الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15-
الهجرة العمالية في الوطن العربي:
أدى اكتشاف البترول بكميات كبيرة في دول الخليج العربي ثم الارتفاع المفاجئ والكبير في ثمن النفط، والذي حدث في منتصف السبعينات، إلى جعل دول الخليج العربي من أكثر مناطق العالم جاذبية للعمالة الوافدة [42] . وساعد على ذلك عدد من العوامل أهمها:
أ- مشروعات التنمية الضخمة التي تم تنفيذها في معظم الدول الخليجية.
ب- النقص الشديد في الأيدي العاملة الوطنية المدربة.
ج- عزوف المواطنين عن العمل في بعض المهن [32] .
د- انخفاض متوسط العمر بين المواطنين وانشغال نسبة كبيرة منهم في استكمال تعليمهم وسفرهم للخارج للحصول على دراسات متخصصة.
وكانت النتيجة الحتمية لتدفق العمالة الوافدة إلى مختلف دول الخليج انخفاض نسبة "المواطنين" إلى "المقيمين" بدرجة كبيرة.
ويمكن تقسيم العمالة الوافدة وفقا لجنسياتهم الأصلية إلى ثلاث مجموعات:
الأولى: وهي العمالة العربية الوافدة من مصر والأردن وفلسطين وسورية واليمن ولبنان.
الثانية: وهي العمالة الآسيوية الوافدة من الهند وباكستان وبنغلاديش والفلبين وسيريلانكا.
الثالثة: وهي العمالة الوافدة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.
وقد عمل التجار بصورة سريعة على توفير الأغذية المناسبة لكل نوع من العمالة، خاصة تلك السائدة في بلادهم الأصلية، وأصبحت أسواق الخليج مرتعًا خصبًا لكل أنواع المواد الغذائية من مختلف بلاد العالم، مما شجع المواطنين على تجربة هذه الأطعمة الجديدة والإقبال عليها. وقد أدى إدخال العمالة الأجنبية بهذه الدرجة من الكثافة إلى دول دول الخليج العربي إلى اكتساب العديد من أنماط التغذية التي ترتبط ببلد المنشأ للعمالة الوافدة.
فالعمالة العربية أدخلت معها الحلوى الشامية مثل البقلاوة والكنافة والشاورمة.
الشائعة في سورية ولبنان، والفول والفلافل والكشري السائدة في مصر. والعمالة الأوروبية والأميركية أدخلت معها الأغذية السريعة مثل الهامبرغر والدجاج المقلي، والعمالة الآسيوية نجحت في إدخال أنماط التغذية الآسيوية التي تتميز بالإفراط في استعمال التوابل في الطهي إلى جانب إدخال بعض المأكولات الآسيوية التي تستمد قواعدها من أصول آسيوية.
ويتضح أثر العمالة الوافدة على مكونات الوجبات من نتائج الدراسة التي أعدها مصيقر عام 1985 [44] ، والتي تشير بجلاء إلى تنوع مكونات الوجبات الخليجية ومدى تأثرها بالعمالة الوافدة في هذه الدول. وفي دراسة أخرى أكثر تحديدا أوضح أمين والعوضي [45] دور جنسية المربيات والطاهيات العاملات في المنازل الخليجية في تحديد نوعية المواد الغذائية التي تتناولها الأسرة. وأوضحت الدراسة أن طعام الغداء ما زال يعتمد على الوجبات الخليجية التقليدية، أما وجبات الإفطار والعشاء فقد تنوعت بدرجة كبيرة وأصبحت أكثر ارتباطا بالأنماط الغذائية الوافدة.
ويقبل الشباب بصفة خاصة على تناول الأغذية السريعة مثل الهامبرغر والشاورمة، بالرغم من ارتفاع نسبة الدهون بها إلى درجة كبيرة. كما أدى انتشار المطاعم بمعدل سريع إلى بداية ظاهرة جديدة، وهي تناول الأسر الخليجية في بعض الدول لبعض الوجبات في هذه المطاعم، كما يقوم البعض الآخر بشراء الأطعمة الجاهزة وتناولها في المنزل.
ويجب النظر في نفس الوقت إلى الأثر الذي تحدثه العمالة العربية المغتربة في دول الخليج عند عودتها إلى بلادها الأصلية، إذ تكتسب هذه العمالة بعض العادات الغذائية السائدة في دول الخليج إلى جانب تلك المكتسبة من العمالة الوافدة من الدول الأخرى. وليس من الغريب أن نشاهد إقبال هذه الأسر عند عودتها إلى موطنها الأصلي على تفضيل لحم الضأن على لحوم الأبقار، وتناول اللحوم المشوية في البراري والمنتزهات، بل وإعداد الأطباق الخليجية المشهورة في الدول العربية الأخرى.
وتشير نتائج دراسة قامت بها شبابيك [46] عام 1986 على هجرة رب الأسرة للعمل بالخارج وما يرتبط بذلك من ارتفاع في الدخل وأثره على تغذية أفراد العائلة، إلى أن عودة رب الأسرة بعد فترة تغرب طويلة ينعش الحالة الاقتصادية للأسرة ويرفع من مستوى تغذيتها بدرجة قد تصل إلى حد الإفراط في تناول بعض أنواع الأغذية المرتفعة الثمن، مثل اللحوم والأسماك والروبيان، ثم تعود الأسرة إلى تغذيتها المحدودة بعد سفر رب الأسرة إلى موقع عمله مرة أخرى.