الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّعْيِينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً لِلْمُكَلَّفِ وَعُذْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَهُ أَقَارِبُ أَغْنِيَاءُ وَهُوَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمْ فَيَرِثَهُ فَيَنْتَقِلَ الْمَالُ إلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِإِغْفَالِ ذَلِكَ وَتَرْكِ السُّؤَالِ عَنْهُ إذَا كَانُوا فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ عَنْهُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ فَحَصَ لَحَازَ الْمَالَ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ هَذَا، فَقَدْ يَقَعُ، وَقَدْ لَا يَقَعُ وَمِنْ ذَلِكَ تَجْوِيزُهُ لَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ جَائِعٌ يَجِبُ سَدُّ خَلَّتِهِ وَعُرْيَانُ يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَغَرِيقٌ يَجِبُ رَفْعُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَوَقَّعَاتِ.
وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ دَالَّةٌ عَلَى وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ مَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَضَابِطُ مَا لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ)
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعِبَادَةِ لَهَا مَزِيَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَا أَنْ تَكُونَ أَرْجَحَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الْمَزِيَّةُ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَلَّى الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ أَقْبَلَ فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ فَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِالصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى» فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَنْفِرُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يَهَابُهَا وَيَهَابُهُمَا فَيَكُونَانِ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا وَسِيلَتَانِ إلَيْهَا، وَالْوَسَائِلُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ وَأَيْنَ الصَّلَاةُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَالْأَذَانِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى عُمَّالِهِ أَنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ، وَلَنَا هَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَفْضَلِيَّةِ وَالْمَزِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ لِلْفَاضِلِ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَفْضُولِ، إمَّا أَنَّهُ حَصَلَ لِلْمَفْضُولِ فِي الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لَهُ خَصْلَةٌ لَيْسَتْ فِي مَجْمُوعِ الْفَاضِلِ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْفِقْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَبِمَاذَا يُجِيبُ فَيَظْهَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا «سَأَلَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ عليه السلام إلَى الْيَمَنِ بِمَ تَحْكُمُ فَقَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ لَا أَنَّهُ عليه السلام أَصْدَرَ هَذَا الْكَلَامَ مَصْدَرَ الْخَبَرِ الْجَازِمِ حَتَّى يَلْزَمَ الْحُجَّةَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ نُكْتَةٌ عَقْلِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَارَضَهَا نَصٌّ فَمَتَى عَارَضَهَا نَصٌّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّاتِ مَعَ الْأَلْفَاظِ.
وَأَمَّا أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلَا يَظْهَرُ فِي بَقَاءِ الْحَدَثِ وَصِحَّةُ الْقَوْلِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَدَثُ ارْتَفَعَ لَكَانَتْ الْجَنَابَةُ ارْتَفَعَتْ بِالتَّيَمُّمِ وَلَمَا احْتَاجَ لِلْغُسْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَنَا مَنْعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَاهُ لَكُنَّا نَقُولُ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُبَاشِرَ حَدَثًا مِنْ الْأَحْدَاثِ وَإِمَّا أَنْ يَفْرُغَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ وَتَوَابِعَهَا مِنْ النَّوَافِلِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا حِينَئِذٍ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ وَإِمَّا أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ فَيَصِيرَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَكَوْنُ الْحُكْمِ ثَابِتًا إلَى آخِرِ غَايَاتٍ كَثِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ مُمْكِنٌ مَعْقُولٌ وَثُبُوتُ الْمَنْعِ مَعَ الْإِبَاحَةِ مُسْتَحِيلٌ وَغَيْرُ مَعْقُولٍ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُسْتَحِيلُ وَالْمُمْكِنُ وَجَبَ الْعُدُولُ إلَى الْقَوْلِ بِمَا هُوَ مُمْكِنٌ سِيَّمَا وَقَدْ وَجَدْنَا مِثْلَ هَذَا الْمُمْكِنِ وَاقِعًا فِي الشَّرِيعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَفْعَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْحَدَثَ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ طَرَيَان الْحَدَثِ وَأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ مَمْنُوعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا رَافِعٌ لِهَذَا الْمَنْعِ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ أَحَدُهُمَا الطَّلَاقُ وَثَانِيهَا الْحَيْضُ وَثَالِثُهَا الصَّوْمُ وَرَابِعُهَا الْإِحْرَامُ وَخَامِسُهَا الظِّهَارُ فَمَا الْمَانِعُ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ رَفْعُ الْحَدَثِ مُغَيًّا بِإِحْدَى ثَلَاثِ غَايَاتٍ وَكَوْنُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَلِيلِينَ جِدًّا وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْحَقُّ لَا يَفُوتُ الْجُمْهُورَ غَالِبًا لَا يَقْتَضِي الْقَطْعُ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ بَلْ الْقَطْعُ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ أَمَّا جُمْهُورُهُمْ فَلَا.
وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَهُوَ مُعَارَضٌ هُنَا بِمُسْتَحِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَالظَّاهِرُ يَقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ إذَا عَارَضَهُ الْقَطْعُ فَوَجَبَ أَنْ يَقْطَعَ بِبُطْلَانِ الظُّهُورِ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا قَطَعَ بِبُطْلَانِ الْقَوْلِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ) الْمَاءُ الْمُطْلَقُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ لَازِمٍ فَيُقَالُ هَذَا مَاءٌ وَشَرِبْت مَاءً وَخَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ إمَّا بَاقِيًا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ مُتَغَيِّرًا بِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ لَهُ كَالْجَارِي عَلَى الْكِبْرِيتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُلَازِمُ الْمَاءَ فِي مَقَرِّهِ وَإِضَافَتِهِ فِي نَحْوِ مَاءِ الْبَحْرِ وَمَاءِ الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَتْ
فَقِيرٌ عِنْدَهُ ابْنَةٌ حَسْنَاءُ أَوْ تُحْفَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَ مَلِكِهَا.
وَمَجْمُوعُ مَا حَصَلَ لِلْمَلِكِ قَدْرُ مَا حَصَلَ لِذَلِكَ الْفَقِيرِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً مِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَفْضَلُ مِنْ الْجَمِيعِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْ أُبَيٍّ وَزَيْدٍ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَضَلَاهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْقِرَاءَةِ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْفَاضِلِ، وَمِنْ ذَلِكَ «قَوْلُهُ عليه السلام لِعُمَرَ مَا سَلَكَ عُمَرُ وَادِيًا وَلَا فَجًّا إلَّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ» فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ عُمَرَ وَلَا يُلَابِسُهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ «عليه السلام أَنَّهُ قَدْ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانُ الْبَارِحَةَ لِيُفْسِدَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَلَوْلَا أَنِّي تَذَكَّرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ لَرَبَطْته بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَلْعَبَ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ» فَلَمْ يَنْفِرْ الشَّيْطَانُ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام كَمَا نَفَرَ مِنْ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «أَنَّ شَيْطَانًا قَصَدَهُ عليه السلام بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِالتَّعَوُّذِ مِنْهُ» وَأَيْنَ عُمَرُ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَا يَحْصُلُ لِلْفَاضِلِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ حَصَلَ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْفَاسِ يُلْهَمُ أَحَدُهُمْ التَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُ أَحَدُنَا النَّفَسَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ لِلْبَشَرِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْحَاصِلَ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْمَزَايَا وَالْمَحَاسِنِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْمَلَائِكَةِ فَمَنْ اسْتَقْرَى هَذَا وَجَدَهُ كَثِيرًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ فَيَجِدُ فِي الشَّعِيرِ مِنْ الْخَوَاصِّ الطَّيِّبَةِ مَا لَيْسَ فِي الْبُرِّ وَفِي النُّحَاسِ مَا لَيْسَ فِي الذَّهَبِ مِنْ الْخَوَاصِّ النَّافِعَةِ بِالْإِكْحَالِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَخَرَّجَتْ الْإِقَامَةُ وَالْأَذَانُ، وَأَنَّ مِنْ خَوَاصِّهِمَا الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْهُمَا دُونَ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا وَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ..
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَيْدًا إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا وَيُقَابِلُ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ الْمَاءُ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ مَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ إلَّا بِقَيْدٍ لَازِمٍ مِنْ إضَافَةٍ أَوْ وَصْفٍ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الشِّيشَةِ وَلَهُ حُكْمُ قَيْدِهِ مِنْ طَهَارَةٍ وَخِلَافِهَا وَمِنْهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَهُوَ الَّذِي أُدِّيَتْ بِهِ طَهَارَةٌ بِأَنْ انْفَصَلَ عَنْ الْأَعْضَاءِ وَجُمِعَ فِي إنَاءٍ إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا فِي الْأَعْضَاءِ طَهُورٌ وَمُطْلَقٌ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهَا اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ فِي كَوْنِهِ صَالِحًا لِلتَّطْهِيرِ أَمْ لَا وَفِي كَوْنِهِ نَجَسًا أَمْ لَا وَفِي كَوْنِ مُلَاقِيهِ يُنَجِّسُ أَمْ لَا وَفِي كَوْنِ عَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّطْهِيرِ مُعَلَّلًا بِإِزَالَةِ الْمَانِعِ أَوْ بِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ وَثَمَرَةُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْعِلَّةِ إزَالَةَ الْمَانِعِ لَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إذَا نَوَى فِي الْأُولَى الْوُجُوبَ وَلَا الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزِيلُ الْمَانِعَ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ.
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ أَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ بِالْعَكْسِ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَفِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَلَا يَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَحْصُلْ بِهِ قُرْبَةٌ وَأَحْسَنُ مَدَارِك الْقَائِلِينَ بِإِزَالَتِهِ الْمَنْعُ وَخُرُوجُهُ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّطْهِيرِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وقَوْله تَعَالَى {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] مُطْلَقٌ فِي التَّطْهِيرِ لَا عَامٌّ فِيهِ بَلْ عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ فَلَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى أَصْلِ التَّطْهِيرِ فَإِذَا تَطَهَّرْنَا بِالْمَاءِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ فَبَقِيَتْ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِيهِ غَيْرَ مَنْطُوقٍ بِهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ فِي التَّطْهِيرِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا وَرَدَتْ الشَّرِيعَةُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّيِّدَ إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ أَخْرَجْت هَذَا الثَّوْبَ لِأُغَطِّيَكُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُغَطِّيهِمْ بِهِ مَرَّاتٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ التَّغْطِيَةِ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِذَا غَطَّاهُمْ بِهِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ وَاحْتَجُّوا مَعَ هَذَا الْمُدْرِكِ الْحَسَنِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ إنَّهُ مَاءٌ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالرَّقَبَةِ فِي الْعِتْقِ وَفِيهِ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْعِتْقِ لَا يَتِمُّ عَلَى أُصُولِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا كَافِرًا ذِمِّيًّا ثُمَّ خَرَجَ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ نَاقِصًا لِلْعَهْدِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ وَعَادَ رَقِيقًا جَازَ عِتْقُهُ فِي الْوَاجِبِ مَرَّةً أُخْرَى سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ كَمْ مِنْ عَيْنٍ فِي الشَّرِيعَةِ تُؤَدَّى بِهِ الْكَثِيرَةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالُ فِي الزَّكَاةِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ جَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ فِي الزَّكَاةِ مَرَّةً أُخْرَى وَالسَّيْفُ وَالْفَرَسُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ يُجَاهِدُ مِرَارًا وَلِلثَّوْبِ يَسْتَتِرُ بِهِ وَالْكَعْبَةُ تُسْتَقْبَلُ فِي الصَّلَاةِ مِرَارًا.
الْأَمْرُ الثَّانِي قَوْلُهُمْ إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا تَوَضَّأَ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ أَنَامِلِهِ وَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَطْرَافِ أُذُنَيْهِ» الْحَدِيثَ وَإِذَا كَانَ مَاءُ الذُّنُوبِ يَكُونُ نَجَسًا لِأَنَّ الذُّنُوبَ مَمْنُوعٌ مِنْ مُلَابَسَتِهَا شَرْعًا وَالنَّجَاسَةُ هِيَ مَنْعٌ شَرْعِيٌّ فَإِذَا حَصَلَ الْمَنْعُ حَصَلَتْ النَّجَاسَةُ وَفِيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَجْرَامِ عِنْدَ اتِّصَافِهَا بِأَعْرَاضٍ أُخَرَ وَالذُّنُوبُ لَيْسَتْ أَجْرَامًا حَتَّى تُوجِبَ التَّنْجِيسَ وَالذُّنُوبُ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ مُلَابَسَةَ الذُّنُوبِ حَرَامٌ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْنَاهَا أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ لِلْمُكَلَّفِ اخْتِيَارِيَّةٌ مُكْتَسَبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ