرة على توفير كميات كافية من الطعام لأفراد الأسرة. وينطبق هذا القول بصفة خاصة على المواد الغذائية المرتفعة الثمن، مثل اللحوم والأسماك والفواكه، والتي يتناقص استهلاكها بصورة واضحة عند انخفاض دخل الأسرة.
ولا يعني توافر المواد الغذائية في الأسواق دليلا على ارتفاع مستوى الحالة التغذوية في المجتمع ما لم يرتبط ذلك بالقدرة الشرائية لأفراد هذه المجتمعات. فعلى سبيل المثال لا يعتبر توفر اللحوم دليلا على وفرة الإنتاج وزيادة الاستهلاك. إذ قد يؤدي الارتفاع التدريجي والمستمر في أسعار اللحوم إلى استبعاد شريحة من المستهلكين من فئات الدخل المحدود ممن يجب عليهم اللجوء إلى مصادر أخرى للبروتين يكون سعرها أكثر انخفاضا وفي متناول قدرتهم الشرائية، فيما يلجأ البعض الآخر إلى الإقلال من مشترياتهم من اللحوم. فالأسرة التي تستهلك 2 كيلو غرام من اللحوم أسبوعيا قد تلجأ إلى خفض هذه الكمية إلى كيلو غرام واحد أسبوعيا عند ارتفاع سعر اللحوم، في الوقت الذي لا تحدث فيه زيادة مقابلة في دخل الأسرة. والنتيجة الحتمية في كلا الحالتين هي الإقلال من شراء اللحوم وبالتالي كسادها في الأسواق لانخفاض القدرة الشرائية دون حدوث زيادة في الإنتاج.
ويؤدي التغير في دخل الأسرة إلى تغير في نوعية الغذاء الذي تستهلكه. فلقد وجد أن ارتفاع الدخل يساعد في زيادة استهلاك اللحوم والدواجن وكذلك الخضراوات والفواكه. وعلى العكس من ذلك فإن انخفاض الدخل يجعل استهلاك الأغذية المرتفعة الثمن، كالمنتجات الحيوانية، أمرا صعبا فينخفض استهلاك هذه الأغذية بصفة عامة، وتعتمد الأسرة على المنتجات النباتية كالحبوب والبقول والخضراوات في تلبية احتياجاتها الغذائية نظرا لرخص ثمنها.
ويعاني الأطفال من الأسر الفقيرة أو محدودة الدخل من نقص الأغذية التي تحتوي على نسبة جيدة من البروتينات ذات القيمة البيولوجية العالية مثل البيض واللبن ومنتجاته. فمن الصعب في كثير من الأحيان أن توفر الأسرة كوب من
الحليب لكل طفل يوميا خاصة إذا كان عدد الأطفال كبيرا. لذلك تنتشر أمراض سوء التغذية بين أطفال الأسر الفقيرة محدودة الدخل. وعلى العكس من ذلك فقد تنتشر البدانة بين البالغين الذين يتناولون كميات كبيرة من الحبوب التي تحتوي على قدر كبير من النشويات فتزيد أوزانهم حتى وان كانت تغذيتهم غير متوازنة.
ولا يجب النظر للعلاقة بين دخل الأسرة واستهلاك الغذاء نظرة محدودة أو ضيقة، إذ أن دخل الأسرة قد يكون محدودا لكنها قد تمتلك المسكن الذي تقيم به، وبذلك يتوفر جزء هام من الدخل. كما أن توفر وسائل النقل والمواصلات ومجانية التعليم أو الرعاية الصحية سوف يساعد أفراد الأسرة على تخصيص مزيد من الدخل للحصول على احتياجاتهم الغذائية، وإن كان ذلك بشكل كبير على الوعي الغذائي والصحي لأفراد الأسرة.
وقد يكون من المقبول عمليا النظر إلى نسبة دخل الأسرة الذي يخصص للحصول على الغذاء. فغالبا ما تنخفض تلك النسبة عند ارتفاع دخل الأسرة إلى 30 % من الدخل الكلي، أما الأسر ذات الدخل المنخفض فتنفق ما يتراوح بين 50 و 70 % من دخلها للحصول على الغذاء. ويأتي ذلك بالتأكيد على حساب الاحتياجات الأخرى للأسرة التي لا يمكن تلبيتها مع انخفاض الدخل.
ويمكن لربة الأسرة التصرف بذكاء للتغلب على المشاكل التغذوية الناجمة عن انخفاض الدخل، وذلك باستغلال توفر المواد الغذائية. وانخفاض أسعارها في مواسم زراعتها. إذ تتنوع الخضراوات والفواكه باختلاف فصول السنة، ولأسباب اقتصادية وزراعية تكون أسعار المنتجات الغذائية مرتفعة في بداية الموسم الزراعي في الوقت الذي تكون فيه جودة المنتج منخفضة بدرجة نسبية لعدم اكتمال النضج أو صغر حجم ثمار الفواكه. وفي منتصف الموسم الزراعي يرتفع الإنتاج ويتميز بوفرته وجودته العالية وانخفاض أسعار المواد بدرجة كبيرة، وبذلك يرتفع استهلاك المواد الغذائية بصورة كبيرة في منتصف الموسم الزراعي. كما تعمل العديد من الدول على تصدير جزء من إنتاجها الزراعي إلى الدول التي لا يتوفر لديها الإمكانات لإنتاج هذه الأغذية، وتنشط شركات تصنيع الأغذية للحصول على الخامات اللازمة لها خلال هذه الفترة أيضا. ومن ناحية أخرى فإن وفرة المحاصيل وعدم توفر الامكانات اللازمة للحفظ أو التصنيع غالبا ما يؤديان إلى انخفاض في أسعار المواد الغذائية بصورة تجعل إنتاجها غير اقتصادي، كما يرتفع الفقد من المحاصيل مما