المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفرق بين قاعدة من يجوز له أن يفتي وبين قاعدة من لا يجوز له أن يفتي] - الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق - جـ ٢

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُتَبَايِنَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عِقَابِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عَاقِبَتِهِ لَا مِنْ عِقَابِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَقَاعِدَةِ الْخِطَابِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَسَاقُطِهَا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ عِلَّةِ الْإِذْنِ أَوْ التَّحْرِيمِ وَبَيْنَ عَدَمِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ النَّقِيضِ فِي الْمَفْهُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ الضِّدِّ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ]

- ‌[الْمُكَلَّفَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَنَ وَقْتُهُ وَلَا يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ]

- ‌[الْعِبَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْوَاجِبُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ اللَّهِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يُفْعَلُ بِهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمُحْرِمَ إذَا مَاتَ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ الْوَاجِبُ مِنْهُ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ الْوَاجِبُ عَنْهُ وَهُوَ جِنْسُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ الْوَاجِبُ إلَيْهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ أَسْلَمَ عَلَى عَشْر نِسْوَة]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وُجُوبِ الْإِعْتَاقِ لَا إجْمَالَ فِيهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ لِلْمُفْطِرِ فِي رَمَضَان]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الدَّلِيلِ يَكُونُ نَصًّا وَالِاحْتِمَالَاتُ مُسْتَوِيَةٌ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الْأَيْمَانِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا كَتَّانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَعَدَ عُرْيَانًا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَلَسَ رَجُلَانِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَلْعَبَانِ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَعَارَضَا فِي الْكَلَامِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمًا مِنْ دَيْنِك إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ سَائِرِ الْأَيَّامِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الشُّرُوطِ خَاصَّةً]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الْأَوَانِي وَالنِّسْيَانِ وَالْكَعْبَةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْكَعْبَةِ إذَا اخْتَلَفُوا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْأَوَانِي الَّتِي اخْتَلَطَ طَاهِرُهَا بِنَجَسِهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إنَاءٌ وَقَعَ فِيهِ رَوْثُ عُصْفُورٍ وَتَوَضَّأَ بِهِ مَالِكِيٌّ وَصَلَّى]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ وَقَاعِدَةِ الْإِسْقَاطِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْوَقْفُ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِزَالَةِ فِي النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِحَالَةِ فِيهَا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّخْصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْحَدَثِ عَنْ الرَّجُلِ خَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُفِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تُرَدُّ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا]

- ‌[الْفَرَقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ الصَّلَوَاتِ وَشُرُوطِهَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهَا وَتَفَقُّدُهَا]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الذُّنُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّسْيَانِ فِي الْعِبَادَاتِ لَا يَقْدَحُ وَقَاعِدَةِ الْجَهْلِ يَقْدَحُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَمَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان الْإِحْدَاثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ جُعِلَتْ الْمَظَانُّ مِنْهَا مُعْتَبَرَةً فِي أَدَاءِ الْجُمُعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَزْمَانِ لَمْ تُجْعَلْ الْمَظَانُّ مِنْهَا مُعْتَبَرَةً فِي رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ مِنْ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالصَّلَاةِ وَبَيْن قَاعِدَة الْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النُّوَاحُ حَرَامٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَرَاثِي مُبَاحَةٌ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَا يُعَذَّبُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّت يُعَذَّبُ بِهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهِلَّةُ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّلَوَاتُ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمُ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرُوضِ تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ وَقَاعِدَةِ مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُمَّالِ فِي الْقِرَاضِ وَقَاعِدَةِ الشُّرَكَاءِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْبَاحِ تُضَمُّ إلَى أُصُولِهَا فِي الزَّكَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَوَائِدِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا أَصْلٌ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ وَمَا لَا يُضْمَنُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْجَوَابِرِ فِي الْحَجِّ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَدَاخَلُ الْجَوَابِرُ فِيهِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ]

الفصل: ‌[الفرق بين قاعدة من يجوز له أن يفتي وبين قاعدة من لا يجوز له أن يفتي]

الشَّرْعِيُّ عَنْ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ وَالْعُضْوُ لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ إنَّمَا الْمَمْنُوعُ هُوَ الْمُكَلَّفُ فَلَا مَعْنَى لِثُبُوتِ الْمَنْعِ عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْعُضْوِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ عَنْهُ فَرْعُ الثُّبُوتِ فِيهِ فَمَا لَا مَنْعَ فِيهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ رَفْعُ الْمَنْعِ مِنْهُ وَهَذَا ضَرُورِيٌّ وَهُوَ يُوَضِّحُ عِنْدَك بُطْلَانَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ الْعُضْوِ وَحْدَهُ وَأَنَّهَا مَقَالَةٌ بَاطِلَةٌ وَيَتَّضِحُ لَك أَيْضًا أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا رَفَعَ الْجَنَابَةَ هُنَالِكَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ أَيْضًا بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِسَبَبِ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُكَلَّفِ وَهُوَ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا وَارْتَفَعَ الْمَنْعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مَعَ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِذَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ ثَابِتَةً قَطْعًا وَالْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ قَطْعًا كَانَ التَّيَمُّمُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ قَطْعًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بَاطِلٌ قَطْعًا.

فَإِنْ قُلْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ النَّصُّ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا النَّصُّ «فَقَوْلُهُ عليه السلام لِحَسَّانَ لَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ أَصَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ» فَسَمَّاهُ جُنُبًا مَعَ التَّيَمُّمِ وَلَا نَعْنِي بِعَدَمِ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَّا الْجَنَابَةَ وَنَحْوَهَا، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا وُجِدَ الْمَاءُ فَلَوْ كَانَ الْحَدَثُ ارْتَفَعَ لَكَانَتْ الْجَنَابَةُ ارْتَفَعَتْ بِالتَّيَمُّمِ وَلَمَّا احْتَاجَ لِلْغُسْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي بَقَاءِ الْحَدَثِ وَصِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَقَالَةُ قَالَ بِهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَلِيلُونَ جِدًّا وَالْحَقُّ لَا يَفُوتُ الْجُمْهُورَ غَالِبًا قُلْتُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام خَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِفْهَامِ لِلِاسْتِطْلَاعِ عَلَى مَا عِنْدَ الْمَسْئُولِ مِنْ الْفِقْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَبِمَاذَا يُجِيبُ فَيَظْهَرُ فِقْهُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَأَلَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ عليه السلام إلَى الْيَمَنِ «بِمَ تَحْكُمُ فَقَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ لَا أَنَّهُ عليه السلام أَصْدَرَ هَذَا الْكَلَامَ مَصْدَرَ الْخَبَرِ الْجَازِمِ حَتَّى يَلْزَمَ الْحُجَّةُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ نُكْتَةٌ عَقْلِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ فَمَتَى عَارَضَهَا نَصٌّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ هَذَا هُوَ قَاعِدَةُ تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّاتِ مَعَ الْأَلْفَاظِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَنَا مَنْعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّا نَقُولُ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا طَرَيَان الْحَدَثِ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُبَاشِرَ حَدَثًا مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا حِينَئِذٍ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَجِدَ الْمَاءَ فَيَصِيرَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ ثَابِتًا إلَى آخِرِ غَايَاتٍ كَثِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ فَهُوَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَكُونَ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا عَلِمْت وَإِلَّا نُقِضَ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ لِلْمَحَلِّيِّ.

(فَإِنْ خَالَفَ) الْحُكْمُ (نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا جَلِيًّا وَلَوْ قِيَاسًا) وَهُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ نُقِضَ لِمُخَالَفَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّقْضِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَعَزَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ مِمَّا نَقْطَعُ بِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ قِيَاسًا مَظْنُونًا مَعَ كَوْنِهِ جَلِيًّا فَلَا وَجْهَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ظَنٍّ وَظَنٍّ اهـ.

(أَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ) قَلَّدَ غَيْرَهُ فِيهِ أَوْ لَا نُقِضَ حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِاجْتِهَادِهِ وَامْتِنَاعِ تَقْلِيدِهِ فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ (أَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ غَيْرِ مُقَلِّدٍ غَيْرَهُ) مِنْ الْأَئِمَّةِ (حَيْثُ يَجُوزُ) لِمُقَلِّدِ إمَامٍ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَلِّدْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا لِاسْتِقْلَالِهِ فِيهِ بِرَأْيِهِ أَوْ قَلَّدَ فِيهِ غَيْرَ إمَامِهِ حَيْثُ يُمْتَنَعُ تَقْلِيدُهُ (نُقِضَ) حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ إمَامِهِ الَّذِي هُوَ فِي حَقِّهِ لِالْتِزَامِهِ تَقْلِيدَهُ كَالدَّلِيلِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ أَمَّا إذَا قَلَّدَ فِي حُكْمِهِ غَيْرَ إمَامِهِ حَيْثُ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ إنَّمَا حَكَمَ بِهِ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ اهـ.

بِزِيَادَةٍ مِنْ حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ قَالَ الْعَطَّارُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ إذَا تَوَلَّى مُقَلِّدٌ لِلضَّرُورَةِ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلِّدِهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ بَلْ عَلَيْهِ إتْبَاعُ مُقَلِّدِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ لَمْ يُنْقَضْ اهـ.

وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الدَّامَغَانِيَّ قَاضِيَ بَغْدَادَ الْحَنَفِيَّ فِي أَيَّامِ الْمُعْتَضِدِ وَلَّى ابْنُ سُرَيْجٍ الْقَضَاءَ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ اهـ وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ وَفِي الظَّاهِرِ الظَّنِّيِّ وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي النَّصِّ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ وَهُوَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي عَصْرِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْقَضْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُقَاسُ بِالنَّصِّ الْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ اهـ زَكَرِيَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا فِي تَحْرِيرِ الْكَمَالِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الْفَقِيهُ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ مَوْضُوعٌ لِمَنْ قَامَ لِلنَّاسِ بِأَمْرِ دِينِهِمْ وَعَلِمَ جُمَلَ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَكَذَلِكَ فِي السُّنَنِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَلَمْ يُوضَعْ لِمَنْ عَلِمَ مَسْأَلَةً وَأَدْرَكَ حَقِيقَتَهَا وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ هُوَ مَنْ اُسْتُكْمِلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شَرَائِطَ الِاجْتِهَادُ وَالْعَدَالَةُ وَالْكَفُّ عَنْ التَّرْخِيصِ وَالتَّسَاهُلِ وَلِلْمُتَسَاهِلِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الْأَدِلَّةِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ وَيَأْخُذَ بِبَادِئِ النَّظَرِ وَأَوَائِلِ الْفِكْرِ

ص: 116

مَعْقُولٌ وَأَمَّا ثُبُوتُ الْمَنْعِ مَعَ الْإِبَاحَةِ وَاجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُسْتَحِيلُ وَالْمُمْكِنُ وَجَبَ الْعُدُولُ إلَى الْقَوْلِ بِمَا هُوَ مُمْكِنٌ.

وَقَدْ رَفَعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْحَدَثَ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ طَرَيَان الْحَدَثِ فَجَازَ أَنْ يَرْفَعَ التَّيَمُّمُ الْحَدَثَ إلَى غَايَاتٍ وَكَذَلِكَ نَقُولُ الْأَجْنَبِيَّةُ مَمْنُوعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا رَافِعٌ لِهَذَا الْمَنْعِ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ أَحَدُهَا الطَّلَاقُ وَثَانِيهَا الْحَيْضُ وَثَالِثُهَا الصَّوْمُ وَرَابِعُهَا الْإِحْرَامُ وَخَامِسُهَا الظِّهَارُ فَقَدْ وَجَدْنَا الْمَنْعَ يَرْتَفِعُ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثِ غَايَاتٍ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ وَوَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مُسْتَحِيلٌ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ كَوْنَ الْجُمْهُورِ عَلَى شَيْءٍ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ بَلْ الْقَطْعُ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ أَمَّا جُمْهُورُهُمْ فَلَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَالظَّاهِرُ إذَا عَارَضَهُ الْقَطْعُ قَطَعْنَا بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الظُّهُورِ وَهَا هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ مُسْتَحِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ الظُّهُورُ وَالنَّاشِئُ عَنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ بُطْلَانُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ وَقَاعِدَةِ رَفْعِ غُسْلِ الرِّجْلِ لِلْحَدَثِ بِاعْتِبَارِ لُبْسِ الْخُفِّ

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ لَهُ كَالْجَارِي عَلَى الْكِبْرِيتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُلَازِمُ الْمَاءَ فِي مَقَرِّهِ وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ لَا يُسَمَّى مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ تَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ عَيْنٍ أُخْرَى إلَيْهِ لَكِنَّهُ اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ فَجُعِلَ مُطْلَقًا تَوْسِعَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ وَاخْتِيرَ هَذَا اللَّفْظُ لِهَذَا الْمَاءِ وَهُوَ قَوْلُنَا مُطْلَقٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُفْرَدُ فِيهِ إذَا عَبَّرَ عَنْهُ فَيُقَالُ مَاءٌ وَشَرِبْت مَاءً.

وَهَذَا مَاءٌ وَخَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ رَحْمَةً لِلْعَالَمَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُفْرَدُ اللَّفْظُ فِيهِ بَلْ يُقَالُ مَاءُ الْوَرْدِ مَاءُ الرَّيَاحِينِ مَاءُ الْبِطِّيخِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يُذْكَرُ اللَّفْظُ إلَّا مُقَيَّدًا بِإِضَافَةٍ أَوْ مَعْنًى آخَرَ.

وَأَمَّا فِي هَذَا الْمَاءِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى لَفْظٍ مُفْرَدٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُقَيَّدٍ وَإِنْ وَقَعَتْ الْإِضَافَةُ فِيهِ كَقَوْلِنَا مَاءُ الْبَحْرِ وَمَاءُ الْبِئْرِ وَنَحْوُهُمَا فَهِيَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا بِخِلَافِ مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ وَتِلْكَ الْإِضَافَةِ فَمِنْ هُنَا حَصَلَ الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ التَّعْيِينِ وَاللُّزُومِ وَعَدَمِهِ أَمَّا جَوَازُ الْإِطْلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَمُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فَهُوَ الَّذِي أُدِّيَتْ بِهِ طَهَارَةٌ وَانْفَصَلَ مِنْ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَهَذَا مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَجُوزُ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الرُّخَصِ وَتَأَوُّلِ السُّنَّةِ فَهَذَا مُتَجَوِّزٌ فِي دِينِهِ وَهُوَ آثِمٌ مِنْ الْأَوَّلِ اهـ.

لَكِنْ قَالَ مَنْ وَصَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي تَوْشِيحِ التَّرْشِيحِ بِالْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ تَوْقِيفُ الْفُتْيَا عَلَى حُصُولِ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ وَاسْتِرْسَالِ الْخَلْقِ فِي أَهْوَائِهِمْ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا كَانَ عَدْلًا مُتَمَكِّنًا مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ حَكَى لِلْمُقَلَّدِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عِنْدَهُ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفُتْيَا هَذَا مَعَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يَرْجِعْنَ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ أَزْوَاجُهُنَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه حِينَ أَرْسَلَ الْمِقْدَادَ فِي قِصَّةِ الْمَذْيِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَظْهَرُ فَإِنَّ مُرَاجَعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ ذَاكَ مُمْكِنَةٌ وَمُرَاجَعَةُ الْمُقَلِّدِ الْآنَ لِلْأَئِمَّةِ السَّابِقِينَ مُتَعَذِّرَةٌ وَقَدْ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ مَعَ عَدَمِ شَرَائِطِ الِاجْتِهَادِ الْيَوْمَ أَيْ لِطُولِ الْمُدَّةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زَمَنِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ ضَعْفِ الْعِلْمِ وَغَلَبَةِ الْجَهْلِ سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَكَانَ إمَامًا جَلِيلًا مُتَضَلِّعًا مِنْ الْعُلُومِ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَمِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ بُلُوغَهُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْبَعِيدَةِ كَمَا فِي رِسَالَةِ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الزَّيْغِ لِشَيْخِ شُيُوخِنَا السَّيِّدِ أَحْمَدَ دَخْلَانَ وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ اسْتِعَاذَةَ الْفَخْرِ فِي الْمَحْصُولِ وَتَبِعَهُ السَّرَّاجُ فِي تَحْصِيلِهِ وَالتَّاجُ فِي حَاصِلِهِ فِي قَوْلِهِمْ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَاحِدٌ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً اهـ.

وَإِنْ بَنَى عَلَى بَقَاءِ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِمْ وَالْفَخْرُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ لَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي كِتَابِ الِاسْتِفْتَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ إذْ لَا مُجْتَهِدَ فِيهِ اهـ وَإِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ فَكَيْفَ لَا يَنْعَقِدُ بِالْأَوْلَى فِي الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَقَدْ قَالَ الْعَطَّارُ وَفِي عَصْرِنَا وَهُوَ الْقَرْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ بِتَرَاكُمِ عَظَائِمِ الْخُطُوبِ نَسْأَلُ السَّلَامَةَ اهـ.

ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ مَرَاتِبُ إحْدَاهَا أَنْ يَصِلَ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُقَيَّدِ فَيَسْتَقِلُّ بِتَقْرِيرِ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ وَنُصُوصِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا نَحْوُ مَا يَفْعَلُهُ بِنُصُوصِ الشَّارِعِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ قِيَامَ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ فُتْيَا هَؤُلَاءِ وَأَنْتَ تَرَى عُلَمَاءَ الْمَذْهَبِ مِمَّنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ هَلْ مَنَعَهُمْ أَحَدٌ الْفَتْوَى أَوْ مَنَعُوا هُمْ أَنْفُسَهُمْ عَنْهَا؛ الثَّانِيَةُ

ص: 117

الْأَعْضَاءِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ طَهُورٌ مُطْلَقٌ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا.

فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْ الْعُضْوِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ صَالِحٌ لِلتَّطْهِيرِ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ نَجَسٌ أَمْ لَا وَهَلْ يَنْجُسُ الثَّوْبُ إذَا لَاقَاهُ أَمْ لَا هَذِهِ أَقْوَالٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَلِغَيْرِهَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِخُرُوجِهِ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّطْهِيرِ هَلْ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِإِزَالَةِ الْمَانِعِ أَوْ بِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلُ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ إزَالَةُ الْمَانِعِ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْغُسْلُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْوُضُوءِ إذَا نَوَى فِي الْأُولَى الْوُجُوبَ وَلَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزِيلُ الْمَانِعَ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ سَبَبَ ذَلِكَ كَوْنُهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ انْدَرَجَ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَفِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَلَا يَنْدَرِجُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَحْصُلْ بِهِ قُرْبَةٌ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْمَنْعِ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلتَّطْهِيرِ مَدَارِكُ أَحْسَنُهَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وقَوْله تَعَالَى {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] .

مُطْلَقٌ فِي التَّطْهِيرِ لَا عَامٌّ فِيهِ بَلْ عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ فَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبِيدِهِ أَخْرَجْت هَذَا الثَّوْبَ لِأُغَطِّيَكُمْ بِهِ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُغَطِّيهِمْ بِهِ مَرَّاتٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ التَّغْطِيَةِ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِذَا غَطَّاهُمْ بِهِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ هُنَا إذَا تَطَهَّرْنَا بِالْمَاءِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ فَبَقِيَتْ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِيهِ غَيْرَ مَنْطُوقٍ بِهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ فِي التَّطْهِيرِ إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي التَّطْهِيرِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا وَرَدَتْ الشَّرِيعَةُ بِهِ وَهَذَا وَجْهٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ وَمَدْرَكٌ جَمِيلٌ وَاحْتَجُّوا مَعَ هَذَا الْوَجْهِ بِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مَاءٌ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِهِ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالرَّقَبَةِ فِي الْعِتْقِ وَبِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ فَيَكُونُ نَجِسًا.

وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ أَنَامِلِهِ وَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَطْرَافِ أُذُنَيْهِ» الْحَدِيثَ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَاءَ تَخْرُجُ مَعَهُ الذُّنُوبُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا كَانَ مَاءَ الذُّنُوبِ يَكُونُ نَجَسًا لِأَنَّ الذُّنُوبَ مَمْنُوعٌ مِنْ مُلَابَسَتِهَا شَرْعًا وَالنَّجَاسَةُ هِيَ مَنْعٌ شَرْعِيٌّ فَإِذَا حَصَلَ الْمَنْعُ حَصَلَتْ النَّجَاسَةُ.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّكُمْ تُجَوِّزُونَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَافِرًا ذِمِّيًّا ثُمَّ خَرَجَ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ عَادَ رَقِيقًا وَجَازَ عِتْقُهُ فِي الْوَاجِبِ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَكُمْ فَمَا قِسْتُمْ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ عَلَى أُصُولِكُمْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ عَيْنٌ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى بِهِ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالثَّوْبِ فِي سُتْرَةِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ.

وَكَذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظٌ لِلْمَذْهَبِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضْ فِي التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ كَارْتِيَاضِ أُولَئِكَ وَقَدْ كَانُوا يُفْتُونَ وَيُخَرِّجُونَ كَأُولَئِكَ اهـ وَفِي جَوَازِ إفْتَاءِ مَنْ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَثَالِثُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ كَمَا حَكَاهُ شَافِعِيٌّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ الثَّالِثَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا الْمِقْدَارَ وَلَكِنَّهُ حَافِظٌ لِوَاضِحَاتِ الْمَسَائِلِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُ ضَعْفًا فِي تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهَا فَعَلَى هَذَا الْإِمْسَاكُ فِيمَا يَغْمُضُ فَهْمُهُ فِيمَا لَا نَقْلَ عِنْدَهُ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا فِيهِ الْخِلَافَ فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى الْمَأْخَذِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ عَوَامَّ اهـ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ لَهُ الْإِفْتَاءَ فِيمَا لَا يَغْمُضُ فَهْمُهُ قَالَ مُتَأَخِّرٌ شَافِعِيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا رَاجِعًا لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ اهـ.

وَثَانِي الْأَقْوَالِ فِيهِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَثَالِثُهَا الْجَوَازُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ وَقِيلَ الصَّوَابُ إنْ كَانَ السَّائِلُ يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى عَالِمٍ يَهْدِيهِ السَّبِيلَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ اسْتِفْتَاءُ مِثْلِ هَذَا وَلَا يَحِلُّ لِهَذَا أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى مَعَ وُجُودِ هَذَا الْعَالِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ غَيْرُهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ رُجُوعَهُ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَقْدُمَ عَلَى الْعَمَلِ بِلَا عِلْمٍ أَوْ يَبْقَى مُرْتَبِكًا فِي حَيْرَتِهِ مُتَرَدِّدًا فِي عَمَاهُ وَجَهَالَتِهِ بَلْ هَذَا هُوَ الْمُسْتَطَاعُ مِنْ تَقْوَاهُ الْمَأْمُورُ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(أَمَّا الْعَامِّيُّ) إذَا عَرَفَ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ وَيَسُوغَ لِغَيْرِهِ تَقْلِيدُهُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهَا لَا مُطْلَقًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِشُرُوطِهِ وَمَا يُعَارِضُهُ وَلَعَلَّهُ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ دَلِيلًا وَهَذَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ الْأَصَحُّ ثَانِيهَا نَعَمْ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ كَمَا لِلْعَالِمِ وَتَمَيُّزِ الْعَالِمِ عَنْهُ لِقُوَّةٍ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ وَدَفْعِ الْمُعَارِضِ لَهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْعَمَلُ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُمَا وَإِرْشَادُ غَيْرِهِ إلَيْهِ رَابِعُهَا إنْ كَانَ نَقْلِيًّا جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ السُّبْكِيُّ (وَأَمَّا الْعَامِّيُّ) الَّذِي عَرَفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَدْرِ دَلِيلَهَا كَمَنْ حَفِظَ مُخْتَصَرًا مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْفِقْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَرُجُوعُ الْعَامِّيِّ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْلَى مِنْ الِارْتِبَاكِ فِي الْحَيْرَةِ.

وَكُلُّ هَذَا فِي مَنْ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ غَيْرِهِ أَمَّا النَّاقِلُ فَلَا يُمْنَعُ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَامِّيُّ أَنَّ فُلَانًا الْمُفْتِيَ أَفْتَانِي بِكَذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نَقْلِ هَذَا الْقَدْرِ. اهـ.

لَكِنْ لَيْسَ لِلْمَذْكُورِ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى مَا فِي الزَّرْكَشِيّ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ أَفَادَ جَمِيعَ هَذَا أَمِيرُ الْحَاجِّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ

ص: 118

الْمَالُ فِي الزَّكَاةِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ جَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ فِي الزَّكَاةِ مَرَّةً أُخْرَى وَكَذَلِكَ السَّيْفُ فِي الْجِهَادِ يُجَاهِدُ بِهِ مِرَارًا وَالْفَرَسُ وَغَيْرُهُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ فِي الشَّرِيعَةِ تُؤَدَّى بِهِ الْعِبَادَاتُ مِرَارًا كَثِيرَةً نُعَارِضُكُمْ بِهِ فِي هَذَا الْقِيَاسِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الذُّنُوبَ لَيْسَتْ أَجْرَامًا تُوجِبُ تَنْجِيسَ الْمَاءِ وَالنَّجَاسَةُ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَجْرَامِ عِنْدَ اتِّصَافِهَا بِأَعْرَاضٍ أُخَرَ وَهَذِهِ لَيْسَتْ أَجْرَامًا فَلَا تَكُونُ تُوجِبُ التَّنْجِيسَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ مُلَابَسَةَ الذُّنُوبِ حَرَامٌ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَإِنَّمَا الذُّنُوبُ الَّتِي تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الشَّرِيعَةِ هِيَ أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ لِلْمُكَلَّفِ اخْتِيَارِيَّةٌ مُكْتَسَبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ.

وَأَمَّا هَذِهِ الذُّنُوبُ فَمَعْنَاهَا اسْتِحْقَاقُ الْمُؤَاخَذَةِ وَذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِعْلٌ لِلْمُكَلَّفِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَخْتَصُّ بِهِ لَا اخْتِيَارَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ وَلَا كَسْبَ وَحِينَئِذٍ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا إيهَامٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ السَّلَفَ رضي الله عنهم كَانُوا يُبَاشِرُونَ الْأَسْفَارَ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهَا وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَمَعَ مَاءَ طَهَارَتِهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ التَّغَيُّرُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ الصَّيْفِ وَشُعْثِ السَّفَرِ فَلَا يَنْفَصِلُ إلَّا مُتَغَيِّرًا بِالْأَعْرَاقِ وَغَيْرِهَا وَالْمُتَغَيِّرُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّطْهِيرِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَمَّا هَذَا فَمَانِعٌ آخَرُ غَيْرُ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تُرَدُّ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ) اعْلَمْ أَنَّ بَاطِنَ الْحَيَوَانِ مُشْتَمِلٌ عَلَى رُطُوبَاتٍ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الرُّطُوبَاتِ وَكَذَلِكَ أَثَفَالُ الْغِذَاءِ وَالْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الدَّمُ وَالصَّفْرَاءُ وَالسَّوْدَاءُ وَالْبَلْغَمُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِنَجَاسَةٍ فَمَنْ حَمَلَ حَيَوَانًا فِي صَلَاتِهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَإِذَا انْفَصَلَتْ هَذِهِ الرُّطُوبَاتُ وَالْأَثْفَالُ مِنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ فَالدَّمُ لَمْ أَرَ أَحَدًا قَضَى عَلَيْهِ بِالطَّهَارَةِ.

وَأَمَّا الْبَوْلُ وَالْعُذْرَةُ فَهُمَا نَجَسَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُمَا مِنْهُ عِنْدَ مَالِكٍ طَاهِرَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَجَسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانِ الْمَكْرُوهِ الْأَكْلِ قِيلَ مَكْرُوهَانِ كَاللَّحْمِ وَقِيلَ نَجَسَانِ تَغْلِيبًا لِلِاسْتِقْذَارِ وَأَمَّا الدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ فَهُمَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ نَجَسَانِ وَالْبَلْغَمُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تُرَدُّ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَعَ زِيَادَةٍ وَتَوْضِيحِ الْمَقَامِ عَلَى مَا يُرَامُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ كَانَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي شَهِدَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» مِنْ خَوَاصِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ ضَرُورَةَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ وَالْفَقِيهُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ وَتَحَقُّقُ مَاهِيَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لَا يُوجَدُ إلَّا بِشُرُوطٍ مِنْهَا مَا هِيَ صِفَةٌ فِيهِ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ تَوْضِيحٍ مِنْ شَرْحِ الْمَحَلِّيّ وَغَيْرِهِ (هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ) أَيْ ذُو الْمَلَكَةِ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا الْمَعْلُومَ أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ (فَقِيهُ النَّفْسِ) أَيْ شَدِيدُ الْفَهْمِ بِالطَّبْعِ لِمَقَاصِدِ الْكَلَامِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْقِيَاسَ (الْعَارِفُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ) أَيْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ بِهِ فِي الْحُجِّيَّةِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّا مُكَلَّفُونَ بِالتَّمَسُّكِ بِاسْتِصْحَابِ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ إلَى أَنْ يُصْرَفُ عَنْهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ (ذُو الدَّرَجَةِ الْوُسْطَى) أَوْ الْكَامِلَةِ لُغَةً وَعَرَبِيَّةً مِنْ نَحْوٍ وَتَصْرِيفٍ وَأُصُولًا بِأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَبَلَاغَةٍ مِنْ مَعَانٍ وَبَيَانٍ وَمَا تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ بِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ الْمُتُونَ لِيَتَأَتَّى لَهُ الِاسْتِنْبَاطُ الْمَقْصُودُ بِالِاجْتِهَادِ أَمَّا عِلْمُهُ بِآيَاتِ الْأَحْكَامِ وَأَحَادِيثِهَا أَيْ مَوَاقِعِهَا.

وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فَلِأَنَّهَا الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهُ وَأَمَّا عِلْمُهُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ فَلِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ كَيْفِيَّةَ الِاسْتِنْبَاطِ وَغَيْرَهَا لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَأَمَّا عِلْمُهُ بِالْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ الْمُرَادَ مِنْ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ بَلِيغٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ لَا صِفَةٌ فِي الْمُجْتَهِدِ وَهِيَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ عَنْ وَالِدِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ كَوْنِهِ خَبِيرًا بِمَوَاقِع الْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَخْرِقَهُ وَبِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي وَبِأَسْبَابِ النُّزُولِ لِتُرْشِدَهُ إلَى فَهْمِ الْمُرَادِ وَبِشَرْطِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ الْمُحَقِّقِ لَهُمَا لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي وَبِالصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ مِنْ الْحَدِيثِ أَيْ مَاصَدَقَاتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالضَّعِيفَةِ لَا مَفَاهِيمُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِيُقَدِّمَ مَاصَدَق الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ عَلَى مَاصَدَق الضَّعِيفَةِ وَبِحَالِ الرُّوَاةِ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ لِيُقَدِّمَ الْمَقْبُولَ عَلَى الْمَرْدُودِ وَيُشْتَرَطُ لِاعْتِمَادِ قَوْلِهِ لَا لِاجْتِهَادِهِ الْعَدَالَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْبَحْثِ عَنْ الْمُعَارِضِ كَالْمُخَصَّصِ وَالْمُقَيَّدِ وَالنَّاسِخِ.

وَعَنْ اللَّفْظِ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِيَسْلَمَ مَا يَسْتَنْبِطُهُ عَنْ تَطَرُّقِ الْخَدْشِ إلَيْهِ لَوْ لَمْ يَبْحَثْ وَاجِبًا أَوْ أَوْلَى فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْلِيمِ تَحَقُّقِهَا فِي عُلَمَاءِ تِلْكَ الْقُرُونِ وَلَمْ يُعَارِضُوا مَنْ ادَّعَى الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ مِنْهُمْ.

وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَعُلَمَاءُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْقُرُونِ إلَى هَذَا

ص: 119

وَالصَّفْرَاءُ.

عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ طَاهِرَانِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْمَنِيُّ فَنَجِسٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَطَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْمَذْيُ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا الْوَدْيُ وَالْمَعِدَةُ طَاهِرَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ نَجِسَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا حُكْمُ الْحَيَوَانِ وَمَا فِي بَاطِنِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ.

وَأَمَّا مَا حَصَلَ فِي بَاطِنِهِ مِنْ خَارِجٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ بَعْدَ أَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْجِيسِ فَهُوَ نَجِسٌ وَيَنْجُسُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعِدَةِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مَيْتَةً أَوْ شَرِبَ بَوْلًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُلَابِسٌ فِي صَلَاتِهِ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ وَقَوْلُنَا مَا فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنَّمَا يُرِيدُ الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ الَّذِي لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالتَّنْجِيسِ أَمَّا مَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالتَّنْجِيسِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَفِي بَاطِنِهِ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ فَإِنْ حَدَثَ عَنْهُ عَرَقٌ يُخْتَلَفُ فِي نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْعَرَقِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي رَمَادِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الَّتِي طَرَأَتْ عَلَيْهَا التَّغَيُّرَاتُ وَالِاسْتِحَالَاتُ فَإِذَا صَارَ غِذَاءً وَأَجْزَاءً مِنْ الْأَعْضَاءِ لَحْمًا وَعَظْمًا وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَعْضَاءِ فَقَدْ صَارَ طَاهِرًا بَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْبَقَرَةِ الْجَلَّالَةِ وَالشَّاةِ تَشْرَبُ لَبَنَ خِنْزِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا بَعُدَتْ الِاسْتِحَالَةُ طَهُرَ كَمَا أَنَّ الدَّمَ إذَا صَارَ مَنِيًّا ثُمَّ آدَمِيًّا قُضِيَ بِطَهَارَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ وَمَا طُرِحَ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الطَّاهِرَةِ فِي مَعِدَةِ الْحَيَوَانِ كَانَ طَاهِرًا عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يَتَغَيَّرَ إلَى صِفَةِ الْعُذْرَةِ أَوْ يَخْتَلِطَ بِنَجَاسَةٍ مِنْ عَرَقٍ يُنْشَرُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ وَنَحْوِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كُلُّ مَا يَصِلُ إلَى الْمَعِدَةِ يَتَنَجَّسُ بِهَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُ نَجِسَةٌ وَعَرَضَ هَا هُنَا فَرْعٌ وَهُوَ جُبْنُ الرُّومِ فَإِنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ بِالْإِنْفَحَةِ وَهُمْ لَا يُذَكُّونَ بَلْ الْإِنْفَحَة مَيْتَةٌ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُحَقِّقُونَ هُوَ نَجِسٌ لِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ طَاهِرَةٌ وَاللَّبَنُ الَّذِي يَشْرَبُهُ فِيهَا طَاهِرٌ فَيَكُونُ الْجُبْنُ طَاهِرًا وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ صَارَ جُرْمُ الْمَعِدَةِ نَجِسًا فَيَنْجُسُ اللَّبَنُ الْكَائِنُ فِيهِ فَيَصِيرُ الْجُبْنُ نَجِسًا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

هَذَا حُكْمُ الْحَيَوَانِ وَمَا فِي بَاطِنِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ وَحَكَاهُ صَحِيحٌ.

قَالَ (أَمَّا مَا حَصَلَ فِي بَاطِنِهِ مِنْ خَارِجٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ بَعْدَ أَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْجِيسِ فَيُنَجِّسُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعِدَةِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مَيْتَةً أَوْ شَرِبَ بَوْلًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُلَابِسٌ فِي صَلَاتِهِ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَفِي بَاطِنِهِ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ) قُلْتُ لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ فِي جَوْفِهِ نَجَاسَةٌ وَرَدَتْ عَلَيْهِ وَلَا أَرَاهُ صَحِيحًا. قَالَ (فَإِنْ حَدَثَ عَنْهُ عِرْقٌ يُخْتَلَفُ فِي نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْعِرْقِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ نَجِسَةٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا وَحَكَاهُ صَحِيحٌ.

قَالَ (وَعَرَضَ هَا هُنَا فَرْعٌ وَهُوَ جُبْنُ الرُّومِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْقَرْنِ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي تَسْلِيمِ تَحَقُّقِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي بَعْضِهِمْ وَعَدَمِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ فَادَّعَى جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ تَحَقُّقَ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِيهِ وَأَنَّهُ بَلَغَ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ بِنَاءً عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا قَوْلُ ابْنِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَعَ تَوْضِيحٍ مِنْ الْمَحَلِّيّ وَيَكْفِي الْخِبْرَةُ بِحَالِ الرُّوَاةِ فِي زَمَانِنَا الرُّجُوعُ إلَى أَئِمَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ لِتَعَذُّرِهِمَا فِي زَمَانِنَا إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ.

2 -

وَثَانِيهَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِسَالَتِهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَخْلَدَ إلَى الْأَرْضِ أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ قِسْمَانِ مُسْتَقِلٌّ وَغَيْرُ مُسْتَقِلٍّ وَالْمُسْتَقِلُّ هُوَ الَّذِي اسْتَقَلَّ بِقَوَاعِدِهِ لِنَفْسِهِ يَبْنِي عَلَيْهَا الْفِقْهَ خَارِجًا عَنْ قَوَاعِدِ الْمَذَاهِبِ الْمُقَرَّرَةِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُجْتَهِدِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِيَّةِ قَالَ السُّيُوطِيّ.

وَهَذَا الْقِسْمُ قَدْ فُقِدَ مِنْ دَهْرٍ بَلْ لَوْ أَرَادَهُ الْإِنْسَانُ الْيَوْمَ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ أُصُولُ الْمَذَاهِبِ وَقَوَاعِدُ الْأَدِلَّةِ مَنْقُولَةٌ عَنْ السَّلَفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْأَعْصَارِ خِلَافُهَا اهـ كَلَامُ ابْنِ بُرْهَانٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ اتِّبَاعُ الْأَئِمَّةِ الْآنَ الَّذِينَ حَازُوا شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ مُجْتَهِدُونَ مُلْتَزِمُونَ أَنْ لَا يُحْدِثُوا مَذْهَبًا أَمَّا كَوْنُهُمْ مُجْتَهِدِينَ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ قَائِمَةٌ بِهِمْ.

وَأَمَّا كَوْنُهُمْ مُلْتَزِمِينَ أَنْ لَا يُحْدِثُوا مَذْهَبًا فَلِأَنَّ إحْدَاثَ مَذْهَبٍ زَائِدٍ بِحَيْثُ يَكُونُ لِفُرُوعِهِ أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ مُبَايِنَةٌ لِسَائِرِ قَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمِينَ مُتَعَذِّرُ الْوُجُودِ لِاسْتِيعَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ سَائِرَ الْأَسَالِيبِ اهـ كَلَامُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ وَهُوَ مَالِكِيٌّ أَيْضًا وَالْمُجْتَهِدُ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ هُوَ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي اتَّصَفَ بِهَا الْمُجْتَهِدُ الْمُسْتَقِلُّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْتَكِرْ لِنَفْسِهِ قَوَاعِدَ بَلْ سَلَكَ طَرِيقَةَ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الِاجْتِهَادِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِهِ آدَابِ الْفُتْيَا وَهَذَا لَا يَكُونُ مُقَلِّدَ الْإِمَامَةِ لَا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا فِي دَلِيلِهِ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَةِ الْمُسْتَقِلِّ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ لِسُلُوكِهِ طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَادَّعَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَصْحَابِنَا فَحَكَى عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ صَارُوا إلَى مَذْهَبِ أَئِمَّتِهِمْ تَقْلِيدًا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ أَنَّهُمْ صَارُوا إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا تَقْلِيدًا لَهُ بَلْ

ص: 120

وَاَلَّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ فِي الْعَصْرِ تَحْرِيمُهُ وَتَنْجِيسُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ فَيَكُونُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْشَأُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَنَّ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ فَاسْتُصْحِبَتْ وَالْوَارِدُ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ قَبْلَ أَنْ يَرِدَ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ النَّجَاسَةَ فَاسْتُصْحِبَتْ فَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِيهِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَاَلَّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ فِي الْعَصْرِ تَحْرِيمُهُ وَتَنْجِيسُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرُّومَ لَا يُذَكُّونَ قَدْ حَكَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُذَكِّي وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ لَا يُذَكُّونَ لَيْسَتْ الْإِنْفَحَة مُتَعَيِّنَةً لِعَقْدِ الْجُبْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْقَدُ بِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ طَاهِرٌ كَبَعْضِ الْأَعْشَابِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرُّومَ لَا يُذَكُّونَ وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الَّذِينَ يَكُونُ الْجُبْنُ الْمُعَيَّنُ جُبْنَهُمْ لَا يُذَكُّونَ وَأَنَّهُمْ لَا يَعْقِدُونَ بِغَيْرِ الْإِنْفَحَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا ارْتَضَاهُ وَحَكَاهُ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ الِاحْتِمَالُ فَهُوَ مَوْضِعُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَقْوَى نَقْلًا وَنَظَرًا الْجَوَازُ وَعَدَمُ التَّنْجِيسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ فَيَكُونُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْشَأُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَنَّ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ فَاسْتُصْحِبَتْ وَالْوَارِدُ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ قَبْلَ أَنْ يَرِدَ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ النَّجَاسَةَ فَاسْتُصْحِبَتْ فَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِيهِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ) قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ عَيْنَ مَا فِي الْبَاطِنِ هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْخَارِجِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا حَكَمَ لِمَا فِي الْبَاطِنِ مِنْ ذَلِكَ بِالطَّهَارَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَحْكُمَ لِمَا فِي الْخَارِجِ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ وَلَمَّا لَمْ يَحْكُمْ لِمَا فِي الْخَارِجِ بِالطَّهَارَةِ إجْمَاعًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ لِمَا فِي الْبَاطِنِ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّ أَصْلَهُ الطَّهَارَةُ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ هَذَا إنْ سَلَّمَ أَنَّ حُكْمَ مَا فِي الْبَاطِنِ الطَّهَارَةُ لَكِنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ مَا فِي الْبَاطِنِ مِنْ ذَلِكَ بِطَاهِرٍ بَلْ هُوَ نَجَسٌ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى إزَالَتِهِ وَإِذَا كَانَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ مَعْفُوًّا عَنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْإِزَالَةِ دَفْعًا لِمَشَقَّةِ الْإِزَالَةِ مَعَ إمْكَانِهَا فَأَحْرَى أَنْ يُعْفَى عَمَّا تَعَذَّرَتْ فِيهِ الْإِزَالَةُ وَالدَّاعِي إلَى هَذَا الْكَلَامِ وَاخْتِيَارُهُ دُونَ مَا اخْتَارَهُ أَنَّ عَيْنَ مَا فِي الْخَارِجِ هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْبَاطِنِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِطَهَارَتِهِ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَمَّا وَجَدُوا طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ أَسَدَّ الطُّرُقِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الِاجْتِهَادِ سَلَكُوا طَرِيقَهُ فَطَلَبُوا مَعْرِفَةَ الْأَحْكَامِ بِطَرِيقِ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ اتَّبَعْنَا الشَّافِعِيَّ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّا وَجَدْنَا قَوْلَهُ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلَهَا لَا أَنَّا قَلَّدْنَاهُ

قَالَ النَّوَوِيُّ.

هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُوَافِقٌ لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرُهُ بِقَوْلِهِ مَعَ إعْلَامِهِ بِنَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ قَالَ ثُمَّ فَتْوَى الْمُفْتِي فِي هَذَا النَّوْعِ كَفَتْوَى الْمُسْتَقِلِّ فِي الْعَمَلِ بِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ اهـ كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَالَ السُّيُوطِيّ فَالْمُطْلَقُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْمُسْتَقِلِّ فَكُلُّ مُسْتَقِلٍّ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُطْلَقٍ مُسْتَقِلًّا وَاَلَّذِي ادَّعَيْنَاهُ هُوَ الِاجْتِهَادُ الْمُطْلَقُ لَا الِاسْتِقْلَالُ بَلْ نَحْنُ تَابِعُونَ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَسَالِكُونَ طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَمَعْدُودُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ اجْتِهَادَنَا مُقَيَّدٌ وَالْمُجْتَهِدُ الْمُقَيَّدُ إنَّمَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُطْلَقِ بِإِخْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ مَشْرِقِهَا إلَى مَغْرِبِهَا أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالْعَرَبِيَّةِ مِنِّي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَضِرُ أَوْ الْقُطْبُ أَوْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ أَقْصِدْ دُخُولَهُمْ فِي عِبَارَتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ السُّيُوطِيّ الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَيْفَ يَدَّعِي خُلُوَّ الْأَرْضِ عَمَّنْ يَقُومُ بِهِ فَيَأْثَمُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا فِي رِسَالَةِ السُّيُوطِيّ الْمَذْكُورَةِ وَفِي حَاشِيَةِ الْبَاجُورِيِّ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ وَادَّعَى الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ بَقَاءَهُ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا» وَمَنَعَ الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ يُجَدِّدُ أَمْرَ الدِّينِ مَنْ يُقَرِّرُ الشَّرَائِعَ وَالْأَحْكَامَ لَا الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ اهـ.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي شَخْصٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى بُلُوغَهَا مِنْهُمْ لَا تَسْلَمُ لَهُ دَعْوَاهُ ضَرُورَةَ أَنَّ بُلُوغَهَا لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهِ تَحْصِيلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِ شُرُوطِهِ بِقَدْرِ مَا فِي طَاقَاتِهِمْ الْبَشَرِيَّةِ فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ تَحْصِيلُهَا كَيْفَ يَدَّعِي تَأْثِيمَ جَمِيعِهِمْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَالِمُ الْأَقْطَارِ الشَّامِيَّةِ بَعْدَ سَرْدِهِ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ: هَذِهِ الشُّرُوطُ يَعُزُّ وُجُودُهَا فِي زَمَانِنَا فِي شَخْصٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ لَا يُوجَدُ فِي الْبَسِيطَةِ الْيَوْمَ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ.

وَقَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْوَسِيطِ.

وَأَمَّا شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقَاضِي فَقَدْ تَعَذَّرَتْ فِي وَقْتِنَا وَفِي الْإِنْصَافِ مِنْ كُتُبِ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ مِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ عُدِمَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ

ص: 121

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ وَالْغَالِبَ أَنَّ الْوَاجِبَ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عليه السلام حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَمَتَى تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَرَدَ سُؤَالٌ مُشْكِلٌ وَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلظَّلَامِ وَالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَهَذَا الْجَمْعُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْوَاجِبِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ يَلْحَقُهُمْ ضَرَرٌ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بُيُوتِهِمْ وَعَوْدِهِمْ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ لَهُمْ أَقِيمُوا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ حَتَّى تُصَلُّوهَا وَهَذَا الضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَخْرُجُوا الْآنَ وَيُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ أَفْذَاذًا وَإِمَّا بِأَنْ يُصَلُّوا الْآنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَضَاعَ الْوَاجِبُ بِالْجَمْعِ فَلَوْ حُفِظَ هَذَا الْوَاجِبُ ضَاعَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ فَقُدِّمَ الْمَنْدُوبُ عَلَى الْوَاجِبِ فَحَصَلَ وَتُرِكَ الْوَاجِبُ فَذَهَبَ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ إلَى قَوْلِهِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْوَقْتِ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ وَقَرَّرَهُ هُنَا صَحِيحٌ كَمَا قَرَّرَ.

قَالَ (وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَضَاعَ الْوَاجِبُ بِالْجَمْعِ فَلَوْ حَفِظَ هَذَا الْوَاجِبُ ضَاعَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ فَقُدِّمَ الْمَنْدُوبُ عَلَى الْوَاجِبِ فَحَصَلَ وَتُرِكَ الْوَاجِبُ فَذَهَبَ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا فِي الْحَالِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْجَمْعُ وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِ الْأُولَى لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ جَائِزٌ وَالتَّقْدِيمُ أَوْلَى لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ يَضِعْ وَاجِبٌ بِالْجَمْعِ وَلَا تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَلَا قُدِّمَ مَنْدُوبٌ عَلَى وَاجِبٍ وَلَا خُولِفْتُ فِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ ذَهَابُ وَهْمِهِ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِيمَا عَدَا الْحَالَ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْجَمْعُ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِهَا مِنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إنَّ النَّاسَ كَالْمُجْمِعِينَ الْيَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ كَيْفِيَّةُ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الزَّيْغِ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ قَدْ ادَّعَى بُلُوغَهُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ وَهُوَ إمَامٌ جَلِيلٌ مُتَضَلِّعٌ مِنْ الْعُلُومِ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَمِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْبَعِيدَةِ وَعَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقِلًّا وَأَنَّ مَنْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ عِبَارَةً عَنْ غَيْرِ الْعَامِّيِّ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ عِبَارَةً عَنْ الْعَامِّيِّ وَأَنَّ غَيْرَ الْعَامِّيِّ إمَّا مُجْتَهِدٌ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ وَلَهُ مَرْتَبَتَانِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى أَشَارَ لَهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ الشَّرْحِ وَدُونَهُ أَيْ دُونَ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الْمُتَقَدِّمِ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَخْرِيجِ الْوُجُوهِ الَّتِي يُبْدِيهَا عَلَى نُصُوصِ إمَامِهِ فِي الْمَسَائِلِ اهـ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهُوَ مَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِتَقْرِيرِ أُصُولِهِ بِالدَّلِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ فِي أَدِلَّتِهِ أُصُولَ إمَامِهِ وَقَوَاعِدَهُ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ تَفْصِيلًا بَصِيرًا بِمَسَالِكِ الْأَقْيِسَةِ وَالْمَعَانِي تَامِّ الِارْتِيَاضِ فِي التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ قَيِّمًا بِإِلْحَاقِ مَا لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لِإِمَامِهِ بِأُصُولِهِ وَلَا يُعَرَّى عَنْ شَوْبِ تَقْلِيدٍ لَهُ لِإِخْلَالِهِ بِبَعْضِ أَدَوَاتِ الْمُسْتَقِلِّ بِأَنْ يُخِلَّ بِالْحَدِيثِ أَوْ الْعَرَبِيَّةِ وَكَثِيرًا مَا أَخَلَّ بِهِمَا الْمُقَيَّدُ ثُمَّ يَتَّخِذُ نُصُوصَ إمَامِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا كَفِعْلِ الْمُسْتَقِلِّ بِنُصُوصِ الشَّرْعِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ إمَامِهِ وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُعَارِضٍ كَفِعْلِ الْمُسْتَقِلِّ فِي النُّصُوصِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالْعَامِلُ بِفَتْوَى هَذَا مُقَلِّدٌ لِإِمَامِهِ لَا لَهُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ لَا يَتَأَدَّى بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَيَظْهَرُ تَأَدِّي الْفَرْضِ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ يَتَأَدَّ فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ الَّتِي مِنْهَا اسْتِمْدَادٌ لِلْفَتْوَى اهـ.

وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِنَا إلَخْ مِثْلُ الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيِّ صَاحِبَيْ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ صَاحِبَيْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ الْخَلَّالِ وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيِّ وَالشَّيْخِ حَنْبَلٍ وَصَالِحِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إفْتَاءِ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَالْأَصْلُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَعْصَارِ الِاسْتِنْبَاطُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَخْذُ بِأَقْوَالِ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ وَتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ.

وَلَوْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ لَزِمَ

ص: 122

وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ لِدَفْعِ ضَرُورَةِ السَّفَرِ وَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ الْمُحَرَّمُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّلَفِ وَتُسَاغُ الْغُصَّةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِتَعَيُّنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَلَا فِعْلُ الْمُحَرَّمِ وَلِذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَلَا الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ وَالْمَرَضِ إلَّا لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ لِدَفْعِ ضَرُورَةِ السَّفَرِ) قُلْتُ وَمَتَى كَانَ تَرْكُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا لِدَفْعِ ضَرَرِ السَّفَرِ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ إمَامِنَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ جَائِزٌ وَمَتَى كَانَ تَرْكُ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا وَالْإِتْمَامُ سَائِغٌ بَلْ ضَرَرُ السَّفَرِ جَائِزُ الدَّفْعِ بِذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الدَّفْعُ بِذَلِكَ جَائِزًا فَالْمُكَلَّفُ مُخَيَّرٌ فِي إيقَاعِ الصَّوْمِ فِي حَالِ السَّفَرِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتٍ آخَرَ مَعَ اخْتِيَارِ الصَّوْمِ وَكَذَلِكَ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ مَعَ اخْتِيَارِ الْقَصْرِ فَإِذَا أَفْطَرَ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا وَإِذَا قَصَرَ كَذَلِكَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَفْطَرَ تَرَكَ وَاجِبًا لَزِمَهُ إنْكَارُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا قَصَرَ تَرَكَ وَاجِبًا لَزِمَهُ إنْكَارُ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ الْمُحَرَّمُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّلَفِ وَتُسَاغُ الْغُصَّةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِتَعَيُّنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ) قُلْتُ إذَا أَكَلَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ أَوْ شَرِبَ الْغَاصُّ الْخَمْرَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا بَلْ فَعَلَ وَاجِبًا وَمَا هَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ إلَّا كَلَامُ مَنْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ فَالتَّحْرِيمُ لَا يُفَارِقُ الْمَيْتَةَ وَالْخَمْرَ بِحَالٍ وَذَلِكَ وَهْمٌ بَاطِلٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ.

قَالَ (أَمَّا إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَلَا فِعْلُ الْمُحَرَّمِ) قُلْتُ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ وَاجِبٍ وَلَا فِعْلُ مُحَرَّمٍ إلَّا بِمَعْنَى مَا كَانَ وَاجِبًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ وَمُحَرَّمًا كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ (وَلِذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَلَا الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ وَالْمَرَضِ إلَّا لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرَدٌ) قُلْتُ إذَا تَعَيَّنَ تَرْكُ مَا ذَكَرَهُ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ صَارَتْ تِلْكَ الْوَاجِبَاتُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الزَّيْغُ وَالضَّلَالُ وَالْإِلْحَادُ فِي الدِّينِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ يُعَارِضُهَا مِثْلُهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَلَا إطْلَاعَ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ عَنْهُمْ وَبَعْضُهَا مَنْسُوخٌ وَبَعْضُهَا مَخْصُوصٌ وَبَعْضُهَا مُجْمَلٌ وَبَعْضُهَا مُتَشَابِهٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْسَامِ اهـ الْمُرَادُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ جَوَازِ خُلُوِّ الزَّمَانِ حَتَّى عَنْ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ فَفِي الْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ عَنْ الَّذِي يُمْكِنُ تَفْوِيضُ الْفَتْوَى إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُطْلَقِ وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَقَلُّونَ كَالْحَنَابِلَةِ اهـ سَمِّ سِيَّمَا وَنَحْنُ الْآنَ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْأَخْضَرِيُّ فِي سُلَّمِهِ الْمُنْوَرِقِ لَا سِيَّمَا فِي عَاشِرِ الْقُرُونِ ذِي الْجَهْلِ وَالْفَسَادِ وَالْفُتُونِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَشَارَ لَهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ الشَّرْحِ وَدُونَهُ إلَخْ أَيْ دُونَ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ مُجْتَهِدُ الْفُتْيَا وَهُوَ الْمُتَبَحِّرُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَرْجِيحِ قَوْلٍ لَهُ عَلَى آخَرَ أَطْلَقَهُمَا اهـ.

وَسَمَّاهُ الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مُجْتَهِدَ التَّرْجِيحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهُوَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظٌ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهَا يُصَوِّرُ وَيُحَرِّرُ وَيُقَرِّرُ وَيُمَهِّدُ وَيُزَيِّفُ وَيُرَجِّحُ لَكِنَّهُ قَصَرَ عَنْ أُولَئِكَ لِقُصُورِهِ عَنْهُمْ فِي حِفْظِ الْمَذْهَبِ أَوْ الِارْتِيَاضِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَمَعْرِفَةِ الْأُصُولِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَدِلَّتِهَا اهـ.

وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ وَمُجْتَهِدُو الْفَتْوَى مَنْ كَمُلُوا فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ حَتَّى وَصَلُوا لِرُتْبَةِ التَّرْجِيحِ لِلْأَقْوَالِ وَهُمْ كَثِيرُونَ كَالرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيِّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اهـ بِتَوْضِيحٍ.

وَقَالَ شَيْخُ وَالِدِي الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِيُّ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ إنَّ الرَّمْلِيَّ وَابْنَ حَجَرٍ لَمْ يَبْلُغَا مَرْتَبَةَ التَّرْجِيحِ بَلْ هُمَا مُقَلِّدَانِ فَقَطْ نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَهُمَا تَرْجِيحٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ بَلْ والشبراملسي أَيْضًا اهـ وَكَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقَرَافِيِّ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَكَابْنِ نَجِيمٍ وَالسَّرَخْسِيِّ وَالْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ وَالطَّحَاوِيِّ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَأَبِي يَعْلَى وَابْنِ قُدَامَةَ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ الْأَصْلُ وَحَالُ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَنْ يُحِيطَ بِتَقْيِيدِ جَمِيعِ مُطْلَقَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَخْصِيصِ جَمِيعِ عُمُومَاتِهِ وَبِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيُخَرِّجُ وَيَقِيسُ بِشُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا لَا يَحْفَظُهُ عَلَى مَا يَحْفَظُهُ اهـ.

وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَمَّا

ص: 123

وَقَدْ خُولِفَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْمَنْدُوبِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ تُرِكَ فِيهِ وَاجِبَانِ أَحَدُهُمَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَهِيَ الْعَصْرُ فَتُقَدَّمُ وَتُصَلَّى مَعَ الظُّهْرِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَثَانِيهِمَا تَرْكُ الْجُمُعَةِ إذَا جَاءَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيُصَلَّى الظُّهْرُ أَرْبَعًا فَتُرِكَ الْوَاجِبُ أَيْضًا لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ كَمَا يَنْدَفِعُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلِذَلِكَ لَمَّا حَجَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَمَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَاجْتَمَعَا بِمَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَقَعَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعَ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ وَوَاجِبَةٌ قَبْلَ الظُّهْرِ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ لَهُ مَالِكٌ إنَّ ذَلِكَ خِلَافَ السُّنَّةِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَيْنَ لَك ذَلِكَ وَأَنَّهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَقَدْ خُولِفَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْمَنْدُوبِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ تَرْكَ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ مَقْصُودُهُ وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْوَاجِبِ فِي حَالٍ شَرْعِيَّةِ الْجَمْعِ فَلَيْسَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا بِوَاجِبٍ فَلَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا بَلْ صَارَتْ الْأَخِيرَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَقْتِهَا وَوَقْتِ الْأُولَى وَمَنْ فَعَلَ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ فِي أَوَّلِ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ الْمُوَسَّعِ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا أَصْلًا وَإِنَّمَا السَّبَبُ فِيمَا ارْتَكَبَهُ ذَهَابُ الْوَهْمِ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ هُوَ بِعَيْنِهِ الْوَاجِبُ وَلَيْسَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا هُوَ بِعَيْنِهِ الْوَاجِبُ أَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلِمَا قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ هُوَ بِعَيْنِهِ الْوَاجِبَ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الصَّلَاةُ وَالتَّأْخِيرُ وَالتَّقْدِيمُ أَمْرَانِ إضَافِيَّانِ فَمَتَى نُسِبَ الْوُجُوبُ إلَى التَّأْخِيرِ أَوْ إلَى التَّقْدِيمِ فَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ بِوُجُوبِ التَّأْخِيرِ وُجُوبُ فِعْلِ الصَّلَاةِ مُؤَخَّرَةً وَبِوُجُوبِ التَّقْدِيمِ وُجُوبُ فِعْلِهَا مُقَدَّمَةً وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ فَهِمَ شَيْئًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ فِي حَالِ الْمَطَرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إيقَاعِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مُقَدَّمَةً قَبْلَ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ لَهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ إيثَارًا لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَبَيْنَ إيقَاعِهَا فَذًّا فِي وَقْتِهَا الْمَذْكُورِ وَلَا غَرْوَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَمْرٍ رَاجِحٍ وَمَرْجُوحٍ وَفَاضِلٍ وَمَفْضُولٍ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّ الْعِتْقَ أَرْجَحُهَا لِرُجْحَانِ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ عَلَى قِيمَةِ الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ بَلْ كَمَا فِي رَقَبَةٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَرَقَبَةٍ قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَكَمَا فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ إطَالَةِ سُجُودِ الصَّلَاةِ وَتَقْصِيرِهِ وَذَلِكَ لَا يُحْصَى كَثْرَةً فِي الشَّرِيعَةِ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ تُرِكَ فِيهِ وَاجِبَانِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَالِمٌ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى وَلَا يَنْزِلَ إلَى دَرَجَةِ الْعَامِّيِّ وَسَمَّاهُ الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مُجْتَهِدَ الْفُتْيَا نَظَرًا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَعَنْ شَارِحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ مِنْ أَنَّهُ رُتْبَةٌ ثَالِثَةٌ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُقَلِّدِينَ إلَّا أَنَّ كَلَامَ شَارِحِ التَّحْرِيرِ الْمَارِّ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْتَهِدِ فُتْيَا بَلْ مُجْتَهِدُ الْفُتْيَا هُوَ مُجْتَهِدُ التَّرْجِيحِ فَتَأَمَّلْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهُوَ مَنْ يَقُومُ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ فِي الْوَاضِحَاتِ وَالْمُشْكِلَاتِ وَلَكِنْ عِنْدَهُ ضَعْفٌ فِي تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ وَتَحْرِيرِ أَقْيِسَتِهِ فَهَذَا يُعْتَمَدُ نَقْلُهُ وَفَتْوَاهُ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ مَسْطُورَاتِ مَذْهَبِهِ وَمَا لَا يَجِدُهُ مَنْقُولًا إنْ وُجِدَ فِي الْمَنْقُولَاتِ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يُدْرِكُ بِغَيْرِ كَبِيرِ فِكْرٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا جَازَ إلْحَاقُهُ بِهِ وَالْفَتْوَى بِهِ وَكَذَا مَا يُعْلَمُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ ضَابِطِ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ يَجِبُ إمْسَاكُهُ عَنْ الْفَتْوَى فِيهِ اهـ.

وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْأَصْلِ وَحَالُ هَذَا أَنْ يَتَّسِعَ إطْلَاعُهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَنْقُلُهُ مِنْ مَذْهَبِهِ اتِّبَاعًا لِمَشْهُورِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ بِشُرُوطِ الْفُتْيَا لَا بِكُلِّ قَوْلٍ فِيهِ إذْ لَا يُعَرَّى مَذْهَبٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَنْ قَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ السَّالِمَ عَنْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ لَكِنَّهُ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ.

وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَنْقُلَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يُفْتِي بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ وَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَإِنْ تَأَكَّدَ بِحُكْمِهِ فَأَوْلَى أَنْ نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَلَا يُعْلَمُ فِي مَذْهَبِهِ إلَّا مَنْ عَرَفَ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَالنَّصَّ الصَّرِيحَ وَعَدَمَ الْمُعَارِضِ لِذَلِكَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْصِيلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِأُصُولِهَا مَعَ مَعْرِفَةِ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ مَعْرِفَةً حَسَنَةً لَا بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ لَيْسَتْ مُسْتَوْعَبَةً فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بَلْ لِلشَّرِيعَةِ قَوَاعِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْفُقَهَاءِ لَا تُوجَدُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَصْلًا وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى وَضْعِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُسَمَّى كِتَابُ الْأَنْوَارِ وَالْقَوَاعِدِ السَّنِيَّةِ لِأَضْبِطَ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ حَسْبَ طَاقَتِي وَلِاعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ يَحْرُمُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْفَتْوَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ وَكَذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ رضي الله عنهم مُتَوَقِّفِينَ فِي الْفُتْيَا تَوَقُّفًا شَدِيدًا.

وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَرَى هُوَ نَفْسُهُ أَهْلًا لِذَلِكَ يُرِيدُ تَثَبُّتَ أَهْلِيَّتِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَيَكُونُ هُوَ بِيَقِينٍ

ص: 124

خِلَافُ السُّنَّةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُمَا خُطْبَةٌ وَهَذِهِ هِيَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ جَهَرَ فِيهِمَا أَوْ أَسَرَّ فَسَكَتَ أَبُو يُوسُفَ فَظَهَرَتْ الْحُجَّةُ لِمَالِكٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - بِسَبَبِ الْإِسْرَارِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ جَهْرِيَّةٌ فَلَمَّا صَلَّى عليه السلام رَكْعَتَيْنِ سِرًّا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ سَفَرِيَّةً وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْخُطْبَةَ لِيَوْمِ عَرَفَةَ لَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ عَرَفَةَ إنَّمَا خُطْبَتُهُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ مَنَاسِكَ الْحَجِّ كَانَتْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْجَمْعِ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ أَيْسَرُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ الْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ.

أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ عَرَفَةَ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَجِيجِ السَّفَرُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ الظُّهْرُ دُونَ الْجُمُعَةِ فَجُعِلَ النَّادِرُ تَبَعًا لِلْغَالِبِ فَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ بِعَرَفَةَ أَوْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ مِنْ عَرَفَةَ فَتَرْكُ الْجُمُعَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ تَرْكَ الْوَاجِبِ.

وَأَمَّا تَرْكُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَهِيَ الْعَصْرُ فَلِضَرُورَةِ الْحُجَّاجِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالتَّقَرُّبِ اللَّائِقِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَوْمٌ لَا يَكَادُ يَحْصُلُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً بَعْدَ ضَنْكِ الْأَسْفَارِ وَقَطْعِ الْبَرَارِيِ وَالْقِفَارِ وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ وَالْأَوْطَانِ النَّائِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُقَدَّمَ هَذَا عَلَى مَصْلَحَةِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَكُونُ هَذَا ضَرَرًا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ كَمَا يُوجِبُ فَوَاتُ الزَّمَانِ التَّقْدِيمَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بَلْ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ فَوَاتِ الزَّمَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ رُفْقَةٌ مُوَافِقِينَ عَلَى النُّزُولِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ ضَرَرٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَمَّا مَصَالِحُ الْحَجِّ فَأَمْرٌ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ وَلَا خُرُوجَ لَهُ عَنْهَا وَلَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا جَوَابٌ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَمْعِ عَرَفَةَ دُونَ جَمْعِ لَيْلَةِ الْمَطَرِ.

وَأَمَّا جَمْعُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا خَافَ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ آخِرَ الْوَقْتِ فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ جَمْعِ الْمَطَرِ لَمْ يَتَعَيَّنْ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَلَوْ لَمْ يَجْمَعْ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ ضَاعَ الْوَاجِبُ آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ الصَّلَاةُ الْأَخِيرَةُ بِغَيْبَةِ الْعَقْلِ وَضَرُورَةِ الْمَرَضِ أَوْ دَخَلَ الضَّرَرُ بِفَوَاتِ الرِّفَاقِ وَالْجَمْعُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لَوْ تُرِكَ إنَّمَا يَفُوتُ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ الْجَمَاعَةُ.

وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ فَتُصَلَّى عَلَى أَفْضَلِ الْأَحْوَالِ فِي الْبُيُوتِ عِنْدَ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ فَهَذَا جَمْعٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا السُّؤَالِ الْقَوِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ إذَا حَصَلَ يُقَوِّي الْجَوَابَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَنَشْرَعُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْمُشْكِلَةِ فَنَقُولُ إنَّ الْمَنْدُوبَاتِ قِسْمَانِ قِسْمٌ تَقْصُرُ مَصْلَحَتُهُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَنَشْرَعُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْمُشْكِلَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ ذَلِكَ صَحِيحٌ لَا بَأْسَ بِهِ.

قَالَ (فَنَقُولُ إنَّ الْمَنْدُوبَاتِ قِسْمَانِ قِسْمٌ تَقْصُرُ مَصْلَحَتُهُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مُطَّلِعًا عَلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ مِنْ الْإِنْسَانِ أَمْرٌ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّاسُ حَصَلَ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ وَمَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا لِأَنَّ التَّحْنِيكَ وَهُوَ اللِّثَامُ بِالْعَمَائِمِ تَحْتَ الْحَنَكِ شِعَارُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَحْنِيكٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى تَأَكُّدِ التَّحْنِيكِ وَهَذَا هُوَ شَأْنِ الْفُتْيَا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ.

وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ انْخَرَقَ هَذَا السِّيَاجُ وَسَهُلَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُ دِينِهِمْ فَتَحَدَّثُوا فِيهِ بِمَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ وَعَسُرَ عَلَيْهِمْ اعْتِرَافُهُمْ بِجَهْلِهِمْ وَأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ لَا يَدْرِي فَلَا جَرَمَ آلَ الْحَالُ لِلنَّاسِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْجُهَّالِ وَالْمُتَجَرِّئِينَ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.

قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصَ الْعُمُومَاتِ يَعْنِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً فَبَعِيدٌ وَيَكْفِي الْآنَ فِي ذَلِكَ وُجُودُ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّوْضِيحِ أَوْ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الَّذِي يُفْتِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَبْحَرَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَأْوِيلِ الشُّيُوخِ لَهَا وَتَوْجِيهِهِمْ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ ظَوَاهِرَ وَاخْتِلَافِ مَذَاهِبَ وَتَشْبِيهِهِمْ مَسَائِلَ بِمَسَائِلَ قَدْ يَسْبِقُ إلَى النَّفْسِ تَبَاعُدُهَا وَتَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ مَسَائِلَ وَمَسَائِلَ قَدْ يَقَعُ فِي النَّفْسِ تَقَارُبُهَا وَتَشَابُهُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَسَطَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي كُتُبِهِمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ فَهَذَا لِعَدَمِ النُّظَّارِ يُقْتَصَرُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ اهـ.

وَفِي آخِرِ خُطْبَةِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ إذَا جَمَعَ الطَّالِبُ الْمُقَدَّمَاتِ إلَى هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْبَيَانَ وَالتَّحْصِيلَ حَصَلَ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا يَسَعُ جَهْلُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَعَرَفَ الْعِلْمَ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ بَابِهِ وَسَبِيلِهِ وَأَحْكَمَ رَدَّ الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ وَاسْتَغْنَى بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ الشُّيُوخِ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَحَصَّلَ مَرْتَبَةَ مَنْ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِي النَّوَازِلِ الْمُعْضِلَاتِ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ وَوَعَدَهُمْ فِيهِ بِتَرْفِيعِ الدَّرَجَاتِ اهـ كَلَامُ الْحَطَّابِ بِتَغْيِيرِ مَا.

قَالَ وَجَعَلَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَا خَالَفَ فِيهِ الْإِمَامُ النَّصَّ نَظِيرُ مَا خَالَفَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ فِي عَدَمِ جَوَازِ نَقْلِهِ لِلنَّاسِ وَإِفْتَائِهِمْ بِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِنَصِّ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ نَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ قَوْلِهِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ وَصْفًا لِخُصُوصِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لَا لَهُ وَلِلنَّصِّ وَإِلَّا

ص: 125

فَإِنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ

الْمَصَالِحَ

الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ وَنَوَاهِيَهُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ حَتَّى يَكُونَ أَدْنَى الْمَصَالِحِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَصْلَحَةُ وَالنَّدْبُ وَتَعْظُمُ رُتْبَتُهُ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَنْدُوبَاتِ تَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْوَاجِبَاتِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَدْنَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَفَاسِدُ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْعِظَمِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ يَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْمُحَرَّمَاتِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ ثُمَّ إنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبَاتٌ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ كَثْرَةُ الْمَصَالِحِ وَقِلَّتُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً وَسَدُّ خَلَّةِ الْوَالِي الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ لِأَنَّ

مَصْلَحَةَ

بَقَاءِ الْوَلِيِّ وَالْعَالِمِ فِي الْوُجُودِ لِنَفْسِهِ وَلِلْخَلْقِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْفَاسِقِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَإِنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ وَنَوَاهِيهِ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ إلَى قَوْلِهِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ) قُلْتُ مَا قَالَ صَحِيحٌ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْأَوَامِرَ تَتْبَعُ

الْمَصَالِحَ

وَالنَّوَاهِيَ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَهُوَ أَنَّ الْمَصَالِحَ تَتْبَعُ الْأَوَامِرَ وَالْمَفَاسِدَ تَتْبَعُ النَّوَاهِيَ أَمَّا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَلَا خَفَاءَ بِهِ فَإِنَّ الْمَصَالِحَ هِيَ الْمَنَافِعُ وَلَا مَنْفَعَةَ أَعْظَمُ مِنْ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْمَفَاسِدُ هِيَ الْمَضَارُّ وَلَا ضَرَرَ أَعْظَمُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُقِيمِ.

وَأَمَّا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَعَلَى ذَلِكَ دَلَائِلُ مِنْ الظَّوَاهِرِ الشَّرْعِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَادُ يَنْحَصِرُ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْمَوْضِعُ مَحَلُّ نَظَرٍ هَذَا إنْ كَانَ يُرِيدُ بِالتَّبَعِيَّةِ حُصُولَ هَذِهِ بَعْدَ حُصُولِ هَذِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَوَامِرَ وَرَدَتْ لِتَحْصُلَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا الْمَصَالِحَ وَأَنَّ النَّوَاهِيَ وَرَدَتْ لِتَرْتَفِعَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا الْمَفَاسِدَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ (ثُمَّ إنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبَاتٌ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٍ.

قَالَ (لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ كَثْرَةُ الْمَصَالِحِ وَقِلَّتُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً وَسَدَّ خَلَّةِ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ.

هَذَا وَقَالَ الْأَصْلُ وَمَا لَيْسَ مَحْفُوظًا مِنْ رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ لِمَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا هُوَ مَحْفُوظٌ لَهُ مِنْهَا وَإِنْ كَثُرَتْ مَنْقُولَاتُهُ جِدًّا إلَّا إذَا حَصَلَتْ لَهُ شُرُوطُ التَّخْرِيجِ مِنْ حِفْظِهِ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْصِيلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِأُصُولِهَا وَمَعْرِفَتِهِ عِلْمَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَكِتَابَ الْقِيَاسِ وَأَحْكَامِهِ وَتَرْجِيحَاتِهِ وَشَرَائِطِهِ وَمَوَانِعِهِ مَعْرِفَةً حَسَنَةً وَعِلْمُهُ بِأَنَّ قَوْلَ إمَامِهِ الْمُخَرَّجَ عَلَيْهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا لِلْقَوَاعِدِ وَلَا لِنَصٍّ وَلَا لِقِيَاسٍ جَلِيٍّ سَالِمٍ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقْدُمُونَ عَلَى التَّخْرِيجِ دُونَ هَذِهِ الشُّرُوطِ بَلْ صَارَ يُفْتِي مَنْ لَمْ يُحِطْ بِالتَّقْيِيدَاتِ وَلَا بِالتَّخْصِيصَاتِ مِنْ مَنْقُولِ إمَامِهِ وَذَلِكَ فِسْقٌ وَلَعِبٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ يَتَعَمَّدُهُ اهـ وَيَتَعَيَّنُ جَعْلُ قَوْلِهِ سَالِمٌ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَصْفًا لِكُلٍّ مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالنَّصِّ لَا لِخُصُوصِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ إيرَادُ الْحَطَّابِ فَافْهَمْ.

وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَلَهُ مَرْتَبَتَانِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا وَفِي جَوَازِ إفْتَائِهِ بِمَا عَرَفَهُ مُطْلَقًا وَأَنْ يُقَلِّدَهُ غَيْرُهُ فِيهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً رَابِعُهَا إنْ كَانَ نَقْلِيًّا وَالْأَصَحُّ مِنْهَا كَمَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ الثَّانِي أَيْ الْمَنْعُ مُطْلَقًا الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَدْرِ دَلِيلَهَا أَوْ يَحْفَظْ مُخْتَصَرًا مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْفِقْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا عَرَفَهُ نَعَمْ رُجُوعُ الْعَامِّيِّ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْلَى مِنْ الِارْتِبَاكِ فِي الْحِيرَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَ مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْمُجْتَهِدُ لِغَيْرِهِ نَعَمْ فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ وَإِلَى حَالِ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَحُكْمُ فَتْوَاهُ أَشَارَ الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا فِيهِ عُمُومَاتٌ مُخَصَّصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ لِلْقُيُودِ وَتَكُونُ هِيَ الْوَاقِعَةَ بِعَيْنِهَا اهـ.

وَإِلَى حُكْمِ فَتْوَى مَنْ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى يُشِيرُ قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ إلَخْ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَجَوَابَ ابْنِ رُشْدٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْفَتْوَى وَصِفَةِ الْمُفْتِي قَدْ حَصَرَاهُ فِي مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى وَالتَّرْجِيحِ وَالْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَتَهُ وَصَاحِبِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَرْتَبَتِي الْعَامِّيِّ الْمَارَّتَيْنِ مَعَ إدْمَاجِ صَاحِبِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِ الثَّانِيَةِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَلَى مَتْنِ سَيِّدِي خَلِيلٍ أَنَّ لِطَالِبِ الْعِلْمِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ الْأُولَى أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا فِيهِ عُمُومَاتٌ مُخَصَّصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ إلَّا فِي

ص: 126

هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي غَالِبِ مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ مَوَاضِعُ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْمَصْلَحَةِ وَأَحَدُهَا أَكْثَرُ ثَوَابًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ قِرَاءَتِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَشَاةُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ أَعْظَمُ ثَوَابًا مِنْ شَاةِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِنَفْسِهَا وَدِينَارُ الزَّكَاةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ دِينَارِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.

وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ قَلِيلٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِإِرَادَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ قَصْدِ الْوُجُوبِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الْوَاجِبِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ غَالِبًا أَوْ مُطْلَقًا فَأَذْكُرُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي فَضَّلَهَا الشَّرْعُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ سَبْعُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْإِنْظَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] فَجَعَلَهُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِنْظَارِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي غَالِبِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ مُسَلَّمٌ صَحِيحٌ لَكِنْ عَلَى شَرْطِ الِاسْتِوَاءِ فِي حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِ حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَلَا لِمَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.

قَالَ (مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ مَوَاضِعُ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْمَصَالِحِ وَأَحَدُهَا أَكْثَرُ ثَوْبًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ غَالِبًا أَوْ مُطْلَقًا فَاذْكُرْ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي فَضَّلَهَا الشَّرْعُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ سَبْعَ صُوَرٍ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِوَاءِ مَصْلَحَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِحُجَّةٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِإِرَادَتِهِ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ قَصْدِ الْوُجُوبِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الْوَاجِبِ.

قَالَ (الصُّورَةُ الْأُولَى إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ إلَى آخِرِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا بِصَحِيحٍ بَلْ الْإِنْظَارُ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمَنْدُوبِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْإِبْرَاءِ أَعْظَمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِنْظَارَ تَأْخِيرُ الطَّلَبِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِطَلَبِ الدَّيْنِ بَعْدُ وَالْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ طَلَبِهِ بَعْدُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الطَّلَبِ مُتَضَمِّنًا لِمَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةُ الْقُيُودِ وَتَكُونُ هِيَ الْوَاقِعَةَ بِعَيْنِهَا الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّسِعَ اطِّلَاعُهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنِدَاتِهِ فَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَنْقُلُهُ مِنْ الْمَشْهُورِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَلَا يُخَرِّجُ مَسْأَلَةً لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً عَلَى مَا يُشْبِهُهَا الثَّالِثَةُ أَنْ يُحِيطَ بِذَلِكَ وَبِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَمُسْتَنِدَاتِهِ وَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيُخَرِّجُ وَيَقِيسُ بِشُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا لَا يَحْفَظُهُ عَلَى مَا يَحْفَظُهُ اهـ.

وَجَوَابُ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى خَلِيلٍ نَقْلًا عَنْ وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونٍ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي تُنْسَبُ إلَى الْعُلُومِ وَتَتَمَيَّزُ عَنْ جُمْلَةِ الْعَوَامّ فِي الْمَحْفُوظِ وَالْمَفْهُومِ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ طَوَائِفَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ تَقْلِيدًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَأَخَذَتْ أَنْفُسَهَا بِحِفْظِ مُجَرَّدِ أَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ دُونَ التَّفَقُّهِ فِي مَعَانِيهَا بِتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْهَا وَالسَّقِيمِ فَهَذِهِ لَا يَصِحُّ لَهَا الْفَتْوَى بِمَا عَلِمَتْهُ وَحَفِظَتْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ لَا عِلْمَ عِنْدَهَا بِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا يَصِحُّ الْفَتْوَى بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَيَصِحُّ لَهَا فِي خَاصَّتِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَصِحُّ لَهَا أَنْ تَسْتَفْتِيَهُ أَنْ تُقَلِّدَ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا حَفِظَتْهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ مَنْ يُقَلِّدُهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَيَجُوزُ لِلَّذِي نَزَلَتْ بِهِ النَّازِلَةُ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِيمَا حَكَاهُ لَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي نَازِلَتِهِ وَيُقَلِّدَ مَالِكًا فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ فِيهَا وَذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَجِدْ فِي عَصْرِهِ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ فِي نَازِلَتِهِ فَيُقَلِّدُهُ فِيهَا.

وَإِنْ كَانَتْ النَّازِلَةُ قَدْ عُلِمَ فِيهَا اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْعَامِّيِّ إذَا اسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فِي نَازِلَتِهِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِيهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالِ أَحَدُهَا أَنْ يَأْخُذَ بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الثَّانِي أَنْ يَجْتَهِدَ مِنْ ذَلِكَ فَيَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِ أَعْلَمِهِمْ الثَّالِثُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَغْلَظِ الْأَقْوَالِ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ بِمَا بَانَ لَهَا مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ الَّتِي بَنَاهُ عَلَيْهَا فَأَخَذَتْ أَنْفُسَهَا بِحِفْظِ مُجَرَّدِ أَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَتَفَقَّهَتْ فِي مَعَانِيهَا فَعَلِمَتْ الصَّحِيحَ مِنْهَا الْجَارِيَ عَلَى أُصُولِهِ مِنْ السَّقِيمِ الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّحْقِيقِ بِمَعْرِفَةِ قِيَاسِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَهَذِهِ يَصْلُحُ لَهَا إذَا اُسْتُفْتِيَتْ أَنْ تُفْتِيَ بِمَا عَلِمَتْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إذَا كَانَتْ قَدْ بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهَا فِي خَاصَّتِهَا الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ إذَا بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُفْتِيَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا تَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ لَهَا

ص: 127

مَصْلَحَتَهُ أَعْظَمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ فَمَنْ أُبْرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْظَارُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً» أَيْ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَثُوبَةً مِثْلَ مَثُوبَةِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ كَذَلِكَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْعِشْرُونَ مَثُوبَةً هِيَ مُضَافَةٌ لِوَصْفِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ خَاصَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ حَصَلَتْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَصَارَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ الْمَنْدُوبُ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ ثَوَابِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ فَضَلَ وَاجِبًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ بِأَلْفِ مَثُوبَةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ. الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ «الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» كَمَا خَرَّجَهُ الثِّقَاتُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ. الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

يَسْتَلْزِمُ الطَّلَبَ.

قَالَ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ مُتَفَضِّلَةً عَنْ الصَّلَاةِ بَلْ الْجَمَاعَةُ وَصْفٌ لِلصَّلَاةِ فُضِّلَتْ بِهِ عَلَى وَصْفِ الِانْفِرَادِ فَصَلَاةُ الْمُكَلَّفِ إذَا فَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ وَقَعَتْ وَاجِبَةً وَإِذَا فَعَلَهَا وَحْدَهُ وَقَعَتْ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ أَحَدُ الْوَاجِبَيْنِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُنْكَرُ مِثْلُ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا إذَا أَوْقَعَهَا الْمُكَلَّفُ فِي جَمَاعَةٍ فَكَوْنُهَا صَلَاةَ ظُهْرٍ هُوَ الْوَاجِبُ وَكَوْنُهَا فِي جَمَاعَةٍ هُوَ الْمَنْدُوبُ فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بِوَجْهٍ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي جَمَاعَةٍ لَيْسَ مُنْفَصِلًا مِنْ كَوْنِهَا ظُهْرًا بَلْ هِيَ ظُهْرٌ وَهِيَ فِي جَمَاعَةٍ.

قَالَ (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي تُصَلَّى فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاجِبَةً فَهِيَ تَفْضُلُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَهِيَ تَفْضُلُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ.

قَالَ (الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَالْكَلَامِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.

قَالَ (الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ وَهَذِهِ الْكَلَامُ فِيهَا أَيْضًا كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

صِحَّتُهُ إذْ لَيْسَتْ مِمَّنْ كَمُلَ لَهَا آلَاتُ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يَصِحُّ لَهَا بِهَا قِيَاسٌ مِنْ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِهِ بِمَا بَانَ لَهَا أَيْضًا مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ لِكَوْنِهَا عَالِمَةً أَحْكَامَ الْقُرْآنِ عَارِفَةً لِلنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْمُفَصَّلِ وَالْمُجْمَلِ وَالْخَاصِّ مِنْ الْعَامِّ عَالِمَةً بِالسُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَحْكَامِ مُمَيِّزَةً بَيْنَ صَحِيحِهَا مِنْ مَعْلُولِهَا عَالِمَةً بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَبِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَالِمَةً مِنْ عِلْمِ اللِّسَانِ بِمَا يُفْهَمُ بِهِ مَعَانِي الْكَلَامِ عَالِمَةً بِوَضْعِ الْأَدِلَّةِ فِي مَوَاضِعِيهَا وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَصِحُّ لَهَا الْفَتْوَى عُمُومًا بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّازِلَةِ وَعَلَى مَا قِيسَ عَلَيْهَا إنْ قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا وَمِنْ الْقِيَاسِ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَدْ يُعْلَمُ قَطْعًا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَقَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا غَلَبَةَ الظَّنِّ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ إلَّا بَعْدَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ يَتَفَاوَتُ الْعُلَمَاءُ فِي التَّحْقِيقِ بِالْمَعْرِفَةِ بِهِ تَفَاوُتًا بَعِيدًا وَتَفْتَرِقُ أَحْوَالُهُمْ أَيْضًا فِي جَوْدَةِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ وَجَوْدَةِ الذِّهْنِ فِيهِ افْتِرَاقًا بَعِيدًا إذْ لَيْسَ الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَالْحِفْظِ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَمَنْ اعْتَقَدَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ تَصِحُّ لَهُ الْفَتْوَى بِمَا آتَاهُ اللَّهُ عز وجل مِنْ ذَلِكَ النُّورِ الْمُرَكَّبِ عَلَى الْمَحْفُوظِ الْمَعْلُومِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَإِذَا اعْتَقَدَ النَّاسُ فِيهِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فَمِنْ الْحَقِّ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُفْتِيَ حَتَّى يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ عَلَى مَا حَكَى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ أَشَارَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ اسْتَشَارَهُ السُّلْطَانُ فَاسْتَشَارَهُ فِي ذَلِكَ اهـ.

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ الِاسْتِنْبَاطُ لُغَةً اسْتِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ الْعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِمْ نَبَطَ الْمَاءُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْبَعِهِ وَاصْطِلَاحًا اسْتِخْرَاجُ الْمَعَانِي مِنْ النُّصُوصِ بِفَرْطِ الذِّهْنِ وَقُوَّةِ الْقَرِيحَةِ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنْ يَسْتَنْبِطَ الْحُكْمَ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِأَلْ عَامٌّ مِمَّا نُقِلَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ حَيْثُ لَا حَصْرَ فِيهِ أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِهِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِأَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ كُبْرَى مَأْخُوذَةً مِنْ قَوْلِهِمْ مِعْيَارًا لِعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ كُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ لِيَنْتِجَ مَطْلُوبٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ عَامٌّ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.

وَفِي حَاشِيَتَيْ الشِّرْبِينِيِّ وَالْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ الِاسْتِنْبَاطُ اسْتِنْتَاجُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إذَا رُفِعَتْ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَاقِعَةٌ فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ فَعَلَى الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ

ص: 128

الصَّلَاةِ.

الصُّورَةُ السَّادِسَةُ رُوِيَ أَنَّ «صَلَاةً بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ» مَعَ أَنَّ وَصْفَ السِّوَاكِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ وَلَكِنَّ تُرِكَ الْإِيجَابُ رِفْقًا بِالْعِبَادِ. الصُّورَةُ السَّابِعَةُ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لَا يَأْثَمُ تَارِكُهُ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ عليه السلام «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَرُوِيَ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا أَمَرَ بِعَدَمِ الْإِفْرَاطِ فِي السَّعْيِ لِأَنَّهُ إذَا قَدُمَ عَلَى الصَّلَاةِ عَقِيبَ شِدَّةِ السَّعْيِ يَكُونُ عِنْدَهُ انْبِهَارٌ وَقَلَقٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُشُوعِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ إيقَاعَ الصَّلَاةِ فِي مَكَان مَا لَيْسَ غَيْرَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّ إيقَاعَهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مَنْدُوبٌ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا وَاجِبَةٌ وَلَكِنَّ إيقَاعَ الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ هُوَ نَفْسُ الصَّلَاةِ وَتَوَهُّمُ الِانْفِصَالِ أَوْجَبَ الْغَلَطَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ.

قَالَ (الصُّورَةُ السَّادِسَةُ رُوِيَ أَنَّ «صَلَاةً بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» إلَى آخِرِ الصُّورَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ وَصْفَ السِّوَاكِ مَنْدُوبٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّلَاةَ مَعَ السِّوَاكِ بِسَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ أَيْ فِيهَا ثَوَابُ سَبْعِينَ صَلَاةً بِدُونِ سِوَاكٍ فَالسِّوَاكُ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا سَبَبٌ فِي تَضْعِيفِ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَنْدُوبَ خَيْرٌ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ سَبَبًا فِي تَضْعِيفِ ثَوَابِهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ نَصَّ الشَّارِعِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا التَّضْعِيفَ ثَوَابٌ لِلسِّوَاكِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّضْعِيفَ ثَوَابٌ لِلصَّلَاةِ الْمُصَاحِبَةِ لِلسِّوَاكِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَنْدُوبَ الَّذِي هُوَ السِّوَاكُ خَيْرٌ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ.

قَالَ (الصُّورَةُ السَّابِعَةُ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لَا يَأْثَمُ تَارِكُهُ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَرُوِيَ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا أَمَرَ بِعَدَمِ الْإِفْرَاطِ فِي السَّعْيِ لِأَنَّهُ إذَا قَدِمَ عَلَى الصَّلَاةِ عَقِيبَ شِدَّةِ السَّعْيِ يَكُونُ عِنْدَهُ انْبِهَارٌ وَقَلَقٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُشُوعِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ثُمَّ عَلَى الْآحَادِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ لَمْ يَخُضْ فِي الْقِيَاسِ بَلْ يَلْتَفِتُ إلَى ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ فَإِنْ وَجَدَ ظَاهِرًا نَظَرَ فِي الْمُخَصَّصَاتِ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ خَبَرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَخْصِيصًا حَكَمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى لَفْظٍ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ نَظَرَ إلَى الْمَذَاهِبِ فَإِنْ وَجَدَهَا مُجْمَعًا عَلَيْهَا اتَّبَعَ الْإِجْمَاعَ.

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إجْمَاعًا خَاضَ فِي الْقِيَاسِ وَيُلَاحِظُ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ أَوَّلًا وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ يُقَدِّمُ قَاعِدَةَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْآلَةِ فَإِنْ عُدِمَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً نَظَرَ فِي النُّصُوصِ وَمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ وَجَدَهَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ أَلْحَقَ بِهِ وَإِلَّا انْحَدَرَ إلَى قِيَاسٍ مُخَيَّلٍ فَإِنْ أَعْوَزَهُ تَمَسَّكَ بِالشَّبَهِ وَلَا يَعُودُ عَلَى طَرْدٍ إنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَيَعْرِفُ مَأْخَذَ الشَّرْعِ هَذَا تَدْرِيجُ النَّظَرِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَقَدْ أَخَّرَ الْإِجْمَاعَ عَنْ الْإِخْبَارِ وَذَلِكَ تَأْخِيرُ مَرْتَبَةٍ لَا تَأْخِيرُ عَمَلٍ إذْ الْفِعْلُ بِهِ مُقَدَّمٌ لَكِنَّ الْخَبَرَ يَتَقَدَّمُ فِي الْمَرْتَبَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُسْتَنَدُ قَبُولِ الْإِجْمَاعِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ اهـ.

2 -

(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ لُغَةً عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ إبَانَةُ مِثْلِ حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ أَيْ إظْهَارُ مِثْلِ حُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي آخَرَ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لَا إثْبَاتُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلْحُكْمِ بَلْ مُظْهِرٍ لَهُ وَاحْتَرَزَ بِمِثْلِ الْحُكْمِ وَمِثْلِ الْعِلَّةِ عَنْ لُزُومِ الْقَوْلِ بِانْتِقَالِ الْأَوْصَافِ وَاخْتِيَارِ لَفْظِ الْمَذْكُورِ لِيَشْمَلَ الْقِيَاسَ بَيْنَ الْمَعْدُومِينَ أَيْضًا وَأَرْكَانُهُ.

أَرْبَعَةٌ مَقِيسٌ عَلَيْهِ وَمَقِيسٌ وَمَعْنًى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَحُكْمُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ يَتَعَدَّى بِوَاسِطَةِ الْمُشْتَرَكِ إلَى الْمَقِيسِ وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِمَا كَحُكْمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَوْ الْأَصْلُ دَلِيلُ حُكْمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ خِلَافٌ وَيَنْقَسِمُ إلَى جَلِيٍّ وَهُوَ مَا تَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَفْهَامُ وَإِلَى خَفِيٍّ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِخِلَافِهِ وَيُسَمَّى فِي الْأَغْلَبِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْسَانُ أَعَمَّ مُطْلَقًا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ وَمَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِهِ الْأَرْبَعَةِ شُرُوطٌ تُطْلَبُ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ وَرَقَاتِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مَعَ الْمَتْنِ.

وَيَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِيَاسِ عِلَّةٍ وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ وَقِيَاسِ شَبَهٍ (فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ) مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ بِحَيْثُ لَا يَحْسُنُ عَقْلًا تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْهَا وَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّأْفِيفِ بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي الْعَقْلِ إبَاحَةُ الضَّرْبِ مَعَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ قِيَاسِيَّةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الدَّلَالَةَ فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْحُكْمِ وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لَهُ أَيْ مَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ لِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ يَجُوزُ أَنْ يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا فِي الْفَرْعِ

ص: 129

اللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ عليه السلام بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْخُشُوعِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْخُشُوعِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ وَصْفِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ مَعَ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا الَّتِي شَهِدَ لَهَا الْحَدِيثُ فِي قَوْله تَعَالَى «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْمَصْلَحَةِ فَنَقُولُ إنَّا حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمَنْدُوبَ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْوَاجِبِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَنْدُوبِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْمَنْدُوبِ أَعْظَمَ ثَوَابًا فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْمَنْدُوبَ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُشُوعِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا وَجَدْنَا الشَّرْعَ قَدَّمَ مَنْدُوبًا عَلَى وَاجِبٍ فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّ مَصْلَحَةَ ذَلِكَ الْمَنْدُوبِ أَكْثَرُ فَلَا كَلَامَ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهَا اسْتَدْلَلْنَا بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَقُلْنَا مَا قَدَّمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الْمَنْدُوبَ عَلَى هَذَا الْوَاجِبِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَمَصْلَحَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا الشَّرَائِعَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

اللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ عليه السلام بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْخُشُوعِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ) قُلْتُ لَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْعَالِمُ مِنْ كَوْنِ عَدَمِ السَّكِينَةِ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْخُشُوعِ سَبَبًا لِلْأَمْرِ بِالسَّكِينَةِ حَتَّى يَلْزَمَ عَنْ ذَلِكَ تَرْكُ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِلْمَنْدُوبِ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالسَّكِينَةِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ ضِدَّهَا الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الَّذِي هُوَ شِدَّةُ السَّعْيِ شَاغِلٌ لِلْبَالِ مُنَافٍ لِلْحُضُورِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْوُسْعِ فَإِذَا كَانَتْ شِدَّةُ السَّعْيِ مِنْ كَسْبِهِ فَعَدَمُ الْحُضُورِ الْمُسَبَّبُ عَنْ الشُّغْلِ بِآثَارِ شِدَّةِ السَّعْيِ مِنْ الِانْبِهَارِ وَالْقَلَقِ مِنْ كَسْبِهِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ مَنْدُوبٍ وَلَا تَفْضِيلِهِ عَلَى وَاجِبٍ بَلْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْإِخْلَالِ بِشَرْطِ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ مُنَافَاةَ الْقَلَقِ وَالِانْبِهَارِ لِلْخُشُوعِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْوَاضِحِ وَإِنْ ثَبَتَتْ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مُنَافَاةِ الْحُضُورِ إذْ الْحُضُورُ شَرْطٌ فِي الْخُشُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْمَصْلَحَةِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ غَالِبُ أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ كَقِيَاسِ مَالِ الصَّبِيِّ عَلَى مَالِ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مَالٌ نَامٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

(وَقِيَاسُ الشَّبَهِ) مَا كَانَ الْفَرْعُ فِيهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَصْلَيْنِ وَهُوَ أَكْثَرُ شَبَهًا بِأَحَدِهِمَا فَيُلْحَقُ بِهِ كَالْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الْحُرِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَبَيْنَ الْبَهِيمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَهُوَ بِالْمَالِ أَكْثَرُ شَبَهًا مِنْ الْحُرِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيُورَثُ وَيُوقَفُ وَتُضْمَنُ أَجْزَاؤُهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَتُضْمَنُ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَهَذَا أَضْعَفُ مِمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ مَا قَبْلَهُ اهـ.

بِتَصَرُّفٍ قُلْتُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْجَلِيِّ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْخَفِيِّ نَعَمْ قَالَ الرَّازِيّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْجَمَلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ إنَّ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 28] دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي اللِّوَاطَةِ لِأَنَّهَا اشْتَرَكَتْ مَعَ الزِّنَا فِي كَوْنِهَا فَاحِشَةً وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا أَيْ مِنْ أَمْثِلَةِ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ الظَّنِّيِّ إلَّا أَنَّ الْجَامِعَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْآيَةِ اهـ.

أَيْ مِنْ النَّصِّ وَكُلُّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ النَّصِّ فَهُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لَا ظَنِّيُّهَا فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَقَدْ اقْتَصَرْت فِي الْمُقَدِّمَةِ تَبَعًا لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ فِي بِدَايَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ دَلَالَةَ نَحْوِ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فِي الْآيَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَفْظِيَّةٌ لَا قِيَاسِيَّةٌ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ.

قَالَ الْأَصْلُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ لِلْمُقَلِّدِ وَلَا لِإِمَامِهِ إلَّا بَعْدَ الْفَحْصِ الْمُنْتَهِي إلَى غَايَةِ أَنَّهُ لَا فَارِقَ هُنَاكَ وَلَا مُعَارِضَ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ وَلَا يَتَأَتَّى الْفَحْصُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمُقَلِّدِ إلَّا بَعْدَ إحَاطَتِهِ بِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَأَقْيِسَتِهِ وَعِلَلِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَمَعْرِفَتِهِ رُتَبَ تِلْكَ الْعِلَلِ وَنِسْبَتَهَا إلَى الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ الْحَاجِيَّةِ أَوْ التَّتِمِّيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ

الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ

الَّتِي هِيَ أَدْنَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَتْ لَهَا أُصُولُ الشَّرْعِ بِالِاعْتِبَارِ أَوْ هِيَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ الْمُنَاسِبِ أَوْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ أَوْ قِيَاسِ الْإِحَالَةِ أَوْ الْمُنَاسِبِ الْقَرِيبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَقْيِسَةِ وَرُتَبِ الْعِلَلِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُوَضَّحَةِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ نِسْبَةَ هَذَا الْمُقَلِّدِ إلَى إمَامِهِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى مَقَاصِدِهِ فَكَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيسَ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْفَارِقَ مُبْطِلٌ لِلْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ الْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَثَلًا لَوْ وَجَدَ إمَامُهُ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ وَمَصْلَحَةٍ مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ لِكَوْنِ هَاتَيْنِ ضَعِيفَتَيْنِ

ص: 130

فَوَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا سَمِعْتُمْ قِرَاءَةَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَمِعُوا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِخَيْرٍ وَيَنْهَاكُمْ عَنْ شَرٍّ فَحَيْثُ لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ طَرَدَ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعُ فِي رِعَايَةِ

الْمَصَالِحِ

وَلَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقُدِّمَ فِيهِ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْوَقْتُ قُلْنَا هَذَا الْمَنْدُوبُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ أَوْ مُسَاوٍ لِلْوَاجِبِ فَخَيَّرَ الشَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ لَهُ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ حِينَئِذٍ.

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ الْعِقَابِ وَقِلَّتِهِ أَنْ يَتْبَعَا كَثْرَةَ

الْمَصْلَحَةِ

فِي الْفِعْلِ وَقِلَّتَهَا كَتَفْضِيلِ التَّصَدُّقِ بِالدِّينَارِ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالدِّرْهَمِ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ مِنْ بَنِي آدَمَ مَعَ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَإِثْمُ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالنُّفُوسِ أَعْظَمُ مِنْ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

طَرَدَ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعُ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ) قُلْتُ لَمْ يَتَقَرَّرْ مَا قَالَ وَلَا أَقَامَ عَلَيْهِ حُجَّةً وَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ

الْمَصْلَحَةُ

فِي أَمْرٍ مَا أَعْظَمَ مِنْهَا فِي أَمْرٍ آخَرَ وَبَلَغَ إلَى حَدِّ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ فَاَلَّذِي يُنَاسِبُ رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ أَنْ يَكُونَ الْأَعْظَمُ مَصْلَحَةً عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَاجِبًا وَالْأَدْنَى مَصْلَحَةً مَنْدُوبًا أَمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَعْظَمُ مَصْلَحَةً مَنْدُوبًا وَيَكُونَ الْأَدْنَى مَصْلَحَةً وَاجِبًا فَلَيْسَ بِمُنَاسِبٍ لِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ بِوَجْهٍ.

قَالَ (وَلَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقَدَّمَ فِيهِ الْمَنْدُوبَ الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْوَقْتُ قُلْنَا هَذَا الْمَنْدُوبُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْتُ لَمْ يُقَدِّمْ الْمَنْدُوبَ عَلَى الْوَاجِبِ وَلَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مَصْلَحَةً مِنْ الْوَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ الْعِقَابِ وَقِلَّتِهِ أَنْ يَتَّبِعَا كَثْرَةَ

الْمَصْلَحَةِ

فِي الْفِعْلِ وَقِلَّتِهَا كَتَفْضِيلِ التَّصَدُّقِ بِالدِّينَارِ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالدِّرْهَمِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَمَرْجُوحَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُولَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَقْوَى اعْتِبَارُ الْأَضْعَفِ كَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيسَ فَرْعًا عَلَى فَرْعٍ نَصَّ إمَامُهُ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا مَثَلًا إمَامُهُ أَفْتَى فِي فَرْعٍ بُنِيَ عَلَى عِلَّةٍ اُعْتُبِرَ فَرْعُهَا فِي نَوْعِ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَنْ يَقِيسَ عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ فَرْعًا مِثْلَ ذَلِكَ الْفَرْعِ لَكِنَّ عِلَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَ جِنْسُهُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ لِقُوَّةِ النَّوْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَقْوَى اعْتِبَارُ الْأَضْعَفِ أَوْ وَجَدَ إمَامَهُ اعْتَمَدَ عَلَى مَصْلَحَةٍ مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ لَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهَا مِثْلَهَا لَكِنَّهَا مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ إذْ لَعَلَّ إمَامَهُ رَاعَى خُصُوصَ تِلْكَ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ لِخُصُوصٍ مُنْتَفٍ هُنَا أَوْ وَجَدَ إمَامَهُ اعْتَبَرَ مَصْلَحَةً سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا فِيهِ عَنْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ لَكِنَّهَا مُعَارِضَةٌ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى أَوْ بِقَوَاعِدَ لِقِيَامِ الْفَارِقِ.

2 -

(التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) التَّخْرِيجُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ تَعَرُّفُ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِ الْقَاعِدَةِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْفِعْلِ بِإِبْرَازِهَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ بِأَنْ تُجْعَلَ الْقَاعِدَةُ نَحْوُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً كُبْرَى قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ لِصُغْرَى سَهْلَةِ الْحُصُولِ لِأَنَّ مَحْمُولَهَا مَوْضُوعُ الْكُبْرَى وَمَوْضُوعُهَا هُوَ الْجُزْئِيُّ الَّذِي قُصِدَ تَعَرُّفُ حُكْمِهِ فَيُقَالُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةٌ تُنْتِجُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً فَلِذَا عَرَّفُوا الْقَاعِدَةَ بِقَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ يَتَعَرَّفُ مِنْهَا أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهَا، وَفِي صِيغَةِ التَّفَعُّلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَعْرِفَةَ بِالْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ فَخَرَجَ مِنْ التَّعْرِيفِ الْقَضِيَّةُ الَّتِي تَكُونُ فُرُوعُهَا بَدِيهِيَّةً غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى التَّخْرِيجِ فَيَكُونُ ذِكْرُهَا فِي الْفَنِّ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَادِي لِمَسَائِلَ أُخَرَ وَيُقَالُ لِلْإِبْرَازِ الْمَذْكُورِ تَفْرِيعٌ كَمَا فِي الْعَطَّارِ وَالشِّرْبِينِيِّ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَأَطْلَقَ الْأَصْلُ التَّخْرِيجَ عَلَى مَعْنَى الْقِيَاسِ فَلِذَا قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ ضَبَطَ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ بِخِلَافِهِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ يَتَّسِعُ اطِّلَاعُهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَلَوْ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ عُلَيْشٌ فِي فَتَاوِيهِ فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ فِي جَوَابِ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي بَهِيمَةٍ اشْتَرَيَاهَا وَالْتَزَمَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ نَفَقَتَهَا ثُمَّ بَعْدَ انْفِصَالِ الشَّرِكَةِ أَرَادَ الْمُلْتَزِمُ مُحَاسَبَةَ شَرِيكِهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى حِصَّتِهِ فِي الْبَهِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ حَيْثُ الْتَزَمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْإِنْفَاقَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْحَطَّابُ وَنَصُّ مَسْأَلَةِ مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُنْفِقِ أَوْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ أَوْ حَتَّى يَقْدُمَ زَيْدٌ أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَذْهَبِ

ص: 131

وَهَذَا هُوَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَعَ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ النَّافِلَةِ مَعَ سَجْدَةِ الْفَرِيضَةِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ فِيهِمَا بَلْ قَدْ تُتْرَكُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتُعْكَسُ بِأَنْ يَصِيرَ الْأَقَلُّ أَكْثَرَ ثَوَابًا كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُشُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَهَذَا هُوَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَيَلْزَمُ فِيهِ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ تَرَتُّبَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ وُقُوعِ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يُدْرَكُ شَرْعًا وَيَلْزَمُ فِيهِ فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ ذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَقِلَّ التَّفَاوُتُ إلَّا فِي الْمَصْلَحَةِ خَاصَّةً.

قَالَ (وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَعَ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ النَّافِلَةِ مَعَ سَجْدَةِ الْفَرِيضَةِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ فِيهِمَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ مُرَاعَاةِ

الْمَصَالِحِ

وَأَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ إلَى حَدِّهَا فِي الْكَثِيرَةِ لَزِمَ الْوُجُوبُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا بُدَّ مِنْ الثَّوَابِ وَعَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ إذَا تَسَاوَتْ أَنْ يَلْزَمَ الْوُجُوبُ فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ إنْ بَلَغَتْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ النَّدْبِ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ لَا نُسَلِّمُ فِيهَا الْمُسَاوَاةَ لَمْ يَأْتِ عَلَى دَعْوَةِ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا بِحُجَّةٍ غَيْرِ مَا سَبَقَ إلَى الْوَهْمِ بِذَلِكَ بِسَبَبِ الْمُسَاوَاةِ فِي الصُّورَةِ وَالْمِقْدَارِ وَذَلِكَ لَا دَلِيلَ فِيهِ.

قَالَ (بَلْ قَدْ تُتْرَكُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتُعْكَسُ بِأَنْ يَصِيرَ الْأَقَلُّ أَكْثَرَ ثَوَابًا كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُضُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ اهـ.

فَالْمُنْفِقُ عَلَى الْبَهِيمَةِ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ لَا مُحَاسَبَةَ لَهُ لِلْمُنْفَقِ لَهُ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَاتِّبَاعُهُ أَسْلَمُ مَا نَصَّهُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالنَّصُّ الَّذِي فِيهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْتِزَامَاتِ الْحَطَّابِ وَلَيْسَ فِيهِ قِيَاسٌ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ إلَخْ وَإِنَّمَا فِيهِ تَخْرِيجُ حُكْمِ الْجُزْئِيِّ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي تَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ فَالْمَنْفِيُّ بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْكَرَ عَلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ بِخَيْرٍ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ التَّغْيِيرِ فِي الْوُجُوهِ الْحِسَانِ سَبَبُهُ فَسَادُ التَّصَوُّرِ وَالْحَسَدِ:

وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا

وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ

كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا

حَسَدًا وَبُغْضًا إنَّهُ لَدَمِيمُ

اهـ.

قُلْتُ وَمِنْهُ تَخَرُّجِي فِي رِسَالَتَيْ شَمْسِ الْإِشْرَاقِ فِي حُكْمِ التَّعَامُلِ بِالْأَوْرَاقِ حُكْمُ الْأَنْوَاطِ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْفُلُوسِ لَا خَيْرَ فِيهَا نَظِرَةٌ بِالذَّهَبِ وَلَا بِالْوَرِقِ وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ لِكَرَاهَتِهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ نَظِرَةً وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ اهـ كَمَا وَضَّحْته فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ قِيَاسِهِ عَلَى الْفُلُوسِ النُّحَاسِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت.

2 -

(التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ مَا حَاصِلُهُ إنَّ الِاجْتِهَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ مَا يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ مَذْكُورًا مَعَ غَيْرِهِ فِي النَّصِّ فَيُنَقَّحُ بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى يُمَيَّزَ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ مِمَّا هُوَ مُلْغًى كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَاءَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَضْرِبُ صَدْرَهُ وَقَدْ قَسَّمَهُ الْغَزَالِيُّ إلَى أَقْسَامٍ ذَكَرَهَا فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ قَالُوا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ بَابِ الْقِيَاسِ وَلِذَلِكَ قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ إنْكَارِهِ الْقِيَاسَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى نَوْعٍ مِنْ تَأْوِيلِ الظَّوَاهِرِ.

(الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُسَمَّى بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى الْحُكْمِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَنَاطِ فَكَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالْبَحْثِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ الْقِيَاسِيُّ وَهُوَ مَعْلُومٌ.

(الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا يُسَمَّى بِتَحَقُّقِ الْمَنَاطِ وَهُوَ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَتَحْقِيقُ الْمَنَاطِ الْعَامِّ نَظَرٌ فِي تَعْيِينِ الْمَنَاطِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لِمُكَلَّفٍ مَا مَثَلًا إذَا نَظَرَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْعَدَالَةِ وَوَجَدَ هَذَا الشَّخْصَ مُتَّصِفًا بِهَا عَلَى حَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ أَوْقَعَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ مِنْ التَّكَالِيفِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْعُدُولِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَالِانْتِصَابِ لِلْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ وَإِذَا نَظَرَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي النَّدْبِيَّةِ وَالْأُمُورِ الْإِبَاحِيَّةِ وَوَجَدَ الْمُكَلَّفِينَ وَالْمُخَاطَبِينَ عَلَى الْجُمْلَةِ أَوْقَعَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ تِلْكَ النُّصُوصِ كَمَا يُوقِعُ عَلَيْهِمْ نُصُوصَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْقَبُولِ الْمَشْرُوطِ بِالتَّهْيِئَةِ الظَّاهِرَةِ فَالْمُكَلَّفُونَ كُلُّهُمْ فِي أَحْكَامِ تِلْكَ النُّصُوصِ عَلَى سَوَاءٍ فِي النَّظَرِ، وَتَحْقِيقُ الْمَنَاطِ

ص: 132

وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ «مَنْ قَتَلَ الْوَزَغَةَ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» فَكُلَّمَا كَثُرَ الْفِعْلُ كَانَ الثَّوَابُ أَقَلَّ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ تَكْرَارَ الْفِعْلِ وَالضَّرَبَاتِ فِي الْقَتْلِ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ اهْتِمَامِ الْفَاعِلِ بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذْ لَوْ قَوِيَ عَزْمُهُ وَاشْتَدَّتْ حَمِيَّتُهُ لَقَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ حَيَوَانٌ لَطِيفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَثْرَةِ مُتُونَةٍ فِي الضَّرْبِ فَحَيْثُ لَمْ يَقْتُلْهَا فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ عَزْمِهِ فَلِذَلِكَ يَنْقُصُ أَجْرُهُ عَنْ الْمِائَةِ إلَى السَّبْعِينَ وَالْأَصْلُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَاعِدَةَ كَثْرَةِ الثَّوَابِ كَثْرَةُ الْفِعْلِ وَقَاعِدَةَ قِلَّةِ الثَّوَابِ قِلَّةُ الْفِعْلِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْأَفْعَالِ فِي الْقُرُبَاتِ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ الْمَصَالِحِ غَالِبًا وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمَ مَا يُرِيدُ لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِصُنْعِهِ.

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُشَخَّصَاتِ فِي الْخَارِجِ الْمَرْئِيَّةَ بِالْحِسِّ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَلِذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَاسْتُحِقَّتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَوْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي السَّلَمِ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ وَعَيَّنَهُ فَظَهَرَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ أَوْ غَيْرِهِ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ حَمْلَ هَذَا الْمَتَاعِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ دَابَّةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَرْكَبَهُ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَرْكُوبٍ مُعَيَّنٍ فَعَيَّنَ لَهُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ أَوْ لِرُكُوبِهِ فَعَطِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ فَطَالَبَهُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بَلْ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِكُلِّ مُعَيَّنٍ شَاءَ وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي قَاعِدَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مَتَى كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ الْأَمْثَالِ وَيُعْطِيَ أَيَّ مِثْلٍ شَاءَ وَلَوْ عَقَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ اكْتَالَ رِطْلَ زَيْتٍ مِنْ خَابِيَةٍ وَعَقَدَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْتُ قَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهَا قَاعِدَةٌ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ وَأَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُفَضِّلُ مَا شَاءَ عَلَى مَا شَاءَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْخَاصِّ نَظَرٌ فِي تَعْيِينِ الْمَنَاطِ فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلَائِلِ التَّكْلِيفِيَّةِ بِحَيْثُ يَتَعَرَّفُ مِنْهُ مَدَاخِلَ الشَّيْطَانِ وَمَدَاخِلَ الْهَوَى وَالْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ حَتَّى يُلْقِيَهَا هَذَا الْمُجْتَهِدُ عَلَى ذَلِكَ الْمُكَلَّفِ مُقَيَّدَةً بِقُيُودِ التَّحَرُّرِ مِنْ تِلْكَ الْمَدَاخِلِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّكْلِيفِ الْمُتَحَتِّمِ وَغَيْرِهِ وَيَخْتَصُّ غَيْرُ الْمُتَحَتِّمِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ النَّظَرُ فِيمَا يَصْلُحُ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ فِي نَفْسِهِ بِحَسَبِ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَحَالٍ دُونَ حَالٍ وَشَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ إذْ النُّفُوسُ لَيْسَتْ فِي قَبُولِ الْأَعْمَالِ الْخَاصَّةِ عَلَى وِزَانِ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّهَا فِي الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ كَذَلِكَ فَرُبَّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَدْخُلُ بِسَبَبِهِ عَلَى رَجُلٍ ضَرَرٌ أَوْ فَتْرَةٌ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ وَرُبَّ عَمَلٍ يَكُونُ حَظُّ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِلِ أَقْوَى مِنْهُ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَيَكُونُ بَرِيئًا فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ فَصَاحِبُ هَذَا التَّحْقِيقِ الْخَاصِّ هُوَ الَّذِي رُزِقَ نُورًا يَعْرِفُ بِهِ النُّصُوصَ وَمَرَامِيَهَا وَتَفَاوُتَ إدْرَاكِهَا وَقُوَّةَ تَحَمُّلِهَا لِلتَّكْلِيفِ وَصَبْرِهَا عَلَى حَمْلِ أَعْبَائِهَا أَوْ ضَعْفِهَا وَيَصْرِفُ الْتِفَاتَهَا إلَى الْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ وَعَدَمِ الْتِفَاتِهَا فَهَذَا النَّوْعُ أَعْلَى وَأَدَقُّ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَمَنْشَؤُهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ نَتِيجَةِ التَّقْوَى الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحِكْمَةِ قَالَ تَعَالَى {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] قَالَ مَالِكٌ مِنْ شَأْنِ ابْنِ آدَمَ أَنْ لَا يَعْلَمَ ثُمَّ يَعْلَمَ أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] .

وَقَالَ أَيْضًا إنَّ الْحِكْمَةَ مَسْحَةُ مَلَكٍ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ وَقَالَ الْحِكْمَةُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَقَالَ أَيْضًا يَقَعُ بِقَلْبِي أَنَّ الْحِكْمَةَ الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ وَأَمْرٌ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْقُلُوبَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ هُوَ الِاجْتِهَادُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَطِعَ حَتَّى يَنْقَطِعَ أَصْلُ التَّكْلِيفِ وَذَلِكَ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ وَبِخِلَافِ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ فَإِنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَطِعَ قَبْلَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ الْخَاصَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ كُلِّيٌّ فِي كُلِّ زَمَانٍ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْوَقَائِعِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَلَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُهُ لَارْتَفَعَ مُعْظَمُ التَّكْلِيفِ الشَّرْعِيِّ أَوْ جَمِيعُهُ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ فُرِضَ فِي زَمَانٍ ارْتَفَعَتْ الشَّرِيعَةُ ضَرْبَةَ لَازِبٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْوَقَائِعَ الْمُتَجَدِّدَةَ الَّتِي لَا عَهْدَ بِهَا فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ لِاتِّسَاعِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فَيُمْكِنُ تَقْلِيدُهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ فَلَا تَتَعَطَّلُ الشَّرِيعَةُ بِتَعَطُّلِ بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا لَوْ فُرِضَ الْعَجْزُ عَنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ فِي بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ دُونَ السَّائِرِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيعَةِ فِي ذَلِكَ فَوَضَحَ أَنَّهُمَا لَيْسَا سَوَاءً اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ إنْ شِئْت.

2 -

(التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ) الْفَتْوَى مِنْ الْمُفْتِي كَمَا تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَشْهُورُ كَذَلِكَ تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ وَالْإِقْرَارِ كَمَا فِي مُوَافَقَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ

ص: 133

عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْخَابِيَةِ.

وَكَذَلِكَ إذَا فَرَّقَ صُبْرَتَهُ صِيعَانًا فَعَقَدَ عَلَى صَاعٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ وَلَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِأَيِّ مِثْلٍ شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ فَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ الْمُعَيَّنَاتِ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَأَنَّ مَا فِي الذِّمَمِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَلَا يَنْتَقِلُ الْأَدَاءُ إلَى الذِّمَّةِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَدُّهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَاجِبُ إلَى الذِّمَّةِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ إذَا تَعَذَّرَ فِيهَا الْأَدَاءُ بِخُرُوجِ وَقْتَيْهَا لِعُذْرٍ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَتْ فِي الذِّمَّةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مَا عَدَا قَوْلَهُ بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ كُلِّيَّةٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ أَيْ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا.

قَالَ (وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَلَا يَنْتَقِلُ الْأَدَاءُ إلَى الذِّمَّةِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَدُّهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْوُقُوعِ وَكُلُّ فِعْلٍ لَمْ يَقَعْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَقَّتَ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ لَا يُفِيدُهُ الْمَقْصُودُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِوَقْتِهِ أَيْ وَقْتُهُ مُعَيَّنٌ فَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِمَكَانِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ.

قَالَ (وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَاجِبُ إلَى الذِّمَّةِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ إذْ تَعَذَّرَ فِيهَا الْأَدَاءُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا لِعُذْرٍ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَتْ فِي الذِّمَّةِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قَالَ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِفْهَامُ فِي مَعْهُودِ الِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَوْلِ الْمُصَرَّحِ بِهِ كَقَوْلِهِ عليه السلام «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ» «وَسُئِلَ عليه السلام فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ ذَبَحْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ لَا حَرَجَ» .

وَقَالَ «يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرَجُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرَجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ حِينَ أَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ قُلْت آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ وَحِينَ «سُئِلَ عليه السلام عَنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ قَالَ لِلسَّائِلِ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ لَهُ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» أَوْ كَمَا قَالَ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا وَالثَّانِي مَا يَقْتَضِيهِ كَوْنُهُ أُسْوَةً يُقْتَدَى بِهِ وَمَبْعُوثًا لِذَلِكَ قَصْدًا وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] الْآيَةَ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] الْآيَةَ.

وَقَالَ فِي إبْرَاهِيمَ {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [الممتحنة: 4] إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَالتَّأَسِّي إيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا «وَقَالَ عليه السلام لِأُمِّ سَلَمَةَ أَلَا أَخْبَرْتِهِ أَنِّي أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ» وَقَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى وَلِذَلِكَ جَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ أَفْعَالَهُ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ كَأَقْوَالِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَثَبَتَ لِلْمُفْتِي أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ النَّبِيِّ وَنَائِبٌ مَنَابَهُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مَحَلٌّ لِلِاقْتِدَاءِ أَيْضًا فَمَا قَصَدَ بِهِ الْبَيَانَ وَالْإِعْلَامَ فَظَاهِرٌ وَمَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَارِثٌ وَقَدْ كَانَ الْمُوَرِّثَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ مُطْلَقًا فَكَذَلِكَ الْوَارِثُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ وَارِثًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالثَّانِي أَنَّ التَّأَسِّي بِالْأَفْعَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يُعَظَّمُ فِي النَّاسِ سِرٌّ مَبْثُوثٌ فِي طِبَاعِ الْبَشَرِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ بِوَجْهٍ وَلَا بِحَالٍ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الِاعْتِيَادِ وَالتَّكْرَارِ وَإِذَا صَادَفَ مَحَبَّةً وَمَيْلًا إلَى الْمُتَأَسِّي بِهِ وَإِمْكَانِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْكَذِبِ عَمْدًا وَسَهْوًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لَمَّا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْأَقْوَالِ كَانَ إمْكَانُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْأَفْعَالِ وَلِأَجْلِ هَذَا تُسْتَعْظَمُ شَرْعًا زَلَّةُ الْعَالِمِ فَلَا بُدَّ لِمَنْ يَنْتَصِبُ لِلْفَتْوَى بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَفْعَالِهِ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ لِيُتَّخَذَ فِيهَا أُسْوَةً.

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَرَاجِعٌ إلَى الْفِعْلِ لِأَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ وَكَفُّ الْمُفْتِي عَنْ الْإِنْكَارِ إذَا رَأَى فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَالِ كَتَصْرِيحِهِ بِجَوَازِهِ وَقَدْ أَثْبَتَ الْأُصُولِيُّونَ ذَلِكَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَذَلِكَ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُنْتَصِبِ لِلْفَتْوَى وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَتْوَى الْفِعْلِيَّةِ جَازَ هُنَا بِلَا إشْكَالٍ وَمِنْ هُنَا ثَابَرَ السَّلَفُ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظِيفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَمْ يُبَالُوا فِي ذَلِكَ بِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ عَوْدِ الْمَضَرَّاتِ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ

ص: 134