الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ)
الْمَطْلُوبَاتُ فِي الشَّرِيعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا يُطْلَبُ وَحْدَهُ وَمَعَ غَيْرِهِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَالشَّرْطُ مَطْلُوبُ الْحُصُولِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَالْإِيمَانُ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ مَعَ كُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِيمَانِ الْحُكْمِيِّ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْتِحْضَارَهُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَفِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيُكْتَفَى بِتَقْدِيمِهِ فِعْلًا ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ حُكْمًا، وَكَالدُّعَاءِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَطْلُوبٌ وَكَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَنَحْوُ هَذِهِ النَّظَائِرِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يُطْلَبُ مُنْفَرِدًا دُونَ جَمْعِهِ مَعَ غَيْرِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطْلُوبَيْنِ فِي الشَّرِيعَةِ قَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ مَطْلُوبٍ وَرُبَّمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَطْلُوبًا كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُ هَذَا الْقِسْمِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مَطْلُوبَةٌ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَطْلُوبَانِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ عليه السلام «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» عَكْسُ مَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ السُّجُودِ وَقَوْلُهُ عليه السلام «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَعَسَى أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ فَكَالرُّكُوعِ مَعَ سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ وَلَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا وَكَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَعَ رَمْيِ الْجِمَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ مَعَ الْآخَرِ وَلَيْسَ مَطْلُوبًا مُنْفَرِدًا وَكَالْحِلَاقِ مَعَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لَيْسَ قُرْبَةً عَلَى انْفِرَادِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قُرْبَةٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَيْهِ فَهَذَا تَمْثِيلُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَأَمَّا وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَقَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعَبُّدًا لَا يَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ فَالْإِيمَانُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ تَقَرُّبٍ اُشْتُرِطَ جَمْعُهُ لِيَتَحَقَّقَ التَّقَرُّبُ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ بِالْعِبَادَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَبِحَمْدِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ مِنْ بَعْدِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ شَادُوا الدِّينَ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ)
أَمَّا أَمْثِلَةُ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ فَمِنْهَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ تَقَرُّبٍ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ بِالْعِبَادَةِ فَرْعُ التَّصْدِيقِ بِالْأَمْرِ بِهَا وَالْأَصْلُ شَرْطٌ فِي تَحَقُّقِ الْفَرْعِ، فَالْإِيمَانُ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَالشَّرْطُ مَطْلُوبُ الْحُصُولِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَالْإِيمَانُ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ مَعَ كُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِيمَانِ الْحُكْمِيِّ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْتِحْضَارَهُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَفِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا رُبَّمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيُكْتَفَى بِتَقَدُّمِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ فِعْلًا ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ حُكْمًا وَمِنْهَا الدُّعَاءُ وَالسُّجُودُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ فِي
فَرْعُ التَّصْدِيقِ بِالْآمِرِ بِهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلِهِ مُنَاسِبٌ وَأَمَّا الدُّعَاءُ مَعَ السُّجُودِ وَالثَّنَاءُ مَعَ الرُّكُوعِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مَعَ الْأَمَاثِلِ وَالْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرِ فَإِنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا وَالْمَعَاصِيَ كُلَّهَا نِسْبَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى نِسْبَةً وَاحِدَةً لَا تَزِيدُهُ الطَّاعَاتُ وَلَا تَنْقُصُهُ الْمَعَاصِي وَإِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ لِتَظْهَرَ مِنْهُمْ الطَّاعَةُ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مَعَ الْأَكَابِرِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ السُّجُودُ فِي الْعِبَادَةِ أَبْلَغَ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ عليه السلام «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إذَا كَانَ سَاجِدًا» وَكَانَ بَذْلُ الدِّينَارِ أَفْضَلَ مِنْ بَذْلِ الدِّرْهَمِ فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ أَبْلَغُ وَارْتِكَابُ الْمَشَاقِّ فِي تَحْصِيلِ الْمَأْمُورِ يَكُونُ مُوجِبًا لِمَزِيدِ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الطَّوَاعِيَةِ فَقَالَ عليه السلام «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحْمَزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا.
وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مَعَ الْمُلُوكِ أَنْ يُقَدِّمُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَاسْتِعْطَافًا لِأَنْفُسِهِمْ جَعَلَ اللَّهُ سبحانه وتعالى الثَّنَاءَ وَالتَّمْجِيدَ لَهُ فِي الرُّكُوعِ وَجَعَلَ الدُّعَاءَ فِي السُّجُودِ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمَّا سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ عليه السلام «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَقِيلَ لَهُ هَذَا الثَّنَاءُ فَأَيْنَ الدُّعَاءُ فَأَنْشَدَ أَبْيَاتِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ
أَأَطْلُبُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي
…
حَيَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ
إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا
…
كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِك الثَّنَاءُ
كَرِيمٌ لَا يُغَيِّرُهُ صَبَاحٌ
…
عَنْ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ وَلَا مَسَاءُ
وَعِلْمُك بِالْحُقُوقِ وَأَنْتَ قِدَمًا
…
لَك الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالْوَفَاءُ
يَعْنِي فَلَمَّا كَانَ الثَّنَاءُ يُحَصِّلُ مِنْ الْكَرِيمِ مَا يُحَصِّلُهُ الدُّعَاءُ سُمِّيَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُعَاءً؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الثَّنَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ جَعَلَ لَهَا الشَّرْعُ مَوْطِنًا وَهُوَ الْقِيَامُ؛ لِأَنَّهُ حَالَةُ اسْتِقْرَارٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْفِكْرُ مِنْ التَّأَمُّلِ لِمَعَانِي الْقِرَاءَةِ وَالِاتِّعَاظِ بِوَعِيدِهَا وَوَعْدِهَا وَالتَّفْكِيرِ فِي مَعَانِيهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا مَعَ حُسْنِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُنَاجَاةِ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ لَا تُنَاسِبُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِضِيقِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِنَاءِ وَانْحِصَارِ الْأَعْضَاءِ وَحَبْسِ النَّفَسِ فَتُنَاسِبُ الْمَنْعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْطِنَيْنِ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَمَّا عُيِّنَ لَهَا مَوْطِنٌ نَاسَبَ أَنْ تُعَيَّنَ بَقِيَّةُ الْمَوَاطِنِ لِغَيْرِهَا مِنْ الثَّنَاءِ الْمَحْضِ وَالدُّعَاءِ الْمَحْضِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ قَدْ لَا تَكُونُ ثَنَاءً وَلَا دُعَاءً فَتَشْتَمِلُ الصَّلَاةُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ وَلَا تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ»
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
نَفْسِهِ وَقَدْ وَرَدَ طَلَبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ عليه السلام «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَعَسَى أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» وَمِنْهَا الثَّنَاءُ وَالتَّمْجِيدُ لَهُ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا وَقَدْ وَرَدَ طَلَبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ لَمَّا تَقَرَّرَتْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مَعَ الْأَمَاثِلِ وَالْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرِ؛ إذْ نِسْبَةُ كُلٍّ مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدَةٌ لَا تَزِيدُهُ الطَّاعَاتُ وَلَا تَنْقُصُهُ الْمَعَاصِي وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مَعَ مَنْ ذَكَرَ أَنْ يُقَدِّمُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَاسْتِعْطَافًا لِأَنْفُسِهِمْ نَاسَبَ جَعْلَ اللَّهِ سبحانه وتعالى الثَّنَاءَ وَالتَّمْجِيدَ لَهُ فِي الرُّكُوعِ وَجَعْلَ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ بَعْدَ الثَّنَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ السُّجُودُ فِي الْعِبَادَةِ أَبْلَغَ شَرْعًا مِنْ الرُّكُوعِ كَمَا أَنَّ بَذْلَ الدِّينَارِ صَدَقَةً أَبْلَغُ فِي الْعَادَةِ مِنْ بَذْلِ الدِّرْهَمِ وَأَبْلَغِيَّةُ السُّجُودِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْإِفْرَاطُ فِي الْقُرْبِ مِنْ الرَّبِّ تَعَالَى قَالَ عليه السلام «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إذَا كَانَ سَاجِدًا» . وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الرُّكُوعِ لِمَا سَيَأْتِي، وَارْتِكَابُ الْأَشَقِّ فِي تَحْصِيلِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الطَّوَاعِيَةِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِمَزِيدِ الْأُجُورِ قَالَ عليه السلام «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحَمْزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا وَكَانَ الدُّعَاءُ مُخَّ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الطَّلَبِ، وَالثَّنَاءُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ حَتَّى سُمِّيَ دُعَاءً فِي قَوْلِهِ «صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا الثَّنَاءُ فَأَيْنَ الدُّعَاءُ فَأَنْشُد أَبْيَاتِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ وَهِيَ
أَأَطْلُبُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي
…
حَيَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ
إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا
…
كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِك الثَّنَاءُ
كَرِيمٌ لَا يُغَيِّرُهُ صَبَاحٌ
…
عَنْ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ وَلَا مَسَاءُ
وَعِلْمُك بِالْحُقُوقِ وَأَنْتَ قِدَمًا
…
لَك الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالْوَفَاءُ
يَعْنِي فَلَمَّا كَانَ الثَّنَاءُ يُحَصِّلُ مِنْ الْكَرِيمِ مَا لَا يُحَصِّلُهُ الدُّعَاءُ سُمِّيَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُعَاءً؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ»
وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ الثَّلَاثُ مُنَاسِبَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِمَا وُضِعَ فِيهِ فَالْقِرَاءَةُ فِي الْقِيَامِ لِلتَّمَكُّنِ وَالدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ لِفَرْطِ الْقُرْبِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ الْمُلُوكِ وَأَمَّا كَوْنُ الرُّكُوعِ لَا يَتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ قُرْبَةً فِي التِّلَاوَةِ وَشُكْرِ النِّعَمِ عِنْدَ مَنْ يَرَى سَجْدَةَ الشُّكْرِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه يَرَاهَا دُونَ مَالِكٍ فَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِالرُّكُوعِ وَحْدَهُ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ، وَكَذَلِكَ أَرْكَانُ الْحَجِّ الَّتِي لَا يُتَقَرَّبُ بِهَا مُنْفَرِدَةً الْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّعَبُّدُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ شُرِعَ قُرْبَةً وَحْدَهُ دُونَ السَّعْيِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ قُرْبَةً وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُشْتُرِطَ مَعَ الطَّوَافِ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَالْفُرُوقِ انْبَنَى قَوْلُ الْقَائِلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ لَمَا صَارَ شَرْطًا لَهُ بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ لَكِنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَوَجَبَ الصَّوْمُ وَصِحَّةُ هَذَا الْكَلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ:
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ وَلَمَّا أَثَّرَ النَّذْرُ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ إذَا نَذَرَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا.
وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا فِي نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ النَّذْرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ) وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَعَ التَّخْيِيرِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِمَفْهُومِ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَيَكُونُ الْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَالْخُصُوصِيَّاتُ هِيَ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَعَ التَّخْيِيرِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِمَفْهُومِ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا) قُلْت: قَوْلُهُ: إنَّ الْأَمْرَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِهَا - صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا - لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَفْهُومُ أَحَدِ الْأُمُورِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهَا مُبْهَمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَا الْحَقِيقَةُ الْمُشْتَرَكُ فِيهَا، وَلَوْ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ لَلَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ لِكُلِّ شَخْصٍ مِمَّا فِيهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، قُلْت: لَا يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةُ الْمُشْتَرَكُ فِيهَا.
قَالَ (فَيَكُونُ الْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ لَيْسَ الْمُشْتَرَكَ قَالَ (وَالْخُصُوصِيَّاتُ هِيَ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
نَاسَبَ تَقْدِيمَ الْوَسِيلَةِ فِي الرُّكُوعِ وَتَأْخِيرَ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ وَأَشَقُّ وَأَفْرَطُ فِي الْقُرْبِ مِنْ الرَّبِّ سبحانه وتعالى، وَأَمَّا أَمْثِلَةُ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ فَمِنْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مَطْلُوبَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مَطْلُوبَانِ كَذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ عليه السلام «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» عَكْسُ مَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ السُّجُودِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَيَّنَ الرُّكُوعَ لِلثَّنَاءِ الْمَحْضِ وَالسُّجُودَ لِلدُّعَاءِ الْمَحْضِ نَاسَبَ أَنْ يُعَيِّنَ الْقِيَامَ مَوْطِنًا لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَكُونُ ثَنَاءً وَلَا دُعَاءً لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ وَلَا تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» .
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا جَعَلَ الْقِيَامَ مَوْطِنًا لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ حَالَةُ اسْتِقْرَارٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْفِكْرُ مِنْ التَّأَمُّلِ لِمَعَانِي الْقِرَاءَةِ وَالِاتِّعَاظِ بِوَعِيدِهَا وَوَعْدِهَا وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعَانِيهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا مَعَ حُسْنِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُنَاجَاةِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ ضِيقِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِنَاءِ، وَالثَّانِي مِنْ انْحِصَارِ الْأَعْضَاءِ وَحَبْسِ النَّفْسِ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ أَحْوَالَ الْقِرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الدُّعَاءَ فِي السُّجُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَرْطِ الْقُرْبِ وَالثَّنَاءِ فِي الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلدُّعَاءِ وَلِجَرَيَانِهِ عَلَى عَادَةِ الطَّلَبِ مِنْ الْمُلُوكِ كَمَا عَلِمْتَ وَمِنْهَا الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلَبُ التَّقَرُّبِ مِنْهُ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يُطْلَبْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِقَاعِدَتَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ فَلَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ النَّذْرُ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ مَعَ الصَّلَاةِ كَمَا أَثَّرَ فِي وُجُوبِهِ مَعَ الِاعْتِكَافِ إذًا نَذْرَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ مَعَ الصَّلَاةِ.
وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا فِي نَفْسِهِ وَأَنَّهُ مَطْلُوبٌ مَعَ الِاعْتِكَافِ فَمِنْ هُنَا ظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِ الْقَائِلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ لَمَا كَانَ شَرْطًا لَهُ بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ لَكِنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَوَجَبَ الصَّوْمُ فَافْهَمْ وَأَمَّا أَمْثِلَةُ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ فَمِنْهَا الرُّكُوعُ مَعَ سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ وَلَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا قَالَ الْأَصْلُ مَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ قُرْبَةً إلَّا