الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَتَحْرِيرُهَا وَتَعْلِيلُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهَا غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هَا هُنَا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ إنَّمَا الْمُؤَثِّرُ عَدَمُهُ فَإِذَا قُلْنَا الْحَيَاةُ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحَيَاةِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْعِلْمُ بِهِ وَلَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ فَكَمْ مِنْ حَيٍّ لَا يَعْلَمُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الطَّهَارَةِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الطَّهَارَةِ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ يُصَلِّيَ وَلَكِنْ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ سِتَارَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحَوْلِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا دَارَ الْحَوْلُ فَقَدْ تَجِبُ الزَّكَاةُ.
وَقَدْ لَا تَجِبُ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا أَوْ مِدْيَانًا فَوُجُودُ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ إنَّمَا اللُّزُومُ عِنْدَ عَدَمِهِ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَقَوْلُهُ عليه السلام «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إلَّا بِطَهُورٍ» لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ قَبْلُ إلَّا بِعَدَمِ الْقَبُولِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ الْقَضَاءُ بِالْقَبُولِ بَعْدُ إلَّا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْيِ النِّكَاحِ قَبْلُ إلَّا لِأَجْلِ عَدَمِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوَلِيُّ الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدُ إلَّا لِأَجْلِ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ شَيْءٌ إنَّمَا الْمُؤَثِّرُ عَدَمُهُ لَا وُجُودُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ أَوْ الْفَضِيلَةُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ لِجَوَازِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَتَكُونَ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً وَالسِّرُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا مُطَّرِدًا فِيمَا عَدَا الشَّرْطَ وَتَكُونُ الشُّرُوطُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ إطْلَاقِ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَإِنَّ مُرَادَهُمْ غَيْرُ الشُّرُوطِ.
وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَلَا وَهَذَا التَّخْصِيصُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ غَرِيبٌ قَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ وَبِسَبَبِ التَّفَطُّنِ لَهُ يَبْطُلُ مَا يُورِدُهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَيْنَا فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا لَلَزِمَ الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الطَّهُورِ وَبِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْوَلِيِّ الْوَارِدِ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَنُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الشُّرُوطُ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْحَالِفِينَ وَغَيْرِهِمْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَيْفَ كَانَ يَجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ إيصَالُ الصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا دَخْلَ لِلْحُكْمِ فِي كَوْنِهِ خُصُوصَ هَذَا الْهِلَالِ أَوْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنِهِ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ أَوْ مِنْ سَنَةِ تِسْعِينَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ.
وَثَالِثُهَا: مُطْلَقُ غَايَاتِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ الْعَامَّةِ كَكَوْنِهِ كَمَالَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ كَمَالَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرِيعَةِ لِوُجُوبِ إيصَالِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ إلَيْهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ عَشَرَةٌ تَشْتَرِكُ كُلُّهَا فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ وَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصٍ كَكَوْنِهِ فِيهِ وَبِهِ وَعَنْهُ وَمِنْهُ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَإِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِهَذَا الِاخْتِصَاصِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي أَبْوَابِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْعَشَرَةِ كُلِّهَا مُتَعَلِّقًا بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فَلِيَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا مُخَيَّرًا فَلِمَ اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ؟ فَنَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ التَّعَلُّقُ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ قَدْ حَصَلَ تَحْتَهُ أَيْضًا أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَالْأَصْلُ اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ أَوْ الْجُزْئِيَّةُ لِتَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّعْبِيرِ عَنْ خُصُوصِ كُلِّ حَقِيقَةٍ كَانَتْ جِنْسًا أَوْ شَخْصًا فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ قَوَاعِدِهِ الْعَشَرَةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا]
(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا)
مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ مَاهِيَّةِ الْبَيْعِ مَثَلًا الَّتِي هِيَ الْعَاقِدَانِ وَالْعِوَضَانِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَبَيْعِ السَّفِيهِ وَتَحْرِيرِهِ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ وَالْمُتَضَمِّنُ لِلْمَفْسَدَةِ فَاسِدٌ وَإِذَا كَانَ أَيْ النَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي خَارِجٍ عَنْهَا كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ نَقْدٍ بِنَقْدٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ وَصْفُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْكَثْرَةِ لَا نَفْسُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَانَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمًا عَنْ الْمَفْسَدَةِ النَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ عَنْهَا فَلَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَاهِيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعَلُّقُ النَّهْيِ بِرُكْنٍ مِنْ
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ) لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا إنْ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ بِالِالْتِزَامِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالْمُطَابَقَةِ وَإِذَا عَلَى الْعَكْسِ فِي ذَلِكَ.
فَإِذَا قُلْت إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَلَفْظُك يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إنْ شَرْطٌ وَالْإِكْرَامُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجِيءِ مُطَابَقَةً وَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى أَنَّ الْمَجِيءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانِ وَإِذَا قُلْت إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَإِذَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ بِالْمُطَابَقَةِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالِالْتِزَامِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنَّهَا قَدْ يَلْزَمُهَا الشَّرْطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ نَحْوُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] إلَى قَوْلِهِ {فَسَبِّحْ} وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا وَتَكُونُ ظَرْفًا مَحْضًا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1]{وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] أَيْ أُقْسِمُ بِاللَّيْلِ فِي حَالَةِ غَشَيَانِهِ وَبِالنَّهَارِ فِي حَالِ تَجَلِّيهِ لِأَنَّهُمَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْقَسَمُ تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ يُنَاسِبُ أَعْظَمَ الْأَحْوَالِ فَإِذَا فِي مِثْلِ هَذَا ظَرْفٌ مَحْضٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ فَصَارَتْ إذَا الظَّرْفِيَّةُ قَدْ يَلْزَمُهَا الشَّرْطُ فَتَدُلُّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا وَثَانِيهَا أَنَّ إنْ وَإِذَا وَإِنْ كَانَا مُطْلَقَيْنِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ لَا عُمُومَ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّ إنْ لَا تَوْسِعَةَ فِيهَا وَإِذَا ظَرْفٌ وَالظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ.
وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَلْزَمُهُ فِي الثَّانِي لِأَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَظَرْفُ الْمَوْتِ يَحْتَمِلُ دُخُولَ زَمَنٍ مِنْ أَزْمِنَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَقَعُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الْحَيَاةِ فَيَلْزَمُهُ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُلَاحَظَةِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْفُرُوقِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ أَنْ تَقُولَ وُلِدَ النَّبِيُّ عليه السلام عَامَ الْفِيلِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ سِتِّينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَهُوَ لَمْ يُولَدْ فِي جُمْلَةِ عَامِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ فِي إنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا بِنَفْسِهَا وَعَلَى مَا شَرَطُوهُ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ مِنْ أَنَّهَا يَسْبِقُ ذَلِكَ فَهْمُ السَّامِعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا بِمَعْنَى أَنَّهَا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي تُلَازِمُ الدُّخُولَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (وَثَانِيهَا أَنَّ إنْ وَإِذَا وَإِنْ كَانَا مُطْلَقَيْنِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ لَا عُمُومَ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّ إنْ لَا تَوْسِعَةَ فِيهَا وَإِذَا ظَرْفٌ وَالظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَرْكَانِهَا الْأَرْبَعَةِ قَالَ: إذْ لَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ كَمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ الْفَسَادِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيَثْبُتُ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيَثْبُتُ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفُ الْعَارِضُ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ اهـ.
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نُهِيَ عَنْهُ سَرَى النَّهْيُ إلَى الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا وُجُودَ لَهُ مُفَارِقًا لِلْمَوْصُوفِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَارٍ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَلَا يَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ وَمُتَّصِفُ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ اهـ.
وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِ النَّهْيِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ وَمَتَى وَرَدَ نَهْيٌ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ الْعَقْدَ وَذَلِكَ التَّصَرُّفَ بِجُمْلَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ إنَّمَا اقْتَضَى تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَيُرَدُّ مِنْ يَدِ قَابِضِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ.
وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ حِسًّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ فَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَسْرُوقَةِ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْدُومَةٌ شَرْعًا فَتَكُونُ مَعْدُومَةٌ حِسًّا وَمَنْ فَرَى الْأَوْدَاجَ بِغَيْرِ أَدَاةٍ حِسًّا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ فَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الذَّابِحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّبَا نَظَرٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَتَسَلَّطْ النَّهْيُ فِيهَا عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَلَا عَلَى وَصْفِهَا بَلْ
الْفِيلِ بَلْ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ مَعَ أَنَّك جَعَلْته بِجُمْلَتِهِ ظَرْفًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ مَظْرُوفِهِ الَّذِي هُوَ الْوِلَادَةُ وَكَذَلِكَ جُعِلَتْ جُمْلَةُ سَنَةَ سِتِّينَ ظَرْفًا لِلْمَوْتِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بَلْ فِي جُزْءٍ مِنْهَا فَيَكُونُ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] .
أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ سُؤَالًا فَقَالَ الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ إذَا جُعِلَ الشَّرْطُ ظَرْفًا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَا مَعًا وَاقِعَيْنِ فِيهِ نَحْوُ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَالْمَجِيءُ وَالْإِكْرَامُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِإِذَا وَكَذَلِكَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] إلَى قَوْلِهِ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر: 3] الْآيَةُ كِلَاهُمَا وَاقِعٌ فِي إذَا الْمَجِيءُ وَالتَّسْبِيحُ وَلِذَلِكَ جَوَّزُوا أَنْ يَعْمَلَ فِي إذَا كِلَا الْفِعْلَيْنِ وَاخْتَارُوا فِعْلَ الْجَوَابِ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُضَافًا إلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى مَخْفُوضٍ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ وَإِذَا جَوَّزُوا عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ فِي هَذَا الظَّرْفِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِهِمَا فِيهِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعَامِلِ فِي الظَّرْفِ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ مَظْرُوفَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالذِّكْرُ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَيَكُونُ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُجَاءُ بِلَفْظِ الْيَوْمِ مَثَلًا فَيُقَالُ أَكَلْت يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِهِ بَلْ فِي بَعْضِهِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَرْفٍ كَذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَرْفٍ كَذَلِكَ فَالصَّحِيحُ فِي إذَا أَنَّهَا لَا تَخْلُو أَنْ تَدْخُلَ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ بَعْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ مُمْكِنًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الدُّخُولِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُهُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةِ مُقْتَضَى الْفَاءِ فَإِنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ إذَا يُرَادُ بِهَا ظَرْفُ الدُّخُولِ لَا ظَرْفُ الطَّلَاقِ وَظَرْفُ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ إذَا بِدَخَلْت الَّذِي هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ وَلَا يُعْتَرَضُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ لِأَنَّهَا قَاعِدَةٌ لَا يُسَلَّمُ فِيهَا الْإِطْلَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] إلَى آخِرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ) قُلْتُ إنَّمَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ظَرْفُ النِّسْيَانِ هُوَ بِعَيْنِهِ ظَرْفُ الذِّكْرِ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ ظَرْفَ الذِّكْرِ غَيْرُ ظَرْفِ النِّسْيَانِ لَكِنَّهُ يَعْقُبُهُ فَتَكُونُ إذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] ظَرْفًا لِلنِّسْيَانِ خَاصَّةً فَظَرْفُ الذِّكْرِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الظَّرْفَ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ إذَا زَمَنٌ لَا نِسْيَانَ فِيهِ وَهُوَ جَوَابٌ رَافِعٌ لِلسُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ لَا جَوَابٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ ظَاهِرُهُ التَّسَلُّطُ عَلَى الرِّبَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَسَلَّطَ النَّهْيَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لَا تَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَبَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَرْقٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا خَفَاءَ فِيهِ اهـ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُبَالَغَةُ فِي اعْتِبَارِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ حَتَّى أَثْبَتَ عُقُودَ الرِّبَا وَإِفَادَتَهَا الْمِلْكَ فِي أَصْلِ الْمَالِ الرِّبَوِيِّ وَرَدِّ الزَّائِدِ، فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْجَبَ الْعَقْدُ دِرْهَمًا مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُرَدُّ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّبَوِيَّاتِ وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْمُبَالَغَةُ فِي إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ قَدْ عَلِمْته وَتَوَسَّطَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَخُلَاصَةُ مَا فَرَقَّا بِهِ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِأَنْ كَانَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَيْ فِي نَفْسِ الرُّكْنِ أَوْ صِفَتِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَكَالنَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ فِي الْإِحْرَامِ وَكَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِفَسَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ حُصُولِ الْحَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ.
وَإِذَا كَانَ أَيْ النَّهْيُ لَا فِي حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ فِي الْمُجَاوِرِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِفَسَادِ الْمُجَاوِرِ لَا لِفَسَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَطَهَارَةُ غَاصِبِ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ الْغَصْبِ فَإِنَّ طَهَارَتَهُ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا لِكَوْنِهِ مُحَصِّلًا لَهَا بِكَمَالِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ جَانٍ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْخُفِّ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمُحْرِمِ إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْهَا بِكَمَالِهَا مَعَ نَهْيِهِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا فِي طَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَمْ تَحْصُلْ حَقِيقَةُ الطَّهَارَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِكَمَالِهَا مَعَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فِي نَفْسِ الْحَقِيقَةِ لَا فِي مُجَاوِرِهَا فَبِكُلٍّ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُحْرِمِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْعِصْيَانِ بِلُبْسِ الْخُفِّ بِسَبَبِ نَهْيِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ فِي الْغَاصِبِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالْمُجَاوِرِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ اقْتَضَى فَسَادَ الْمُجَاوِرِ لَا فَسَادَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَمْ تَبْقَ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً
عَلَى وُقُوعِهِمَا فِي إذَا وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي زَمَنِ النِّسْيَانِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ زَمَانِ إذَا زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ نِسْيَانٌ يَقَعُ فِيهِ الذِّكْرُ فَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] فَإِعْرَابُ الْيَوْمَ ظَرْفٌ وَإِذْ ظَرْفٌ أَيْضًا وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْيَوْمِ وَالْبَدَلُ هُنَا غَيْرُ الْمُبْدَلِ مِنْهُ فَيَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ عَيْنُ زَمَنِ الظُّلْمِ لَكِنَّ زَمَنَ الظُّلْمِ فِي الدُّنْيَا وَالدُّنْيَا لَيْسَتْ هِيَ عَيْنَ الْآخِرَةِ وَلَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ صَحَّتْ الْبَدَلِيَّةُ أَوْرَدَ ابْنُ جِنِّي هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ الظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَزَمَنُ الظُّلْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْهُ حَتَّى يَمْتَدَّ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الِامْتِدَادُ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَى يَوْمِ الظُّلْمِ فَيَتَّحِدَانِ فَتَحْسُنُ الْبَدَلِيَّةُ.
وَهَذَا الْمَوْضِعُ فِي الِاتِّسَاعِ أَبْعَدُ مِنْ آيَةِ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانُ بِطُولِ الْبُعْدِ وَإِفْرَاطِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَنَّ الظَّرْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْبَلُ السَّعَةَ أَكْثَرَ مِنْ مَظْرُوفِهِ فَيَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ وَقَدْ لَا يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْهُ نَحْوَ صُمْت رَمَضَانَ وَصُمْت يَوْمَ الْخَمِيسِ فَإِنَّ الظَّرْفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُسَاوٍ لِلْمَظْرُوفِ فَتَلَخَّصَ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ إنْ وَإِذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا تَقُولُ إنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأْتِ وَإِذَا تَقْبَلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مُتَرَتِّبٌ عَلَى صِحَّةِ السُّؤَالِ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] إلَى قَوْلِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ) قُلْتُ إنَّمَا وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إذْ بَدَلٌ مِنْ الْيَوْمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ بِلَا إشْكَالٍ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ الْيَوْمَ اشْتِرَاكُكُمْ فِي الْعَذَابِ بِسَبَبِ ظُلْمِكُمْ إذْ ظَلَمْتُمْ هَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ.
قَالَ (وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الظَّرْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْبَلُ السَّعَةَ أَكْثَرَ مِنْ مَظْرُوفِهِ فَيَكُونُ أَوْسَعَ إلَى قَوْلِهِ فَتَلَخَّصَ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ إنْ وَإِذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قُلْتُ لَمْ يَظْهَرْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ بِوَجْهٍ وَلَا يَصِحُّ تَقْرِيرُ مَا قَرَّرَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَوْنِ الظَّرْفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ أَنَّهُ يُطْلَقُ لَفْظُ الْيَوْمِ مَثَلًا فِي فِعْلٍ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ لَا فِي جَمِيعِهِ وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِلْإِطْرَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةً مَعْنَوِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّ ظَرْفَ الْفِعْلِ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَزَلْ الْإِشْكَالُ يَقَعُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ اللَّفْظِيَّةِ فَيَظُنُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
قَالَ (وَثَالِثُهَا أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَالنَّهْيُ فِي الْمُحْرِمِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِمُجَاوِرِهِ اقْتَضَى فَسَادَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَبَقِيَتْ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً بِالْمَأْمُورِ بِهِ.
(وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ الْمَقَامِ بِمَسْأَلَتَيْنِ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَالْحَجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نُلَاحِظُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَدْ وُجِدَ فِيهَا بِكَمَالِهِ مَعَ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ فَحَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْمَكَانِ الطَّاهِرِ وَالسُّتْرَةِ الْكَامِلَةِ وَصُورَةُ التَّطْهِيرِ وَالْحَجُّ قَدْ وُجِدَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ وَإِذَا حَصَلَتْ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ كَانَ النَّهْيُ فِي مُجَاوِرٍ وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ مَشَى عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطَهُّرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَيَكُونُ الْمَكَانُ وَالسُّتْرَةُ وَصُورَةُ التَّطْهِيرِ مَعْدُومَةً حِسًّا مَعَ الْعَمْدِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ هَذَا النَّظَرَ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ وَالْمَكَانِ الطَّاهِرِ وَاشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَدَاةُ مُبَاحَةً وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا وَحَرَّمَ الْغَصْبَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ شَرْطًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ مَعَ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمِ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّظَرُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْحَجِّ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا وَلَا صُرِفَتْ فِي رُكْنٍ بَلْ نَفَقَةُ الطَّرِيقِ لِحِفْظِ حَيَاةِ الْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطْهِيرِ فَإِنَّهُ صُرِفَ فِيمَا هُوَ شَرْطٌ فَكَانَ الشَّرْطُ مَعْدُومًا فَافْهَمْ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوُهُ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ لَا بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطْهِيرِ وَالْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا أَيْ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لَمَّا كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ رِضَا الْبَائِعِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَهَذَا الْبَائِعُ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ إلَّا بِمَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ لَمْ تَحْصُلْ حَقِيقَةُ الْعَقْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ بَلْ كَانَ