الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى مَذْهَبِهِ لِتَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إنَّمَا الْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ جَمَاعَةُ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصِّحَّةِ فِي الصَّلَوَاتِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ السَّلَفُ رضي الله عنهم عَلَى عَدَمِ أَمْرِ الظَّلَمَةِ بِالْقَضَاءِ إذْ صَلَّوْا بِالدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ.
وَأَمَّا الصَّوْمُ أَيَّامَ الْعِيدَيْنِ النَّحْرِ وَالْفِطْرِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ» فَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ أَصُومُ هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ وَرَمَضَانَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَضَاءَ وَرُوِيَ أَنَّ نَاذِرَ ذِي الْحِجَّةِ يَقْضِي أَيَّامَ النَّحْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَدَمَ الْقَضَاءِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ فِي الْأَيَّامِ الْمُحَرَّمِ صَوْمُهَا فَالْمَنْصُوصُ نَفْيُ الْقَضَاءِ لِتَعَذُّرِهِ شَرْعًا، وَنَاذِرُ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ الْفِطْرِ أَوْ الشَّكِّ مُلْغًى كَنَذْرِ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ قَالَهُ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَظَاهِرُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
وَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ عِبَادَتَانِ وَالنَّهْيُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الظُّرُوفِ الَّتِي هِيَ الزَّمَانُ فِي الصَّوْمِ وَالْمَكَانُ فِي الصَّلَاةِ وَالْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ كَمَا تَرَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ تَارَةً يَكُونُ الْعِبَادَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِكَوْنِهَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ أَوْ الْبِقَاعِ أَوْ الْحَالَاتِ فَتَفْسُدُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى قَوَاعِدِنَا وَقَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَتَارَةً يَكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الصِّفَةُ الْعَارِضَةُ لِلْعِبَادَةِ فَلَا تَفْسُدُ الْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِ النَّهْيِ حِينَئِذٍ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَالْمُبَاشَرُ بِالنَّهْيِ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ الْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ النَّحْرِ كَمَا تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ وَالْمُبَاشَرُ بِالنَّهْيِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إنَّمَا هُوَ الْغَصْبُ وَلَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْغَصْبِ دُونَ الصَّلَاةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْغَصْبِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى الْمَوْصُوفِ وَبِالْعَكْسِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شُرْبُ الْخَمْرِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَوَجَدَتْ أَلَمًا عَظِيمًا مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ، وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْبُكَاءَ وَالْعَوِيلَ كَمَا كَانَتْ الْأَرْوَاحُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ تَتَأَذَّى بِهِ، وَتَنْقَبِضُ كَذَلِكَ تَتَأَذَّى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى غَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ عَلَيْهَا أَشَدُّ نِكَايَةً؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُصَابَةُ حِينَئِذٍ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ أَحْوَالَ الْأَحْيَاءِ وَمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ وَفَقْرٍ وَاسْتِغْنَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَجَدَّدُ لِأَهْلَيْهِمْ وَيَتَأَلَّمُونَ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُسَرُّونَ بِاللَّذَّاتِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِالزِّيَارَاتِ وَيَتَأَلَّمُونَ بِانْقِطَاعِهَا فَالْأَوْضَاعُ الْبَشَرِيَّةُ لِلْأَرْوَاحِ فِي الْبَرْزَخِ كَمَا كَانَتْ لَهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي مَسْكَنٍ فَارَقَتْهُ فَقَطْ، وَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فِي أَوْضَاعِهَا فَالْعَذَابُ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا حَدِيثُ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ بِمَعْنَى الْأَلَمِ الْجِبِلِّيِّ الَّذِي إذَا وَقَعَ فِي الْوُجُودِ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَنْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَلَمِ لِرَفْعِ دَرَجَاتِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «نَحْنُ الْأَنْبِيَاءَ أَشَدُّهُمْ بَلَاءً ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَذَابًا بِمَعْنَى عَذَابِ الْآخِرَةِ الَّذِي هُوَ عَذَابُ الذُّنُوبِ الْمُتَوَعَّدِ بِهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَمَا هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي قَاعِدَةِ إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا تَأَلُّمُهُمْ بِالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ عَلَى الْقَرْنِ الْمَاضِي أَنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَايَا كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ، وَالْعَذَابُ يُسْتَعَاذُ مِنْهُ وَلَا يُفْرَحُ بِهِ قَالَ الْأَصْلُ فَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي هُوَ الْفَرْقُ الصَّحِيحُ، وَيَبْقَى لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ وَتَخْطِئَةِ الرَّاوِي، وَمَا سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ كَانَ أَسْعَدَهَا وَأَوْلَاهَا، وَهَذَا كَذَلِكَ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهِلَّةُ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهِلَّةِ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ)، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَبَقِيَّةَ الْأَوْقَاتِ سَبَبًا لِوُجُوبِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِأَجْلِهِ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حِينَ تُمْسُونَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَحِينَ تُصْبِحُونَ الصُّبْحُ وَعَشِيًّا الْعَصْرُ وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظُّهْرُ، وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى سُبْحَةً وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى أَيْ صَلَاتُهَا فَالْآيَةُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، فَمَنْ عَلِمَ السَّبَبَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ لَزِمَهُ حُكْمُهُ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ لِلْقَطْعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.
وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَقَالَ الْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى حِسَابُ تَسْيِيرِ الْكَوَاكِبِ عَلَى خُرُوجِ الْهِلَالِ مِنْ الشُّعَاعِ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا مُنْضَبِطًا بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِأَنَّ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَانْتِقَالَاتِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ
…
فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدِ الْأَقْمَارُ
يُقَالَ شَارِبُ الْخَمْرِ مَفْسَدَةٌ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شَارِبُ الْخَمْرِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شُرْبُ الْخَمْرِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ فَظَهَرَ أَنَّ أَحْكَامَ الصِّفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ لِلْمَوْصُوفَاتِ وَأَحْكَامَ الْمَوْصُوفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ لِلصِّفَاتِ، وَظَهَرَ أَنَّ النَّهْيَ فِي الصَّوْمِ عَنْ الْمَوْصُوفِ وَفِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ عَنْ الصِّفَةِ، وَأَنَّ الْأَحْكَامَ عَلَى إحْدَى الْجِهَتَيْنِ لَا تَنْتَقِلُ لِلْأُخْرَى فَإِنْ قُلْت لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَهُمَا سَوَاءٌ قُلْت لَا لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ إذْ وَقَعَتْ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ تُبْرِئُ الذِّمَّةَ.
وَقَالُوا إذَا وَقَعَ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا انْعَقَدَتْ قُرْبَةً؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ مِنْ الْوَاجِبِ بِمَا لَيْسَ وَاجِبًا فَضْلًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُرْبَةً وَاجِبَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا صَلَاةٌ لَا مِنْ جِهَةِ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْغَصْبِ فَإِنْ قُلْت الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ كِلَاهُمَا قُرْبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالنَّهْيُ وَالْمَفْسَدَةُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ الزَّمَانُ فِي الصَّوْمِ وَالْمَكَانُ فِي الصَّلَاةِ فَأَنْتَ إذَنْ فَرَّعْت عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْوَصْفِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْأَصْلِ لَزِمَ ذَلِكَ فِيمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي عُقُودِ الرِّبَا أَنَّ الْوَصْفَ يَبْطُلُ وَيَصِحُّ الْأَصْلُ لِسَلَامَتِهِ عَنْ النَّهْيِ وَالْمَفْسَدَةِ فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَلْتَزِمَ مَذْهَبَهُ وَإِنْ فَرَّعْت عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فَيَلْزَمُك أَنْ تَلْتَزِمَ مَا قَالَهُ فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَبِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَإِبْطَالِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ فُرُوعِ الْحَنَابِلَةِ وَأَنْتَ لَمْ تَقُلْ بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَلَا بِذَاكَ فَكَانَ مَذْهَبُنَا مُشْكِلًا فَتَحْتَاجُ الْجَوَابَ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ وَإِنْ تُبْطِلْ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرْته بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّك إنْ اعْتَبَرْت الْأَصْلَ وَالْوَصْفَ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَزِمَك الصِّحَّةُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَإِنْ سَوَّيْت كَمَا قَالَهُ أَحْمَد لَزِمَك الْبُطْلَانُ فِيهِمَا، وَعَلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ طُولَ الدَّهْرِ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] .
وَقَالَ تَعَالَى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] أَيْ هُمَا ذُو حِسَابٍ فَلَا يَنْخَرِمُ ذَلِكَ أَبَدًا كَمَا لَا يَنْخَرِمُ حِسَابُ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الصَّيْفُ وَالشِّتَاءُ وَالرَّبِيعُ وَالْخَرِيفُ، وَالْعَوَائِدُ إذَا اسْتَمَرَّتْ أَفَادَتْ الْقَطْعَ كَمَا إذَا رَأَيْنَا شَيْخًا نَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ كَذَلِكَ بَلْ طِفْلًا لِأَجْلِ عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ جَوَّزَ الْعَقْلُ وِلَادَتَهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَمَدُ فِي خُرُوجِ الْأَهِلَّةِ مِنْ الشُّعَاعِ عَلَى حُصُولِ الْقَطْعِ بِالْحِسَابِ كَمَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْقَطْعِ بِسَبَبِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَنْصِبْ خُرُوجَ الْأَهِلَّةِ مِنْ الشُّعَاعِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ كَمَا نَصَبَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا نَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِخُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ الشُّعَاعِ فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ أَيْ خَفِيَتْ عَلَيْكُمْ رُؤْيَتُهُ فَاقْدِرُوا لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» .
قَالَ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق وَفِي الْحَدِيثَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّ الثَّانِيَ تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ. وَالثَّانِي لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ نَاسِخٌ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْهِلَالِ لَيْلَةَ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثِينَ فَإِنْ سَقَطَ لِسِتَّةِ أَسْبَاعِ سَاعَةٍ فَهُوَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَإِنْ سَقَطَ لِضِعْفِهَا فَمَا قَبْلَهَا، وَالثَّالِثُ لِابْنِ رُشْدٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يُنْظَرَ فِي الشُّهُورِ الَّتِي قَبْلَ شَعْبَانَ فَإِنْ تَوَالَى ثَلَاثَةٌ عَلَى الْكَمَالِ حُمِلَ عَلَى النَّقْضِ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ الثَّانِي قَالَ الْحَطَّابُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ اهـ.
وَقَدْ تَبِعَ عج فِي قَوْلِهِ لَا يَتَوَالَى النَّقْصُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الشُّهُورِ يَا فَطِنُ كَذَا تَوَالِي خَمْسَةٍ مُكَمِّلَةٍ هَذَا الصَّوَابُ وَسِوَاهُ أَبْطِلْهُ لِابْنِ رُشْدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا الصَّوَابُ إلَخْ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالطَّحَاوِيِّ لَا كَمَا فَهِمَ عبق وَمَحِلُّ ثُبُوتِ رَمَضَانَ بِكَمَالِ شَعْبَانَ إذَا لَمْ تَكُنْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدْ كَانَ هِلَالُ شَعْبَانَ ثَبَتَ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَجَبٍ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ لِتَكْذِيبِ الشَّاهِدَيْنِ أَوَّلًا كَمَا فِي خش، وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مِنْ أَنَّ شَهِدَ فِيهِ بِمَعْنَى حَضَرَ.
قَالَ وَالتَّقْدِيرُ فَمَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَيْ حَاضِرًا مُقِيمًا احْتِرَازًا مِنْ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَإِذَا كَانَ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ لَا بِمَعْنَى شَاهَدَ وَرَأَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى اعْتِبَارِ الْحِسَابِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحُضُورَ فِي الشَّهْرِ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالْحِسَابِ فَالْحَقُّ مِنْ تَرْدِيدِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي اعْتِبَارِ دَلَالَةِ الْحِسَابِ عَلَى خُرُوجِ الْهِلَالِ مِنْ الشُّعَاعِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ حَتَّى قَالَ سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يَتَّبِعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ نَصَبَ تَحْقِيقَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْحِسُّ دَالًّا عَلَى