الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهَا إنَّمَا تَنْوِي رَمَضَانَ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الصَّوْمَ لَيْسَ تَطَوُّعًا وَلَا وَاجِبًا ابْتِدَاءً وَلَا بِسَبَبٍ حَدَثَ الْآنَ وَلَا نَذْرًا وَلَا كَفَّارَةً بَلْ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرِ الْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ فِي الشَّرِيعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تُمَيِّزُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَلِتَمْيِيزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ وَسَبَبُ هَذَا الصَّوْمِ هُوَ التَّرْكُ فِي رَمَضَانَ فَأُضِيفَ لِسَبَبِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَقَدَّمَ بَلْ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رُؤْيَةَ هِلَالِ رَمَضَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ لَا مَانِعَ فِي حَقِّهِمْ وَسَبَبًا لِجَعْلِ تَرْكِ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ فِعْلِ يَوْمٍ آخَرَ بَعْدَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بِقَوْلِهِ إنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ مُنِعَ عَلَى وَجْهٍ مَا فَذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَقَطْ وَإِنْ أَرَادَ مَا لَا يُمْنَعُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ.
قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهَا إنَّمَا نَوَتْ رَمَضَانَ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الصَّوْمَ لَيْسَ تَطَوُّعًا وَلَا وَاجِبًا ابْتِدَاءً وَلَا بِسَبَبٍ حَدَثَ الْآنَ وَلَا نَذْرًا وَلَا كَفَّارَةً بَلْ هُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِالْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ الْأَنْوَاعَ الَّتِي سَمَّاهَا فَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ.
قَالَ (فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تُمَيِّزُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَلِتَمْيِيزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ) قُلْتُ لَمْ تُشْرَعْ النِّيَّاتُ لِذَلِكَ وَلَكِنْ شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِالْعِبَادَاتِ لِمَنْ أُمِرَ بِالْعِبَادَاتِ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَمِنْ لَازِمِ التَّقَرُّبِ بِهَا لِلْمَعْبُودِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةِ أَنْ يُتَقَرَّبَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ وَلِلسَّبَبِ الَّذِي نَصَبَ فَالتَّمْيِيزُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِشَرْعِ النِّيَّاتِ بَلْ هُوَ لَازِمٌ لِمَا شُرِعَتْ لَهُ النِّيَّاتُ.
قَالَ (وَسَبَبُ هَذَا الصَّوْمِ هُوَ التَّرْكُ فِي رَمَضَانَ فَأُضِيفَ لِسَبَبِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَقَدَّمَ) قُلْتُ وَلِمَ كَانَ تَرْكُهَا لِلصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ سَبَبًا فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي غَيْرِهِ بِنِيَّةِ التَّعْوِيضِ مِنْهُ وَكَيْفَ يَجِبُ التَّعْوِيضُ مِنْ غَيْرِ وَاجِبٍ هَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ بِبُطْلَانِهِ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا فِي رَمَضَانَ لَكِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا فِعْلُ هَذَا الْوَاجِبِ تَعَذُّرًا شَرْعِيًّا وَحُكْمُ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ كَحُكْمِ الْعُذْرِ الْحِسِّيِّ أَمَّا الْحِسِّيُّ فَكَالنَّوْمِ الْمُسْتَغْرِقِ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ فَكَمُزَاحَمَةِ وَاجِبٍ تَفُوتُ مَصْلَحَتُهُ إنْ أُخِّرَ كَمَا فِي إنْقَاذِ غَرِيقٍ يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَكِلَا الْمُكَلَّفَيْنِ بِذَلِكَ يَقْضِيَانِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَدْ كَانَ الْوُجُوبُ تَعَلَّقَ بِهِمَا عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِمَا إلَى حِينِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ يُشْكِلُ وُجُوبُ وَاجِبٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي وَقْتٍ يَمْتَنِعُ إيقَاعُهُ فِيهِ عَلَى كُلِّ مَنْ يَرَى تَرَتُّبَ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ كَالدُّيُونِ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالدُّيُونِ.
قَالَ (بَلْ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ لَا مَانِعَ فِي حَقِّهِمْ وَسَبَبًا لِجَعْلِ تَرْكِ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ فِعْلِ يَوْمٍ آخَرَ بَعْدَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ)
اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلْمُبْتَدَأِ مِنْ حَيْثُ قَصْدُ الْإِخْبَارِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ لَفْظُهُ أَعَمَّ مِنْ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِشَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ بِعَيْنِهِ الْخَبَرُ فَمَعْنَى قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِنْسَانُ الْخَاصُّ هُوَ الْحَيَوَانُ الْعَامُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَإِلَّا لَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ حِمَارٌ وَثَوْرٌ وَكَلْبٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ وَقَوْلِهِ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ بِالْخَبَرِ وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ النَّاطِقِ يَخْتَصُّ بِالْإِنْسَانِ لِوَضْعِهِ لِمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ وَلَفْظُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ لِوَضْعِهِ لِمَا هُوَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ فَيَصْدُقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى غَيْرِ الْإِنْسَانِ.
وَأَمَّا فِي هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا الْإِنْسَانَ لَا غَيْرُهُ وَلَا هُوَ وَغَيْرُهُ وَأَنَّ الْحَصْرَ حَصْرَانِ حَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَحَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْأَوَّلُ حَاصِلٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ لِكُلِّ مُبْتَدَأٍ فِي خَبَرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ ضَرُورَةَ أَنَّ انْتِفَاءَ نَقِيضِهِ لَازِمٌ لِثُبُوتِهِ لِلْمُبْتَدَأِ فَنَحْوُ قَوْلِكَ زَيْدٌ قَائِمٌ مُخْبِرًا عَنْ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ يَلْزَمُهُ عَقْلًا انْتِفَاءُ عَدَمِ الْقِيَامِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ صَرِيحًا وَالثَّانِي حَاصِلٌ صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَيْهِ خُصُوصُ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِمُقْتَضَى اسْتِقْرَارِ تَرَاكِيبِ الْبُلَغَاءِ فَهَذَا الْحَصْرُ الثَّانِي وَهُوَ مُرَادُ مَنْ فَرَّقَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ الْقَائِمُ بِجَعْلِهِ الثَّانِيَ لِلْحَصْرِ دُونَ الْأَوَّلِ فَزَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ لَا اللَّفْظِ مُنْحَصِرًا فِي مَفْهُومِ قَائِمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ قَائِمًا دَائِمًا لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الِاسْتِقْبَالِ ضَرُورَةَ أَنَّ لَفْظَ قَائِمٍ مُطْلَقٌ فِي الْقِيَامِ.
فَقَوْلُنَا زَيْدٌ قَائِمٌ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَنَقِيضُهُ إنَّمَا هُوَ السَّالِبَةُ الدَّائِمَةُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي مَفْهُومِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى ضِدِّهِ أَوْ خِلَافِهِ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَافِ بِالنَّقِيضِ عَدَمُ الِاتِّصَافِ بِالضِّدِّ وَالْخِلَافِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كَوْنِهِ قَائِمًا جَالِسًا فِي وَقْتٍ
رَمَضَانَ فَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ سَبَبٌ لِسَبَبِيَّةِ تَرْكِ الصَّوْمِ وَنَصْبُ التَّرْكِ سَبَبًا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِيقَاعِ فِيهِ بَلْ لَوْ صَرَّحَ الشَّارِعُ هَكَذَا.
وَقَالَ جَعَلْتُ تَرْكَ رَمَضَانَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ مِثْلِهِ خَارِجَ رَمَضَانِ وَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُتَنَاقِضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذَا تُرِكَ إخْرَاجُ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي زَمَنِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ يَكُونُ ذَلِكَ التَّرْكُ سَبَبًا لِوُجُوبِ دَفْعِ الْقِيَمِ بَعْدَ زَوَالِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَيُكَلَّفُونَ ح بِالْغَرَامَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي ذِمَمِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِمْ وُجُوبٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَصَارَ التَّرْكُ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ كَذَلِكَ هَاهُنَا جُعِلَ التَّرْكُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ مَعَ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فِي زَمَانِ التَّرْكِ وَيُضَافُ هَذَا الصَّوْمُ لِذَلِكَ التَّرْكِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا تُضَافُ الْقِيمَةُ لِلْإِتْلَافِ فِي زَمَانِ الصِّبَا أَوْ الْجُنُونِ لِيَتَمَيَّزَ هَذَا الْمَالُ الْمَدْفُوعُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْوَاجِبَاتِ وَمِنْ النَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
رَمَضَانَ فَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ سَبَبٌ لِسَبَبِيَّةِ تَرْكِ الْيَوْمِ وَنَصْبُ التَّرْكِ سَبَبًا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِيقَاعِ فِيهِ) قُلْتُ إيقَاعُ صَوْمِهَا فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ وَجَعْلُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ سَبَبًا لِسَبَبِيَّةِ التَّرْكِ دَعْوَى، وَقَوْلُهُ إنَّ نَصْبَ التَّرْكِ سَبَبًا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِيقَاعِ فِي الْيَوْمِ الْمَتْرُوكِ دَعْوَى أَيْضًا وَبِالْجُمْلَةِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا.
قَالَ (بَلْ لَوْ صَرَّحَ الشَّارِعُ هَكَذَا وَقَالَ جَعَلْتُ تَرْكَ رَمَضَانَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ مِثْلِهِ خَارِجَ رَمَضَانَ وَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُتَنَاقِضًا أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذَا تُرِكَ إخْرَاجُ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي زَمَنِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ يَكُونُ ذَلِكَ التَّرْكُ سَبَبًا لِوُجُوبِ دَفْعِ الْقِيَمِ بِعُذْرِ زَوَالِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَيُكَلَّفُونَ ح بِالْغَرَامَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي ذِمَمِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِمْ وُجُوبٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَصَارَ التَّرْكُ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ كَذَلِكَ هَاهُنَا جُعِلَ التَّرْكُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ مَعَ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فِي زَمَنِ التَّرْكِ وَيُضَافُ هَذَا الصَّوْمُ لِذَلِكَ التَّرْكِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا تُضَافُ الْقِيَمُ لِلْإِتْلَافِ فِي زَمَنِ الصِّبَا أَوْ الْجُنُونِ لِيَتَمَيَّزَ هَذَا الْمَالُ الْمَدْفُوعُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ النَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُتَنَوِّعَةِ فِي الدَّفْعِ) قُلْتُ إضَافَةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ إلَى تَرْكِهِ فِي رَمَضَانَ مُشْعِرٌ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُكَلَّفَةِ بِذَلِكَ فِي رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِتِلْكَ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ إنَّمَا تَرَكَتْ غَيْرَ وَاجِبٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَهَلْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ تَرْكَ غَيْرِ الْوَاجِبِ يَكُونُ سَبَبًا فِي الْوُجُوبِ وَمَا سَبَبُ هَذَا الِارْتِبَاكِ الْمُوجِبِ لِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الْوَاضِحِ الضَّعْفِ إلَّا الْغَفْلَةُ عَنْ تَقَرُّرِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ عِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا كَالدُّيُونِ وَالْغَرَامَاتِ أَوْ التَّغَافُلِ عَنْ ذَلِكَ وَالصَّبِيُّ وَالْحَائِضُ وَإِنْ كَانَ حَالُهُمَا مُسْتَوِيًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تُكَلَّفُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ رَمَضَانُ بِإِيقَاعِ الصَّوْمِ فِيهِ وَالصَّبِيُّ أَيْضًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
آخَرَ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ مِنْ الْأَضْدَادِ وَحَيًّا وَفَقِيهًا وَعَابِدًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ مِنْ خِلَافِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ.
وَأَمَّا زَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي فَكَمَا أَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي مَفْهُومِ الْقَائِمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ كَذَلِكَ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى ضِدِّهِ أَوْ خِلَافِهِ أَيْضًا وَيُوَضِّحُ لَك هَذَا مَسْأَلَةً وَهِيَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الصَّلَاةِ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» عَلَى انْحِصَارِ سَبَبِ تَحْرِيمِهَا أَيْ الدُّخُولِ فِي حُرُمَاتِهَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ فِيهَا فِي التَّكْبِيرِ وَانْحِصَارِ سَبَبِ تَحْلِيلِهَا أَيْ حِلِّهَا بِإِبَاحَةِ جَمِيعِ مَا حُرِّمَ بِهَا فِي التَّسْلِيمِ فَلَا يَدْخُلُ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ حُرُمَاتِهَا إلَى حِلِّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَالتَّكْبِيرُ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ خَبَرٌ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اقْتَضَى حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ تَحْرِيمُهَا فِيهِ فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لَا يَثْبُتُ مَعَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّكْبِيرِ وَلَا مَعَ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الْهَزْلُ وَاللَّعِبُ وَالنَّوْمُ وَالْجُنُونُ وَلَا مَعَ خِلَافِهِ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّعْظِيمُ بِحَيْثُ إذَا فَعَلَ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَضْدَادِ وَالْخِلَافَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ التَّكْبِيرَ لَمْ يَدْخُلْ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ.
وَكَذَا التَّسْلِيمُ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» خَبَرٌ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اقْتَضَى حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ تَحْلِيلُهَا فِيهِ فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَنَّ تَحْلِيلَهَا لَا يَثْبُتُ مَعَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ وَلَا مَعَ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَلَا مَعَ خِلَافِهِ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ بِحَيْثُ إذَا فَعَلَ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَضْدَادِ وَالْخِلَافَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ التَّسْلِيمَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ إلَى حِلِّهَا أَيْ إبَاحَةِ جَمِيعِ مَا حَرُمَ بِهَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ بُطْلَانِهَا كَيْفَ كَانَ فَلَا سَبَبَ لَهُ إلَّا السَّلَامُ الْمَشْرُوعُ الْمَأْذُونُ فِيهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَمَّا سَهْوُ السَّلَامِ وَعَمْدُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرِدْ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» لَا سِيَّمَا وَلَفْظُ السَّلَامِ خَبَرٌ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالسَّلَامَةِ وَالدُّعَاءُ لَا يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ لَا سَهْوًا وَلَا عَمْدًا أَمَّا نَقُولُ بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُخْرِجٌ مِنْهَا مُطْلَقًا وَمُحْوِجٌ لِتَكْبِيرَةِ
الْأَمْوَالِ الْمُتَنَوِّعَةِ فِي الدَّفْعِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا قُدِّرَ بِقَدْرِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ تَرْكَ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ رَمَضَانَ كَمَا قُدِّرَتْ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِزَوَالِ الْجُنُونِ بِحَسَبِ قَدْرِ الْمُتْلَفَاتِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي زَمَانِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ شَيْءٌ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ رُتَبِ الْوَاجِبِ أَنْ يُؤْذَنَ فِي فِعْلِهِ وَهَذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِي فِعْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ فَهُوَ فِي بَادِي الرَّأْيِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ مَحْذُورٌ لِعَدَمِ التَّضْيِيقِ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ يَبْطُلُ مَا قَالُوهُ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ مِنْ شَرْطِهِ إمْكَانُ وُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ إجْمَاعًا إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ فِي جَمِيعِ زَمَنِ الْحَيْضِ فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهَا أَنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ.
وَلَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الظُّهْرَ يَجِبُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا تَفْعَلُ فِي الصَّوْمِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ رَمَضَانَ يَجِبُ مِنْ رَجَبٍ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيُفْعَلُ بَعْدَ انْسِلَاخِ شَعْبَانَ كَمَا يُفْعَلُ الصَّوْمُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَلَكِنْ هَذَا كُلُّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالُوهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَيَتَّضِحُ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ صَوْمِ الْحَائِضِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ وَهَذِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَا يُطْلَبُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْإِتْلَافُ بِإِيقَاعِ الْغَرَامَةِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ خَالٍ عَنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِهَا فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا إنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِشَرْطِ التَّكْلِيفِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَيَصِحُّ فِيهِمَا مَعًا أَنْ يُقَالَ تَرَتُّبُ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِمَا يَوْمَ وُجُودِ السَّبَبِ وَالْمُوجِبُ لِصِحَّةِ الْقَوْلِ بِتَرَتُّبِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِمَا وَصِحَّةِ الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهَا دُونَهُ أَنَّ لَفْظَ التَّكْلِيفِ وَلَفْظَ التَّرْتِيبِ فِي الذِّمَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ عِبَارَاتٍ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارَاتٍ وَالِاعْتِبَارَاتُ أُمُورٌ وَضْعِيَّةٌ تَتْبَعُ الْمَقَاصِدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا قُدِّرَ بِقَدْرِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ تَرْكَ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ رَمَضَانَ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِيهِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إيقَاعُ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ حَكَى هُوَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهَا عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ رَمَضَانُ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ لُزُومِ تَقَرُّرِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ بِدَلِيلِ أَوَائِلِ إجْزَاءِ الْعِبَادَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْزَاءِ الْمُرَتَّبَةِ مَعَ أَوَاخِرِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا تَوَجَّهَ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَاتِ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا دُونَ سَائِرِ أَجْزَائِهَا ثُمَّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ تَوَجَّهَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِالْجُزْءِ الثَّانِي ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْأَجْزَاءِ.
قَالَ (وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ فَهُوَ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ مَحْذُورٌ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْإِحْرَامِ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ مُشْكِلٌ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ فِي أَثْنَائِهَا سَهْوًا فِي كَوْنِهِ لَا يُبْطِلُهَا وَلَا يُحْوِجُ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلدُّخُولِ فِيهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالسَّلَامُ فِي أَثْنَائِهَا قَدْ يَقَعُ مَعَ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ إذَا وَقَعَتْ بِرَفْضٍ حَتَّى يُقَالَ إنَّ رَفْضَ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي إبْطَالَهَا فَلِذَلِكَ أَحْوَجَ لِلتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَلَامِهِ أَثْنَاءَهَا لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهَا بَلْ إنَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ صَلَاتَهُ كَمُلَتْ فَأَتَى بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَيْسَ رَفْضًا وَكَوْنُ جِنْسِ السَّلَامِ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ إجْمَاعًا فَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْفَرْدِ بَقِيَّةُ صُوَرِهِ بِالْقِيَاسِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ بِلَا جَامِعٍ ضَرُورَةَ أَنَّ السَّلَامَ دُعَاءٌ وَالدُّعَاءُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ فَلَمْ يَكُنْ جَعْلُهُ مُخْرِجًا مِنْ الصَّلَاةِ بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى حَتَّى يَتَأَتَّى الْقِيَاسُ عَلَيْهِ.
وَالْقِيَاسُ بِلَا جَامِعٍ لَا يَصِحُّ وَكَوْنُ عَدَمِ الصِّحَّةِ إنَّمَا هِيَ فِي قِيَاسِ الْمَعْنَى وَهَذَا قِيَاسُ الشَّبَهِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ مَنَعَ الْقَاضِي شَيْخُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُعَارَضٌ بِالْمُقْتَضَى لِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا وَفِي آخِرِ الصَّلَاةِ هُوَ سَالِمٌ عَنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَافْتَرَقَا وَلَا قِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ وَكَوْنُ اللَّامِ فِي السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ عليه السلام «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» لِلْعُمُومِ فَيَشْمَلُ السَّلَامَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ قَرِينَةَ السِّيَاقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّامَ هَا هُنَا إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا حَقِيقَةُ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ إلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» مِنْ الطَّهُورِ وَالتَّكْبِيرِ الْمُحَلَّيَيْنِ بِاللَّامِ إنَّمَا أُرِيدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَرْدُ الْمُقَارِنُ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَقَطْ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا بِفَرْدِ التَّكْبِيرِ الَّذِي فِي أَثْنَائِهَا فَكَذَلِكَ بِحَمْلِ السَّلَامِ عَلَى فَرْدِهِ الْمُقَارِنِ لِآخِرِ الصَّلَاةِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قُرِنَ مَعَهُ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ، وَلَوْ كَانَ السَّلَامُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُخْرِجُ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ وَيُحْوِجُ لِلتَّكْبِيرِ لَبَطَلَ مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ وَابْتُدِئَتْ مِنْ أَوَّلِهَا، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ فِي السَّهْوِ أَلْبَتَّةَ فَلَمَّا لَمْ تَعُدْ الصَّلَاةُ مِنْ أَوَّلِهَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ الْأَصْلُ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَجِدُ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا مُحْوِجٌ لِلتَّكْبِيرِ إلَّا مُشْكِلًا وَالْمُتَّجَهُ
لَا يُمْكِنُ أَنْ تَفْعَلَ فِي أَوَّلِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَلَا يَكُونُ زَمَنُ الْحَيْضِ مِنْ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ لَهَا فَإِنْ أَرَادُوا بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إنَّهُ يَجِبُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَقَطْ فَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَرِّحُونَ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيَقُولُونَ إنَّ هَذَا مَذْهَبٌ يَخْتَصُّونَ بِهِ فَظَهَرَ الْحَقُّ وَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَمِنْهُ وَمِثْلُهُ وَإِلَيْهِ) فَهَذِهِ عَشْرُ قَوَاعِدَ فِي الْكُلِّيِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ خَاصَّةً وَهِيَ عَشْرُ قَوَاعِدَ كُلُّهَا يَتَعَلَّقُ فِيهَا الْوُجُوبُ بِالْكُلِّيِّ دُونَ الْجُزْئِيِّ وَهِيَ مُتَبَايِنَةُ الْحَقَائِقِ مُخْتَلِفَةُ الْمُثُلِ وَالْأَحْكَامِ فَأَذْكُرُ كُلَّ قَاعِدَةٍ عَلَى حِيَالِهَا لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا.
اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الشَّرْعِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إلَى خُصُوصِ الْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ الْمُعَيَّنِ وَالتَّصْدِيقِ بِالرِّسَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَالْقُرْآنِ وَقَدْ لَا يُعَيَّنُ مُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ بَلْ يَجْعَلُهُ دَائِرًا بَيْنَ أَفْرَادِ جِنْسٍ وَيَكُونُ مُتَعَلِّقُ الْخِطَابِ هُوَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ دُونَ خُصُوصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ الْمُنْقَسِمُ إلَى عَشْرَةِ أَجْنَاسٍ كَمَا يَأْتِي إنْ بَيَانَهُ شَاءَ اللَّهُ عز وجل.
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ وَحَيْثُ قِيلَ بِهِ فَالْوَاجِبُ هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ وَهُوَ مَفْهُومٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالصَّادِقُ عَلَى أَشْيَاءَ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَمِنْهُ وَعَنْهُ وَمِثْلُهُ وَإِلَيْهِ إلَى آخَرِ قَوْلِهِ فَاذْكُرْ كُلَّ قَاعِدَةٍ عَلَى حِيَالِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّيِّ لَا بِالْجُزْئِيِّ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِالْكُلِّيِّ وَهُوَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّيِّ أَيْ بِإِيقَاعِ مَا فِيهِ الْكُلِّيُّ بِمَعْنَى مَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكُلِّيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَعْيِينِ مَا وَقَعَ بِهِ التَّكْلِيفُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الشَّرْعِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إلَى خُصُوصِ الْكَعْبَةِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُنْقَسِمُ إلَى عَشَرَةِ أَجْنَاسٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) قُلْتُ قَوْلُهُ فِي أَثْنَاءِ هَذَا الْفَصْلِ قَدْ لَا يُعَيَّنُ مُتَعَلَّقُ التَّكْلِيفِ بَلْ يَجْعَلُهُ دَائِرًا بَيْنَ أَفْرَادِ جِنْسٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّيِّ أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ بَلْ مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الْفِعْلُ الْمُوقَعُ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ.
قَالَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ إلَى قَوْلِهِ وَالصَّادِقُ عَلَى أَشْيَاءَ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا) قُلْتُ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ بِالْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ تَعَلَّقَ بِإِيقَاعِ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اهـ هَذَا حَاصِلُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ هُنَا.
وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْلِ إنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَقَدْ رُوِيَ بِرَفْعِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَا تَمَسَّكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ بِاسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ وَأَنَّهُ يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَقْتَضِي حَصْرَ ذَكَاتِهِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ بِمَعْنَى أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُبِيحُهُ فَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ الذَّكَاةِ الَّتِي هِيَ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّبْحِ الْخَاصِّ فِي حَلْقِهِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ مُلَابَسَةٌ تُصَحِّحُ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةُ أُمِّهِ هِيَ عَيْنَ ذَكَاتِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ إضَافَةَ الْمَصَادِرِ مُخَالِفَةٌ لِإِسْنَادِ الْأَفْعَالِ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَقَوْلِنَا: صَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ بِخِلَافِ إسْنَادِ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً مُرَاعَاةُ الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ لَا مُطْلَقُ مُلَابِسٍ.
وَرُوِيَ بِنَصْبِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ بِاحْتِيَاجِ الْجَنِينِ لِلذَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ عَلَى قَاعِدَةِ حَذْفِ الْمُضَافِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ ذَكَاةَ الْجَنِينِ دَاخِلَةً فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ فَانْتَصَبَتْ الذَّكَاةُ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ عَلَى حَدِّ دَخَلْت الدَّارَ بَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ أَرْجَحُ مِمَّا قَدَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قِلَّةُ الْحَذْفِ.
وَثَانِيهِمَا: الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَدَفْعُ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا اهـ.
فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَاسْتَغْنَى الْجَنِينُ عَنْ الذَّكَاةِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ تَرْجِيحِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِقِلَّةِ الْحَذْفِ وَإِنْ سَلِمَ إلَّا أَنَّهُ يَضْعُفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسَاقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ كَمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنْ ضَعُفَ بِكَثْرَةِ الْحَذْفِ إلَّا أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى مَسَاقِ الْكَلَامِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ تَرْجِيحِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِالْجَمْعِ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ عَلَى مَا لِلْحَنَفِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَّجَهٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا وَالشَّأْنُ إنَّمَا هُوَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَبَسْطُهُ يَطُولُ اهـ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْلِ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ يَقْتَضِي حَصْرَ الشُّفْعَةِ فِي الَّذِي هُوَ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ بَعْدُ وَالتَّقْدِيرُ الشُّفْعَةُ
وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ خَمْسَةِ أَحْكَامٍ: الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ فَلَا وُجُوبَ إلَّا فِيهِ وَالْخُصُوصَاتُ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَالْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ فَلَمْ يُخَيِّرْ اللَّهُ الْمُكَلَّفَ بَيْنَ فِعْلِ أَحَدِهَا وَبَيْنَ تَرْكِ هَذَا الْمَفْهُومِ، فَإِنَّ تَرْكَ هَذَا الْمَفْهُومِ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِ جَمِيعِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ مَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا مُتَعَيِّنٌ لِلْفِعْلِ مُتَحَتِّمُ الْإِيقَاعِ فَالْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَالْخُصُوصَاتُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَلَا وُجُوبَ فِيهَا فَالْوَاجِبُ وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مُخَيَّرٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابِ الْحُكْمِ الثَّانِي الْمُتَعَلِّقِ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الثَّوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ بَعْضَهُ لَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا وَقَعَ مَعَهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ إنْ اخْتَارَ أَفْضَلَهَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ النَّدْبِ عَلَى ذَلِكَ الْخُصُوصِ.
وَإِنْ اخْتَارَ أَدْنَاهَا إنْ كَانَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ أَوْ إحْدَاهَا وَلَيْسَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ فَلَا ثَوَابَ فِي الْخُصُوصِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَا بِالْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ.
قَالَ (وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ خَمْسَةِ أَحْكَامٍ إلَى قَوْلِهِ فَالْوَاجِبُ وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مُخَيَّرٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ قَوْلِهِ بَلْ مَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَهُ هُوَ الْكُلِّيُّ وَاحِدُ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ هُوَ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي هُوَ الْكُلِّيُّ لِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ بَلْ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ الْآحَادِ الصَّادِقِ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمُشْتَرَكُ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا.
قَالَ (الْحُكْمُ الثَّانِي الْمُتَعَلِّقُ بِهَذَا الْمُشْتَرَكِ الثَّوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ بَعْضَهُ لَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا وَقَعَ مَعَهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُثَابُ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي وَقَعَ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا لَمْ يُوقِعْ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إيقَاعُهُ وَإِنَّمَا أَوْقَعَ مَا كُلِّفَ أَنْ يُوقِعَهُ وَيَصِحُّ مِنْهُ إيقَاعُهُ وَهُوَ فَرْدٌ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ وَتَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِهِ عَلَى الْإِبْهَامِ وَلَكِنْ الْوُجُودُ عَيَّنَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُودُ إلَّا فِي الْمُعَيَّنِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مَعَ ذَلِكَ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ فَإِنَّهُ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُثَابُ عَلَى الزَّائِدِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ اسْتِظْهَارًا وَتَأْكِيدًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَفْعَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُثَابَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ لِذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ لِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ وَمَا لَمْ يُفْعَلْ لِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ فَلَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَبِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ إنْ اخْتَارَ أَفْضَلَهَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ النَّدْبِ عَلَى ذَلِكَ الْخُصُوصِ وَإِنْ اخْتَارَ أَدْنَاهَا إنْ كَانَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ أَوْ إحْدَاهَا وَلَيْسَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ فَلَا ثَوَابَ فِي الْخُصُوصِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ لَا ثَوَابَ النَّدْبِ بَعْدَ اخْتِيَارِ أَفْضَلِهَا أَوْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مُسْتَحَقَّةٌ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَقْتَضِي حَصْرَ الْأَعْمَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّيَّاتِ وَالتَّقْدِيرُ الْأَعْمَالُ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّيَّاتِ فَكَمَا أَنَّ الْعَمَلَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَذَلِكَ طَلَبُ الشُّفْعَةِ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ اهـ.
فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هُوَ دَعْوَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ قَوْلُهُ إنَّ الْحَجَّ قَوْله تَعَالَى {أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] بِتَقْدِيرِ زَمَانِ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ يَقْتَضِي حَصْرَ وَقْتِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَفِي كَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْفَضِيلَةِ فَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَوْلَانِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ: إنَّ مِثْلَ قَوْلِنَا السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْحَصْرُ لِلسَّفَرِ فِي هَذَا الظَّرْفِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي كَوْنِهِ دَعْوَى قَوْلُ الْغَزَالِيِّ إذَا قُلْت: صَدِيقِي زَيْدٌ أَوْ زَيْدٌ صَدِيقِي اقْتَضَى الْأَوَّلُ حَصْرَ أَصْدِقَائِك فِي زَيْدٍ فَلَا تُصَادِقْ أَنْتَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَالثَّانِي حَصْرُ زَيْدٍ فِي صَدَاقَتِك فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَأَنْتَ يَجُوزُ أَنْ تُصَادِقَ غَيْرَهُ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ دَعْوَى أَيْضًا قَوْلُ الْفَخْرِ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الْإِعْجَازُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَدْ تَرِدُ لِحَصْرِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ أَبَدًا مُنْحَصِرًا فِي الثَّانِي كَقَوْلِك زَيْدٌ الْقَائِمُ تُرِيدُ لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ بِحَصْرِ وَصْفِ الْقِيَامِ فِي زَيْدٍ، وَقَوْلُك أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُرِيدُ أَنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ عليه السلام مُنْحَصِرَةٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ زَيْدٌ النَّاقِلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَالْمُتَسَبِّبُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ.
قُلْتُ: وَلَا يَخْفَاك أَنَّ فِي اخْتِيَارِهِ حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْفَخْرِ بِعَكْسِهِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ الْقَائِمُ أَوْ النَّاقِلُ لِهَذَا الْخَبَرِ أَوْ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ دَعْوَى لَا حُجَّةَ لَهَا وَإِنَّ الْمُسْنَدَ النَّكِرَةَ لَا يَقْتَضِي لُغَةً الْحَصْرَ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ بِاللَّامِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي عَقْلًا حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ فِيهِ دُونَ نَقِيضِهِ مُخَالَفَةً لِمَا قَالَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي فِي مَبْحَثِ الْقَصْرِ مِمَّا حَاصِلُهُ كَمَا فِي الدُّسُوقِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ السَّعْدِ وَابْنِ يَعْقُوبَ عَلَى التَّلْخِيصِ أَنَّ التَّعْرِيفَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ إنْ كَانَ الْمُسْنَدَ إلَيْهِ فَهُوَ الْمَقْصُورُ عَلَى الْمُسْنَدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْنَدُ مَعْرِفَةً نَحْوُ الْأَمِيرُ زَيْدٌ أَوْ نَكِرَةً نَحْوُ
أَمَّا ثَوَابُ الْوُجُوبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ وَمُتَعَلِّقَ ثَوَابِهِ يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَا أَمَّا إنَّهُ يَجِبُ شَيْءٌ وَيُفْعَلُ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا فَإِذَا تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْجَمِيعَ وَتَرْكُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْبَعْضَ وَفَعَلَ الْبَعْضَ فَقَدْ فَعَلَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ فَيَسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ تَرَكَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَدْنَاهَا وَلَكِنْ يَكُونُ ثَوَابُ أَفْضَلِهَا ثَوَابَ وَاجِبٍ أَفْضَلَ وَثَوَابُ أَدْنَاهَا ثَوَابَ وَاجِبٍ أَدْوَنَ وَلَا وَجْهَ لِدُخُولِ النَّدْبِ هُنَا وَقَوْلُهُ فَلَا ثَوَابَ فِي الْخُصُوصِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَا أَوْقَعَ وَلَمْ يُوقِعْ إلَّا الْخُصُوصَ.
قَالَ (أَمَّا ثَوَابُ الْوُجُوبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ وَمُتَعَلِّقَ ثَوَابِهِ يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَا أَمَّا أَنَّهُ يَجِبُ شَيْءٌ وَيَفْعَلُ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ ثَوَابَ الْوُجُوبِ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ تَوَارُدِ الْوُجُوبِ وَثَوَابِهِ عَلَى شَيْءٍ مُتَّحِدٍ صَحِيحٌ لَكِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي أَوْقَعَهُ وَلَيْسَ هُوَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَلَا تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَالْإِيقَاعُ إفَادَةُ التَّعْيِينِ.
قَالَ (الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ مَفْهُومَ أَحَدِهَا.
قَالَ (فَإِذَا تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْجَمِيعَ وَتَرْكُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْبَعْضَ وَفَعَلَ الْبَعْضَ فَقَدْ فَعَلَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ فَيَسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْبَعْضَ فَقَدْ فَعَلَ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا يَعْنِي فِعْلَ مَا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ لَا الْكُلِّيُّ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ مَفْهُومُ أَحَدِهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْنِي مَا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ أَوْ يَحْوِيهِ الْمُشْتَرَكُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ حِينَئِذٍ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ لَيْسَ كَمَا.
قَالَ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الثَّوَابِ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ فِعْلُ إحْدَى الْخِصَالِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا وَمُتَعَلِّقُ الْعِقَابِ تَرْكُ جَمِيعِهَا فَلَيْسَ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ هُوَ بِعَيْنِهِ مُتَعَلِّقَ الثَّوَابِ وَمُتَعَلِّقَ الْعِقَابِ مَعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ هُوَ مُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَلِذَلِكَ وَجْهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ أَيْ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْنَدِ فَهُوَ الْمَقْصُورُ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَهَلْ وَلَوْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ أَيْضًا نَحْوُ الْكَرْمُ التَّقْوَى وَبِهِ صَرَّحَ السَّعْدُ فِي الْمُطَوَّلِ أَوْ إنْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ بِهَا أَيْضًا احْتَمَلَ قَصْرَهُ عَلَى الْمُسْنَدِ أَوْ قَصْرَ الْمُسْنَدِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ حِينَئِذٍ قَصْرُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ وَشُمُولِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَذَلِكَ أَنْسَبُ بِالْمُسْنَدِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ إلَى الذَّاتِ وَفِي الْمُسْنَدِ إلَى الصِّفَةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ السَّيِّدُ أَوْ إنْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ بِهَا أَيْضًا فَالْأَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْهُمَا سَوَاءٌ قُدِّمَ وَجُعِلَ مُبْتَدَأً أَوْ أُخِّرَ وَجُعِلَ خَبَرًا يُقْصَرُ عَلَى الْأَخَصِّ نَحْوُ الْعُلَمَاءُ النَّاسُ أَوْ النَّاسُ الْعُلَمَاءُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ فَبِحَسَبِ الْقَرَائِنِ فَفِي نَحْوِ الْعُلَمَاءُ الْخَاشِعُونَ تَارَةً يُقْصَدُ قَصْرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْخَاشِعِينَ وَتَارَةً يُقْصَدُ عَكْسُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ فَالْأَظْهَرُ قَصْرُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ وَمَعْنَى تَصَوُّرِ الْعُمُومِ فِي الْقَصْرِ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مَفْهُومًا وَإِنْ تَسَاوَيَا مَا صَدَقَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَبْدُ الْحَكِيمِ أَقُولُ: وَالْجِنْسُ فِي الْخَبَرِ قَدْ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ يُقَيَّدُ بِوَصْفٍ أَوْ حَالٍ أَوْ ظَرْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ نَحْوُ هُوَ الرَّجُلُ الْكَرِيمُ وَهُوَ السَّائِرُ رَاكِبًا وَهُوَ الْأَمِيرُ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ الْوَاهِبُ أَلْفَ قِنْطَارٍ وَكَوْنُ التَّعْرِيفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ وَإِنْ عُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَتَصَفُّحِ تَرَاكِيبِ الْبُلَغَاءِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَعْرِيفَ الْخَبَرِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ فِي قَوْلِ الْخَنْسَاءِ فِي مَرْثِيَةِ أَخِيهَا صَخْرٍ:
إذَا قَبُحَ الْبُكَاءُ عَلَى قَتِيلٍ
…
رَأَيْتُ بُكَاءَكَ الْحَسَنَ الْجَمِيلَا
لَمْ يَكُنْ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ بُكَاءَكَ هُوَ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ فَقَطْ دُونَ بُكَاءِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ كَمَا تُوُهِّمَ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِإِفَادَةِ الْإِشَارَةِ إلَى مَعْلُومِيَّةِ الْحَسَنِ لِذَلِكَ ادِّعَاءً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ لَا يُلَائِمُهُ إذَا قَبُحَ الْبُكَاءُ عَلَى قَتِيلٍ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْبُكَاءَ عَلَى هَذَا الْمَرْثِيِّ قَبِيحٌ كَغَيْرِهِ وَالرَّدُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَوَهَّمِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إخْرَاجِ بُكَائِهِ مِنْ الْقُبْحِ إلَى كَوْنِهِ حَسَنًا وَيُتَصَوَّرُ فِي تَعْرِيفِ كُلٍّ مِنْ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَالْمُسْنَدِ كُلٌّ مِنْ قَصْرِ الْأَفْرَادِ وَقَصْرِ الْقَلْبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي تَعْرِيفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَاللَّامُ الْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ قَصْرُ الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا فِيهِ عُمُومٌ كَالْجِنْسِ فَيُحْصَرُ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَلَا عُمُومَ فِي الْمَفْهُومِ الْخَارِجِيِّ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ قَصْرُ الْقَلْبِ فَيُقَالُ لِمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْمُنْطَلِقَ الْمَعْهُودَ هُوَ عَمْرٌو الْمُنْطَلِقُ
وَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى أَكْثَرِهَا ثَوَابًا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ أَدْوَنِهَا عِقَابًا فَإِنَّ أَكْثَرَهَا ثَوَابًا لَوْ أُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ لَكَانَ هُوَ الْوَاجِبَ وَلَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ وَلَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ أَحَدَهَا لَا بِعَيْنِهِ فَكَانَ يُبْطِلُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ ثُبُوتُهُ.
وَأَمَّا أَدْوَنُهَا عِقَابًا فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَلَكِنْ تَشْخِيصُهُ فِي خَصْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ فَيُقَالُ هَذَا أَقَلُّهَا عِقَابًا لَهُ وَهِيَ مُتَعَلِّقُ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ فَيَبْطُلُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ ثُبُوتُهُ هَذَا خَلْفٌ بَلْ التَّصْرِيحُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى أَكْثَرِهَا ثَوَابًا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ أَدْوَنِهَا عِقَابًا)
قُلْتُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بَلْ لِقَوْلِ قَائِلِ ذَلِكَ وَجْهٌ ثَبَتَ تَقْدِيرُهُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ بِدَلِيلِ تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَضِيقِ الْعِقَابِ بِدَلِيلِ عَدَمِ تَضْعِيفِ السَّيِّئَاتِ فَالثَّوَابُ عَنْ الْأَكْثَرِ ثَوَابًا وَالْعِقَابُ عَلَى الْأَدْوَنِ عِقَابًا مُنَاسِبٌ لِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ.
قَالَ (فَإِنَّ أَكْثَرَهَا ثَوَابًا لَوْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ لَكَانَ هُوَ الْوَاجِبَ وَلَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ وَلَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ أَحَدَهَا لَا بِعَيْنِهِ فَكَانَ يُبْطِلُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ ثُبُوتُهُ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَكَيْفَ يَتَعَيَّنُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ وَقَدْ فُرِضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَإِنْ أَرَادَ وَلَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ فَذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْوُجُودَ يَسْتَلْزِمُ التَّعْيِينَ بِخِلَافِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوُجُوبَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ وَالْوُجُودُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ أَمْرَانِ حَقِيقَانِ لَا يَتَرَتَّبَانِ إلَّا عَلَى الْأَمْرِ الْحَقِيقِيِّ فَهُمَا يَسْتَلْزِمَانِ مَا يَتَرَتَّبَانِ عَلَيْهِ وَتَعْيِينَهُ وَإِنَّمَا أَوْقَعَ شِهَابُ الدِّينِ فِي هَذَا الْإِشْكَالِ ذَهَابُ وَهْمِهِ إلَى أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْوُجُودِ يَسْتَلْزِمُ التَّعْيِينَ فِي الْوُجُوبِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنْته آنِفًا.
قَالَ (وَأَمَّا أَدْوَنُهَا عِقَابًا فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الْمُشْتَرَكِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى أَدْوَنِهَا عِقَابًا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ الَّذِي هُوَ الْكُلِّيُّ لَا يَلْحَقُهُ وَصْفُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَلَا مَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ الْأَوْصَافِ.
قَالَ (وَلَكِنْ تَشْخِيصُهُ فِي خَصْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ فَيُقَالُ هَذِهِ أَقَلُّهَا عِقَابًا وَهِيَ مُتَعَلِّقُ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ فَيَبْطُلُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ ثُبُوتُهُ هَذَا خُلْفٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تَشْخِيصَهُ خَصْلَةً يُقَالُ إنَّهَا أَقَلُّهَا عِقَابًا يَقْتَضِي أَنَّهَا بِعَيْنِهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَا يَقْتَضِي تَشْخِيصَهَا ذَلِكَ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ.
قَالَ (بَلْ التَّصْرِيحُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ) قُلْتُ لَيْسَ مَا صَوَّبَهُ بِصَوَابٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
زَيْدٌ أَيْ لَا عَمْرٌو كَمَا تَعْتَقِدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ.
وَقَدْ نَظَمْتُ هَذَا الْحَاصِلَ مُذَيِّلًا لِبَيْتَيْ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ بِقَوْلِي:
مُبْتَدَأٌ فَاللَّامُ جِنْسٍ عُرِّفَا
…
مُنْحَصِرٌ فِي مُخْبَرٍ بِهِ وَفَا
وَإِنْ خَلَا عَنْهَا وَعُرِّفَ الْخَبَرْ
…
بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَبِالْعَكْسِ اسْتَقَرْ
كَذَا إذَا مَا عُرِّفَ الْجُزْءَانِ
…
بِاللَّامِ عِنْدَ السَّعْدِ ذِي الْإِتْقَانِ
وَالسَّيِّدِ بِأَنَّ ذَا يَحْتَمِلُ
…
أَيْضًا لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ بَلْ أَكْمَلُ
وَالثَّالِثُ الْأَعَمُّ مِنْهُمَا بِنَصِّ
…
حِينَئِذٍ يُحْصَرُ دَوْمًا مَا فِي الْأَخَصِّ
وَإِنْ أَتَى عُمُومُهُ وَجْهِيًّا
…
حِيلَ عَلَى قَرَائِنَ مَلِيًّا
وَحَيْثُ لَا قَرَائِنَ فَالْأَظْهَرُ
…
مُبْتَدَأٌ فِي خَبَرٍ يَنْحَصِرُ
وَكُلُّ أَقْسَامِ الْحَصْرِ قَدْ أَتَتْ
…
فِيمَا فَاللَّامُ الْجِنْسِ حَصْرُهُ ثَبَتْ
وَقَدْ أَتَى مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ
…
لِغَيْرِ حَصْرٍ فَافْهَمْ كَلَامِي
وَمَا فَاللَّامُ الْعَهْدِ خَارِجًا فَلَا
…
حَصْرَ لِإِفْرَادٍ بِهِ تَحَصَّلَا
وَقَدْ مَرَّ عَنْ السَّعْدِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَضُدِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْحَقَّ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ كَمَا فِي قَوْلِنَا الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَئِمَّةً فُضَلَاءَ وَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عِنْدَ قَصْدِ الْإِخْبَارِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَنَفْيُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي قَوْلِنَا فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ. اهـ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ فِي تَقْرِيرَاتِهِ عَلَى حَوَاشِي مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ كَوْنِ مَدْلُولِ الْخَبَرِ الْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ أَوْ الْوُقُوعُ وَاللَّا وُقُوعُ لَفْظِيٌّ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْإِيقَاعُ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْوُقُوعِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْوُقُوعُ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْإِيقَاعِ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ أَوْ الْخَارِجِيَّةُ بَلْ وَلَوْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ أَعْنِي الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ قُلْنَا أَنْ نَقُولَ هُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِفَادَةِ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الَّذِي هُوَ النِّسْبَةُ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ أَوْ اللَّا وُقُوعِ إذْ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْمُتَكَلِّمُ وَلِهَذَا جَزَمَ السَّعْدُ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ لَهُ هَذَا وَغَيْرُ خَافٍ عَلَيْكَ أَنَّ طَرِيقَ حُجَّةِ الْمَفْهُومِ سَوَاءٌ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ هُوَ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ لُغَةً اهـ.
وَمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ الْفَخْرِ جَارٍ عَلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي فَكَيْفَ يَكُونُ دَعْوَى لَا حُجَّةَ لَهَا وَإِنَّمَا