الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّهُ هَرَبَ مِنْهُ فَلَحِقَهُ وَرَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ هُنَاكَ فَشُرِعَ رَمْيُ الْجِمَارِ لِتَذَكُّرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ السُّنِّيَّةِ وَالطَّوَاعِيَةِ التَّامَّةِ وَالْإِنَابَةِ الْجَمِيلَةِ لِيُقْتَدَى بِهِمَا فِي ذَلِكَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْجِمَارُ لَيْسَتْ سَبَبًا بَلْ أَدَاةً يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فَأَيُّ حَصَاةٍ أَخَذَهَا أَجْزَأَتْ وَسَدَّتْ الْمَسَدَّ وَخُصُوصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَالْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا دُونَ خُصُوصَاتِهَا، وَرَابِعُهَا: الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ هُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ فِي الضَّحَايَا وَالتَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْهَدْيِ.
وَأَمَّا هَذِهِ الْأَنْعَامُ فَلَيْسَتْ أَسْبَابًا لِلْوُجُوبِ بَلْ أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ بَدَنَةٍ دُونَ أُخْرَى بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فَأَيُّهَا فَعَلَ سَدَّ الْمَسَدَّ وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْخُصُوصِ مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّوَابِ وَالْمَاءِ حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَخَامِسُهَا: الرِّقَابُ فِي الْعِتْقِ لَيْسَتْ أَسْبَابًا لِلْحُكْمِ بَلْ السَّبَبُ الظِّهَارُ مَثَلًا أَوْ الْيَمِينُ أَوْ إفْسَادُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَمْدًا أَوْ الْقَتْلُ فَهَذِهِ هِيَ الْأَسْبَابُ، وَأَمَّا الرِّقَابُ فَهِيَ أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ كَالْمَاءِ وَالسُّتْرَةِ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ رَقَبَةٍ دُونَ أُخْرَى مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِهِ أَدَاةً لَا وَاجِبٌ بِهِ سَبَبًا.
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْخِطَابِ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِطَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بَلْ هُوَ بِمُطْلَقِ الطَّائِفَةِ الصَّالِحَةِ لَا إيقَاعُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالْكُلِّ حَتَّى لَا يَضِيعَ الْوَاجِبُ وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ طَائِفَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَأَيُّ طَائِفَةٍ فَعَلَتْ سَدَّتْ الْمَسَدَّ كَالثَّوْبِ فِي السُّتْرَةِ وَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي الطَّوَائِفِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُكَلَّفُ وَالْمُكَلَّفُ يَجِبُ عَلَيْهِ لَا بِهِ وَلَا فِيهِ، فَإِذَا فَعَلَتْ طَائِفَةٌ سَقَطَ عَنْ الْبَقِيَّةِ لِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا لِتَعْطِيلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا عَنْ الْفِعْلِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ تَعَيَّنَ الْفِعْلُ عَيْنًا لِانْحِصَارِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ كَآخِرِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَذُّرِ غَيْرِ الثَّوْبِ الْمَوْجُودِ فِي السُّتْرَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ.
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ عِنْدَهُ وَلَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا الشَّرْطُ فَإِنَّ الْحَوْلَ إذَا دَارَ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لَا بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ بَلْ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَلَكِنْ أَثَرُ السَّبَبِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ فَدَوَرَانُ الْحَوْلِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَمْ يَخْتَصَّ حَوْلٌ مُعَيَّنٌ بِالْوُجُوبِ عِنْدَهُ بَلْ مُطْلَقُ الْحَوْلِ وَهَذِهِ هِيَ الْحَقِيقَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِيهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ
قَالَ (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا سَبَقَ..
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا الْعَبْدُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَمَنْ صَامَ فِيهِ يَوْمًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ صَوْمَ مِائَةِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَنْ تَصَدَّقَ فِيهِ بِدِرْهَمٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ صَدَقَةً وَمَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ خَتْمَةٍ بِغَيْرِهِ وَمَنْ سَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ مَرَّةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ بِغَيْرِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ اهـ.
2 -
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الْبَاجِيَّ: وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الْمَسْجِدَيْنِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مُخَالَفَةَ حُكْمِ مَسْجِدِ مَكَّةَ لِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَكَذَا مَسْجِدِ الرَّسُولِ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهَا حُكْمُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفٍ إذْ أُثِيبَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَفْسَ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْمَدِينَةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْوَالِدِ عَلَى كِتَابِهِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ قُلْتُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّه بِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ «خَيْرِ بَلَدٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَكَّةُ» كَمَا فِي مَنَاسِكِ الصَّاوِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ لِأَخِيهِ كَانَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَنَ وَقْتُهُ وَلَا يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ وَلَا يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَالتَّعَيُّنُ فِي الْقِسْمَيْنِ شَرْعِيٌّ)
اعْلَمْ وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ أَنَّ تَحْرِيرَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَاجِبَ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ وَهُوَ مَا جَعَلَ الشَّارِعُ لِأَدَائِهِ وَقَضَائِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَقْتًا حُدِّدَ طَرَفَاهُ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ مُعَيَّنًا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ وَقْتُ أَدَائِهِ وَلَا وَقْتُ قَضَائِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ كَالصَّوْمِ عَيَّنَ الشَّارِعُ لِأَدَائِهِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ وَلِقَضَائِهِ مَا بَعْدَهُ إلَى شَعْبَانَ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ أَيْضًا بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ مِنْ الْفَوْرِيَّاتِ وَقْتًا مُرَتَّبًا عَلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ كَالْحَجِّ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الشَّارِعُ إلَّا مَا كَانَ عَقِيبَ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بِحَيْثُ لَوْ
اللُّغَوِيَّةُ مِنْ الْحَوْلِ فَمَتَى وُجِدَتْ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ حَصَلَ الْوُجُوبُ عِنْدَهَا لَا بِهَا لَا لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْحَوْلِ بَلْ لِمُطْلَقِ الْحَوْلِ الْمُوجِبِ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي النِّصَابِ فَالْمُحَصِّلُ لِمَقْصُودِ الشَّرْعِ هُوَ مُطْلَقُ الْحَوْلِ لَا خُصُوصُ هَذَا الْحَوْلِ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ كَمَا أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ النُّصُبِ هُوَ الْوَاجِبُ بِهِ وَثَانِيهَا عَدَمُ الْمَانِعِ نَحْوُ عَدَمِ الدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ وَالْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ أَوْ زَوَالُ الشَّمْسِ فِي الصَّلَاةِ لَا لِعَدَمِ الدَّيْنِ وَلَا لِعَدَمِ الْحَيْضِ فَعَدَمُ الدَّيْنِ وَالْحَيْضِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ خُصُوصِ دَيْنٍ دُونَ دَيْنٍ وَلَا خُصُوصِ حَيْضٍ دُونَ حَيْضٍ بَلْ مُطْلَقُ الدَّيْنِ وَمُطْلَقُ الْحَيْضِ فَهَذَا الْمُشْتَرَكُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ، وَثَالِثُهَا: وُجُوبُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَاءِ يَجِبُ عِنْدَهُ التَّيَمُّمُ وَلَيْسَ هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ لِلصَّلَاةِ أَوْقَاتُهَا وَأَسْبَابُ الطَّهَارَاتِ الْأَحْدَاثُ أَمَّا عَدَمُ الْمَاءِ فَلَيْسَ سَبَبًا لِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ بَلْ الْحَدَثُ اقْتَضَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنْ عُدِمَتْ طَهَارَةُ الْمَاءِ تَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ التُّرَابِ فَعَدَمُ الْمَاءِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ مَاءٍ مُعَيَّنٍ بَلْ عَدَمُ الْمَاءِ الطَّهُورِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ دُونَ خُصُوصِ مَاءٍ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هَاهُنَا وَاجِبٌ عِنْدَهُ.
وَرَابِعُهَا: وُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لَا لِأَنَّ السَّبَبَ عَدَمُ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ بَلْ السَّبَبُ إحْيَاءُ النَّفْسِ وَعَدَمُ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ النَّفْسِ اقْتَضَى أَحَدَ الْغِذَاءَيْنِ إمَّا الْمُبَاحَ أَوْ الْمَيْتَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْمُبَاحُ تَعَيَّنَتْ الْمَيْتَةُ كَاقْتِضَاءِ الْحَدَثِ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَلَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ طَعَامٍ مُبَاحٍ بِعَيْنِهِ بَلْ مُطْلَقَ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ الَّذِي يَصْلُحُ لِإِقَامَةِ الْبِنْيَةِ، وَخَامِسُهَا: عَدَمُ الْخَصْلَةِ الْأُولَى مِنْ الْخِصَالِ الْمُرَتَّبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ نَحْوُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّ تَعَذُّرَ الْعِتْقِ يُوجِبُ الصِّيَامَ وَعَدَمُ الْعِتْقِ لَيْسَ هُوَ سَبَبَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ الظِّهَارُ وَعَدَمُ الْعِتْقِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ عَدَمَ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ عَدَمُ مُطْلَقِ الرَّقَبَةِ الصَّالِحَةِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الظِّهَارِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا كُلِّيٌّ مُشْتَرَكٌ لَيْسَ بِجُزْئِيٍّ وَالْوُجُوبُ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ أَفْرَادِهِ وَهُوَ كُلُّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ.
الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ الْوَاجِبُ مِنْهُ وَلَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْإِبِلِ غَنَمًا فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ الْوَاجِبُ مِنْهُ إلَى آخَرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ غَيْرُ مَا يُشْعِرُ كَلَامُهُ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ بِالْكُلِّيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِرَارًا بَلْ الصَّحِيحُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمُعَيَّنُ الْمُشْتَرَكُ فَإِنْ عَنَى ذَلِكَ فَمُرَادُهُ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَأَخَّرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ تَأَخَّرَتْ السُّنَّةُ أَوْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَتْ السُّنَّةُ فَصَارَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ تَابِعًا لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَ أَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ لِمَصَالِحَ فِيهَا بِحَيْثُ إنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا عَيَّنَ شَهْرَ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ مَثَلًا لِمَصْلَحَةٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي
رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ
عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ فَإِنَّا إذَا لَاحَظْنَا الشَّرَائِعَ وَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ فِي الْأَغْلَبِ أَدْرَكْنَا ذَلِكَ وَخَفِيَ عَلَيْنَا فِي الْأَقَلِّ فَقُلْنَا: ذَلِكَ الْأَقَلُّ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ مَلِكٍ بِأَنْ لَا يَخْلَعَ الْأَخْضَرَ إلَّا عَلَى الْفُقَهَاءِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَنْ خُلِعَ عَلَيْهِ الْأَخْضَرُ وَلَا نَعْلَمُ قُلْنَا: هُوَ فَقِيهٌ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ ذَلِكَ الْمَلِكِ.
وَهَكَذَا لَمَّا كَانَتْ قَاعِدَةُ الشَّرْعِ
رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ
فِي جَانِبِ الْأَوَامِرِ وَالْمَفَاسِدِ فِي جَانِبِ النَّوَاهِي عَلَى سَبِيلِ التَّفْضِيلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ لَزِمَ أَنْ نَعْتَقِدَ فِيمَا لَمْ نَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى مَفْسَدَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ الْأَوَامِرِ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَإِنْ كَانَ فِي جَانِبِ النَّوَاهِي أَنَّ فِيهِ مَفْسَدَةً كَأَنْ نَقُولَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ: إنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحَ لَا نَعْلَمُهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَا نَعْلَمُهَا.
وَأَمَّا تَعَيُّنُ أَوْقَاتِ الْفَوْرِيَّاتِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ إذَا طُلِبَتْ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَقْضِيَةِ الْحُكَّامِ إذَا نَهَضَتْ الْحِجَاجُ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ لِلسَّمَاعِ وَزَمَانٍ لِلتَّأَمُّلِ وَتَعَرُّفِ مَعْنَى الْخِطَابِ وَفِي الزَّمَنِ الثَّالِثِ يَكُونُ الْفِعْلُ زَمَانِيًّا وَبِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ يُوصَفُ الْمُكَلَّفُ بِالْمُخَالَفَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَبَعٌ لِلْمَأْمُورَاتِ وَطَرَيَانِ الْأَسْبَابِ فَتَعَيُّنُ وَقْتِ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ تَابِعٌ لِسُقُوطِهِ فِي الْبَحْرِ فَلَوْ تَأَخَّرَ سُقُوطُهُ فِي الْبَحْرِ تَأَخَّرَ الزَّمَانُ أَوْ تَعَجَّلَ تَعَجَّلَ الزَّمَانُ.
وَتَعَيُّنُ وَقْتِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ تَابِعٌ لِوُرُودِ الصِّيغَةِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَ الْوَقْتُ أَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَ الْوَقْتُ وَتَعَيُّنُ وَقْتِ أَقْضِيَةِ الْأَحْكَامِ تَابِعٌ لِنُهُوضِ الْحِجَاجِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ وَإِنْ حَدَّ الشَّارِعُ لَهَا زَمَانًا وَهُوَ زَمَانُ الْوُقُوعِ الَّذِي أَوَّلُهُ أَوَّلُ زَمَانِ التَّكْلِيفِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْهَا بِحَسَبِهَا فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَابِعًا لِمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ زَمَانِ الْعِبَادَاتِ لَمْ يُقَلْ
إبِلًا فِيمَا فَوْقَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جِنْسٌ كُلِّيٌّ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ شَاةً مُعَيَّنَةً وَلَا حِقَّةً مُعَيَّنَةً مَعَ اسْتِوَاءِ الصِّفَاتِ فِي الْجِنْسِ الْمُجْزِئِ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ فَقَطْ وَثَانِيهَا الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ، وَهُوَ النَّقْدَانِ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُمَا مِقْدَارَ رُبْعِ الْعُشْرِ زَكَاةً عَمَّا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ خُصُوصَ دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٍ، وَثَالِثُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَهُوَ الْحَبُّ الَّذِي غَالِبُ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ صَاعٌ عَنْ كُلِّ آدَمِيٍّ إلَّا مَنْ اُسْتُثْنِيَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَرَابِعُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ الْكَفَّارَاتُ فِي الْإِطْعَامِ وَهُوَ الْجِنْسُ الَّذِي تُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِعَيْنِهِ، وَخَامِسُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ يُحَصِّلَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُخْرِجُ مِنْهُ الْعُشْرَ عَمَّا مَلَكَهُ مِنْ الْحَبِّ أَوَ الثَّمَنِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ كُلُّهَا أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّارِعُ فِيهَا مُعَيَّنًا بَلْ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ تِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ.
الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ الْوَاجِبُ عَنْهُ وَهُوَ جِنْسُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّارِعُ خُصُوصَ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ بَلْ مَفْهُومُ الْإِنْسَانِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لِأَجْلِهَا تَجِبُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَانَ ذَلِكَ الْمُخْرَجُ عَنْهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ وَلِيٍّ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ رَقِيقٍ فَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ دُونَ خُصُوصِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ زَوْجَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ وَلَهُ مِثَالَانِ: أَحَدُهُمَا جَزَاءُ الصَّيْدِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ مِثْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مُطْلَقُ الْغَزَالِ وَمُطْلَقُ بَقَرِ الْوَحْشِ دُونَ خُصُوصِ ظَبْيٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ الْوَاجِبُ مَنُوطٌ بِمُطْلَقِ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْكُلِّيِّ وَخُصُوصِ كُلِّ صَيْدٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي الْجَزَاءِ فَهَذَا الْجِنْسُ الْكُلِّيُّ هُوَ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ، وَثَانِيهِمَا: الْمُتْلَفُ الْمِثْلِيُّ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ تَجِبُ غَرَامَةُ مِثْلِهِ كَمَنْ أَتْلَفَ قَفِيزَ قَمْحٍ يَجِبُ عَلَيْهِ غَرَامَةُ قَفِيزٍ مِثْلِهِ أَوْ رِطْلَ زَيْتٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ رِطْلِ زَيْتٍ مِثْلِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ ذَلِكَ الرِّطْلِ الزَّيْتِ وَتَعَيُّنِهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ زَيْتًا مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ هِيَ مُتَعَلِّقُ الْأَغْرَاضِ نَحْوُ كَوْنِهِ زَيْتًا اتِّفَاقًا وَزَيْتَ بِزْرِ كَتَّانٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ مِثْلِهِ حَتَّى إنَّ أَفْرَادَ الْأَرْطَالِ مِنْ الْغَلَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الزَّيْتِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَالْمُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا دُونَ خُصُوصِ رِطْلٍ دُونَ رِطْلٍ، وَكَذَلِكَ الْمِثْلِيَّاتُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ أَجْنَاسُهَا وَصِفَاتُهَا الْعَامَّةُ دُونَ خُصُوصِ الْمُعَيَّنَاتِ، فَهَذَا جِنْسٌ كُلِّيٌّ هُوَ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ.
الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ الْوَاجِبُ إلَيْهِ وَلَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ فِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِلْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ لَهَا شَرْعًا أَدَاءً وَلَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَهُ قَضَاءً بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ.
وَالْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَدَاءَ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَقَيْدُ فِي وَقْتِهِ يُخْرِجُ الْقَضَاءَ وَقَيْدُ الْمَحْدُودِ لَهُ يُخْرِجُ الْوَاجِبَ الْمُغَيَّا بِجَمِيعِ الْعُمْرِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقَيْدُ شَرْعًا يُخْرِجُ الْمَحْدُودَ عُرْفًا وَقَيْدُ لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ يُخْرِجُ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِهَا شَرْعًا تَابِعٌ لِحُصُولِ أَمْرٍ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْوَقْتِ كَمَا عَلِمْتَ فَلَا يُوصَفُ الْفِعْلُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ فَوَقْتُ الْأَدَاءِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْكُلُّ لَا جُزْءٌ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ الْجَزَاءُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْفِعْلُ بِمَعْنَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا يَتَعَيَّنُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ إنْ فُعِلَ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْآخِرُ فَالْوُجُوبُ لِلْأَدَاءِ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ مَعَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ السَّعْدُ فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَلَى حَوَاشِي مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ.
وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ فِعْلُ الشَّيْءِ كَيْفَ كَانَ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] أَيْ فَإِذَا فُعِلَتْ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ لَهُ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا مَا يُقَابِلُ الْأَدَاءَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فَقَيْدُ خَارِجَ وَقْتِهِ يُخْرِجُ الْأَدَاءَ وَقَيْدُ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا يُخْرِجُ الْمَحْدُودَ وَقْتُهُ عُرْفًا وَقَيْدُ لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ يُخْرِجُ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ؛ لِأَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِهَا شَرْعًا تَابِعٌ لِحُصُولِ أَمْرٍ لَا لِمَصْلَحَةٍ كَمَا عَلِمْتَ فَلَا يُوصَفُ الْفِعْلُ بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا وَقَعَ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ وَقَيَّدَ بِالْأَمْرِ الثَّانِي لِدَفْعِ نَقْضٍ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ جُمْلَةَ السَّنَةِ كُلِّهَا الَّتِي تَلِي شَهْرَ الْأَدَاءِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَلَيْسَ أَدَاءً، وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَإِنْ دَخَلَ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ لَهُ السَّنَةَ تَعْيِينًا لَا كَسَنَةِ الْحَجِّ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا تَابِعَةً لِلِاسْتِطَاعَةِ غَيْرَ مَحْدُودَةِ الطَّرَفَيْنِ بَلْ إنَّمَا عَيَّنَهَا لَهُ مَحْدُودَةَ الطَّرَفَيْنِ
لِمَصْلَحَةٍ
يَخْتَصُّ بِهَا لَا نَعْلَمُهَا لَا لِخُصُوصِ كَوْنِهَا تَابِعَةً لِتَرْكِ الصَّوْمِ إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ
الصَّوْمِ يَجِبُ الصَّوْمُ إلَيْهِ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ جِنْسُ الْغُرُوبِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ أَمَّا كَوْنُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَسَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بَلْ مَتَى تَحَقَّقَ الْغُرُوبُ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَأَنْ سَقَطَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَانْتَقَلَ الْمُكَلَّفُ إلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ لِوُجُودِ مَفْهُومِ الْغُرُوبِ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَلَا عِبْرَةَ بِخُصُوصِ الْأَيَّامِ فَهَذَا جِنْسٌ عَامٌّ كُلِّيٌّ يَجِبُ الْفِعْلُ إلَيْهِ وَهُوَ مُلَابَسَةٌ ضِدُّ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ.
وَثَانِيهَا: هِلَالُ شَوَّالٍ يَجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ إيصَالُ الصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ هُوَ كَوْنُهُ هِلَالَ شَوَّالٍ أَمَّا كَوْنُهُ هَذَا الْهِلَالَ أَوْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ أَوْ مِنْ سَنَةِ سَبْعِينَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ مُطْلَقُ هِلَالِ شَوَّالٍ كَيْفَ كَانَ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ كَانَ.
وَثَالِثُهَا: أَوَاخِرُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ يَجِبُ إيصَالُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ إلَى تِلْكَ الْغَايَاتِ، وَكَذَلِكَ الْإِحْدَادُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ كَوْنُهُ كَمَالَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَمَا عَدَاهُ لَغْوٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ عَشَرَةٌ اشْتَرَكَتْ كُلُّهَا فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمَعْنًى كُلِّيٍّ وَاخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصٍ كَمَا تَقَدَّمَ كَكَوْنِهِ فِيهِ وَبِهِ وَعَنْهُ وَمِنْهُ وَإِلَيْهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَبِهِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَبْوَابِ كُلِّهَا مُتَعَلِّقًا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَلْيَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا مُخَيَّرًا فَلِمَ اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ؟ فَنُجِيبُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ قَدْ حَصَلَ تَحْتَهُ أَيْضًا أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَلِكُلِّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ خُصُوصٌ عَامٌّ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَالْأَصْلُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ أَوْ الْجُزْئِيَّةُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْأَسْمَاءُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا حَتَّى تَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّعْبِيرِ عَنْ خُصُوصِ كُلِّ حَقِيقَةٍ كَانَتْ جِنْسًا أَوْ شَخْصًا فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ قَوَاعِدِهِ الْعَشَرَةِ.
(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا) هَذَا الْفَرْقُ بَالَغَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اعْتِبَارِهِ حَتَّى أَثْبَتَ عُقُودَ الرِّبَا وَإِفَادَتَهَا الْمِلْكَ فِي أَصْلِ الْمَالِ الرِّبَوِيِّ وَرَدِّ الزَّائِدِ فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْجَبَ الْعَقْدُ دِرْهَمًا مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُرَدُّ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّبَوِيَّاتِ وَبَالَغَ قُبَالَتَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (شِهَابُ الدِّينِ الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ حِكَايَةُ مَذْهَبٍ وَتَقْرِيرُهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ كَمَا تَعْدَمُ لِعَدَمِ كُلِّ أَجْزَائِهَا تَعْدَمُ بِعَدَمِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ إذَا عَدِمَ بَعْضَ الْأَجْزَاءُ لَمْ تَتَرَكَّبْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ فَلَا يَكُونُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حَدِّ الْأَدَاءِ بِقَيْدِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِقَيْدِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فِيهِ فَافْهَمْ.
وَثَانِيهَا: إيقَاعُ الْوَاجِبِ تَعْيِينُهُ بِالشُّرُوعِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِقَضَاءِ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَأَبْطَلَهُ لِوُجُوبِهَا بِالشُّرُوعِ عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ لِلْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهُ حِجَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ.
وَثَالِثُهَا: مَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ وَضْعِهِ فِي الشَّرِيعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَقْتِ وَالتَّعْيِينِ بِالشُّرُوعِ وَمِنْهُ قَضَاءُ الْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتَاهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ جَهْرًا تُسَمَّى قَضَاءً اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا صُلِّيَتَا جَهْرًا وَقَدْ صَارَا أَخِيرَيْنِ كَانَا عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ تَقَدُّمِ الْجَهْرِ عَلَى السِّرِّ، وَقَوْلُهُمْ الْمَأْمُورُ فِيمَا فَاتَهُ هَلْ يَكُونُ قَاضِيًا أَوْ بَانِيًا إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ الْقَضَاءِ أَيْ هَلْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ أَوَّلًا لَا فِي أَنَّهُ يُسَمَّى قَضَاءً لَوْ وَقَعَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ.
وَرَابِعُهَا: إيقَاعُ الْفِعْلِ بَعْدَ تَقَدُّمِ سَبَبِهِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إنَّ السُّنَنَ تُقْضَى لِتَقَدُّمِ أَسْبَابِهَا لَا لِلشُّرُوعِ فِيهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَعَانِي لَفْظِ الْقَضَاءِ خَمْسَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَرْبَعَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَوَاحِدٌ لُغَوِيٌّ فَلَا يَرِدُ صِدْقُهُ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ مَعَانِيهِ عَلَى غَيْرِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّنَا لَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْآخَرِ لَا نَقْضًا وَلَا سُؤَالًا أَلَا تَرَى أَنَّا إذَا حَدَّدْنَا الْعَيْنَ بِمَعْنَى الْحَدَقَةِ بِأَنَّهَا عُضْوٌ يَتَأَتَّى بِهِ الْإِبْصَارُ لَا نَلْتَفِتُ لِلْقَوْلِ بِنَقْضِهِ بِعَيْنِ الْمَاءِ وَبِالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُخْتَلِفَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ حُدُودُهَا مُخْتَلِفَةً فَحِينَئِذٍ اسْتَقَامَ مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِّ الْقَضَاءِ وَحَدِّ الْأَدَاءِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ بِتَحْدِيدِ طَرَفَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ فَيُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ بِغَيْرِ تَحْدِيدِ طَرَفَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ بَلْ تَعْيِينًا تَابِعًا لِتَحَقُّقِ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَا يُوصَفُ لَا بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ.
وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ مِنْهُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ وَهَلْ هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ دَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَافِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ مَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الِاصْطِلَاحِيِّ